حمزة علاء الدين سفير الموسيقى النوبية

حمزة علاء الدين سفير الموسيقى النوبية بقلم كين هارت ترجمة: بانقا الياس ربما يبدو من المضحك لشخص مثلي نشأ في جنوب لندن، وفي شارع يدعى شارع الكمنولث، أن لا تترك الموسيقى الأفريقية إي أثر على شبابي، بينما يهدهدني في آخر الليل لأنام دوي موسيقى غرب الهند المزدهرة في نهايات الخمسينات،

حمزة علاء الدين سفير الموسيقى النوبية

حمزة علاء الدين سفير الموسيقى النوبية

بقلم كين هارت
ترجمة: بانقا الياس

 

 

 

 

ربما يبدو من المضحك لشخص مثلي نشأ في جنوب لندن، وفي شارع يدعى شارع الكمنولث، أن لا تترك الموسيقى الأفريقية إي أثر على شبابي، بينما يهدهدني في آخر الليل لأنام دوي موسيقى غرب الهند المزدهرة في نهايات الخمسينات، دون أن أتذكر أي موسيقى نيحيرية أو غانية قد صاحبتني في سنوات النضج، حتى استمعت إلى المجموعة الثانية لنهضة الموسيقى الفلكلورية، التي قدمت في الحفلات المسائية لمهرجان نيوبورت للموسيقى الفلكلورية الذي لم يحقق النجاح المتوقع له. كانت الموسيقي الأفريقية الوحيدة التي استحضرها لحمزة الدين ( حمزة علاء الدين) سفير الموسيقى النوبية. ولكن في الوقت الذي أصبح فيه حمزة عازف العود والمغني يظهر في اعلانات مهرجان نيوبورت للموسيقى الفلكلورية، كانت له حياة نابضة خلفه، وأخرى أكثرحيوية تمتد أمامه.
يشتهر وطن حمزة النوبي بتكوينه الصخري،الذي اكتسب شهرة بإنجاز الأعجوبة الهندسية لخزان أسوان الذي أكتمل العمل فيه في عام 1902. و طوّر في عام 1912 ليربط أعلى النهر بصورة أكثر فعالية. ولد حمزة في العاشر من يوليو 1929 في منطقة وادي حلفا قرب الحدود السودانية- المصرية. وبعد خمس سنوات غمرت مياه تعلية خزان أسوان المزيد من أرض النوبة فرحلت أسرة حمزة قبل أن يبني ما يعرف بسد أسوان العالي. و من المدهش أن تلك المياه قد روت خياله الموسيقي. اختار له والده أن يدرس الهندسة ليحصل على وظيفة محترمة، وكأي أبن نجيب لبى رغبة والده وأكمل دراسة الهندسة وتخرج فيها مهندسا. عمل في السكك الحديد المصرية وروحه تضمر عشق الموسيقى منذ صباه الباكر ،ولربما غذي ذلك سرا جده الذي رباه ،والذي كان يعشق الأدب الصوفي والفن، فقدم إليه شعر ابن الرومي، ولربما كان معجبا بتعلق حمزة بالفن والأدب وخاصة ترجمة كولمان بارك "مزيدا من قصائد ابن الرومي".

 

 


