أسئلة الهويات والتغريب الثقافي

أسئلة الهويات والتغريب الثقافي - محمد نجيب محمد علي يعتبر موضوع الهويات وإشكالاتها من الأسباب الرئيسية التي قادت إلي الانكسارات التي أصابت عالمنا العربي والإسلامي

أسئلة الهويات والتغريب الثقافي

أسئلة الهويات والتغريب الثقافي
- محمد نجيب محمد علي

 

 

 

يعتبر موضوع الهويات وإشكالاتها من الأسباب الرئيسية التي قادت إلي الانكسارات التي أصابت عالمنا العربي والإسلامي، وزرعت الفتنة في كثير من البلدان وفتحت الباب عريضا أمام التغريب الثقافي ،والمفاهيم الخاطئة، فتجذرت القبلية، وغاب مفهوم المواطنة ،وتمدد الإحتراب والصراع والانقسامات، وأصبح الأحادي هو الذي يحكم فتغول السياسي والساسة ،وصارت الدول العربية والإسلامية عرضة للتدخلات الخارجية بأشكال مختلفة ومتعددة، وأصبح الضحية هو الوطن والإنسان.  سماها أمين معلوف بالهويات القاتلة، فما الذي جعلها كذلك؟ وكيف الخروج من هذا المأزق التاريخي الذي يعبر بالأمة الآن؟ وما هو دور المثقف لتكريس التعايش والسلم وتقبل الآخر بهوياته المتعددة والمختلفة؟  طرحت هذه الأسئلة على مجموعة من المثقفين فكانت الحصيلة

الجدل
 

 

صلاح سر الختم

 


يقول  الناقد والروائي الدكتور  صلاح سر الختم أن موضوع جدل الهويات تجاوز المعالجات المبكرة له ، والتي تقفز معها صورة مصطفي سعيد وصراعه الدونكيشوتي في أوربا، والذي انتهي داميا وانتهي به بعودة طوعية إلى الجذور، لم يصطبر عليها كثيرا، فإختفي من جديد  إختفاءا مفتوحا على أكثر من إحتمال وإجابة، وتفقز صورة  بطلة ليلي أبو العلا  الأنثى التى عاشت في قلب لندن ، وأحبت أوربيا، وعاشت صراعا من نوع آخر مع الهوية المتبدلة في عالم يتبدل، ثم تقفز صورة أخري لبطلة رواية للكاتبة العراقية أنعام كجة وهى  مجندة أمريكية  من أصل عراقي جاءت بلدها مع الجيش الغازي بعد سقوط بغداد، حاملة هويتها الجديدة لتخوض حربا ضد وطنها الأصلي لصاحب وطنها الجديد، لنقف أمام صراع هوية من نوع مختلف تقاتل فيه تلك العراقية أخيها في الرضاع الذي ينشط ضمن جيش المهدي، وهى تحمل هويتها الجديدة في تجسيد تراجيدي لما يجري على الأرض من طمس للهوية الوطنية لصالح الهوية السائدة والمسيطرة على العالم. لم تعد قضية الهوية ترفا فكريا بل باتت واقعا مؤلما يجري تكريسه على امتداد العالم بعد صيرورة العالم أحاديا بعد سقوط المعسكر الاشتراكي
،بينما يذهب البروفسير والأكاديمي .  

 

صابر جمعة

 

 


   محمد الفاتح يوسف أبو عاقلة إلي  أن الهوية بنت الحضارة الإنسانية، فالبطاقة والجنسية وجواز السفر كلها مما يسمي ويحدد تلك الهوية أو الجهوية التي يستغلها الإنسان للتمييز وعزل الآخر ومحاصرته. فالسياسة ،والآيديولوجيات المنغلقة عامل جوهري في توظيف هذا العامل لاستلاب الآخرين. ويضيف ابوعاقلة الهوية عاملا مهما جدا لتوصيف الكائنات كلها، فمعرفتها لابد منها لفهم كنه الأشياء، وتنوع المخلوقات والكائنات ومن بينها الإنسان، فهي عنصر موجب فيه ثراء وغنى وجمال، فالغابة التي تتكون من نوع واحد من الشجر ليست بأفضل ولا أجمل من الغابة متنوعة الأشجار. ويشير أبو عاقلة أنه في ظل تداخل ضبابية المفاهيم وغياب الانتماء الإجتماعي، وتفكك الأسر والنسيج المجتمعي، وانزياح الكتل الآيدولوجية، وبروز عنصر الفروقات الطبقية الحادة التي عزلت شرائح مجتمعية عن الإحساس بالانتماء للمجتمع المعين. ولعبت السياسة دورا مفصليا في تسارع هذا العزل، والالتفاف حول البرامج الحزبية وتفريغها من مضامينها، ذات المساس بقضايا القواعد وجماهير الحزب، ولم تعد القبيلة ذات جدوى وفاعلية في لحمة المجتمع، وتعزيز "الهوية" الموجبة، المتصالحة مع الآخر في ظل الإستقطابات السياسية التي نجحت بأساليبها وألاعيبها الإقصائية في إختراق التكوينات القبلية وتفتيت تماسكها وإنتاج صراع بين مكونات تلك المجتمعات. ‬أصبح اللا منتمي هو فاقد الهوية المعزول من التواصل والفاعلية داخل النسيج الاجتماعي؛ فتصبح العزلة واللاانتماء هي الخلاص الموجع له والدافع الأساسي للغلو والتطرف.

