طاوس عمروش السوبرانو الجزائرية المنسية زينب الأعوج
طاوس عمروش السوبرانو الجزائرية المنسية زينب الأعوج طاوس عمروش أخت الكاتب "جان عمروش" وزوجة الفنان التشكيلي والشاعر والصحفي الفرنسي "أندري بورديل"، من أوائل الكاتبات الجزائريات المؤسسات للرواية باللغة الفرنسية، اللواتي تركن بصمة متميزة في الأدب الجزائري خاصة على مستوى المضامين. امرأة متعددة المواهب، متشبعة بعمق بالموروث الثقافي الجزائري الأمازيغي بكل غناه وأبعاده، صدرت لها روايتها الأولى " jacinthe noire" سنة 1947، ورثت رصيدا معرفيا شعبيا كبيرا عن أمها "فاطمة آت منصور عمروش،"التي كانت خزانا للثقافة الشعبية من حكايا وأمثال وأقوال مأثورة
طاوس عمروش السوبرانو الجزائرية المنسية
زينب الأعوج
طاوس عمروش أخت الكاتب "جان عمروش" وزوجة الفنان التشكيلي والشاعر والصحفي الفرنسي "أندري بورديل"، من أوائل الكاتبات الجزائريات المؤسسات للرواية باللغة الفرنسية، اللواتي تركن بصمة متميزة في الأدب الجزائري خاصة على مستوى المضامين. امرأة متعددة المواهب، متشبعة بعمق بالموروث الثقافي الجزائري الأمازيغي بكل غناه وأبعاده، صدرت لها روايتها الأولى " jacinthe noire" سنة 1947، ورثت رصيدا معرفيا شعبيا كبيرا عن أمها "فاطمة آت منصور عمروش،"التي كانت خزانا للثقافة الشعبية من حكايا وأمثال وأقوال مأثورة وقصائد متوارثة، امرأة بذاكرة لم تشح ولم تنفذ ورثتها عن أمها "عينة آيت العربي" التي زوجت لرجل يكبرها سنا وأنجبت منه طفلين ، بعد وفاة زوجها فضلت أن تكرس حياتها لطفليها بعيدا عن العائلة الشيء الذي دفعت ثمنه غاليا
إذ تنكر لها أخوها وحرمت حتى من حضور جنازة والدتها. معاناة الجدة "عينة" وتشردها مع أبنائها واضطرارها لترك ابنتها الصغرى فاطمة بسبب أوضاعها، عند الأخوات البيض لتدرس وتتعلم فن الحياة وتحصل على عمل، مقتنعة أنه هو السلاح الأساسي والضروري للمرأة في ظل تلك الأوضاع المزرية. تدرس الطفلة وتتعلم وتحصل على شهادة وتعمل في مهنة التمريض، لكنها تعود في الأخير بين أحضان أمها بشوق كبير وإحساس قوي بالحرمان، تحتضنها الأم بعمق شارحة لها قساوة الحياة ومعاناتها وجرحها الدفين ومواجهتها للعقل المتحجر في مجتمع ذكوري لا حق فيه للمرأة لا في اختيار زوجها ولا في اختيار وتحديد مصيرها، ليتحول إلى سيرة ذاتية بعنوان " قصة حياتي" الذي نشر بعد وفاتها سنة 1968، كل ذلك سكن بقوة عمق الطفلة طاوس التي جعلت منه مادة فنية وإبداعية وسلاحا معرفيا في مواجهة كل ما يمكن أن يقف في طريقها، توجته بكتاب " البذرة السحرية " الذي ضمنته ذاكرة أمها كامتنان وشكر لما قدمته لها من زخم ثقافي وإصرار على كمش الحياة من كل جوانبه، مؤكدة بذلك أنه مهما كانت قساوتها ومعاناتها فهي تستحق أن تعاش.
طاوس عمروش المولودة في 4 مارس 1913 بتونس والمتوفاة في 2 أفريل 1976 بفرنسا كان لكل دقيقة أو ثانية في حياتها قيمتها ووزنها، لأنها آمنت بعمق ومنذ طفولتها بأن لها مهمة كبرى متمثلة في الحفاظ على الذاكرة الجمعية من الاندثار، جمعت الرموز والبصمات وخزنت الأصوات والألحان المتعددة بمختلف ترنيماتها، واصلت بهدوء وبعد نظر ترتيب الحلقات المتاحة وتلك المفقودة أو الغامضة، حلقة حلقة حتى لا ينفلت أي خيط من سدة النسيج التي أنتجتها وحاكتها وحافظت عليها الجدات الغابرات في صمت وصبر لا يشبهه حتى صبر أيوب. أحست واقتنعت أن لها المسؤولية الكبرى في توثيق ما ورثته عن جدتها وأمها، إذ ساعدت أمها على توثيق الشعر الأمازيغي الشفهي وتدوينه وجمعه وترجمته إلى اللغة الفرنسية، تلك الأم التي سكنها التحدي والرغبة في تحقيق الحلم الذي راودها بعد أن عايشت معاناة المرأة في مجتمع منغلق وظالم على كل المستويات وبعد أن عانت هي نفسها الظلم والتهميش واللامبالاة. امرأة لم يمنعها إنجابها لثمانية أطفال ورعايتهم، من أن تدخل مجال الإبداع شعرا ونثرا، وأن تهتم بجمع الموروث الشفوي.
طاوس عمروش أنتجت ونشطت الكثير من البرامج الثقافية في الإذاعة التونسية من سنة 1933 إلى 1940، في الستينات فتحت لها الإذاعة الفرنسية الأبواب واحتضنتها لما كان لها من حضور متميز . استطاعت بذكائها وعلاقاتها الفنية والإبداعية وفضولها الكبير لمعرفة الآخر ومحاولة إبراز ما في داخله من جمال أو تذمر واحتجاج، من أن تجعل من منبرها منارة وبوصلة لأهم المبدعين والفنانين والمفكرين في تلك المرحلة من فرنسيين وأوروبيين وأفارقة وجزائريين، إذ استضافت أهم الأقلام وأهم الأصوات من أمثال محمد ديب، كاتب ياسين، مالك حداد، إيمي سيزير، جان بيليقري، نبيل فارس وآخرين كثر. امرأة متميزة واستثنائية لم تأخذ حقها مثلها مثل الكثيرات المتواجدات في كل شبر من الجزائر، ممن سخرن كل طاقتهن الإبداعية ومعارفهن في مجالات مختلفة لإبراز جانب من الجوانب الفنية والجمالية الجزائرية في أحلك الظروف وأصعبها مع شُح المنابر والإمكانات، عملن المستحيل للوصول إلى الأرقى والأجمل بالوسائل المتاحة. امرأة استثنائية ملأت بحضورها وبصوتها أكبر القاعات في فرنسا وأوروبا وحتى بعض الدول العربية، في المغرب مثلا. تحصلت على العديد من الجوائز التكريمات على ما قدمته وأضافته للموروث الثقافي الأنساني نصا وصوتا، إذ تحصلت سنة 1967 على الجائزة الكبرى لأكاديمية الغناء على أول عمل لها.
لا ضرر في أن أكرر ما قلته في إشراقتي السابقة، ماذا لو أسمينا أوبرا أو قاعة سينما أو قاعة مسرح أو دار ثقافة أو معهد موسيقى.. أو.. أو .. باسم السوبرانو والروائية "مارغوريت طاوس عمروش" رائدة الأوبرا الجزائرية في فرنسا والتي نقلت النموذج الشعري القبائلي الاجتماعي والصوفي بصوتها نحو صالات أوروبا والعالم.