تلعب الموسيقى دور ضئيلا في خلفيته الثقافية، فتربيته الاسلامية كما يقول" لم تكن بالصارمة في الواقع ، ولا بالأرثوذكسية المتشددة، بل كانت متساهلة". وكان كثير من المجتمعات لا تحبذ صنعة الموسيقى ويؤكد حمزة " إنها الثقافة السائدة وليست الدين ، فالثقافة هي التي تؤثر فينا". ولذا عندما لمسته الموسيقي جذبته بعنف وعن ذلك يقول" عندما كنت ولدا صغير جئت إلى القاهرة وتعرضتُ للحياة الحديثة بكاملها. فحيث ولدت لم تكن لدينا حتى عجلة نلعب بها. وفجأة أكتشفت أن صندوقا رماديا له زر أصفر يقبع في زواية المقهى الموجود في في أسفل العمارة التي كنا نسكن فيها يصدر أصواتا عجيبة. كان ذلك هو  المذياع وكانت تلك اول مرة أشاهد فيها واحدا. سمعت هذا الصوت. كان شيئا لم اسمعه من قبل وكانت تلك أول مرة اسمع فيها موسيقى. كنت وقتها في الخامسة أو السادسة من عمري ذهبت فيها مع والدي إلى مصر. فيما بعد اصبحت الثقافة الموسيقية المصرية بالنسبة إليّ مألوفة".
كانت سمعة القاهرة في الثلاثينات تعد واحدة من أكبر المدن الموسيقية في العالم العربي، ومصرمن واحدة من أعظم الأمم الموسيقية. كان عصر بزوغ نجوم كبار في قامة محمد عبدالوهاب وام كلثوم، الموسيقيون الذين تجاوزا الموسيقي الشعبية العربية لعدة عقود،و تبعث موسيقاهم طربا يتمدد أبعد من الحدود السياسية المصرية في ذلك الوقت. و يعلق حمزة بظرف ”بين كل مقهى ومقهى آخر، كان هناك مقهى وفي كل مقهي يوجد جهاز راديو. عندما تمشى على الشارع تستمع إلى الموسيقى بلاانقطاع. خاصة إذا كان في تلك الليلة حفلة لأم كلثوم،تكون كل البلد في حالة استماع لها. وانت تتمشى على الشارع ستكون نفس الأغنية تتابعك حتى ولو سرت لمدة نصف ساعة ستسمع إلى نفس الأغنية في أي مكان." أما كيف دخلت الموسيقى حياته فيقول " أكتشفت أثناء دراستي للهندسة الكهربائية بجامعة القاهرة جمعية الموسيقي وصار بمقدوري الدخول إلى غرفة الموسيقى ولمس تلك الآلات لأول مرة في حياتي. لأن الموسيقى لم يُسمع بها في ثقافتي، فهي ليست نوبية. ولا يسمح والدي بها إطلاقا. وهكذا تعرفت على العود". للعود أشكال عديدة منها العود العربي المستحدث قصير العنق وعود حمزة له ستة أوتار مزدوجة.ويقتطف منها عادة أكثر النغمات شاعرية بريشة صقر تنقر الطريق مابين الموسيقي والمستمع الذي عبده النشاط السياسي للطلاب." كنت أدرس الهندسة الكهربائية، وكدارس للهندسة ستكون على علم بشيء مثل تعلية خزان أسوان، لقد تأثر أهلي من قبل بخزان أصغر يدعي خزان أسوان قبل السد العالي. وبالطبع يفقدالناس شيئا نفسيا عندما يرحلون. كنت أخشى أن يكون أهلي قد تأثروا بمياه تعلية خزان أسوان التي ستغمر الأرض التي عشنا فيها منذ فجر التاريخ. وكما تعلم الشباب في الجامعات دائما نشطون سياسيا وأنا كنت واحدا منهم استخدمت الموسيقى لشحذ الهمم للوقوف مع المصلحة الاجتماعية لأهلي." 
حصل حمزه بعد التخرج على وظيفة مهندس في السكك الحديد المصرية. وبعد فترة قصيرة شرع في تعلم الموسيقى في معهد الموسيقى في القاهرة. ويتذكر قائلا " في ذات الوقت كنت ألحن لأهلي.لم تكن لدي خلفية موسيقية ولا لأهلي، ولهذا لو فعلت أي شيء يبدو لهم مسليا،ويعجبون بأي شيء حتى تلك النغمات التي تصدر عندما أدوزن عودي."
في انتقاله إلى روما لإكمال دراساته الموسيقية ألتقى حمزة بمهاجر امريكي ونشأت بينهم صداقة حيمية باهظة البساطة، كان ذلك جينو فورمان الذي فكر أن يزور بلاد النوبة. و لكن صرف النظر عن هذه الفكرة بعد التخرج وصارت له فكرة أخرى. يقول حمزة عندما انتهينا من الدراسة " أقترح جينو أن أذهب معه إلى أمريكا لأجراء أول تسجيل لي قبل رجوعي إلى الوطن. كان صديقا للمغنية الشهيرة جوان بايز والمغني بوب ديلان وغيرهم. سلمهم شريطا قصيرا لتقديمه إلى الشركات التي يسجلون فيها. أخذت جوان بايز الشريط إلى شركة فان غارد وهذا ما أتي بي إلى هنا."
أثمرت علاقة حمزة مع فان غارد ألبومين، موسيقى من النوبة صدر في 1964 وتلاه بعد عام ألبوم العود. ومع ذلك كان التعرف على موسيقى حمزة بالنسبة إلى الكثيرين عبر المقتطفات الموسيقية للحفلات المسائية لمهرجان نيوبورت للموسيقى الفلكلورية. سألت حمزة كيف استطعت أن تحصل على فرصة للظهور في مهرجان نيوبورت، أجابني " حسنا، كم كريم هو الله، جئت إلى هنا في اكتوبر عام 1962 وكنت في متصف عملية التسجيل. ذهبت مع جينو إلى بوسطن وأخذني هناك إلى نادي بعودي المكسور لقد جئت إلى هنا بعود مكسور. وطلب مني أن أعزف بالطبع ما كنت سأعزف إلى أناس يشربون لكن فعلت ذلك من أجل جينو.. بعد انتهائي من العزف تقدم نحوي شخص محترم وسألني " هل تود أن تعزف في مهرجان نيو بورت؟" لم أكن أدرى ماذا يعني مهرجان نيوبورت! حسبته ناديا مثل الذي كنا نحن فيه. أجبته ، " نعم.. إذا كانوا لا يشربون." ضحك طويلا لشجاعتي وسذاجتي وانصرف.

