رواية خرائط لنور الدين فارح
بسم الله الرحمن الرحيم رواية خرائط لنور الدين فارح خطاب مابعد الكولونيالية..تشظي الذات والارض عامر محمد احمد حسين رواية خرائط للكاتب الصومالي "نور الدين فارح " فى فضاء الرواية الأفريقية تعد من الروايات ذات الحضور الكبير فى قراءة أدب مابعد الأستعمار أو مابعد الكولونيالية
بسم الله الرحمن الرحيم
رواية خرائط لنور الدين فارح
خطاب مابعد الكولونيالية..تشظي الذات والارض
عامر محمد احمد حسين
رواية خرائط للكاتب الصومالي "نور الدين فارح " فى فضاء الرواية الأفريقية تعد من الروايات ذات الحضور الكبير فى قراءة أدب مابعد الأستعمار أو مابعد الكولونيالية ، وهى رواية مكملة لثلاثية روائية للكاتب نور الدين . وهى تمثل الجزء الأول من ثلاثية " دم فى الشمس " وتحتوى على روايات "هداياالجزء الثاني _الأسرار الجزء الثالث . وعدد صفحات رواية خرائط "320"صفحة ترجمة سهيل نجم "وقد نشرت عن مطبوعات دار الجمل فى العام 2005مالطبعة _كولوبيا _ألمانيا. .ولد نور الدين فارح فى العام 1945 م،ويعيش فى المنفي خارج الصومال منذ أكثر من ثلاثة عقود .درس فى الصومال وإنجلترا والهند.وتخصص فى الآداب والفلسفة .عمل بالتدريس فى جامعة مقديشو قبل أن تجبره الاضطرابات على إختيار المنفي، وهو يقيم على حسب سرد حالته الشخصية فى العام 2005، في جنوب إفريقيا .والان يعمل بالجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية.
تعريف_مفهوم الخطاب:
لابد من التذكير بأن الدكتور مصطفى عطية جمعة كان قد كتب دراسة بعنوان "القرن المحلق_ الرواية الأفريقية وأدب مابعد الإستعمار _رواية خرائط لنورالدين فارح نموذجاً _ وقد فازت بجائزة النقد والدراسات فى مسابقة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي.
وقد أختلف "الباحثون " حول تعريف الخطاب وجاء فى تعريفه " تعددت التعريفات التى وضعت عن سؤال ماهو الخطاب حيث أكدت الدراسات على أن مفهوم الخطاب غير متفق عليه بسبب إختلاف الموضوعات التى يطرحها . الخطاب لغة من خطب. الخطب . وهو الشأن أو الأمر . ويقال ماخطبك ؟ وهذا خطاب جليل . جلّ الخطب : أى عظم وإذا نظرنا الى الخطاب الذى يعنيننا فى هذه القراءة_ أى الخطاب السردي . حيث جاء فى تعريفه " يعد الخطاب الوسيط اللساني الذى يقوم بنقل مجموعة من الأحداث الواقعية والتحليلية وهى التى أطلق عليها "جيرار جينت " مصطلح الحكاية وهو مقطع كلامى يرغب فيه المرسل_ المتكلم أو الكاتب بنقلها الى مرسل إليه ومن هذا التعريف يمكن الإستنتاج بأن الخطاب يتكون من المرسل والرسالة والمستقبل " المرسل إليه ".
خطاب مابعد الإستعمار :
وخطاب مابعد الإستعمار هو خطاب نقدى يتناول الآثار الثقافية والإقتصادية التى خلفتها الدول الإستعمارية على الشعوب . ويرتكز هذا الخطاب على فكر مابعد الحداثة الذى يربط بين نظرية المعرفة وعلاقات القوة فى المجتمع . تقول الدكتورة " جيرمندر. ك. بامبرا" فى كتابها " إعادة التفكير فى الحداثة _نزعة مابعد الإستعمار والخيال السوسيولوجى" اللقاء الإستعمارى ، فانه لم يكن لقاء بقدر ما كان غزواً " وهيمنة ، ودهس للناس و أساليب حياتهم . هذا المشهد يؤسس لفروع المعرفة الى حد بعيد التى تعبر لإدراك الحداثة أو تسعى إليها ولم يكن الفتح البريطانى للهند على سبيل المثال _ جغرافية المنطقة من أجل الإستكشاف والإحتلال فقط ، لكن أيضاً مكن لتحول الحيز المعرفى عن طريق _ إحداث الإستعمار لقبول أشكال إجتماعية وإدراك مقولات جديدة . ولايستطيع أى نقد للإستعمار من ثم _ الإستناد فقط على تسجيل للإستغلال الإقتصادى والمعاناة الإنسانية لكن يجب أيضاً توجية الإهتمام لأنماط الإدارك التى أصبحت جزءاً لايتجزأ فى الأفعال والتمثيلات الإجتماعية خلال عملية الإستعمار "1"
