رواية

رواية "زمن الخيانة" للروائية راميا اسماعيل واقعية سردية وخطاب مغاير.. عامر محمد احمد حسين كاتب وناقد أدبي إندلعت شرارة الربيع العربي بحريق التونسي محمد البوعزيزي معلنة القطيعة مع أنظمة إستبدادية طال مكوثها في السلطة تحت لواء الدولة الوطنية , الخارجة من الإستعمار دون إدراك أهمية بناء الدولة كي تقي الجميع ما رأيناه من تجاذبات سياسية ومجتمعية وثقافية وعنف في دول الربيع العربي ولعل مأساة سورية تقف شاهداً على الشاهد المطالب بالحرية وضحية هذه المطالبة وظل سؤال الربيع على مستوى السرد مطروحاً إذ أن شرارة البوعزيزي أطلقت في حياة الأدب الروائي العربي،سؤال الوجود،الهوية والحاضر والماضي والمستقبل.

رواية

رواية "زمن الخيانة" للروائية راميا اسماعيل

واقعية سردية وخطاب مغاير..

 

عامر محمد احمد حسين

كاتب وناقد أدبي

إندلعت شرارة الربيع العربي بحريق التونسي محمد البوعزيزي معلنة القطيعة مع أنظمة إستبدادية طال مكوثها في السلطة تحت لواء الدولة الوطنية , الخارجة من الإستعمار دون إدراك أهمية بناء الدولة كي تقي الجميع ما رأيناه من تجاذبات سياسية ومجتمعية وثقافية وعنف في دول الربيع العربي ولعل مأساة سورية تقف شاهداً على الشاهد المطالب بالحرية وضحية هذه المطالبة وظل سؤال الربيع على مستوى السرد مطروحاً إذ أن شرارة البوعزيزي أطلقت في حياة الأدب الروائي العربي،سؤال الوجود،الهوية والحاضر والماضي والمستقبل.

زمن الخيانة

فازت رواية "زمن الخيانة" للروائية السورية "راميا اسماعيل " بجائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي "الدورة السابعة" وتقع الرواية في "214" من القطع المتوسط و غلافها لوحة تشكيلية متعددة الألوان توحي بالحزن والأمل,كإنعكاس لأحداث الرواية ,والأمل الذي لا يظهر الا في ختام الرواية , بنجاة_البطلة_ من حادث انفجار والرواية التي أطلق عليها الأستاذ الناقد مجذوب عيدروس_رواية الحب والحرب ، هي بحق رواية الحب والحرب والعشق والجنون واللامبالاة ,المعارضة في معناها السياسي والفكري ,واللا معارضة ,في معناها الأشمل كمرادف للسلبية والقنوط والرفض للمسير المضاد للأحلام والأماني وخطاب واهداف وحروبات داخلية سياسية وإجتماعية وآلية قمع تقع على مصير الفرد والمجتمع حتى تدمي روحه و مستقبله بين رجاء وإنتظار أمل وخيبة مسعى. وزمن الخيانة,هو,عصر,ووقت وتوقيت موسم الخيانة,وكذلك الزمن الذي يقود الماضي والحاضر اوالآتي والمستقبل,ونجده زمناً شرساً في حبه وحياة عشقه وتاريخ سورية في ماضيها السياسي ما بعد الإستقلال وتاريخ الحراك الشعبي الأخير الذي تدور كل أحداث الرواية وكذلك حيوات أبطالها على ضوئه الشاسع المساحة فى عنفه والضيق الروح فى قراءة متغيرات الشارع السورى عقب بداية الربيع العربى "وهو ربيع تحول زمهرير من الخوف والترقب فى سبيل الخلاص .ويقول "فرنان برودل " المؤرخ والمفكر الفرنسى فى كتابه "الحضارة المادية والاقتصاد والرأسمالية ،من القرن الخامس عشر حتى القرن الثامن عشر" فكأن زمن العالم بنية علوية تبرز فوق التاريخ العام وبنية علوية تولدت عن القوى التي تعمل من تحتها وأرتكنت عليها , ثم أثرت بثقلها على القاعدة هذا التأثير المزدوج الذي يتجه من أسفل الى أعلى ثم من أعلى الى أسفل تغيرت شدته من منطقة الى منطقة ومن عصر الى عصر وظهر هذا التفاوت واضحاً حتى فى البلاد المتقدمة إقتصادياً وإجتماعياً فلم يستوي زمن كل شيء على مستوى واحد "(1)

