صعودٌ إلى كتف شمس البعید
صعودٌ إلى كتف شمس البعید إیماض مھدي بدوي لماذا تمرُّ النّسمةُ الباردة من ثُقْبِ الحیاةِ الضّیق وھي الشّاسعة الإرادة یتسلّقُ الصّبیةُ حبال صبر الأُمّھات لیرتدوا في جُبِّ الخدِیعةِ جبناءَ مقھورین
صعودٌ إلى كتف شمس البعید
إیماض مھدي بدوي
لماذا تمرُّ النّسمةُ الباردة من ثُقْبِ الحیاةِ الضّیق وھي الشّاسعة الإرادة
یتسلّقُ الصّبیةُ حبال صبر الأُمّھات لیرتدوا في جُبِّ الخدِیعةِ جبناءَ مقھورین
الصّبرُ مغالیق الرّغبات، فانھض إلى حیث انتفض الغیم ورتّل بریق الخلاص
كُلّ حرفٍ خطّهُ الشُعراء وتلذذ به الغاوون ولمْ یسْعِفِ النّھرَ في جریانه ھو باطلٌ
وكُل باطِلٍ تحدّر سھْواً نمت على اثره ثمرة فھو یقینٌ في جدولِ الحاضِرِ المُر
نُسافِرُ في غُرْبَتِنا الأزلِیّة لنشْترِي بعضَ الغیب، بعض اللاّوجُود، بعضاً من كلّ حقائِقنا الزائفة.... نُردِدُ في سهونا"جرادةٌ في الكّفِ ولا ألف طائرة"....
صباحُ الیومِ تجوّلتُ في شوارع المدینة العریقة...
تأمّلتُ وجه تویا وھي تودّع زوجھا النّاجي من ضربة خور یابوس بأعجوبةِ، تعلّمتُ من
تبسُّمھا في وجھه الشاحب أنّ الحیاة أُنثى معطاءة، أنثى تعي أنّ الحربَ تستمر صامتة في انسیاب الأشعة المنكسرة.
في التّلة الخضراء تلوِّحُ من وراء صریف النّال یدٌ غضّةٌ لعابر أسمر، یبتسم العابر ویعلن وداعه لسفوح الخیال المھیض... تحلّقُ الید الغضّة نحو شمسھا المفترضة في فضاء لم یعِ ثورة النّاجین من فخاخ الأیادي الغضّة.
لیس كل من وافاه صباح المدینة مقیمٌ بھا؛ فالمرابطون خلف سور قانونھا یتنفّسون ذكریات التّسكع بین البُتّابة وتورا بورا ، وینتشون بسیرة القُمزاویات وھُنّ یكحِلنْ عیون عازفي الوازا بمراوید السیقان الأبنوسیة..
في رقصة اللّمة، ینتشي التراب بوطأ الأقدام، وأنا بثورة الأتربة.....
وعرقِ سلیلات السلاطین.... أنتشي برنّة الرّبّابة كلّما جاریتُھا بأن:
( لمّا لمّا دوالا لمّا سالكة ....
جیدي میني ولا مُنادا )
:
:
أرقصُ.. ترقص أحلامي، تلوّحُ طفولتي لخصر تویا قبل أن ینھكھا كثیرُ الرّحیل
أرقصُ....تنسالُ على حلقي دندنةُ الحصّادین وعمّال (الكتكو)
أرقصُ ... تقدحُ ذاكرتي صوراً؛ الكرانِك، جدع النّار، غابة أم دلاقین، باباي بیتنا القدیم،
خور برنك، لواري قرع ود العبّاس، بنات أونسا، البرناویات حاملات العرابیس، أطفال
البُتابة، بائعي الصیر، مراجیح جذور اللّبخ الھوائیة، مراوید شباب العمارة صابون،
وتنورات صبیات الزندیة....
الألوان نعم ألوان ثیاب الراقصات في دائر اللّمة جعلت ذاكرتي تتعرّقُ صوراً وحكایات من تانا إلى لا مصب...
صعودٌ إلى كتف شمسٍ تعبِّئُ المدینةِ بأحادیث العودةِ، ھا أنا ذا أعودُ إلى حیثُ انتھت أحلام
البقاء لأبدأ من جدید ...
بسرعةِ السفروق أمضي نحو ذاكرتي :
كان في التّلة الخضراء یرقدُ بسلام، یتحّین ھدءة البرق لیخرجَ، یظنّ أنّ الجنود لا زالوا مرتدین البذة العسكریة وحاملین على أكتافھم سفر الإمبراطوریة العُظمى، إیه یا "خواجة" أنا مثلك أنتظرُ ھدءة البرق لأركضَ، أتعرّى من خوفي و"خُزُعْبُلاتِ" الغادة...
كانت في الصّفِ تلمیذة بجسدٍ أكثر امتلاءً، وقامة أكثر قصرا، وقلب أكثر بیاضا، وذھن مفتوح على نافذة الرّب... تُحندِكُني بألوان الباستیل ، وأُحندكُھا بكلمات لم أعِ مفاتیحھا...
ترمقنا أعین الزمیلات بشيء من الشفقة " ثمرتان قبل القطاف ضربھُنّ العته" تھردان كبد الصباح بالأسئلة: لماذا تمرُ النّسمة الباردة من ثقب الحیاة الضّیق....
لماذا یحاكمُنا الراحلون بتاریخھم ... كیف ننجوَ من لعنة "البُردُ بردُ" لنلحق ب "النّاس" كما یشتھون النداء في عالم اللاّ خُرافة.
خور یابوس: خور قادم من الھضبة الأثیوبیة یمر بجنوب النیل الأزرق.
الصریف: سور القش.
البُتابة : من أحیاء مدینة الروصیرص_ تورا بورا: مجموعة بیوت في تلة عالیة في المدينة.
رقصة اللّمة: من تراث ولایة النیل الأزرق.
عمّال الكتكو: عمال جمع ونظافة مزارع قصب السُّكّر.
السّفروق: أداة صید.
البُردُ بردُ: إنسان یتحوّل لحیوان مفترس بحسب الاسطورة.
صعودٌ على كتف شمس البعيد
الرصيرص_ الحي الجنوبي 2005