وتضيف " بامبرا" ويكون هذا الفهم فى أعماق الأعمال العلمية عن طريق هؤلاء المندمجين فى حركات مضادة للإستعمار مثل فرانز فانون وأيمى سزيريرى" وألبرت ميمى والتى تبناها المنظرون اللاحقون من أنصار نزعة مابعد الإستعمار ويخاطب مؤلف فانون الجلد الزنجى والأقنعة البيضاء على سبيل المثال " مستودع العقد المركبة الذى تطور عن طريق بيئة المستعمرات ويذهب الى أن مشكلة النزعة الإستعمارية لاتستند فقط على علاقات متبادلة للظروف التاريخية الإستثنائية لكن أيضاً على سيكولوجيات إجتماعية ناتجة عن طريق هذه الظروف "
فى كتابه " السردية العربية الحديثة _ تفكيك الخطاب الإستعماري وإعادة تفسير النشأة ، يقول الناقد والمفكر العراقي الدكتور عبدالله إبراهيم " أسقطت فلسفة التاريخ الغربية دلالتها على الغزوات الإستعمارية وأعتبرتها حملات تنويرية من أجل خدمة البشرية ، فقدمت بذلك تفسيراً يوافق منظورها للعالم ، إذ رأت فى كل ذلك تحققاً للحتمية التاريخية الهادفة الى التقدم الإنساني ، وعلى هذا عدت الحملة الفرنسية الحدث الذى ينبغى أن يؤرخ به الإعلان عن بداية التحديث فى الجزء العربى من الشرق ذلك الى أن الراكد والخاضع للإستبداد العثمانى وقد ذهبت عليه رياح التغيير لتزيح عنه الخمول"
مدرسة التابع:
من الصعب تعريف أدب مابعد الإستعمار دون الوقوف عند مدرسة يصعب على المرء قراءة هذا الأدب وفكر مابعد الإستعمار دون الوقوف أمام تيار "دراسات التابع " ومدرسة التابع يعود المصطلح الى المفكر الماركسي الإيطالى " غرامشي" الذى يشير به الى العمالة الريفية والبروليتاريا ، فى حين تستخدم جماعة دراسات التابع المصطلح للإشارة الى القطاعات الواقعة خارج الصفوة الهندية ومن أشهر منظريها" هومى بابا " وغاياترى سبيفاك .
يقول المفكر الهندى "هومى بابا" فى كتابه " موقع الثقافة " " تتمثل إضافة عصرنا فى أنه يموقع سؤال الثقافة فى عالم ال مابعد .فلقد بتنا على حافة القرن ، أقل إنشغالاً بالفناء " موت المؤلف" أو الظهور " ولادة الذات " ووجودنا اليوم موسوم بأحساس قاتم بضرورة البقاء ، نعيش على تخوم الحاضر ، الذى لايبدو أن ثمة إسماً يناسبه ، سوى ، مابعد الكولونيالية ، مابعد النسوية _ والمابعد ليس أفقاً جديداً ولامغادرة للماضى ... أن فى ال مابعد ضرباً من الإحساس يفقدان الإتجاه ، أو إضطراب الوجهة : حركة إستكشاف قلقلة على أفضل وجه ذلك الفصل الذى بقيمة الفرنسيون بين الكلمتين هنا وهناك فى الأنحاء جميعاً ، قريب وبعيد ، خلف وقدام".
خرائط:
يري الدكتور مصطفى عطية جمعة فى كتابه " القرن المحلق _ الرواية الأفريقية مابعد الإستعمار " أن السرد وثيقة إجتماعية ثقافية نفسية بجانب البعد الجمالى الذى ينطوى عليه على مستوى الأسلوب وبنية النص والأحداث وطبيعة الشخصيات المقدمة وحيويتها تمكن المؤلف من التشويق وجذب القارئ وإقناعة بالإيهام الذى يعنى إغراقه فى أجواء السرد _ إن الروائى السارد مثل الإنسان العادى ، يبدع سرده عن المحيط الإنسانى القريب منه ."
وتذهب الكاتبه الهندية "جيرمندرا " .ك .بامبرا فى كتابها " إعادة التفكير فى الحداثة " الى " سعى مونتسكيو فى مؤلفه الكلاسيكى " روح القوانين " الى إثبات أن الأفراد كانوا نواتج لمجتمعهم وهذه المجتمعات تباينت عبر الزمان والمكان ولم يكن معنياً بظروف الإنسانية فى صورتها المجردة لكن بالأحرى ركز على خصوصية الأمم والثقافات التى تشكلت خلال جغرافيتها ومناخها وتقاليدها ."
