قراءة في ديوان الشاعرة نعمة ابن حلام

قراءة في ديوان الشاعرة نعمة ابن حلام الفعل بين لغة الشعر ولغة الذات  في ديوان " سوانح امرأة عادية " للشاعرة نعمة ابن حلام  إدريس زايدي لقد شدني الديوان بانسيابية الشعراء الكبار .حيث تَعَانَقَت الذات مع الإيقاع بلغة موجعة وشفافة ، قامت على معجم المواجد الحرى ، حيث أصبح الشعر سفرا وتحولا . وأصبح الزمن فاعلا يحرك ما غار من جراح ، بحثا عن الأمكنة والأزمنة في الذات ، التي تسائل الحقيقة في الشعر . وتجعل من الحقيقة انتماء للآتي في لغة تغتال الانتظار بالانتظار . هكذا يغدو الشعر عند الشاعرة نزعا نحو التعالي ورصدا للذات في تشظيات المرايا ، فتبني عالمها الخاص ، تعبر بالكلمات كما الأشياء ،تشكل عالما يتحول باستمرار بين الذات والذات المضادة .  وباعتباري قارئا لديوان " سوانح امرأة عادية " للشاعرة نعمة ابن حلام ، لا بد أن أقف عند أمر القراءة وتأثيرها . متسائلا عن حدود

قراءة في ديوان الشاعرة نعمة ابن حلام

قراءة في ديوان الشاعرة نعمة ابن حلام

الفعل بين لغة الشعر ولغة الذات 
في ديوان " سوانح امرأة عادية " للشاعرة نعمة ابن حلام
 إدريس زايدي

تقديم
لقد شدني الديوان بانسيابية الشعراء الكبار .حيث تَعَانَقَت الذات مع الإيقاع بلغة موجعة وشفافة ، قامت على معجم المواجد الحرى ، حيث أصبح الشعر سفرا وتحولا . وأصبح الزمن فاعلا يحرك ما غار من جراح ، بحثا عن الأمكنة والأزمنة في الذات ، التي تسائل الحقيقة في الشعر . وتجعل من الحقيقة انتماء للآتي في لغة تغتال الانتظار بالانتظار . هكذا يغدو الشعر عند الشاعرة نزعا نحو التعالي ورصدا للذات في تشظيات المرايا ، فتبني عالمها الخاص ، تعبر بالكلمات كما الأشياء ،تشكل عالما يتحول باستمرار بين الذات والذات المضادة . 
وباعتباري قارئا لديوان " سوانح امرأة عادية " للشاعرة نعمة ابن حلام ، لا بد أن أقف عند أمر القراءة وتأثيرها . متسائلا عن حدود العلاقة بيني وبين النص . هل مارستُ حقّي في القراءة كمتلق حرّ ؟ أم أن النص مارس أثره فيّ ؟ أي ما حدود الفصل بين " أثر النص "و" تلقي النص " بتعبير هانز روبير ياوس . وهما مستويان حددهما إيزر ب"القطب الفنّي" و "القطب الجماليّ". 


