الزمن الوغد
الزمن الوغد الحسن محمد سعيد رواية( زمن الخيانة ) للكاتبة السورية الأستاذة( راميا إسماعيل) ،ظلت عندي زمنا" ،ضمن عدد من الأعمال آلتي تنتظر الاطلاع بعشوائية الاختيار لو لا أن لفت نظري إليها،مقال الأستاذ( عامر محمد احمد حسين) الذي نشره ( اسفيريا" ) في مجلة ( كليك برس ) ،فوجدته محقا" في تناوله .. رواية ( زمن الخيانة) التي نحن بصددها ،فازت ( بجائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي والتي تنطمها شركة زين في مجال الرواية) ..وقد قامت ( شركة زين) بنشرها عام 2017 ..تولت ( دار مدارات للطباعة والنشر ) مسؤولية التصمبم والطباعة ..
الزمن الوغد
الحسن محمد سعيد
رواية( زمن الخيانة ) للكاتبة السورية الأستاذة( راميا إسماعيل) ،ظلت عندي زمنا" ،ضمن عدد من الأعمال آلتي تنتظر الاطلاع بعشوائية الاختيار لو لا أن لفت نظري إليها،مقال الأستاذ( عامر محمد احمد حسين) الذي نشره ( اسفيريا" ) في مجلة ( كليك برس ) ،فوجدته محقا" في تناوله ..
رواية ( زمن الخيانة) التي نحن بصددها ،فازت ( بجائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي والتي تنطمها شركة زين في مجال الرواية) ..وقد قامت ( شركة زين) بنشرها عام 2017 ..تولت ( دار مدارات للطباعة والنشر ) مسؤولية التصمبم والطباعة ..
لقد مزجت الرواية بين ( الحرب والحب ), للدرجة التي اشعرتنا ،كأنما( الحب ) - هذه العاطفة النبيلة - إنما هي في الواقع حالة مستترة من ( الحرب ) ،وإن اختفت فبها الدماء !! ..وبأن( الحرب ) - ذلك السلوك العنيف الرذالة ،اللا إنساني- إنما هو حالة من السفور في ( الحب البغيض ) الذي يدمر النبل في المشاعر !! ..
( عفراء ) بطلة الرواية المثقفة والفنانة التشكيلية ،والناضجة وعيا" في فهم الحياة والواقع ،ادركت من وهلتها الأولى أن( العنف ) في الثورة السورية ،أعطي النطام الدكتاتوري الباطش ما يريده ،وبنفذ منه ،لتدمير الثورة والثوار ،بكل قسوته المعهودة ،ومن ثم وعت من لحظتها الباكرة ،أن الثورة فشلت ،ولن تحقق شيئا" من شعارات الحرية والديمقراطية..وأن( سوريا ) معشوقتها الأزلية،ستدمر ،وينتهي كل ما هو جميل ،إلى ضياع وتشريد !! ..
المزج في هذه الرواية الرائعة بين ( الحرب والحب ) كان باهرا" في شخصية ( عفراء ) ،التي أحبت زوجها ( آدم) ،والذي تجسد فيه ( حب الوطن) ، بيد أنه خانها في( باريس ) ،وفق رؤيتها ومنظورها الدلالي الذي تجسد فيه المفاهيم التي تؤمن بها،فهجرته عائدة إلى وطنها( سوريا ) ،بحثا" عن الدفء والصدق !!..
عاشت مع الثوار نضالهم ،ولكن من منظورها الذي يخالفهم في وسيلة النضال ..فكانت ترى أن( السلمية ) هي الأداة النضالية الناجعة والصادقة ،التي ستقود حتما" إلى ( الحرية ) وبالضرورة إلى( الديمقراطية ) ..
كانت تلك الرؤيا في اهمية( سلمية الثورة ) ،هي التي قادت الي خلافها المنهجي مع الثوار الذين اختاروا حمل السلاح في مواجهة النظام ،وكان - في رأيها ايصا" - سببا" للتدخلات الأجنبية ذات الغرض ،وبذلك فقدت الثورة ( بوصلتها الهادية إلى بر الأمان) في النضال ..