وهذا الزمن المتصاعدة نيرانه في سماء الربيع في رواية "زمن الحياة" يتحدى به الروائي المغربي الفرنسي "الطاهر بنجلون " في كتابه "الشرارة ويليها بالنار" إذ يشير بأن "الواقع المأزوم فى دول الربيع يأتى من نضجه ، لقد خرج الناس الى الشارع بطريقة عفوية وأصروا على المضي حتى النهاية من دون ان يأتمروا بأوامر اي قائد او زعيم حزب او حركة دينية هنا يكمن الإنتصار"(2)

هذا الإنتصار في ظاهره يوازيه الإنكسار والضيق في باطن سرد زمن الخيانة "إمتزج هم الوطن بهموم الجميع ليدخل كل بيت , حتى من ظن بأن السير خلف الحائط سيحميه من الويلات باتت الخيانة مفردة المراحل الصعبة ,الكلمة التي يتبادلها الصغير والكبير فإما تخون وطنك أو شعبك أو تخون الثورة ولا يستطيع أي أحد بينهم أن يثبت براءته من جريمته المريبة التي إرتكبها كل يوم من أيام الصمت الطويل "_ "رواية زمن الخيانة"_ فإذا كانت الشرارة ثم تليها النار في قراءة الروائي بنجلون لظاهر ومظاهر الربيع فإن القاتل والمقتول , الثوري والصامت عن الثورة , الحاكم والمحكوم لا أحد يطلب البراءة من جريمته بالخيانة أو الصمت أو الإستخدام المفرط للعنف هذه اللوحة السردية الحزينة ترسم مصائر شخصيات الرواية ومصير وطن بدأت فيه الشرارة ولم تنتهي النار من مهمتها بعد.
ازمة انسان

يقول الدكتور" شكري عزيز الماضي " في كتابه أنماط الرواية العربية الجديدة (أن الرواية الجديدة تعبير فني عن حدة الأزمات المصيرية التي تواجه الإنسان فالذات المبدعة تحس غموضاً يعتري الواقع ومجراه كما تشعر بأن الذات الإنسانية مهددة بالذوبان أو التلاشي وفي ظل تفتت القيم وإهتزاز الثوابت وتمزق المباديء والمقولات وتشتت الذات الجماعية وحيرة الذات الفردية وغموض الزمن الراهن والآتي وتشظي المنطق المألوف والمعتاد) (3)

وتقف رواية زمن الخيانة على سرد تشتت ذات جماعية وحيرة ذات فردية بين ما تمور به ارض سورية من إضطراب وحيرة تمثلها البطلة عفراء كفرد فقد الحبيب وأمان الوطن وتنقسم هذه الذات المتشظية الى شظايا كل شظية تجر أخرى "أدركت عفراء تلك المرأة المهجورة بأن الازمة  الخانقة التي تعيشها ويعيشها الوطن لم تكن إلا حصاد الكبت والقهر ورغبة في العصيان على حالة الإنتظار في مساحات الظلام والظلم وسط صراع مع القيم القديمة التي لم تعد تناسب شعبا أبيا وشوق لقيم جديدة"_"رواية زمن الخيانة"