وفي الوقت الذي كان يناقش فيه معي فكرة الأشتراك في مهرجان ينوبورت في عام 1964 ، حلّ يوم حقوق الانسان في الأمم المتحدة في نيويورك. علمت إنهم يستخدمون موسيقى في ذلك الاحتفال. قدمت نفسي وحاولو رفضي بحجة إنهم يعزفون موسيقى كلاسيكية. سألت الموظف، " ماذا تقصد؟ ومن الذي قال أن الموسيقى الغربية وحدها هي الموسيقى الكلاسيكية؟". كان يوثانت هو السكرتير العام للأمم المتحدة أنذاك وقد حدث أن قابلته ذاك اليوم  صدفة في  ردهات  المبنى فشكوت له بأننا لن نستطيع الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الانسان. قال " من الذي قال ذلك؟" قلت له " ذلك المحترم الذي يدير المكتب. دعاه، فقدمني، وعزفت في اليوم العالمي لحقوق الانسان. كان ذلك نجاح آخر دفع القائمين على مهرجان نيوبورت لقبولي من غير تردد." 
صار حمزة رقما ثابتا فيما يسميه (بحلقة موسيقى الصفوة) كان هناك شغف كبير بموسيقاه االكلاسيكية الغير غربية، غذى جانبا منه الاهتمام بالموسيقى الكلاسيكية الهندية. ويذكر على سبيل المثال مقابلته للمؤلف الموسيقي تيري رايلي في كاليفورنيا 1968 وكيف قاد ذلك اللقاء ليعمل حمزة كمعلم وموجه للموسيقى. كما أثمرت العلاقة بينهما في عام 1990 إلى تسجيل رباعيات كرونوس وهي من تأليفه.
بالرغم من أن حمزة قد عرف بعزفه للعود حتى في تسجيله الأولي المفرد لفان غارد بمصاحبة ساندي بول الذي يقرع على آلة البونغو فحمزة يقرع الطار أيضا. والطار هو آلة النوبة العذبة الصوت، أرجو أن لا نخلط بينه وبين الآلة الإيرانية الوترية التي تحمل نفس الأسم. يقول حمزة" يُستخدم الطار بصورة واسعة ولم يصير أحد آلالاتي إلا بعد أن بدأت في تدريس الأعجاب الموسيقي في بنسلفانيا في عامي 1966/1967 . والعود هو آلتي الشخصية حتى وأنا في وطني."

 
 