وليس ما يثيرنا لقراءة ديوان الشاعرة سوى ما يملكه من قدرة على الجذب ، ولأول مرة . فوجدت حقيقة العلاقة الانفعالية بيني والنص تنتمي للنص نفسه ، بما هو بنية جمالية غير مطابقة لأبنية أخرى . وهذا التفرد المتعالي عن الأنظمة الشعرية السائدة هو ما يسم كل مبدع ، إذ يحقق عبر تفاعله عالما خاصا يميزه ورؤيا خاصة. هكذا تعنون الشاعرة ديوانها باسم " سوانح امرأة عادية " ، وذلك لتقيم مسافة موضوعية بينها كشاعرة امرأة ، وبين المرأة العادية .وسيسمح النصّ للشاعرة بأن تكتشف غيريتها . وما الآخر المبثوث في النصّ سوى انعكاس بشكل أو بآخر لصورةٍ منها ، أو بعضٍ من شخصيتها على سبيل التماثل لا التطابق . وقد تحقق للشاعرة عبر نصوص الديوان أن تَبُثَّ في كلماتها شعريةً هادئةً ، تراوحت بين التوصيف للذات في موصوفات تختارها من الطبيعة غالبا ، فتكتفي بالنظر إليها ترغيبا في عناق أبدي ، حيث تُسند لها الأفعال لتتعدى إليها وتسكُنَهَا ، ويتحقق في الامتداد نشوة نورانية مشرقة ، على شاكلة أهل التصوف عند الاحتفاء بالذات . ويصبح الشعر عندها رجعا لصدى الأبدية ، وتجليا للذات فيه ، مما يجعل القصيدة كلها وحدة رمزية في بناء فني إيقاعي شاعري . 
فكيف عبرت الشاعرة نعمة ابن حلام عن كيميائها الشعري المتراوح بين الشعر العمودي والتفعيلي والنثري في ديوانها " سوانح امرأة عادية " ؟ وكيف نقلت لنا تجربتها الشعرية في ديوانها الأول والذي يُنبئُ برؤيا عميقة للواقع كما الذات الشاعرة. وكأننا أمام تجربة لا يمكن اختزالها في زمن النشر للديوان ، بل تتعداه لزمن موغل يكاد يكون هو زمن ولادة الشاعرة . 
ولست هنا في منحى التقريظ ، بالقدر الذي أثارني فعل الكتابة عند الشاعرة ، حين ركبت الفعل اعتماداً لتشكيل بنية الجملة الشعرية ، فجاءت الذات فاعلة ومنفعلة في آن . تعبر بها وفيها ، كما تعلن عن ذلك طبيعة الدلالة المعجمية للألفاظ ،وفي سياقاتها المتنوعة في عدد التكرارات اللفظية والمعنوية والصيغ الصرفية والتـوازيات الصوتية . 
ومن هذه المنطلقات سنعتمد في قراءتنا على البعد الدلالي للجمل الشعرية ، معولين على ما يمنحه التأويل من نتائج نستثمرها لنكشف عن الرؤيا الشعرية وطبيعتها .وهي منهجية تلامس كيفية اشتغال اللغة في أبنيتها التركيبية والأسلوبية وما تضمره من ملامح انفجارها ، تأسيسا على لعبة الانزياحات الفعلية ، وما تعلن عنه في لحظات الوعي بفعل الكتابة كانفلات الذات عن مكنونها .
فمن ملامح التجلي والكشف ، ندخل عالم الديوان فنجوب كل مساربها بحثا عن الجمال الشعري فيها انزياحا وتصويرا وتوقيعا .وسنجعل لدراستنا مستويين: المستوى المناصي ، ثم بنية الإسناد في الفعل والتستر على الذات ...
1- المستوى المناصي : 
جاء في لسان العرب لابن منظور[1]: البارح ضد السانح . والبارح : ما مر من الطير والوحش من يمينك إلى يسارك ، والعرب تتطير به لأنه لا يمكنك أن ترميه حتى تنحرف ، والسانح : ما مر بين يديك من جهة يسارك إلى يمينك ، والعرب تتيمن به لأنه أمكن للرمي والصيد. وفي المثل : من لي بالسانح بعد البارح ؟ يضرب للرجل يسيء الرجل ، فيقال له : إنه سوف يحسن إليك ، فيضرب هذا المثل ؛ وأصل ذلك أن رجلا مرت به ظباء بارحة ، فقيل له : سوف تسنح لك ، فقال : من لي بالسانح بعد البارح؟ 
