شارل شابلن.. هذه هى الحياة

شارل شابلن.. هذه هى الحياة. الخرطوم -كليك توبرس -عامر محمد أحمد في طبعة لدار الهلال لصالح مكتبة الأسرة مصر وبترجمة الأستاذ صلاح حافظ، صدرت مذكرات شارلي شابلن في العام 2012 م. يقول شارلي شابلن ولدت في 16/أبريل 1889م

شارل شابلن.. هذه هى الحياة

شارل شابلن.. هذه هى الحياة.
الخرطوم -كليك توبرس -عامر محمد أحمد

 


في طبعة لدار الهلال لصالح مكتبة الأسرة مصر وبترجمة الأستاذ صلاح حافظ، صدرت مذكرات شارلي شابلن في العام 2012 م. يقول شارلي شابلن ولدت في 16/أبريل 1889م، في الساعة الثامنة مساء شارع ايست لين بلندن، وسرعان ما انتقلنا إلى ميدان ويست سكوير بشارع سانت جورج. وكانت حياتي -بناء على ماتقول أمى -سعيدة، فظروفنا كانت مريحة إلى حد ما، وكنا نعيش في ثلاث حجرات مفروشة بذوق جميل. ومن ذكرياتي المبكرة أنني قبل ذهاب أمى إلى المسرح كل ليلة -كنت او ضع برفق في الفراش مع أخي "سيدني "ونترك في رعاية المربية. كانت أمى ممثلة في مسرح الفودفيل، وكانت في العقد الثالث من العمر ضئيلة الجسم وبيضاء البشرة ذات شعر بني فاتح وعينين لونهما بنفسجي ازورال. وكنا نعبدها انا واخي سيدني، ومع إن جمالها لم يكن خارقا، فإننا كنا نعتقد أنها تشبه الملائكة. وكانت لندن وقورا في تلك الأيام. كان ايقاع الحياة فيها وقورا حتي عربات الترام التي تجرها الخيل في كوبري وستمنستر كانت تمشي في وقار بطئ حتي تبلغ نهاية الخط ثم تستدير -بوقار كذلك. كانت هذه لندن حياتي وسر حياتي، ويقظاتي، ذكرى  (لامبث) في الربيع، ذكرى الأشياء والأحداث الصغيرة، ذكرى الركوب مع أمى فوق المركبة التي الخيل، وأنا أحاول أن ألمس أشجار السوسن، التي تمر بنا ذكرى بائعات الزهور ذوات الوجوه المتوردة عند ناصية كوبري وستمنستر ذكرى الرائحة الرطبة للورد المرتوي حديثا، وماكانت تتركه في نفسي من حزن غامض. ثم ذكريات لحظات تاريخية :زيارة حديقة الأسماك، ومشاهدة ماتحفل به من ألوان الملاهي مع أمى. و(غطسة الحظ ) في مقابل ستة بنسات.. عندما ترفعني أمى بيدها إلى برميل ضخم ملئ بنشارة الخشب، لاستخرج منه لفافة بخت تحتوي على صفارة من الحلوى، لاصوت لها ودبوس للزينة مرصع بالياقوت الزائف. وقد كان من الصعب في تلك الأيام ألا يشرب الخمر ممثلو الفودافيل، لأن الكحول كان يباع في كافة المسارح، وكان على الممثل حين ينتهي من أداء دوره -أن يذهب إلى البار ويشرب مع الزبائن. وبهذه الطريقة دمرت حياة اكثر من فنان، وكان والدي واحدا منهم. وقد مات بالافراط في الكحول في سن السابعة والثلاثين. وكانت أمى تروي عنه الحكايات بروح من الفكاهة والأسى. ومن ذلك أنه كان يفقد اعصابه بسهولة حين يشرب، وفى أحدي نوبات هياجه تركت له البيت وهربت إلى برايتون مع بعض الأصدقاء. فلما أرسل لها برقية غاضبة يقول فيها (ماذا تنوين أن تفعلي، اجيبي حالا)ردت تقول ببرقية مماثلة  (سهرات راقصة وحفلات ورحلات ياحبيبي) كان صوتها مصدر متاعب لها. فهو لم يكن قويا. وأقل إصابة بالبرد كانت تسبب لها التهابا في الحنجرة يدوم عدة أسابيع، ولكنها كانت مرغمة على أن تواصل العمل مما جعل صوتها يسوء. واذكر انني كنت واقفا في الكواليس في تلك الليلة عندما خان أمى صوتها وتحول إلى همسة خافتة، فبدأ الجمهور يضحك، ويمأمئ كالمعيز ويموء كالقطط وكان الأمر يبدو  غامضا بالنسبة لى، وأنا لا أفهم بالضبط ماهذا الذي يحدث ولكن الضجة ظلت تتزايد حتي ارغمت أمى على مغادرة المسرح. وعندما وصلت إلى الكواليس كانت شديدة الاضطراب، ونشب جدال بينها وبين مدير المسرح الذي قال شيئا عن ادخالى إلى المسرح لاحل محلها وقد رآني قبل ذلك أمثل أمام أصدقائها.. وأذكر أنه في حالة الارتباك السائدة قادنى إلى الداخل، وبعد أن قدم تفسيرا موجزا في كلمات قليلة إلى الجمهور تركني وحدي على المسرح، وأمام أضواء المنصة التي تخطف البصر والوجوه التي تسبح في الدخان، بدأت أغنى بمصاحبة الفرقة الموسيقية التى تعثرت بعض الوقت قبل أن تعثر على المقام الملائم لى. وكانت أغنية ذائعة الصيت أسمها  (جاك جونس)وكانت كلماتها تقول :
آلا ترى أن جاك جونس رجل طيب
وكل من في السوق يعرفه
إننى لااجد في جاك عيبا على الإطلاق
طالما ظل كما اعتاد أن يكون
ولكنه منذ وجد سبيكة الذهب ساءت حاله
انظر كيف يعامل اصدقاءه القدامى.