سردية شعرية

تميزت رواية "زمن الخيانة" بلغة سردية شعرية عميقة  بلغة الفكر وعميق الرؤية مع لغة بسيطة في إستكشاف الشارع ومعايشته ونقل أحلامه وتطلعاته ،عثراته، ونجاحاته ،والخيبات، التي تلفها الأخطاء بغطاء ترك الجرح على ما هو عليه عسى الأيام تعالجه. وروح الثورة التي تحكمت في السياق السردي لم تكن عائقا لهذه الشعرية السردية ورهانات الراوي العليم على خبرته وثقافته وفكره وذات جبلت على النقد مع عاطفة انثوية لم يترك لها التخييل صورة ألا أنزلتها على الواقع ولعل من نافلة القول رفض تحكم الذات الساردة بذوات النص في ذهاب وإياب السرد نحو تقمص روح الخلاص وهي روح تطل باصرة نحو المجهول والمستقبل . ونجدها في مفتتح الرواية شاخصة وآضحة بين "ساهر وعفراء" ومحورها الأبدي في تصور قصة الحب الحقيقية بين "عفراء وادم"  (كان يعلم بأن كل ما تصبو اليه هو أن تقتل ما تبقى من روحها لم يستطع أن يرفض رغبتها في خوض هذه الجريمة رغم أنها ستكرهه لاحقا على قدر حبها لذلك الرجل البعيد الذي حدثته عنها طويلا"_رواية زمن الخيانة والاشارة هنا الى الحبيب الزوج_أدم ورمزية الإسم أدم وغيابه في غربته التي رفضتها عفراء فعادت الى الوطن هذه الرمزية تقابلها "حواء" اشارة ذكية لعلاقة أدم وحواء ترتبط بالزواج وتفترق ليبقى الحب منتصراً ومنتظراً ضد كل "ساهر".  لم يخرج نص رواية زمن الخيانة من بوتقة الرواية الواقعية في منفى الواقع الماثل وتجليات عنفه في علاقات التأزم بواقع مأزوم أصلاً في دولة ما بعد الإستقلال، والإشارة لسورية وأزمة نخبة تقود عجلة السرد في الرواية وعجلة الحياة في تشخيص أزمة وطن ، وتتابع تاريخه الدامي وراهن دمه المسفوح ورائحة صديد رصاص الإقتتال الداخلي وتحول الثورة "اجهش بالبكاء كطفل صغير على الرغم من هول الحدث حاولت عفراء أن تهدي "أحمد وقد كانت تعلم أنه يفكر بالإلتحاق بالجناح المسلح الذي أعلن جهاراً بما سمي الجيش الحر لم يكن يخفي تأييده لحمل السلاح من بداية العراك..أحمد علينا أن نحافظ على سلمية الثورة لا يمكن أن نقاوم بالسلاح وذلك لن يجلب إلا الدمار والمزيد من القتل صرخ بلوعة "عفراء بالله كفيأن من يحمل السلاح يحاول أن يدافع عن نفسه هم يعرفون أن الإستبداد لن يسقط بغصن زيتون لن نستعيد حقاً إلا بالقوة"

يقول الناقد المغربي" سعيد يقطين" في كتابه تحليل الخطاب الروائي_الزمن_السرد_التبئير "لكن جرارد جنت وعلى غرار تودروف يرى أن الحكي بمعنى الخطاب هو وجه الذي يمكننا دراسته وتحليله نصياً" وذلك لسبب بسيط هو ان القصة والسرد لا يمكن أن يوجدا إلا مع الحكي وكذلك الحكي أو الخطاب السردي لا يمكن أن يتم إلا من خلال حكيه قصة وإلا فليس سردياً أن الخطاب سردي بسبب علاقته بالقصة التي يحكي وبسبب علاقة السرد الذي يرسله .( 4)

 لم يكن الخطاب متحكماً بصورة تخفي الشكل الفني لرواية زمن الخيانة إذ إستخدم الراوي العليم _ الساردة. خاصية الإسترجاع "الفلاش باك" في بداية الحكي من لحظة" حملها ساهر بين ذراعيه_على رغم أنها ستكرهه لاحقاً" ومن ثم يأتي التسلسل الزمني بدخول شخصيات على مسرح الحدث بجامع الإشتراك في الثورة أو الوقوف حياداً يتحكم في ذلك علاقات شخصية أن وجدت بين أبطال زمن الخيانة تحت ضغط راهن عنف لا يرحم المشترك فيه والمحايد و رهان بالنجاح والخلاص من متسبب في العنف وغياب وتغييب الحرية.