ومن خلال هذا التعريف نلج عالم نعمة ابن حلام الشعري ، لنربط العنوان افتراضا بالموضوع الذي يفسره ، وهو ما ورد في الديوان من خلال القصائد 21 ، والتي افتتحتها بالحديث عن الموت في قصيدة عمودية ترثي فيها ابن حلام الأب . وبين العنوان الذي يحيل على الحياة( سوانح امرأة عادية ) والقصيدة ( سلام) يتشكل معنى ينطلق نحو الآتي في خصام بين الموت والحياة . هكذا أمكن لنا أن نؤسس قراءتنا للديوان اعتمادا على المنجز النصي ، حيث تقيم فيه الذات كفعل وجودي يبحث عن تحققه في الواقع وبلغة عربية شعرية فصيحة ، ازدانت بموسيقاها الخاضعة للوزن الشعري في جل القصائد .
ونقصد بالمناصي العنوان كنص مواز للنصوص ،ويكتسب أهمية كبرى في الديوان ، فقد جاءت عناوين القصائد تباعا كالآتي : سلام- ربيع الوصل – من العلياء – أوشكت أن – إلى شاعر – جفاء – طال السفر – مخاض – إشراقة نورانية – ثورة النور – انبعاث – نجوى – يحيى – كبو الأحلام – خيالي – فعولن – أنا النعماء – أنشدي يا حياة – وأطفو فوق الأيام – غواية – جنون .
وقد وردت أغلب العناوين اسمية ، عشرة منها بلفظ واحد وسبعة بلفظين ، إما شبه جملة أو متضايفين . والتأمل في دلالة الألفاظ يدرك بيسر أنها ذات طبيعة توصيفية لحال ثابتة تنزع نحو التحول . فكل من سلام ، جفاء ، مخاض ، انبعاث ، نجوى ، يحيى ، خيالي ، فعولن ، غواية ،وجنون ...تتوحد في فعل الانتقال المضمر في اللفظ ، من حال إلى حال ، ولا يمكن اختزالها إلا في بؤرة دلالية يكون معناها الموت والحياة . وذلك لأن الشاعرة تؤمن بأن هذا التحول لا يمكن أن يحصل إلا بالنور الذي وسمت به الإشراقة والثورة في قصيدتين " إشراقة نورانية " و" ثورة النور ". ومن هذا الشعور تتأسس رؤيا الشاعرة العميقة التي تختصرها العناوين كتوصيف لمكنون الذات وانكسارها ، مع توقٍ إلى الانبعاث في رحلتها عبر الخيال في قصيدتين "غواية" و"جنون " . فالعناوين تشكل تعبيرا عن احتراق الذات ، التي تعيش مخاضها المؤلم ، تقول الشاعرة : 
كلما غردت وشوشات القلم
أدرك النبض أن المعاني تعاني 
أن وجدي حريق يؤُزّ المجاني ...[2]
ومخاض الشاعرة هو تجربة اغترابية ،تعاقرها خمرة شعرية صوفية حين تجعل من العشق بابا للتجلي النوراني ، وانتظارا للتطهر من حيرة الأرض ، تقول : 
هذه الأرض حيرى فهاتِ انبهارا .
وهذا العشق للرحيل لم يسعفه الخيال الشعري . وهنا تختلف الشاعرة نعمة ابن حلام عن باقي الشعراء الذين يجعلون الخيال صنو الحرية . فيتعقد الأمر ويصبح الكلام الشعري عندها وهْماً وتضليلا ، تقول في قصيدة خيالي :[3] ( سئمت خيالي الجامح / يُضللني.. / يُعللني .. / يحيلُ الوهمَ أقمارا . )
وقولها [4] : ( يقول التلاقي قريب بعيد / سراب تماهى / بوهم يتيم /بأوجاع سُقمٍ / وأسراب حلم ...)
وبالنظر إلى الأبنية الدلالية للعناوين التي جاءت بلفظ واحد ، نلاحظ أن الشاعرة تصر على تجاوز الحال رغم شدة الاحساس بانكسار الذات ، ويتأكد ذلك من خلال مضامين النصوص أو أجزاء منها ، فعنوانا "غواية" و"جنون" جاءا في نهاية الديوان ، مما قد يحيل على نهاية مسيرة الارتباك والمعاناة منذ نص التقديم الذي يحمل عنوان " ما قبل الشعر " للشاعر مسلك ميمون ، مرورا بمسار رحلة العذاب في البحث عن لغة تتمحور حول الذات ، وصولا إلى إدراك لعبة الكتابة كغواية وجنون . والجنون هو رغبة في التخلص ، أو قناع تعبيري خارج عن قوانين لغة العقل . وهنا يصبح الجنون بمعنى الثورة النورانية ، المضيء لما دثره الظلام . أي يصبح الجنون باباً نحو المعرفة .

