طارق الطيب
================================= طارق الطيب حـذاء العيـد أضع منديلاً أبيض في جيب ”شورتي“ الخلفيّ. ومنديلاً ”ميري“ في الجيب الآخَر لونه كاكي باهت. آخُذه من والدي لتلميع حذائي. عيناي تسقطان على الحذاء كُلَّ حين. يقترب منِّي عمِّي صالح فأهبط سريعًا
=================================
طارق الطيب
حـذاء العيـد
أضع منديلاً أبيض في جيب ”شورتي“ الخلفيّ. ومنديلاً ”ميري“ في الجيب الآخَر لونه كاكي باهت. آخُذه من والدي لتلميع حذائي. عيناي تسقطان على الحذاء كُلَّ حين. يقترب منِّي عمِّي صالح فأهبط سريعًا لتلميعه كي يرى بهاءه، فأسمع منه مديحًا. حذائي اخترتُه هذا العام برويَّة. حذاء لَمَّاع نعله ”كِرِبّ“، برباط عريض بألوان جميلة.
يُهنِّئُني عمِّي صالح بالعيد: ”كل عام وأنت بخير!“ يسأل عن الأهل ويدعو لي بالتوفيق والنجاح. تَفشَل المساعي في مَدح الحذاء. تَظهر عند الناصية أمّ نعيمة جارتنا المتزوِّجة حديثًا، لم أَرَ لها أطفالاً ولا أدري لماذا يُلقِّبونها يَكْنُونَها بأُمِّ نعيمة. هبوط سريع إلى الحذاء. تلميع. يُضيء ثَغْرَها من بعيد ببسمة عريضة: ”أهلاً أهلاً بِابْن الناس الطيِّبين!“ تقترب ويعلو صوتها وضحكتها المميّزة: ”سبحان الله! الخالق الناطق أبوه! حِتَّة من أبوه!“ تحتضنني وتُقَبِّل وَجنتيَّ. أنظر إلى عينيها لعلَّها ترى الحذاء. لا جَدْوَى. تسألني عن أُمِّي وتختفي من أمامي. أذهب إلى بائع البالونات والصواريخ. أبحث عن الخمسة قروش العيديَّة. سقَطتْ. بالتأكيد أثناء مسح الحذاء. أبحث مرَّاتٍ وأعود إلى الطريق نفسها، دون جدوى. تُصيبني الحسرة. ألتقي في طريقي بإبراهيم صديقي لابسًا بذلة عسكريَّة يتوسَّطها نسر نحاسي كبير، كلّ كتف ترتقيه نجمتان ونسر آخر أصغر. تُعجبني ملابسه. خصوصًا الحزام العريض على وسطه المتدلِّي منه جرابان في أحدهما مسدَّس صغير. يُفرِّجني عليه. يتحرَّك بمسمار جانبي، في فوهته ”فلينة“ مثبَّتة بخيط رفيع، يسحب المسمار الجانبي كل مرَّة بصعوبة وهو يتأوَّه ثم يُطلق المسدس. تُطرقع الفلينة في صوت عالٍ. أقول له إن ملابسه تُعجبني. يقفز فرحًا بعد أن يُريني عيدية خاله عبد المجيد: ربع جنيه كامل، ابن الَّذِينَ!. أُفكِّر في العودة إلى البيت للحصول على عيديَّة جديدة، ربَّما يكون أحد الأقارب قد حَلَّ أو اقتسم مع أُختي عيديَّتها. يتغبَّر الحذاء أثناء رَكْضي في الطريق. لا أبالي ولا أسْعَى لتلميعه.
في الشرفة تقف منال تقول: ”كل سنة وأنت طيب“ تنظر إلى حذائي. أتلكَّأ. لا أبحث عن المنديل ولا أنحني. أتلكَّأ. أمسح حذائي بسرعة في سِمَّانة كلِّ رِجْل. أتلكَّأ وأنتظر.
(ڤيينا في 30- 12- 1995)
=================================