 

 


وتحولت امى إلى الدين آملة فيما أعتقد أن يعيد إليها صوتها. منذ ارتبطت أمى بالكنيسة لم تعد ترى أصدقاء المسرح. كانت أمى ضئيلة الجسم، حساسة، تناضل في مواجهة ظروف معاكسة رهيبة. في عصر فيكتوري بلغ فيه كل من الغنى والفقر حده الأقصى وكنت كلما زاد انحدارنا في هاوية الفقر ألوم أمى  -بجهلي  الصبياني-على عدم إلى المسرح. عندئذ كانت تبتسم وتقول لى إن تلك الحياة كانت زائفة وصناعية. وفى بعض الأيام -كانت -بعد أن تلوذ بالصمت وتنحني على إبرتها لتنجز عملها. وبحثت أمى مرة أخري عن وظيفة ولكن الوظائف كانت أندر من أن توجد. وبدأت المشكل تتراكم.. تأخرنا في دفع الأقساط فانتزعت ماكينة الخياطة من أمى نتيجة لذلك. ولم يكن أمام أمى حل آخر، فهي مثقلة بعبء طفلين وصحتها سيئة. فقررت أن ندخل نحن الثلاثة ملجأ لامبث.
-في ملجأ لامبث.
ومع إننا -أنا واخي سيدني -كنا نفهم مافي دخول الملجأ من عار، فإننا فكرنا في الأمر عندما اخبرتنا به أمى -كمغامرة مثيرة، واجازة
من الحياة في حجرة واحدة مزدحمة.. وعندما جاء ذاك اليوم الحزين لم أدرك حقيقة ماكان يجري إلا عندما دخلنا من بوابة الملجأ. وصدمنا عندما راينا أمى تدخل الحجرة للزيارة مرتدية ثياب الملجأ. وسرعان ماروضنا أنفسنا أنا وسيدني -على حياة الملجأ ولكن في إطار من الحزن. وبعد ثلاثة أسابيع من وصولنا إلى ملجأ لامبث نقلنا إلى معهد هانويل لليتامى والأحداث المشردين.. على مسافة تبلغ حوالي 21ميلا خارج لندن. وماكدنا نصل إلى هناك حتى سلمونا إلى عنبر الاستقبال، حيث وضعونا تحت الملاحظة الصحية والعقلية قبل أن ندخل المدرسة. وقد قضيت الأيام الأولى في المعهد ضائعا، تعسا، ففي الملجأ كنت دائما اشعر أن أمى على مقربة منى، وكان هذا يطمئننى. كم كانت مفاجأة سعيدة عندما دبرت أمى -بعد شهرين -أمر خروجنا، ورحلنا إلى لندن مرة أخرى وإلى ملجأ لامبث. وكانت ملابسنا الخاصة قد أخذت منا قبل دخولنا الملجأ، وعقمت بالبخار فأعادوها إلينا غير مكوية وصارت هيئتنا ونحن نجتاز بوابة الملجأ-أنا وسيدني وأمي -أشبه بالانقاض المهشمة. دامت اقامتنا في هانويل في المرة الثانية مايقرب من عام. وقد حدث أن ظهر وباء القراع في هانويل في القراع ولما كان هذا المرض شديد العدوى، فإن المصابين كانوا ينقلون إلى صالة العزل. ولهذا فإنني يوم وقفت خلفى أحدي الممرضات فجأة في قاعة الطعام وفرقت مابين أطراف شعرى ثم صاحت (قراع).. وجدت نفسي انفجر في نوبات عنيفة من البكاء. وذات يوم، بينما كان سيدنى يلعب الكرة، نادته اثنتان من الممرضات، واخرجتاه من اللعب لكي تقولا له أن أمى قد( جنت ) وأرسلت إلى مستشفى الأمراض العقلية في (كين هيل) ولم يظهر على سيدني أي انفعال عندما سمع بالنبأ، بل عاد إلى ادراجه ليستأنف لعب الكرة، ولكنه بعد المباراة اختلى بنفسه وانخرط في البكاء. وبعد اسبوع تم إبلاغ النبأ إلينا بصفة رسمية. وابلغنا أيضا  أن المحكمة قضت بإلزام أبى بكفالتنا أنا وسيدني. وكانت عادة والدى قبل أن يخرج إلى المسرح -حوالي الثامنة مساء -أن يشرب ست بيضات نيئة ممزوجة بالنبيذ، ولاياكل معها - إلا نادرا -أي طعام. -وكان هذا كل مايقيم أوده يوما بعد يوم -ونادرا  ماكان يعود إلى البيت فإذا فعل  فأينما ليفيق من الخمر بالنوم.