هكذا يكون عنوان الديوان " سوانح امرأة عادية " يضمر في معناه دلالة الجنون بما أنه معرفة . وهو ما جعل من الشاعرة تبسط تأملاتها في عالم الذات ، وبموازاة مع الجنون كظاهرة ثقافيىة اجتماعية حسب ميشيل فوكو في كتابه "تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي" فالجنون معطى حضاري يقوم على نفس شروط وقوانين الثقافة والمجتمع . وتكون صفة ( الجنون ) مرادفة ل ( عادية ) التي وردت في عنوان الديوان كصفة لامرأة عادية .أي أن الصفات ما هي إلا نتاج تكويني لبنية نفسية واجتماعية وسياسية. وما صورة المعاناة في قصائد الديوان سوى تجل للقهر الذي يتنافى وحرية الشاعرة . ولا يعني الجنون عند الشاعرة موقفا وجوديا ، بقدر ما يعني موقفا ضدَّهُ .

2- بنية الإسناد في الفعل والتستر على الذات .
والمتأمل في بنية القصائد يكشف بيسر أن الأفعال بنيت على مفارقات ضدية . والمفارقة أمر يُقرُّ به كمال أبو ديب ،حين جعل الشاعر ينظر إلى كل الذوات على أنها تمتلك طبيعة ضدية بشكل ظاهر أو مضمر ، حيث لا مفاضلة بين الإيجاب والسلب فيها . ومنها تتشكل رؤيا الشاعر [5] .
وننطلق في هذا المستوى من تحديد الملفوظ من حيث أنه يمثل ترددا مكثفا للأفعال من طرف الشاعرة في سياقات تلفظية متعددة ، تستهدف إبلاغ رسالتها الشعرية والجمالية كتجربة امرأة وسمت نفسها في العنوان بامرأة عادية . وإذا كان عنوان خلوا من الفعل ، فدلالة الصفة ضامةٌ لثبات صفة الأفعال في القصائد . وتختصرها بنية العناوين الأربعة التي جاءت جملا فعلية : أوشكت أن .../ طال السفر / أنشدي يا حياة / وأطفو فوق الأيام . إنها تحدد مسار التأمل في الذات الموجعة بفعل الزمن فعليا ودلاليا . فالشاعرة تجر أذيال ماض تولى تاركا أثره في النفس التواقة إلى الانعتاق ، فكان (أوشكت أن ...) مع نقط حذف ، توحي بدلالات يفسرها مضمون النص ، كما في (طال السفر) . وفي البنيتين يحضر الزمن واضحا كفعل يؤسس لرؤيا الشاعرة لقلق الذات ( أوشكت... / طال ... ) من جهة ، والإصرار على المضي نحو الآتي من خلال نقط الحذف والسفر من جهة أخرى . ومن ذلك يتجه الفعل لاحتواء الحلم بالحياة ( أنشدي يا حياة ) أو التعالي على الزمن ( وأطفو فوق الأيام ) وكل من (أنشدي ) و( أطفو ) يفيد الاستغراق الزمني بل التجرد منه . لأن الغناء هو حالة نفسية ، ألحقتها الشاعرة بالحياة كتمنٍّ وليس أمرا . هكذا يصبح إسناد الفعل لفاعل الحياة حلما ، طابعه رغبة انصراف الذات عن ذاتها .لتتجرد من الوعي الشقي بفعل ( أطفو ) على ظرفية الزمن الذاتي ( فوق الأيام ) .
ومن هذه المداخل / العناوين الأربعة ، تكتسب البنيات المنطقية الداخلية للنصوص معنى جديدا ضمن سياقاتها الاجتماعية والثقافية ، إذ أن الشعر يشتغل في حلقة وسطى تتعالى على الجاهز النصي والمرجع في آن . وهذا لا يعني انفصاله عنهما ، بالقدر الذي يعلن استقلاله ببنيته ، كي يستشرف عوالم جديدة ، هي عماد الرؤيا المنبعثة من أسئلة تسكن الذات دون أن تحدد معالمها . وفي ذلك تنمو القصيدة الحداثية ، وهي تتحرك بين الكلمة ونقيضها ، وتحلق بين دلالة الفعل المعجمية والدلالة الجديدة التي تمنحها سلطة القول الشعري الثائر على اللغة الجاهزة والذات معا ، جاعلة من تنازع الفاعلية بابا للتستر على القلق الوجودي كسؤال معلق بين الإدراك الواعي واللاوعي الشعري .