إن مفتاح التأليف الموسيقي عند حمزة يبدأ بإشارة نغمية تسكنه، وهي صوت (اسكالاي) أي الساقية باللغة بالنوبية. وصارت الساقية أسم الألبوم الذي أصدرتة شركة ننستش اكسبلورار في 1971 بغلاف لقطعة موسيقية لمحمد عبدالوهاب وأغنية (نوبالا) بالطار.وقد وضع هذا االألبوم اسم حمزة في الخارطة الموسيقية بالنسبة للكثيرين. (وقد أعدت نن ستش اكسبلورار الخطة لإعادة إصداره في 1997 بالرغم من أنه قد صدر مسبقا من فرعهم في اليابان.)
أما ميكي هارت الذي سجل ألبومه كسوف في يناير 1978 قد جعله ضيف شرف للعديد من حفلات قريتفل ديد، ومن أهم هذه الحفلات التي لاتنسى تلك التي كانت في الأهرامات والتي كان التقديم فيها أيضا فونوغرافيا أثناء الكسوف الكلي للشمس في سبتمبر من نفس العام. ويقول هارت " كان ذلك أول لقاء لي مع حمزة. والجميع كان قد استمع إلى ألبوميه الساقية وكسوف. ويتم تدوالهما بصورة واسعة لقد كانا فريدين حقا. كانت موسيقى ناعمة. وأول موسيقى ناعمة تعزف بالنقر تقابلني. وأول موسيقى صحراوية. لقد أسرتني.وهي الأول من نوعها،كان صوته حريريا ولكن به مسحة من رمل أيضا. وبالطبع هو سيد الصمت في المسافة بين النغمات. كم كانت تلك التسجيلات رائعة جدا."
أما الساقية التي كانت أول اصدارت حمزة بواسطة نن ستش اكسبلورار فقد أعيدت بسياق جديد في عام 1992. وصارت أقدم وأفضل المقطوعات في ألبوم رباعيات كرونوس، مقطوعات من أفريقيا الذي صدر في 1992 .
والساقيه هي اللوحة المركزية في ألبوم اسكالاي، فالساقية عند النوبيين ليست مجرد آلة لرفع المياه بل رمزا للحياة نفسها. مثلما يجر الثور الساقية التي تصدر صريرا في دوراتها المتكررة القاسية، تطلق إيقاعاتها الرتيبة أصواتاً تشحذ خيال الحالمين فينسجون على تلك الايقاعات كلمات ولحن كل يغنيه على هواه. 
ويتذكر حمزة الطقس االذي كتب فيه تلك الموسيقى" كانت البداية في عام 1964 العام الذي توجب على أهلي فيه ترك قراهم ليستضيفوا مياه خزان اسوان العالي. وبعد رجوعي للوطن في عام 1965 بعد تسجيل الألبوم الأول واشتراكي في مهرجان نيو بورت واليوم العالمي لحقوق الانسان في الأمم المتحدة. زرت أهلي في مناطقهم الجديدة فأدركت كيف تغيروا. وعندما عدت إلى الولايات المتحدة كنت جالسا في الأستديو الخاص بي وحاولت العزف على العود لكني لم استطع أن أمسك بأي نغمة فطفقت أردد سأذهب لتناول الغداء.. سأذهب لتناول الغداء.. سأذهب لتناول الغداء وهو ترديد لنغمة الساقية. وفجأة جاءني شخص من لوس انجلوس برفقة صديقته طالبا مني تسجيل بعض أعمالي لشركته. ما أن رأت صديقته رسوماتي على الحائط حتى شهقت قائلة " يا ألهي لدي بعض الشرائح المصورة تشبه هذه اللوحات تماما." طلبت منها رؤية تلك الشرائح فأخذتني إلي منزلها ووضعت الشرائح في البرجكتور، كانت رحلة نيلية من أسوان إلى وادي حلفا على الحدود السودانية. لم تكن القرى النوبية تظهر في شكل دائري لكنها تحتضن النيل، تعرفت على كل جبل وقعت عليه عيناي، وكل مرفأ، أو شاطيء رأيته وكنت أعرف أين أنا في كل لقطة، لقد كنت منفعلا نفسيا. أهدتني الشرائح والبرجكتور. رجعت إلى منزلي فسجلت تكرار صوت تلك الساقية حتى قبل أن اسجل الساقية. أدرت شريط التسجيل ووضعت الشرائح على البرجكتور، فكنت مع الموسيقى كأنني أجلس على الساقية وارى العالم يدور من حولي. كان العالم نفسه يدور حولي وأنا جالس في اتجاه واحد. عندها أدركت أن تلك المقطوعة من الممكن أن توصف الساقية.
أما البوم كسوف الذي سجله هارت كان عبارة عن محاولة للأمساك بجوهر التقليد النوبي الذي يتقدم نحو النهاية. فإذا كان العرف النوبي هو الماء، فإن كسوف كالشادوف وأعمدة الإرتكاز التي تنقل الماء إلى جداول الري. يقول حمزة " سميته كسوف لأنه أسلوبه الموسيقى يتلاشى. مثل اسلوب أغاني ام كلثوم الطويلة، والتي لن توجد مرة أخرى. والموسيقى هذه الأيام مثل السندويتشات، والسندويتشات لا تشبعك. لكن أغنيات أم كلثوم كانت مشبعة. ونوع موسيقاي وتصفيق الأيادي االمصاحب لها ما عاد يُستخدم كثيرا. خاصة بعد خزان أسوان العالي بدأ ايقاع أهلي يكون أسرع وما عادوا يركزون على الروح الهادئه في موسيقاهم. ولهذا سميته كسوف لأن الموسيقى فيه تتلاشى."
وصلتني في عام 1981دعوة من اليابان لحضور سمنار عن وجه الشبه بين آلة العود وآلة البيوا " أكتشفت اليابان وثقافتها. وقعت في حبها فقررت أن استقر فيها." كان حمزة في تلك الأيام يتنقل بين اليابان وأمريكا ولكن اليابان هي التي قامت بطباعة سيرة حياته باللغة اليابانية تحت عنوان الرحلة: مثلما يتدفق النيل. ثم طلبت منه قناة NHK اليابانية أن يكتب في 1990 اللحن الأوكسترالي نوبيانا واصفا فيه كيف ينشط دورة اساقية.