 ويقول" الدكتور حميد لحمداني" في كتابه "بنية النص السردي من منظور النص الأدبي" الرواية الدرامية: وتتوازن فيها قيمة الشخصية بقيمة الحدث بحيث تقوم الحبكة على أساسها معاً كما أن عنصر التوتر أساسي فيها والشخصيات فعالة بحيث ينشأ عن ذلك دائماً عنصر التوقع والأحداث في الرواية الدرامية التي تعتمد بشكل صارم على قانون الحدث ورواية الشخصية .(5)

شخصيات الرواية

ظلت شخصية عفراء تمثل في الرواية من بدايتها الى نهايتها محور الأحداث وكل الشخصيات تدور في فلكها فهي التي تتقاطع عند شخصيتها بنية السرد كلها والفكرة والخطاب في تجلياتها فهي الساردة والراوي العليم كما أنها من تتحكم في الرآي داخل المتن الحكائي دون أن تشوش هذه الشخصية بكل هذا الثقل على القاريء أو تجعله يقرأ فقط فصول البطلة الواحدة فقد برعت الكاتبة بالتحكم في خيوط السرد وحركة الشخوص " عبرت خيال عفراء قصة الجدة عن تلك القرية البعيدة التي ينتهي بها الطريق في جبال الساحل قرية تستلقي مسترخية على السفح النائي لم تطلها يد الحضارة_كانت عفراء تطوق للعودة الى عذرية العالم التي ضيعتها حيث كان والدها يحدثها عن شيطنته_مر زمن على رحيلها واعتزالها الحياة في صمت تغوص فيه الى أعماقها لتبحث عن الدفء والسكينة_قصة الحب الطويلة التي عاشتها معه إنتهت ككل قصص العشق التقليدية بالزواج وطفلة بهية"_رواية زمن الخيانة- هذه الشخصية المحورية تجد ظلالها على كل أركان السرد في الرواية. أحياناً تمثل عاشقة يخونها تقديرها مواقفها مع الحبيب فتتراجع تنكسر ولكن بكبرياء وحفاظ على مسافة بينها وحبيب ترفض أن يبتعد عنها وتبتعد عنه مع الحفاظ على حبه "وأخر يلاحقها بحبه ولكنها لا تنكسر. وأحياناً تمثل سورية عقلها الرافض للعنف والتغيير الثوري وأخرى تراها تحتضن لأصدقاء الثوار وينعكس على خياراتها كلها بما فيها خيار خيانة أدم وسط إضطراب الروح والحياة على أرض الوطن. " ساهر بدأ اسمه يتردد في مساحات فكره المضطرب كان رجل لا تنساه الذاكرة عصياً وقلق على عكس أدم الذي كان رغم تناقضاته رجل واضحاً وديعاً يتمسك بواقعيته التي تتناقض مع أحلامه التي تبني عروشاً على الشمس"_رواية زمن الخيانة.

ضوء عفراء الباهر إنعكس على الأصدقاء من ساهر الى حسن الى جاد الى أحمد مروراً بناهد التي تمثل معكوس عفراء في العلاقة مع قيم المجتمع وحالة الوطن المضطرب "كانت تعيش لذاتها فقط " ناهد امرأة لهذا الزمن تتمتع بحدة الذكاء وجمال أخاذ وطموح لا ينتهي بالمال والثروة والنفوذ لذلك كان زواجها يمثل كل ما تحلم به , لم تتردد بأن تحارب العالم للزواج بذاك الرجل_لكنها على الرغم من السلطان والثروة كانت تعيش وحيدة في قصر من البلور والكرستال تجوب الطرقات بسيارتها الفاخرة تسليها نظرات الحاسدين والحاقدين من العامة التي كانت يوماً ما منهم " رواية زمن الخيانة "