فالشاعرة نعمة ابن حلام ، على وعي بعسر الكلمة ، ولذلك تُكثر من استعمال الفعل ما دام القبض على الآتي والحلم يستحيل . وتكرار الفعل سمة إيقاعية تدل على الرغبة في المسير ، ما دامت السوانح تنافس البوارح . و(السَّانِحُ مَنْ يَأْتِي مِنْ جَانِبِ اليَمِينِ ، أَيِ الْمَيْمُونُ عَكْسُ البارِحِ ) ، بل التكرار في بعديه اللفظي والمعنوي يدل على تواتر قلق الذات . إذ أن القلق متاهة تستثير القبض على بؤرة المعنى . فهل سنح استعمال الفعل أن يحقق ما ورد جمعا في العنوان ( سوانح) . فأي فكرة وأي فرصة وأي معنى يمكن أن يكون سانحا ليستجيب في الديوان لوجع (امرأة عادية ) ..؟ وليس العادي في الشعر غير تمويه يتكيء على التضاد لاستقصاء أجزاء المعنى تعبيرا عن الانفعالات الوجدانية عند الشاعرة ، تلك المعاني التي تتدفق على امتداد الديوان كأفعال جارحة للتأمل في عمق الذات ، وفي تشظ شعري يحاول القبض على الأصل كحقيقة في لفظ ( عادية ) . 
ونصوص الديوان ، تضعنا في ما ذهبنا إليه ، ويكفي أن نرصد قصيدة واحدة لنلاحظ تواتر الفعل في صيغ متنوعة ، فمرة يعود الفاعل إلى الذات وأخرى يعود على المخاطب أو الغائب . وهي ظاهرة لغوية تعرف بالالتفات . تحقق الشاعرة من خلاله الرغبة في تحويل المعاناة وتصريفها من مبدإ إشراك الآخر تخفيفا . 
ففي قصيدة الديوان الأولى " ربيع الوصل " [6] ، يحضر الفعل : يعاتبني/غاضتْ/هامتْ /علتْ / غلفتْ / أبعديني / أرتدي / أعانق / ظمئتُ / اسقيني / أذكي / أشتعل/صبِّي / يسِمُ / بعثري / حطمي / انثري / يسري / علقتْ / انطلقي / أمطري / ارحلي / أسفرت / تشدو .
وتصنيفا بسيطا للأفعال الثلاثين يوضح ما يلي : 
أ- ما يعود على الذات الشاعرة (7):أرتدي / أعانق / أستحم/ظمئتُ / أستعر/أذكي / أشتعلُ .
ب- ما يعود على المخاطب (12): أبعديني/ اغرفي /اهمُري/ دعيني / اسقيني/ صبي/ بعثري/حطمي/انثري/ انطلقي/ أمطري / ارحلي .
ج- ما يعود على الـــغائب (11) : يعاتبني / غاضت / هامتْ/ علتْ / غلّفتْ/ يماهي /يسِمُ / يسري /علقتْ /أسفرتْ / تشدو .
ومن هذا العود يمكن رصد ثلاثة محاور أساسة ، كالتالي :التخفي / الرغبة في التخلص والهرب / سلطة الغائب .
وأول ما ورد من كل نوع من الأفعال : أرتدي/ أبعديني/ يعاتبني، وآخر ما ورد : أشعلُ/ ارحلي / تشدو . ويمكن إجمال هذا التوزيع الهندسي في ثنائيات بين الفعلين الأول والأخير ،كما يلي :أرتدي مقابل أشعلُ -أبعديني مقابل ارحلي - يعاتبني مقابل تشدو .
فكل من الإشعال والرحيل والشدو هو كشف للرداء والبعد والعتاب ـ أي أن الشاعرة تحتمي بالنور والرحلة والغناء ، وهو إحساس ورغبة في تجاوز الذات كفضاءٍ ساكن ومظلم . 
ومن هذه الثنائيات يمكن أن نستخلص بعدا دلاليا تختزله السطور الأخير في القصيدة :
هذي نجومي أسفرتْ عن ثغرها
تشدو ربيع الوصل والخول
مقامات البهاء الوارف الحللِ .
هكذا يكون الفعل الأول (أرتدي) مرتبطا ب( تشدو) ، بحيث يغدو الارتداء سترا للذات ( أرتدي ظلي) موصولا بالشدو الذي جاء تكرارا لمعنى (أسفرت) فكلاهما فضح للمستور ، ولن يكون غير الكلام ، ما دام الأمر يتعلق بالثغر والغناء .وهو ما يعني أن استعمال الشاعرة لأفعال الذات كفاعل مباشر ( أرتدي – أعانق ...) لا يمكن تجريدها عن إلحاق الفاعلية بما هو متعلق بها كامتلاك من خلال الألفاظ المضافة لياء المتكلم (يَراعي – نجمي - ظلي – عيوني - نجومي – آمالي – أحرفي - رياحيني– دفاتري ... ) ، بل لا يعدو أن يكون هذا النزيف إلحاحا على الوصل . ومن ذلك يستمد فعل العتاب شرعية الانتماء للذات من خلال فاعلية (اليراع) المضاف لضمير المتكلم امتلاكا .وبالتالي تكون " أنا " الشاعرة هي التي تعاتب نفسها .فانتمت للأفعال المضارعة الموسومة بالحركية لتحقق "ربيع الوصل " حلما شعريا ، وهو ما يمكن اعتباره معادلا للنص كله .