ولكن السؤال ما الذى يميز رواية خرائط للكاتب الصومالى نو الدين فارح . لعل دراسة دكتور مصطفى عطية قد تطرقت لكثير من جماليات الرواية وخطابها فى أن هذه الثلاثية أطلق عليها إسم دماء فى الشمس وتضم روايات خرائط (هدايا _والأسرار وهذه الثلاثية تتشكل من ثلاثة مستويات سردية المستوي الأول ، زمنى ،سياسي يتعلق بمجريات السياسة وأحوالها ‘المستوى الثانى إجتماعى زمنى ، المستوى الثالث مكانى ويشمل تفاعل المستويين السابقين فى الفضاء المكانى "
تبدأ الرواية بتشابك الوجود والفناء إذ يموت الأب قبل شهور من ولادة الأبن وتموت الأم وتتركه وحيداً وتجده إمراة إسمها " مصراً" ينشأ معها وترتبط حياته بحياتها ، ومصيره بمصيرها . الرواية مع تتبعها للتاريخ السياسي للصومال وحروباته ، إلا أنها جغرافياً إرتكزت على مأساة " الأوغادين " إذ تمثل علاقة الجغرافيا بالأنسان ، المكان المستحوذ عليه من " الجار" بحكم الأمبراطورية ودائرة مصالح وتشابكها _ المكان المهدد بالزوال وكان يمثل البديل الثانى فى دائرة النزوح لخرائط إجتماعية للبطل " عسكر " والعلاقة الأنسانية بالمربية" مصرا" تتحدث بلسان " الأمهرا" وتعيش فى أرضها التى لم تجد فيها غير الغربة مع فقدان العائل ، فقدان ، الأبن ، فقدان الزوج ، وعلاقة حب وقهر مع " عوضان" هذا السرد المتشظى بتناغم مع مأساة الصومال الكبير ولعنة التقسيم بأيادى الإستعمار ، تقسيم سياسي وإجتماعى مع بقاء الثقافة الممتدة بين كل أقاليم وأقاويم البلد الواحد . يستلهم "فارح " فى هذه الرواية ، روح المكان فى عالم يحف به الذعر من المجهول وهذا "الذعر " مرادف للبقاء والكينونة ورافض للتجزئة .
تقول الدكتورة فاطمة قنديل في كتابها" الراوي الشبح – شعرية الكتابة فى نصوص جبران خليل جبران (أن مصطلح الراوي الشبح ينطوي على الراوي العليم والانا الشعرية وكلاهما يجسدان الذات الكاتبة التى تذوئ في نسيج فضاء الكتابة ) ورواية خرائط هى بإمتياز رواية " الراوىّ العليم الذى يمسك بكل خيوط السرد ،بالفكرة ، وتراه فى كل تفاصيل الحكاية _المقولات على لسان شخصيات الرواية _ ولربما كانت الثقافة العالية "للراوىّ العليم " فى تضاد مع ثقافة شخوص روايته إذ أن بعضهم لاتتوازى ثقافته مع لغته وفلسفته .
تميزت رواية خرائط بتجسيد الذات الكاتبة _الراوّى العليم _الأنا الشعرية مما زاد من جماليات السرد وقوة الفكرة .مسرح الحكاية، إرتبط بمصرا _خادمة حالتها مثار للجدل ،لم تكن إلا تلك الخادمة التى جاءت من مكان ما من الشمال _تتحدث الأمهرية بوجود حبيبها"عوضان" " العم قورح ،متحجر القلب _ زيجاته متعددة _ لاتستطيع عدهن ، لأنهن كثيرات _ عسكر ، مات والده قبل مولده ، والده كان مجنداً فى حركة تحرير الصومال الغربى وجدته "مصرا" فى حضن والدته المتوفية ".
وترى الكاتبة " سعيدة تاقى " فى كتابها " تحولات الرواية بين بنى التحديث وأنساق التراث ممكنات الفهم والتأويل " " يتطلع تحليل الخطاب الى مساءلة تلك الهوية الإبداعية المحققة ، برصد التحويرات والتعديلات ذات البعدين الفنى والجمالى التى حاور عبرها الجنس الروائى ذاته . وتتوخى المساءلة بذلك _ سبر مايتوارىّ خلف تلك التحويرات من مقول صعب عليه أن يعلن عن نفسه خارج منحى الإختراق الإبداعي ومعترك التجديد المغامر ومنعطف الإنتهاك التجنيسي ، ولما كان الخطاب ، عموماً " ليس سوي لعبة ، لعبة كتابة فى مرحلة أولى ، لعبة قراءة فى مرحلة ثانية ، ولعبة تبادل فى مرحلة ثالثة ، بحيث لاتعتمد الكتابة والقراءة والتبادل إلا على العلامات ممايجعل الخطاب يلغى ذاته حالما يضع نفسه ضمن نظام الدال " فإن التعامل مع خطاب تلك التحققات النصية الروائية لايتم بوصف الخطاب مجموعة دوّال ، بل بوصفه ممارسة إبداعية تستفيد من فائض قيمة الكتابة السردية ومن أرباح خلف الرواية ".