زغم هجرها لزوجها ( آدم) وابتعادها عنه ،لكنها ظلت اخلاقا" والتزاما" ترعى حبه الذي مازجت بينه وبين حب الوطن ،فلم تستسلم لمحاولات ( ساهر ) الذي عشفها بجنون ،لأنها وجدت في ذلك العشق تدميرا" للقبم التي آمنت بها ،وطلت تدافع عنها ..ففد كان ( ساهر) ابن طبقة غنية ،ميسورة الحال ..كل شيئ في متناول يده : زوجة جميلة ،ابناء ،عشيقات من كل صنف ولون ،ابن لرجل يقود عشيرة وقبيلة كبيرة ،يقول فيطاع ..حياة تقليدية لا رأي فيها الا للكبير !! ..وهذا ربما كان الدافع الحقيقي ليقود ( ساهر ) إلى التمرد على طبقته و يقف مع الثوار ..ومع حمل السلاح ضد النظام!! ..وهنا يتجلى الخلط والتداخل بين ( الحرب والحب ) ..الأمر الذي يجعل ( عفراء) ترفض عشقه المدمر..والرمز هنا يقود إلى الدلالة في ( الرفض ) الذي يعني ( رفض ) تدمير الحياة في ( سوريا ) ..
( حسن ) أحد ابطال الرواية ،هو صديق ( عفراء) .. شاب تعلو عنده قيّم البراءة والصدق ..يسعى للهجرة طلبا" للمزيد من العلم ،هذا من ناحية ،ومن ناحبة أخرى يجاهد للهروب من علاقته الآثمة مع ( ناهد ) المنحلة اخلاقيا ،وعلى النقيض من سلوكيات ( عفراء) ،رغم الصداقة بينهما !! ..
في محاولة الهروب يقبض عليه ،ويجبر على التجنيد قهرا" ،في جيش الحكومة الرسمي ،رغما" عن إرادته وطموحه واشواقه ،فيموت مقهورا" برصاص ( الحرب ) الذي لا يفرق بين الأنقياء والأنذال ،في ( زمن الخيانة) ..وبموته تفقد ( عفراء) أنبل الأصدقاء وانقاهم ،واكثرهم وضاء" وضوءا" وجلالا" ..
وتقابل ( الحرب ) هنا مع ( الحب ) بتخذ وضعا" مأساويا" ،تتداخل فيه الخيوط ،وتضيع معالم الطريق السوية ،داخل ( عفراء) ،التي ما فتأت تبحث عن نور ،يخرجها والمفاهيم التي تحملها عن الوطن من تلك ( الظلمة ) ،وقد غشته وأطبقت عليه ..
( ناهد ) نموذج آخر من البشر في زمن الثورة ..فتاة باذخة الجمال،ولكنها من اسرة فقيرة ومعدمة ..
جمالها كان ( جسرها ) إلى دنيا المال والسطوة ..قبلت بإصرار،ان تتزوج من رجل يكبرها بعمر مديد ،غير أنه صاحب مال وسلطان ..تحدت اهلها عنوة وعنادا" وتزوجته ..وفي المقابل كانت كريمة معهم ،فاصمتت الافواه ،وتوارت الانتقادات !!.
زوجها أعطاها كل شيئ ،الا إشباع غريزتها الفطربة بين الرجل والمرأة..وكان موضوعيا" مع قدراته الجسدية ،فتركها دون إفصاح ،لتبحث عن الذي يشبع فيها تلك الغريزة !! ..وهي بهذا الاتفاق الضمني والصامت ،شرعت تتنقل بين العشاق،،حتى عثرت على الفتى( حسن) الذي كان كربما" بدوره فاعطاها شبابه الفتي ،وعنفوانه الفوار ،فاشبعها من نبعه ،لتنيخ بعيرها عند مورده ..