هكذا تصبح حركية الفعل اقتساما بين ذاتين ، واحدة تتستر وراء أخرى لينبعث صوت ثالث هو صوت الشعر المتعالي على الصراع بين الأنا والآخر ، معلنا مد حبل الوصل بنكهة تستشرف الفرح الأخضر من 
لفظة (ربيع ) .

وكما يقول أدونيس " إنَّ "الأنا " ليست وحدة ، إلا ظاهريا . إنها ، عمقيا ، تمزق وانشقاق . "الآخر ، نفسه "مقيم "( سلبا أو إيجابا ) في قرارة "الأنا ". لهذا لا فصل دون وصل ،لا "أنا" دون "الآخر " ...فالهوية ، في اللغة الشعرية ، هي موضع تساؤل دائم . لا يكون الإنسان نفسه ، في تجربة الإبداع الفني، إلا بقدر ما يخرج مما هو " [7] . فالشاعرة تقيم احتفالها معلنة في فرح عن خروجها من الأسر ، وتمتد في اشراك الذات ، بل صهرها مع الآخر المتشح بالإشراق والنور في قصيدة " إشراقة نورانية "[8] ، إنها الذات المرغوب فيها ، المجردة من سكونية الزمن حين تقول ( ليلي انطوى / غيمي انجلى ) ... هكذا تقف الذات حدا بين زمنين وحالتين ، هما الماضي والآتي ، في قولها ( قلبي الذي كان ..) وتغدو الكينونة فعلا وجوديا مجاوزا للتشكي ليعلن تحوله ، بقولها ( اليوم يزهو مفعما ) ثم تؤكد هذا التحول حين استعملت الماضي للدلالة على الحاضر والمستقبل من خلال الفعل (أومضتْ) في قولها ( مشكاة عشقي أومضت ..
هكذا ركبت الشاعرة على ما نعتناه بالتستر ، فوظفت بشكل جلي بنية الجملة الشعرية ، تارة تنسُب الفاعلية للذات ، وأخرى لغيرها كدليل على التوحد في الفعل الذي يحمل دلالات جديدة ، يمنحها السياق الشعري العام . وكأن الشاعرة لا تعلن الذات إلا كبؤرة تلتقي عندها الأحلام والرغبات ، ثم تعود لتتشظى في التوصيف الذي لا يخرج عن التأمل في الوجود كمعادل للذات ، أو بعبارة أخرى تجعل من الذات عالما من الرموز ، لا يكشفها غير ما تصنعه الأشياء من حولها ، حين تناديها وبلغة إنشائية ، تقول في قصيدة انبعاث [9]: يا طيور الفجر سيحي، / وازرعي في كل صبح منبعا ، / يروي الضياء ..