يقول الدكتور سعيد يقطين في كتابه "انفتاح النص الروا ئي_النص والسياق" "في إطار بنيات ثقافية وإجتماعية محددة : يكتب النص في زمن تاريخي ويتحدد هذا الزمن أولاً بسياق إجتماعي وثقافي محددين ولا يمكن لإنتاج الكاتب النصي أن يكون خارجاً عن هذا السياق الذي  يتفاعل معه إيجاباً وسلباً"(6)

لم تخرج رواية زمن الخيانة من راهن سورية الثورة والحراك الجماهيري والسلطة المضادة والعنف ومصائر اشخاص كان للسياق الإجتماعي والثقافي دورهما في هذه المصائر المختارة طوعاً أو النازلة قهراً من إضطراب وفوضى حلت بالمجتمع المطالب بحريته وظل سؤال الثورة مفتوحاً، في النص وبموازاة ذلك نجد صورة ناهد الغائبة عن مجتمعها والمنسلخة عنه بحثاً عن حياة بعيدة عن الفقر ، وتنجح في صراع الثروة والسلطة والنفوذ وتفشل في الحب ثم تدور في دائرة الخيانة حتى تكتمل ذاتها المضطربة وتتقلص مساحات هذه الذاتة المضطربة لدى الحبيب فيهجرها بحثاً عن هجرة دائمة ولكن يقع في أثر التجنيد والدخول في حرب قسراً كان يرفضها ويقف على الحياد ويحاول الهروب ولكنه يقع ضحية أخرى بالمشاركة من الطرف النقيض لقناعاته والمتسبب في محاولته الهجرة فيذهب ضحية هجوم مسلح " ألم تغير رأيك؟ لا زلت مصمماً على الرحيل؟" " نظر حسن اليها وهو يتمنى ان يجيبها كما تنتظر ولكن قراره بالسفر كان نهائيا"_وناهد ستتركها أنها تتألم_ كان مجروحاً ويشعر بأنها تخلى عنها ولكنه لم يكن قادراً على متابعة الكذب على نفسه_كلاهما "عفراء وحسن" يعرف أن ناهد وحسن مختلفان ولكن الحب ذلك النهر الذي يجري في مساحات الإختلاف ويقرب البعيد_هي إنسانة متصالحة مع نفسها ومع طريقتها في الحياة امرأة دنجوانية تطير كفراشة في حقل زهور"_ رواية زمن الخيانة".

الخطاب

يرى الكاتب العراقي "على حسين يوسف" أن النص المثقف هو النص الذي يستشعر هموم الإنسانية ولا يتنافى مع مبادئها ورواية زمن الخيانة نص مثقف بإمتياز" مع الخطاب يصطحب هذه الهموم وعذابات سورية ويضيف بخطاب التنقيب بالتاريخ الوطني والسياسي لهذا البلد المجروح والمأزوم والمتشظي على كل صفحات الرواية ومتخيلها سردياً للقاريء عبر أبطالها ومصائرهم.

يقول الكاتب "توين فاين دايك" في كتابه "الخطاب والسلطة" أن الخطاب لا يحلل بوصفه نصاً مستقلاً بذاته فحسب بل بوصفه كذلك تفاعلاً موقفياً أو ممارسة إجتماعية أو نوعاً من التواصل في موقف إجتماعي أو ثقافي أو تاريخي أو سياسي محدد. وتفيد دراسات الخطاب ودراسات الخطابات النقدية في مناهج كثيرة ومتعددة للملاحظة والتحليل والإستراتيجيات الأخرى كجمع البيانات أو دراستها أو تقويمها لإختيار الفرضيات وإكتساب المعرفة في فهم الخطاب وتحليله.(7)