 


طريق النجومية..
عملت بائع صحف، وعامل مطبعة وصانع لعب اطفال، ونافخ زجاج، وصبي طبيب. ولكنني طوال هذا كله لم أدع هدفي النهائي في أن أعمل بالتمثيل يغيب عن عيني،. أقوم بجولات منتظمة على متعهدي بلاكمور  المسرحيين في شارع بدفور على مسافة من (ستراند). وعندما ذهبت أول مرة كان المكان مزدانا بوجهاء من الجنسين ملابسهم بالغة النظافه، يتبادلون الحديث بعظمة، فوقفت مرتبكا في ركن بجوار الباب، أحاول في خجل شديد أن أخفي ثيابي الممزقة وحذائي الذي تنبعج منه اصابع قدمي. ومن المكتب الخارجي كان يخرج بين لحظة وأخرى موظف يشق طريقه كرجل الحصاد في زحام الواقفين المتعالين. وفي أحدي هذه المرات وجدت نفسي وحدي، فلما رآني الموظف سألني بلهجة قاطعة :
-ماذا تريد؟
فاحسست كأنني  (اوليفر تويست) يطلب المزيد.
وقلت مضطربا؛
-لديكم أدوار للأولاد؟
-هل إسمك مسجل؟
فهززت رأسي نافيا.
وإذ به، لدهشتى الشديدة، يدفعني إلى مكتب مجاور ويأخذ إسمي وعنواني وبقية التفاصيل. وبعد شهر من عودة سيدني إذ بى اتلقى بطاقة بريد تقول:"يمكنكم المرور على مكتب وكالة بلكمور، شارع بدفورد ستراند. وفي ثيابي الجديدة ذهبت، فأدخلني لمقابلة المستر بدفورد نفسه. وكان كله رقة وابتسامات وبكل ود زودني هذا الرجل الذي كنت اتصوره رهيبا جبارا بمذكرة إلى المستر "أ هاملتون " في مكتب شارل فورهمان. وقرأ المستر هاملتون المذكرة فأدهشه وسره أن اكون صغير السن إلى هذا الحد. وأوضح لى الرجل أنني سأمثل دور الغلام في مسرحية شيرلوك هولمز.. طوال مدة تستغرق اربعين أسبوعا وتبدأ في الخريف. ثم قال: -أما في الوقت الحاضر فهناك دور ممتاز لغلام في مسرحية جديدة كتبتها. أ سينتسبري.. الممثل الذي سيقوم بالدور الرئيسى في مسرحية شيرلوك هولمز في الجولة القادمه. وبانتهاء عرض هولمز.. أصبح كل من سيدتي وانا عاطلا. وذهبت إلى أمريكا وأخيرا وصلنا في الساعة العاشرة من صباح يوم الأحد إلى نيويورك. وكان كثير من الناس يبدون كالغرباء واقفين بغير هدف على الأرصفة كانهم هبطوا لتوهم من قطار.  وصلت إلى ارندال وهي أحدي ضواحي لوس أنجلوس في الصباح. وكانت ضاحية غير متناسقة. وبعد عدة استفاهمات وجدت نفسي أمام ستديو كيستون وكان مكانا خربا يحيط به سور مربع أخضر. كان الوقت وقت الغذاء.. ورأيت رجالا ونساء يتدفقون ثم يعبرون الطريق وينادون بعضهم البعض بأصوات عاليه فظة "هيه. هاتك.. "قل لسليم أن يتعجل. وإذ بالخجل يسيطر على فجأة، فانزوي وظللت يومين اذهب إلى الاستديو ثم لا أجد في نفسي الشجاعة للدخول. وفي اليوم الثالث اتصل بي مستر سينيت تليفونيا، يسألني لماذا لم أحضر. أبدي سينيت سروره لمقابلتي. وانتحى بي جانبا، وراح يشرح لى اسلوبهم في العمل. إننا لانكتب أي
سيناريو وإنما نبدا بفكرة ثم نتبع التطور الطبيعي للأحداث إلى تقودنا إلى مطاردة وهي جوهر كل كوميدياتنا. أصبح عدد الأفلام التي مثلتها خمسة وتمكنت في أن احشو من عندي لمحة أو لمحتين من التصرفات الكوميدية. ثم بدأت اتلهف على كتابة وإخراج افلامي بنفسي وخاطبت في هذا  الشأن ماك سينيت ولكن أبى أن ينصت إلى.. وعهد بى بدلا من ذلك إلى( مابل فورماند)
تلك هى الحياة