وقولها في قصيدة نجوى[10] : أَروحي تجلَّيْ/ أهِلِّي بفجري ...
فالشاعرة في تنويع أسلوبها ، لا تمتلك التخلص من إسار الآخر ، بل تمنحه أن ينوب عنها في الكشف عن رغبات الذات ، وتحضر هي كمفعول به . ففي قصيدة ،( وأطفو فوق الأيام )[11] تجنح للحلم وتترك الآخر يفعل ما تحلم به ، وكأن الفعل هو من فعل الحلم ، تقول : في حلم حلمي ../ تضمني الأرض تُودِعني سرَّها، / تتشبث بي لأقيم ميلها / هلعي ، / فزعي لا يعني الأحياء .
وفي هذا التمزق الذاتي تقيم الشاعرة أشياءها في الحلم ، لتتحول ذاتها إلى معنى الموت . وهي رغبة متسترة من وراء فعل ( تضمني )، حين جعلت الضم من طرف الأرض مكانا لبث الأسرار وجعلت نفسها مفعولا به من خلال ضمير المتكلم( الياء ) . ولعل الاحتماء بالموت هو وحده الذي سيخلصها من الملح الذي يلفها حين قالت ( يدثرني الملحُ ) .
والشاعرة نعمة ابن حلام ، وهي تمنح أفعالها السفر في الذات ، لم تستطع التخلص من أبنية تركيبية قوامها الحس الموسيقي الغنائي أو التقديم والتأخير أو التوازي التركيبي والصرفي ، وذلك لتعطي للشعرية بعدها الغنائي الراقص . كقولها في قصيدة ( نجوى ) [12] التي بنيت على المتقارب وجاءت كل الأسطر من لفظتين :بحيحٌ ندائي /ضرير بكائي /.../ فضمي بصيصاٌ /وصدي ظلالا ... 
وفي التوازي التركيبي ، قولها في قصيدتها الرجزية ( يحيى) [13] : غابت عصافير الصباح /تاهت أهازيج الضياء/ماتت زغاريد النساء ... حلو الرجاء /حلم الشفاء / شك الوصول / حتم القضاء .
هكذا يصبح التوازي تكرارا يعمق دلالة الفقد والوجع ، فتمنح الشاعرة نفسها فسحة الغناء نواحا راقصا على تكرار (مستفعلن ) كالتالي ( يا عين لا.. / لا تحزني / لا تدمعي / لا تجزعي / لا تحزني ). ويتأسس على ما سبق شعرية الشاعرة المبنية على بنية تركيبية تعكس رؤيا حزينة وعميقة ، يكشفها الشعور بالألم والضعف . فهي تُورد أفعالها مسندة للآخر في شكل التمني - كما ذكرنا - ، ويؤكده انشطار الشاعرة في مراياها ، حيث ترى أن الممكن لا تستوعبه الذات وما يصدر عنها من فعل . فحقَّ لها الجنون كبوابة للمعرفة الصوفية ، يراودها حين منحته تأشيرة الولوج إلى متاه الذات ، ولم تستطع التخلص منه استفهاما ، تقول في قصيدة "جنون "[14] ( ما هذا الجنون يراودني / يؤججني / صوت مبحوح من رحم المجهول / يلاحقني ..) وأمام هذا القلق ، تركب الشاعرة لغة الروح دعاءً : ( أيا رب الأسرار / رفقاً ، / فالغصن هشٌّ .. والأيام أوجعتها الأسقامُ./ .../ وهذي الأنات /تجعلُ مني ../ امرأةً عادية ً..
هذه بعض من مرآة الشاعرة ، حين ترى نفسها سندبادا ضيعه القدر في قصيدة ( طال السفر)[15] : ( وسألتُ مرآتي التي / تحكي مرارات السفر / عن سندباد / هائم / بين المنايا والقدرْ)
ـــــ
تلكم كانت إشارات إلى شعرية الذات الموجعة ، المتاخمة للتأمل في كينونتها المحاصرة بين الموت والحياة على غرار الشعراء المحدثين . وقد عبرت عنها الشاعرة بلغة هادئة ، مكنها لعبة الكتابة أن تحمل سمة شعرية خاصة ، حيث جاءت أبنية الأفعال خصاما قلقا بين الذات والأشياء من حولها . وقد أسعف النبض الشعري بموسيقاه وأبنية الجمل تقديما وتأخيرا على أن تمنح النصوص تنويعا يستحق قراءات أعمق لكشف ما لم تقله قراءتنا ...

[1]- ابن منذور : لسان العرب (ج 2 / 411)

[2]- الديوان ص 37

[3]- الديوان ص 60

[4]- الديوان ص 64

[5]- الرؤى المقنعة: كمال أبو ديب ص 90 .

[6]- الديوان ص 13

[7]- أدونيس : الثابت والمتحول بحث في الإبداع والاتباع عند العرب ، الجزء الأول ( الأصول ) دار الساقي ، الطبعة السابعة 1994ص 27

[8]- الديوان ص 40

[9]- الديوان ص 48

[10]- الديوان ص 50

[11]- الديوان ص 72

[12]- الديوان ص 50

[13]- لاالديوان ص 53

[14]- الديوان ص 76- 78

[15]- الديوان ص 33