كانت سافرة في وضوحها ،بعلاقتها مع زوجها ..ففي حوار مع ( عفراء) صديقتها ،عندما سألتها سؤالا" مباشرا : لماذا تزوجت من ذلك الرجل طالما أنه لن يعطبك السعادة ? .اجابت :
- من قال إنه لا بمنحني السعادة ..هل تعتقدين بأن البؤس الذي كنت اعيشه مع أسرتي،او المصير الذي ارادوه لي مع رجل فقير لا يملك إلا قوت يومه سيجلب لي السعادة..الحياة معركة علينا ان نخوضها،وإن نجد فيها ما يخلصنا من بؤس المصير،مهما كان حجم التنازلات التي نقدمها ...
بهذه الكلمات امتلكت ( ناهد ) مصيرها وارتضت به ،وعاشت دنيا عشقها مع ( حسن) وبه ..ولكن ذاك الفتى كان له قول آخر..فقد لفظ ذلك العشق المجنون هروبا" لموانيء أخرى اكثر صحوا" وأوسع افقا" !! ..ولكن قدره التعيس شاء له مصيرا" أكثر قسوة واظلم مآلا" .فترك الدنيا مبكيا" على شبابه وشباب وطن ..
كان ( حسن ) يؤمن مع ( عفراء) بسلمية الثورة ،وضرورة النضال بأدوات أخرى،غير السلاح ..وفي هذا الإتجاه تكون المفارقة ان يجبر ذاك الفتى،ليكون قسرا ضمن جنود الحكومة،فتقتله رصاصة الثوار وهو يحمل تمردهم وغاياتهم .. كان في الواقع منهم ،ولكن بمنهج اخر !! ..
وبغياب ( حسن) أصبحت حياة( ناهد ) جحبما" لا يطاق ،إذ لم تجد عاشقا" من العشاق يحل محله،وهو إبن الثورة الحقيقية وجوهرها الذي أضاعته حماقة التعصب ،وغياب الحكمة في ( زمن الخيانة ) ..فلم يبق أمام( ناهد) إلا الانتحار ،ولكنها تنجو منه في لحظة قدرية لم تتوقعها ،فاضحت معلقة في وجود بلا طعم ،وقد تركها زوجها الثري هربا من جحيم ( سوريا ) ،وبذلك خسرت كل شيئ!! ..
تظل ( عفراء) على وفائها لزوجها ( آدم) في دلالة موحية ،ربطت فيها الكاتبة في الرواية بين حبها له وحبها للوطن ..غير ان ( زمن الخيانة ) لا يتركها ،إذ تعرف في لحظة عرضية غير متوقعة ومع اشتداد المعركة بين النظام والثوار ان ( آدم) جاء إلى الوطن ،وتجاهلها ولم يسأل عنها ،مع أنه كان يزور والدتها من اجل ابنته ( جنين) ..وبهذه المعلومة الماحقة ،مات الوطن في اعماقها وهو الرمز العميق الذي جسدته الأستاذة( راميا إسماعيل) في هذه الرواية المدهشة ..
وكانت الإشارة إلى عودة ( ساهر) اليها بعشقه الملحاح الذي طفق يلاحقها به دون كلل ،قد جسدته الرواية في هذا الحوار صفحة 210 :
همس بشجون وحنين :
- حبيبتي لن اتركك ما حييت
ومن بين شفتيه كان يلفظ الكلمة التي طالما رددها أيام الانتظار:
- أنا أحبك يا امرأة..احبك ..أحبك..
استسلمت باذعان وخديعة وترددت في اعماقها كلمات :
- ويحك ايها الحب الا تريد أن تموت ..
ارادت أن تخون حبيبها بكل روحها وعقلها وجسدها ..
بهذا الحوار الرامز سقطت ( سوريا) الحبيبة في ( زمن الخيانة ) !! ..
إنه الزمن الوغد