كانت مابل فورماند، تقوم بتصوير خارجي في ضواحي لوس انجلس وفي أحد المناظر طلبت (مابل) أن أمسك خرطوما ارش به الطريق بقصد أن يتعثر في هذا الخرطوم سيارة الشرير. فاقترحت عليها  أن اقف بقدمي على الخرطوم بحيث ينقطع واخطو دون وعي مبعدا قدمي عنه فينبثق الماء في وجهي. غير  أنها اسكتتني على الفور قائلة:
-لاوقت لدينا، لاوقت لدينا!  أفعل مايطلب منك.

 


فكان هذا كافيا، اذ لم استطع أن اتحمل ذلك  ومن مثل هذه الفتاة الجميلة. وقلت : آسف يامس نورماند.. أنني لن افعل مايطلب منى. ولست أظن أنك من الكفاءة بحيث تقولين لى ماذا يجب أن افعل.. وكان المنظر في عرض الطريق فتركته وجلست على الرصيف مسكينة مابل، الحلوة، كانت في ذلك الوقت لم تتجاوز العشرين، جميلة، ساحرة، معبودة الجميع، والجميع يحبونها، وهاهى الآن تجلس بجوار الكاميرا مذهولة.. إذ لم يسبق على الإطلاق أن خاطبها أحد بمثل هذه الطريقة المباشرة، وقد كنت أنا أيضا متأثرا بجمالها وفتنتها، وفي قلبى ضعف خفى تجاهها.. ولكن هذا كان عملى. والتف العاملون والممثلون  على الفور حول مابل، وراحوا يتبادلون  الرأي. وأراد اثنان من الكومبارس -كما اخبرتني مابل فيما بعد -أن يضربوني علقة ولكنها منعتهم، ثم أرسلت إلى مساعد المخرج يسألني إن كنت على استعداد لاستئناف العمل. فعبرت الطريق إلى حيث تجلس وقلت لها معتذرا:
-إنني آسف، كل مافي الأمر أنني لا أري المنظر مضحكا أو مسليا، ولكن إذا سمحت لى بأن أقدم بعض الإقتراحات الكوميدية.
فلم تجادل. وقالت :
-حسن، مادمت لاتريد أن تفعل مايطلب فلنعد إلى الاستديو.
وفى الاستديو دخل على سينيت، وصاح:مامعنى ذلك بحق الجحيم؟
فحاولت أن أشرح له الأمر
قالسينيت:
-إما أن تفعل مايطلب منك وإما أن تخرج من هذا المكان.. عقد او لاعقد. من الحياة في حجرة واحدة مزدحمة.. وعندما جاء ذاك اليوم الحزين لم أدرك حقيقة ماكان يجري إلا عندما دخلنا من بوابة الملجأ. وصدمنا عندما راينا أمى تدخل الحجرة للزيارة مرتدية ثياب الملجأ. وسرعان ماروضنا أنفسنا أنا وسيدني -على حياة الملجأ ولكن في إطار من الحزن. وبعد ثلاثة أسابيع من وصولنا إلى ملجأ لامبث نقلنا إلى معهد هانويل لليتامى والأحداث المشردين.. على مسافة تبلغ حوالي 21ميلا خارج لندن. وماكدنا