 بينما يرى (نورمان فيركلف) في كتابه "الخطاب والتغير الاجتماعي " (من الممكن تقسيم المداخل المستقصاه الى مجموعتين وفقاً لطبيعة توجهها الإجتماعي الى الخطاب مميزاً بين المداخل غير النقدية والمداخل النقدية ولكن مثل هذا التقسيم مطلقاً فالمداخل النقدية تختلف عن المداخل غير النقدية في أنها لا تقتصر على وصف الممارسات الخطابية بل تبين أيضا كيف يتشكل الخطاب بفعل علاقات السلطة والأيدلوجيات والأثار البناءة للخطاب في الهويات الإجتماعية والعلاقات الإجتماعية والمعرفة) (8)

خطاب و سياسة

(أنهى جاد حكمه الذي بلغ أربعة عشر عاماً من زمن الخيانة وبدأ حياة بعيدة كل البعد عن أيام الشباب اعتزل العمل السياسي ورفاق النضال)

(في الطريق الى منزل جاد , وصف لها "حسن" ذلك المناضل بالرجل الحكيم)_رواية زمن الخيانة)

كانت السياسة في إرتباطها سردياً بالوطن حاضرة , بل تكاد هذه الرواية تمثل رواية رفض لكل الانظمة المتعاقبة على حكم سورية , ولم تترك ثورة نظام العراق و ثورة مصر وثورة الياسمين في تونس بعيدة عن مصير الشعب فى سوريا والعراق ومصر وعلاقاته مع أنظمة الأستبداد ،ومنفى الداخل بالسجن "لجاد "وطن منفى فى الداخل و الخارج "لعفراء" وإلهام" فى باريس و"ساهر البكرى" فى القاهرة _والفوضى والإضطراب النفسي التى رسمتها الرواية لشخوص مسرح السرد لم تنفصل فى إرتباطها والوثيق مع مصير الوطن وفوضاه المرسومة بريشة العنف والموت وإنتظار الموت.تقول المفكرة الألمانية الراحلة  "حنة آرندت فى كتابها أسس التوتاليتارية" "إنه من الخطأ الأفدح أن يسئ المرء بحجة هذا التزعزع أن الأنظمة التوتاليتارية أيا كان أمد سلطانهم والقادة التوتاليتاريين طالما بقوا على قيد الحياة أن هؤلاء "يبسطون سلطانهم مستندين الى الجماهير حتى النهاية "(9). ولعلها قراءة لمآلات ثورة "زمن الخيانة " "بعد الاستقلال تتالت الانقلابات العسكرية الى ان استقر الحكم بيد العسكر والحزب الواحد لم يكن الحزب بريئا مثل كل من حكم قبله من الاغتيالات والاعتقالات والرغبة المستميته بالانفراد بالسلطة " "رواية زمن الخيانة ".

لقد إستمرت سياسة الاقصاء فى الخارطة السياسية فى الدولة الوطنية تتجدد مع الأنظمة المتعاقبة ،ولعل سؤال الحرية كان طويل الكلمات من تطبيقه حقيقة على الواقع وقليل الحروف عند الأنظمة المستبدة .

يقول الكاتب الفرنسى الراحل "ميشيل سورا"فى كتابه "سورية المتوحشة " "فالأحزاب السياسية المحسوبة على اليسار التى تطالب فى بياناتها من ناحيتها بأستعادة الحريات الديمقراطية وإطلاق سراح السجناء السياسيين "التقدميين تطالب أيضا بزيادة العنف الثورى " (10).هذه الصورة التى ينقلها الراحل "سورا"كأنها اليوم تطل من شاشة قناة فضائية هى صورة قديمة قد تعود الى سبعينيات القرن الماضى أو ثمانينياته،ولكنها تبدو كأنها اليوم ،مايعطى صورة متكاملة لصراع قديم زاده الكبت السياسى فأستطال الى حرب أهلية "ضاع الشعب فى دوامة البقاء تحت أسوا ظروف وحصار أقتصادى وسياسي عالمى ،عندما بدأ ينتفض من الفقر والتهميش كانت أدوات القمع جاهزة" _رواية زمن الخيانة "

