دراسة نقدية :

دراسة نقدية : التأثير المرجأ  للسياسي والإجتماعي في مضمون رواية نبات الصبار للروائية الأستاذة  زينب بليل  محمد حسن رابح المجمر  مقــــــــــــــــــدمة : تتعدد الرؤى وإتجاهات التفكير حول مايتم وضعه داخل تصنيف المتخيل أو المنتج الأدبي أي كان جنسه أو موقعه الحقلي وإطاره المعرفي الذي لا يقبل الجدال حول كينونته بوصفه عملا منجزا ، إلا أن الأمر يختلف كثيرا حينما تتعلق هذه الرؤى والقراءات المتعددة بمادة سردية شديدة الإتساع والتشعبات التحليلية السطحي منها والعميق مثل رواية ( نبات الصبار )

دراسة نقدية :

دراسة نقدية :
التأثير المرجأ  للسياسي والإجتماعي في مضمون رواية نبات الصبار للروائية الأستاذة  زينب بليل 
محمد حسن رابح المجمر 
مقــــــــــــــــــدمة :

 

 

 


تتعدد الرؤى وإتجاهات التفكير حول مايتم وضعه داخل تصنيف المتخيل أو المنتج الأدبي أي كان جنسه أو موقعه الحقلي وإطاره المعرفي الذي لا يقبل الجدال حول كينونته بوصفه عملا منجزا ، إلا أن الأمر يختلف كثيرا حينما تتعلق هذه الرؤى والقراءات المتعددة بمادة سردية شديدة الإتساع والتشعبات التحليلية السطحي منها والعميق مثل رواية ( نبات الصبار ) للروائية المعتقة الأستاذة زينب بليل ، وذلك بسبب أنها تشتغل داخل أكثر من حقلين معرفيين (الإجتماع والسياسة ) دون أن تشير إلى أيٍ منهما فهي تستخدم اللغة بتحولاتها الدلالية المتنوعة لتحدث الأثر الذهني أو النفسي لدى المتلقي متى ماكان قادرا على إستنباط الرسائل والإشارات التي ضمنتها روايتها المثيرة للجدل : نبات الصبار .

 

 

 


تعكس هذه الرواية حجم التطور الذي طرأ أو حدث على مستوى الكتابة السردية (الجادة : المشروعات الثقافية ) في السودان من حيث طبيعة مضمونها الإجتماعي المستبد بواقعيته الصادمة والكاشف بوضوح تام لمدى إرتباط السرد بقضية الإنسان الأولى في بحثه عن الأمان والأمن أمام غائلات الحياة التي لم يسعفه الوقت | الزمن لأن يكون من الذين كان بمقدورهم السيطرة عليها وتوجيهها كيفما يشاء ، لتكون الحياة ( اليومي |الواقعي ) تلك المفردة |العبارة واسعة المعنى والدلالة هي قرين (السلطة |القانون | الشرع | العرف ) وقبل كل ذلك وفوقه تكون هي الشروط التأريخية التي إنبنت عليها علاقات ( الإجتماع والسياسة ) في هذا البلد (السودان ) من حيث طبيعتها التحكمية العصية على (التغيير أو التعديل ) ومابينهما حيث إنتصبت عشرات الأسئلة التي بقيت دون إجابات عنها طوال الستين عاما الماضية من تأريخه ، وننتقي من هذه أربعة أسئلة مركزية منها كأرضية تقف عليها هذه الدراسة المصغرة حول ( التأثير المرجأ  للسياسي والإجتماعي في مضمون رواية نبات الصبار ) للروائية الأستاذة  زينب بليل .