 

محمد الفاتح يوسف ابوعاقلة

 


‬في نفس السياق يرى الكاتب عمر كرار أن الأصل ليس الوحدة، بل الإختلاف والتنوع والتعدد. والهوية الحية الغنية هي التي تمكن المرء من امتلاك الحرية علي النحو الذي يمكنه أيضا من صناعة ذاته وممارسة خصوصيته بصورة مثمرة بناءة محليا وعالميا. إن الهوية التي تمارس بمنطق المماهاة والثبات هي التي تصنع  الحروب.
بينما يؤكد الناقد  حسن إمامي من المغرب أن الهوية عناصر مركبة مرتبطة بالمكان وبالثقافة؛ والغير طبيعي هو الانحراف عن التوازن في الشخصية أثناء عمليات التحول والتشرنق في الحياة، هو رفض الجديد والتحجر مع القديم. إننا اليوم كمتجمعات مشترِكة في الانتماء لخصائص تصنيف معينة، نعيش أشكالا من التفاعل مع الحداثة متناقضة ذات اليمين وذات الشمال. ويبقى دور السياسات العامة والفلسفات المقارِبة للموضوع والمشاريع الشاملة نسبيا لحقول ثقافية وسياسية واقتصادية طبقية وفئوية فاعلا مهما تتطلع النخب المثقفة والممثلة للأمم، و الشعوب، لكي تقوم به من أجل النهوض والمعالجة لهذا الواقع وهذه الهوية المحتارة بين الانكماش والتحرر، بين الأصالة المنتصِرة لموديل قديم، و المعاصرة المتحركة مع موديل جديد ،زمامه منفلتة مع تضارب مصالح العصر وموازينه في التحكم السياسي والاقتصادي والعسكري على الخصوص
التعريف
.

عمر كرار

 


ويقول الروائي  جمال الدين علي إن تعريف الهوية في مفهومها العام تنقسم لمجموعة من هويات أو جزئيات صغيرة لها سمات وخصائص مشتركة تكون صغيرة ثم تتشكل وتكبر لتلتحم مع بعضها لتكون هوية جامعة مع الاحتفاظ بالخصائص والسمات المميزة لكل جزء، وهي التي تترجم روح الانتماء. تبدأ من الأسرة الصغيرة ثم العائلة ثم القبيلة ثم مجموعة القبائل المتجاورة في الرقعة الجغرافية الواحدة ثم المجتمع ككل ثم الشعب أو الشعوب التي تقطن رقعة ما. كل جزء من هذه الجزيئات له خصائصه التي يتميز بها ويتشاركها مع الآخرين وفق قانون الطبيعة، والمزج بين هذه المكونات حسب كمية جزيئاتها في المزيج داخل الماعون الواحد وهو الرقعة الجغرافية المسماة بالوطن. خدمة للأمم والرفع من شأنها وتقدمها وإزدهارها. يتكئ هذا الماعون الجامع على عدة أثافي: الموقع، التاريخ المشترك، اللغة، الدين، الاقتصاد، وغيرها وكل واحد منها يسند الماعون الكبير من جهته ولا يجب أن يكون أحدهما أطول من الآخر ولا يتم ازالة أحدهما من تحت الماعون والا لم نحقق التوازن المطلوب للمزيج الموجود بالداخل، وربما انكفأ وسقط على وجهه واندلق المزيج.

 

جمال الدين علي

 

 


من جهته، يلاحظ الناقد صابر جمعة أن البشرية تخوض صراعات دامية في شأن الهوية بتمظهراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. نلاحظ أن الجنوب الجغرافي في مختلف دول العالم يعج بمثل هذه النزاعات مما تضطر الشعوب المهمشه حياله لحمل السلاح في وجه مراكز السلطة لانتزاع حقوقها المسلوبة وإظهار خصوصيتها يتمثل كمثال في الصراعات الدموية في حرب بيافرا في نيجريا واليمن وجنوب السودان والحرب الأهلية الأمريكية والهندية الباكستانية وإيرلندا مع التاج البريطاني.