يقول القيادي السورى الراحل "منيف الرزار"فى كتابه "التجربة المرة" "على رغم  كل الذى عرفناه عن هذه التجربة التى قامت بحركة 23 شباط وبلوناه، فإن تصورنا لم يبلغ أبداً حدود التردي التى وصل إليها الحكم بعد "23"شباط، كنا نقدر أن حكماً عسكرياً صرفاً سوف يقوم يستعمل إسم الحزب واجهة وستاراً كنا نقدر أن الروح الأنفصالية سوف تسود كنا نقدر أن كل معنى من معانى الحرية سينخر وكنا نقدر أيضاَ أن التناقضات بين هؤلاء العسكريين الذين جمع بينهم تحالف مشبوه سوف تتعمق وتزداد ولكن المدى الذى وصل إليه كل هذا كان أبعد من تقديراتنا جميعاً"(11).هذه القراءة لمنيف الرزاز " تقابلها رؤية مغايرة لاحد قادة الأنقلاب وضحاياه .يقول اللواء "محمد عمران "فى كتابه "تجربتي فى الثورة " "والواقع فإن مشكلة الثورة فى الثقافة العربية ،قد عانت هى كذلك ماعانته ،ثورة العقائد والأخلاق من عفوية ولامبالاة وركود خطير تحت سطح الحركات الثورية الظاهرية ،فأنصفت حركات النهضة وذرواتها من الثورات السياسية المتلاحقة بشبه أمية بالفكر السياسي عامة وبالواقع الذى تثور عليه وبالمحيط الحضارى المعاصر الذى تعيش بين تياراته وتخضع لإيقاع صراعاته العقلية وضغوط محاوره السياسية". ""ويضيف محمد عمران ""إن عدم قيام تنظيم موضوعى يتبع أصول الديمقراطية الحقيقية داخل الحزب،جعل التغييرات فى مؤسساته تتبع دائماً أنواعاً من المؤامرات التى تحاك بإلهام من أعلى القيادات لتعديل قوى التوازن الداخلية(12).تسطع قراءة "منيف الرزاز "فى موازاة قراءة الجنرال عمران"فى إستدراج صورة التاريخ السياسى سردياً فى "زمن الخيانة" "بعد إنتفاضة الشعب الأولى فى الثمانينيات تلك الحقبة المطمورة التى لم توثقها إلا ذاكرة شعب يأكل لحم الجمل ولاينسي ،ظلت تلك القصص تشبه كل قصص الحكوانى الذى يمجد الزير ويعلو تصفيق الجماهير لأن "سالم لايصالح".

ماوراء الخطاب   

يقول الناقد الجزائرى "بلحيا الطاهر" فى كتابه "الرواية العربية الجديدة _من الميثولوجيا الى مابعد الحداثة" _جذور السرد العربي ""لقد بات من المؤكد فى أزمنتنا المتأخرة بان الرواية العربية تتقبل مختلف الأبنية ،وتتشرب مختلف الأنساق الجمالية كتلك التى يطرحها المنظرون المعاصرون ،سواء بخصوص الحداثة أو مابعد الحداثة كما أنها نجحت فى إختراق هذه العوالم الحداثية من خلال تطويرها لأدواتها الفنية وتطويعها لجماليات لغتها وخاصة منها تلك اللغة السردية الراقية"(13)

إتسمت اللغة الساردة فى رواية "زمن الخيانة "بشعرية عالية مع لغة متصلة بثقافة واضحة ولها أبعادها فى الحفر عميقاً فى بنية الحكى ، وأختيار الشخوص فى راهن سرد الرواية ،تم ببراعة ،وبهندسة حركتهم ،مما يشى بان الرواية لم تكتب كما أتفق كحال سرديات عديدة فى متواليات الإنفجار الروائى .دخلت الرواية الإستحكامات السياسية ورغم تأثير الحدث السياسي فى مجمل سرديات الرواية إلا أن السرد كان بعيداً عن الخطاب السياسى المباشر ونجده فى بعض الروايات  الأخرى أحياناً يصل مرحلة "فجة "أقرب للمنشور.