أولا : علاقات الإجتماع والسياسية في رواية نبات الصبار :
  إشتغلت هذه الرواية بشكل جذري على التقصي حول قدرة الفرد في المجتمع على مقاومة مايعترض طريقه وهو يكافح في سبيل البحث عن المأوى والمعيشة بمعناها اليومي الدقيق ، وتأسيسا لهذه العلاقة الأصيلة بين الإجتماع والسياسة في هذا النص نقرأ في صفحة (25) من رواية نبات الصبار :
والسؤال الذي لم يجدنّ له إجابة : ( لماذا نحن ، نسكن شارع النار ونركب الكارو ونستيقظ فجراً لنقضي يومنا تحت شمس قاسية أو سيدة منزل متسلطة أو رجال نتمناهم ..ونجوم السماء أقرب إلينا منهم ؟) .
ويقرأ هذا السؤال وهو في وضع التأسيس المعرفي لهوية أولئك الناس الذين إستيقظوا على حقيقة أنهم حياتهم (تختلف | تغاير| تتمايز عن..) فكانت عبارة ( لماذا نحن ؟ ) لتنفتح على نطاق أوسع - بمطلوب التأثير السردي -  لتقرأ ( لماذا هؤلاء ؟) ، بمايفيد أن هنالك ( بشرا ، أناسا ، مجتمعا ) وأخرين يقاسمونهم الحياة في المكان مع التحديد الصارم لهذا المكان الذي نشأ ( خارج المدينة ) في عزلة ( جغرافية وثقافية ) مسبقة ، وتتجلى العزلة الثقافية في تسمية المكان التي تم إلتقاطها من الوصف العام لحياة هؤلاء الناس ، فهم يسكنون |يقيمون | يلوذون ب...| يضعون رؤوسهم ..| يتعايشون في ومع ..واقع الحياة في ( شارع النار ) ، ولهذه التسمية أبعادها الثقافية العميقة في الوعي الإجتماعي : 
( الشارع ليس هو الحارة بإعتبار أنها تعني أن هنالك مخططا سكنيا محددا يتم تميزه برقم أو أي مسمى معروف في المدينة ، لتكون الدلالة هنا هي أن هنالك مجموعة من البيوت تم بنائها بطريقة غير رسمية كل ما يجمع بين قاطنيها هو أنهم يبحثون عن مأوى فقط ) .
ولاحقة النار في إسم الشارع تأخذ دلالتها العظمى والخطيرة بأبعادها الدينية والأخلاقية ذات الطبيعة المتعالية والفارزة ثقافيا حتى حدود القمع الأيدلوجي ، وتقرأ على هذا النحو : 
( يسكن في هذا الشارع أناسا ( غرباء ) ، جاءوا من مناطق مختلفة بأسبابهم الخاصة ، يقترفون من الموبقات ما لا نقبل بحدوثه في مجتمعاتنا ، يصنعون الخمرة ويتاجرون بها ويتعاطونها ، يستحيون نسائهم ويستثمروا في أجسادهن بلا وازع من دين أو أخلاق ، إنها أفعال الناس الذين توعدتهم الأديان السماوية بالعذاب ، إنها أفعال أهل النار ) .
ومابين عزلتيّ الجغرافية والثقافة تمارس المدينة في نثر خطابها المتعالي بالتبادل بين ( المجتمع والسلطة التي تمثله ) ، ويمكن أن نقتبس من رواية نبات الصبار هذا الوصف الوافي لكيفية إدارة السلطة لعلاقتها مع هؤلاء ( الأخرون |الغرباء ) عن حيز الجغرافية والمحيط الثقافي على الرغم من أنه لا توجد أي حواجز ثقافية أو جغرافية بين المدينة وأحيائها الطرفية إلا ما تحدده هذه السلطات ببعديها الأيدلوجي والثقافي نقرأ من صفحة (42) مايلي : 
( وشرعت السلطات في بناء سور مسلح مكان الأشجار ( التي تم حرقها ) ، ذهل سكان الشارع للقرار ..هل ينصاعون ويقبلون الأمر مثلهم مثل أغنامهم والدجاج ؟ لماذا لايقاومون ؟ لكن كيف تكون المقاومة ؟ وهم عزل ، أشتات ليس فيهم من يدلهم على الطريق ! وأغلبهم لايعرفون القراءة ولا الكتابة ولم يسمع بما في كتب التأريخ ! كثيرون منهم لا يعرف للعالم حدودا للعالم أبعد من شارع النار ، أغلبهم لا يعرف أن له حقوقا على الأخرين !) .