نصل إلى هناك حتى سلمونا إلى عنبر الاستقبال، حيث وضعونا تحت الملاحظة الصحية والعقلية قبل أن ندخل المدرسة. وقد قضيت الأيام الأولى في المعهد ضائعا، تعسا، ففي الملجأ كنت دائما اشعر أن أمى على مقربة منى، وكان هذا يطمئننى. كم كانت مفاجأة سعيدة عندما دبرت أمى -بعد شهرين -أمر خروجنا، ورحلنا إلى لندن مرة أخرى وإلى ملجأ لامبث. وكانت ملابسنا الخاصة قد أخذت منا قبل دخولنا الملجأ، وعقمت بالبخار فأعادوها إلينا غير مكوية وصارت هيئتنا ونحن نجتاز بوابة الملجأ-أنا وسيدني وأمي -أشبه بالانقاض المهشمة. دامت اقامتنا في هانويل في المرة الثانية مايقرب من عام. وقد حدث أن ظهر وباء القراع في هانويل في القراع ولما كان هذا المرض شديد العدوى، فإن المصابين كانوا ينقلون إلى صالة العزل. ولهذا فإنني يوم وقفت خلفى أحدي الممرضات فجأة في قاعة الطعام وفرقت مابين أطراف شعرى ثم صاحت (قراع).. وجدت نفسي انفجر في نوبات عنيفة من البكاء. وذات يوم، بينما كان سيدنى يلعب الكرة، نادته اثنتان من الممرضات، واخرجتاه من اللعب لكي تقولا له أن أمى قد( جنت ) وأرسلت إلى مستشفى الأمراض العقلية في (كين هيل) ولم يظهر على سيدني أي انفعال عندما سمع بالنبأ، بل عاد إلى ادراجه ليستأنف لعب الكرة، ولكنه بعد المباراة اختلى بنفسه وانخرط في البكاء. وبعد اسبوع تم إبلاغ النبأ إلينا بصفة رسمية. وابلغنا أيضا  أن المحكمة قضت بإلزام أبى بكفالتنا أنا وسيدني. وكانت عادة والدى قبل أن يخرج إلى المسرح
في ذلك المساء، وأنا في طريقى إلى البيت في عربة الركاب، رويت لصديقي ماحدث. قال لى:
-خسارة لقد كنت تتقدم تقدما عظيما.
قلت بلهجة متعالية لكى اخفى عنه قلقى :
-اتظن أنهم سيفصلوننى؟
-لن يدهشنى ذلك على الإطلاق، فقد كان يبدو مجنونا بالغيظ عندما رأيته خارجا من غرفة ملابسك.
-حسن، لابأس عندى، إن تحت حزامى الفا وخمسمائة دولار، وهى اكثر مما احتاج اليه لدفع تذكرة عودتى إلى إنجلترا، ولكننى على أية حال سأذهب غدا، فإذا لم يكونوا في حاجة إلى  ف.. هه.. تلك هى الحياة"
كانت حياة هذا الفنان العظيم، هى حياة السينما صامتة وناطقة. وفي ذكرى ميلادة (131) فإن العالم وحتى في زمن الكورونا سيذكر بكثير من المحبة والامتنان، الصعلوك المتشرد، شارلي شابلن.