مصائر أبطال الرواية لم تخرج من مصير الوطن السورى المنكوب .إلا أن نجاة "عفراء من الإنفجار الأخير تمثل الأمل فى الخروج من نفق مظلم "همست بصوتها البرئ والقلق "ماما هل انت بخير"

إبتسمت عفراء بحنان ياالله لم أمت بعد هزت رأسها بحنان ،لازال للعمر بقية.

خلاصة

*كان السرد محكماً واللغة مفعمة بالحرية

*هندسة السرد تعطى إشارة على مقدرة هائلة للكاتبة فى تتبع حركة الشخوص داخل الرواية وتحريكهم

*اللغة شاعرية ممزوجة بثقافة عالية تظهر بجلاء فى الحوار.

*المكان السورى كمحور أساسى للسرد إلا أن أزمنة الوطن العربى فى العراق ودول الربيع وباريس والهجرة كانت حاضرة ومتميزة فى حيادية الراوىّ العليم من قضايا متعددة.

*تميزت شخصيات الرواية بصفوية ونخبوية الا ان ذلك لم يخف حركة مدّ الشارع العام فى سرد الرواية.

*رواية زمن الخيانة،هى رواية الحب والجمال والعنف والتاريخ والماضى والحاضر والمستقبل فى رسم حالة وطن نموذج للدمار ونموذج لشعب عريق فى حضارته وثقافته وتاريخه وإستمساكه بأرضه المحروقة .

المراجع:

(1)الحضارة المادية والأقتصاد والرأسمالية – من القرن الخامس عشر حتى القرن الثامن عشر –فرنان برودل –ترجمة :مصطفى ماهر-الجزء الثالث –زمن العالم –المركز القومى للترجمة مصر -2013م.

(2)الشرارة فى إنتفاضات البلدان العربية ويليها بالنار- الطاهر بنجلون-ترجمة حسين عمر-المركز الثقافى العربى –الدار البيضاء المغرب- طبعة اولى-2012م.

(3)أنماط الرواية العربية الجديدة – د:شكرى عزيز الماضى – عالم المعرفة – سبتمبر 2008- المجلس الوطنى للثقافة والفنون – الكويت.

(4)تحليل الخطاب- الزمن – السرد- التبئير – سعيد يقطين – المركز الثقافى العربى بيروت- لبنان- الطبعة الثالثة1997م .

(5)بنية النص السردى – من منظور النقد الأدبى – د:حميد لحميدانى- ط أولى1990م المركز الثقافى العربى بيروت.

(6)انفتاح النص الروائى – النص والسياق-ص32 سعيد يقطين-ط ثانية 2001م- المركز الثقافى العربى – الدار البيضاء –المغرب.

(7)الخطاب والسلطة ص34- توين فاين دايك –ترجمة غيداء العلى – مراجعة وتقديم –عماد عبد اللطيف – الطبعة الاولى 2014م – المركز القومى للترجمة –مصر.

(8)الخطاب والتغير الاجتماعى – ص27- نورمان فيركلف – ترجمة محمد عنانى –طبعة اولى – 2015م-المركز القومى  للترجمة مصر.

(9)أسس التوتاليتارية-حنة آرندت –ترجمة انطوان ابوزيد –الطبعة الثانية – دار الساقى –بيروت لبنان.

(10)سورية الدولة المتوحشة –ميشيل سورا –ترجمة أمل سارة –مارك بيالو- الشيكة العربية للابحاث والنشر-بيروت لبنان *طبعة اولى 2017م.

(11)التجربة المرة-الدكتور منيف الرزاز – الأعمال الفكرية والسياسية –الجزء الثانى – مؤسسة منيف الرزاز للدراسات القومية – الطبعة الاولى 1986م.

(12)تجربتى فى الثورة – اللواء محمد عمران- الناشر جامعة الاميرة نورة بنت عبد الرحمن

(13)الرواية العربية الجديدة- من الميثولوجيا الى ما بعد الحداثة – جذور السرد العربى –بلحيا الطاهر –ابن النديم للنشر والتوزيع –الجزائر – الطبعة الاولى 2017م.