ويظهر في هذا الإقتباس بعدا أخر لمفهوم الإزاحة الإجتماعية أو الإقصاء تمثله فكرة بناء ( سور ) يفصل بين المدينة القائمة أصلا وهذا الحي العشوائي الذي تعمل السلطات جاهدة على إلغاء وجوده ضمن الأحياء المخططة (رسميا ) في جسد المدينة ، وتضعنا الكاتبة في صورة الحدث الفاجع من وجهة نظر سكان شارع النار الذين غلبوا على أمرهم ، تكررت عبارة ( لماذا لايقاومون ؟) مقرونة بالإستدراك العاجل ( لكن كيف تكون المقاومة ؟) ، وهذا ما يستدعي حضور حزمة من الشروح والأسباب المادية التي تجعل من إمكانية المقاومة لمثل هذه القرارات التي تصدرها سلطات المدينة وهي تمتلك ألية تنفيذها على وجه السرعة ، فهم عزل وأشتات وتغلب بينهم الأمية ولا يعرفون ألف باء القانون العام ولا صلة لهم بمراكز القوى في السلطة بما يعني أنهم ( لا ينتمون إلى الراهن السياسي أو الإجتماعي ) الرسمي في الدولة .
مهدت الكاتبة للدخول في فضاء الرواية ( نبات الصبار ) بتحديد موقعها الذي جاءت منه زاوية الرؤية إلى مجتمع (أخر ) متشظي وممزق يقوم على تخوم المدينة التي ترفضه وتقصيه بقوة السلطة التي كرست للعنف المادي ، ومن الظواهر الأسلوبية التي أودتها الكاتبة حول ردة فعل سكان ( شارع النار ) هي حالة (التصعيد السيكلوجي ) الساكن والسلبي في ( دواخلهم المقهورة ) وهذا ما ستتم تنميته على نحو تصاعدي يزاوج مابين (الخيال السردي البحت ) والواقعية الإجتماعية النقدية الحادة والتي حشدت لها الكاتبة لغة (خطاب ) و(دلالات قاموسية ) تتناسب وحياة الناس في بيئة ( تعاني العزلة والإقصاء ) مثل بيئة الحياة في (شارع النار ) .
ثانيا : سردنة الأزمة الوجودية في شارع النار :
لم يكن شارع النار إستثناءا فيما تم نشره من أدب الهامش الإجتماعي في السودان ، إذ نجد أن رواية نبات الصبار تتقاطع في بنيتها الكبرى مع التحليل المضموني والموضوعاتي لرواية الزندية للروائي بشير إبراهيم بشير والتي صدرت في تسعينيات القرن الماضي في القاهرة ، وإن إختلفت رواية نبات الصبار للكاتبة زينب بليل بتركيزها المنهجي على المصير الجمعي لأفراد مجتمع تم إقصائه من قبل السلطة ومجتمع المدينة على حد سواء ، وهذا ما يقودنا إلى تحليل مضمون النص من خلال ماتم توزيعه من أدوار قامت بها شخصيات رئيسية وأخرى ثانوية في هذه الرواية التي وفها الناقد أحمد عبدالمكرم والدكتور مصطفى الصاوي (2013م) بأنها رواية ملحمية : 
- إنطلقت الأحداث في هذه الرواية من نقطة متحركة إتسمت بسيطرة الغرائبي على مجمل فضاءاتها بعد ذلك ، ليكون من المقبول الإقرار بأن : 
( البداية الغرائيبية للنص الروائي تكون بمثابة إنذار مبكر للمتلقي بأن يستعد لتفكيك رموز وشفرات سردية تلعب دورا ما في التجذير للواقع الإجتماعي بعيدا عن لغة الخطاب الروائي المنطوقة ، فقد جاءت بداية النص غارقة في الماسأوية مع غياب أفق إنتظار (تشويش كلي للذاكرة ) بالنسبة للمتلقي ، سيدة تكابد ألام المخاض في مكان معزول لا وجود فيه لأي شكل من أشكال الرعاية الصحية كما هو مألوف في الجزء الأخر من المدينة|العالم ، وفي زاوية أخرى من هذا المشهد تنجب هذه السيدة ثعبانا طويلا تقوم النسوة برميه في (خور الشياطين ) وهو المكان الذي يعزز من تسمية (شارع النار ) بالنتيجة كإمتداد طبيعي وأصيل لتدفق الأحكام القيمية المسبقة التي أسبغتها المدينة ( السلطة ) على هذا المجتمع اإستثنائي ..) .