اللغة السردية
لغة السرد بسيطة بلا تعقيد إلا أنها كانت واضحة ومحددة فى الوصف " وساد الصمت ، ثم فجاة حدث إنفجار ، وبعد توقف قصير دوّى جديد آخر ، ثم ثالث وبعده رابع ، هل وصلت الحرب الى كالافو؟ " إكتشفت مصرا وهى مسرورة أن إبداعات الأطفال لم تزل تدهشها _ رموا شاخص " عوضان " فى إحدى الصباحات ، وفى المساء أحرقوا شاخص هيلاسلاسي ، لقد نحتوا صورة الأمبراطور من العلب الفارغة وقطع الخشب" .
" سأل عسكر مصرا عندما شاهد أن الأثيوبيين كانوا يبعثون بنسائهم وأطفالهم بعيداً عن نطاق الحرب " قولى لماذا تغادر هذه الشاحنات المحملة بالنساء والأطفال كالافو ، لماذا ؟" .
" كانت مصرا تقول: " كنت أظن أنك تريد منى أن أخبرك بموقع الصومال أومأ عسكر برأسه موافقاً .
فقالت وهى تشير بسبابتها المرطبة بالدم _هنا "
فكرر السؤال " أين " ؟
قالت هنا للمرة الثانية بغتة حتى أن عسكر يكاد يقسم أن الصومال كانت أسماً لشخص ، ربما يكون صديقاً لها ، شخص ربما دعى لتناول طعام كانت تحضره ، أضافت هذه هى الصومال شرقاً .
ويرى دكتور مصطفى عطية فى دراسته لنموذج رواية خرائط لنورالدين فارح أن السرد فى هذه الرواية يعتمد على شخصية رئيسية وهى الفتى عسكر نشأة وتربية وسلوكاً ، آمالاً وآلاماً فهى رواية أشخاص تدور الأحداث فى فلكها ومايعن في نفوسها من خواطر وماتطرحه من أسئلة تتصل بوجودها "
والمفارقة فى الرواية كما يقول دكتور مصطفى عطية " مثلث شخصية مصرا البعد الثانى فى الرواية بعد البطل عسكر ، فهى تنتمى الى البلد الذى ناصب الصوماليين الجار الأقرب العداء لانه أحتل جزءاً عزيزاً من بلادهم ، أما البلد المنطقة التى تنتمى إليها بالفعل وتعيش "
" الآن يدرس الخارطة كما عكست بأمانة فى المرآة أمامه . مئات الكيلومترات الى جغجيغا ، الكثير منها من جغجيغا الى هارجيسا، ومن الجزء الصومالى من كينيا . خرائط حقيقة . عقل يسافر عبر الخارطة المتدرجة والعين تزيح الألوان الملائمة للقارات المختلفة "
خلاصة
تخلص القراءة الى الآتى:
1_هى رواية خرائط مفقودة بفعل فاعل ، وهى خرائط وعي بالتاريخ والجغرافيا وحتمية تكامل المكان المفقود يوماً ما .
2_ رغم سيطرة الراوىّ العليم وغياب تعدد الأصوات إلا أن شخصيات مثل " هلال " " الخال" و" صلاتو" كانت تمثل نسيجاً فريداً فى مسيرة تاريخ البطل "عسكر " .
3_ شخصية " مصرا" تمثل العلاقات الإنسانية فى أبهى صورة إذ إنتصرت الأمومة على كل ماعداها فى تربية " عسكر " مع معرفتها بجذوره.
4_ هذه الرواية علامة فارقة من علامات الرواية الأفريقية مابعد الإستعمار .
5_ فى هذه الرواية تمييز بين أوجه متعددة تتأول، الجغرافيا ، المكان ، الزمان ، سطوة الإستعمار فى تجزئة خرائط الدول .
6_ الهوية بمعناها الضيق لم تعد مفتاحاً على العطاء الإنساني الكبير ، كما أن هذه الهوية تحصينها من عاديات الزمن والفضاء الكونى المفتوح بتحصين الثقافة المحلية والإبتعاد عن الإنغلاق الفكرى والثقافى .
7_ ويرى دكتور مصطفى عطية جمعة أن رواية خرائط تمثل نموذجاً حياً لأدب مابعد الإستعمار ومأساة مستمرة لإحتلال أثيوبيا إقليم أوغادين "وهو مايفتح المجال لمناقشة صور الإحتلال لعدة أقاليم جغرافية فى عالمنا المعاصر، الذي يعيش حقبة مابعد الاستعمار ومابعد الحداثة ومابعد كورونا.