إتسمت هذه الرواية بأنها رواية لأفعال الجماعية ، وقد إستندت في كثير من فصولها على التراث الشعبي السوداني في إستنهاض همة ( الجماعة ) من أجل إنجاز أعمال أو مهام ( تعود بالنفع على الجميع ) ، إنعكست هذه الجماعية على حركة تنامي الخطاب السردي في الرواية بالتبادل غير المنتظم بين ماهو عياني ومادي مدرك وأخر هو ماورائي تقف خلفه ميتافيزيقا الدين وأحيانا الخرافة والأسطورة التي وظفتها الكاتبة على نحو إبداعي عميق بغرض اكشف عن مكامن الضعف والعجز في ( العقل الجمعي ) في المجتمع المستهدف بالتبيئر السردي ، مما جعل من عملية (التبئير ) لأحداث وشخصيات بعينها عملا فنيا وتكوينيا ينضاف للكاتبة التي زاوجت في حوارياتها خفيفة الدم بين السرد والدراما عملية مدروسة ودقيقة خاصة أن هذه الرواية – بواقعيتها الإجتماعية النقدية – تتمحور حول كيفية ( إدارة الأزمة الوجودية ) في مجتمعات وبيئات محلية لاتملك مقومات وأدوات الصراع المتكافيء بينها وبين السلطة ، فكانت السخرية بل والكوميديا السوداء هي كل مايمكن ( إستفراغه ) كتعبير رمزي عما يدور في دواخل أولئك الناس الذين بهم إلى (المصير المجهول ) بفعل القوانين واللوائح التي تنظم الحياة المدنية في هذا البلد ، نقرا في صفحة (56) من رواية ( نبات الصبار ) : 
قال سالم الجزار : ( ياناس أتقوا الله ماتظلموا الحكام .. الحاصل دا غضب إلهي عشان بقيتو بطالين ، البنات زي الزفت حايمات في الشوارع الليل والنهار عاوزين الله يرضى عنكم كيف ؟..وأولاد الحرام أكتر من السكان ؟..كيف مانمرض ونحن مجاورين الشياطين خربوا نسوانا ؟) .
 ومن تجليات الكوميديا السوداء في رواية نبات الصبار نجد أن الكاتبة زينب بليل إعتمدت في بناء شخصيات رواياتها على مايمكن أن تقدمه هذه الشخصيات من ( تفسير ) و( شروح ) لطبيعة مايحيط بها من أزمات إنسانية ومشكلات إجتماعية مركبة وهي كما جاء في مقدمة هذه الدراسة لاتملك من أمرها شيئا هذا بالإضافة لغياب المنهج وأليات التفكيك النقدي التي ينتفي وجودها تبعا لعدم تلقيهم أي نوع من أنواع التعليم النظامي فضلا عن بعدهم عن القراءة ( التحصيل المعرفي ) تجميعيا كان أو سماعيا ، وتطرأ على ذهن القاريء بعض الإستدراكات المتأخرة من قبيل : 
1. لأي مدى تتماهى هذه الوضعية الإجتماعية المنحلة والهشة التي إشتغلت عليها رواية نبات الصبار بماتعاني منه الدول والشعوب في تفسيمات مماثلة وإن كانت أكثر فجاجة منها في تنميط وتقسيم دول العالم بمعياريّ التقدم والتخلف | عالم أول |عالم ثالث |دول الشمال |دول الجنوب وبلغة لبقة مخففة ( دول نامية ) لتمتد طرق وأساليب التقسيم الماهوي للدول حتى درجة ( دول دائنة |دول مديونة | دول مارقة ) ؟.
وفي حالة وجود نمط وحكم معياري مسبق يحكم ماهية الدول والشعوب في عالم تقوم فيه العلاقات على معيارية القوة بشقيها العسكري والإقتصادي ، فإنه من الطبيعي أن تفرض المدينة في رواية نبات الصبار أو رواية الزندية العزلة وواقع الإقصاء على شارع النار وحى الزندية .
2. المتقابلات والمتناظرات على مستوى المفاهيم العليا للمواطنة وهوية الموطن في المجتمعات المحلية التي تمسحت بالمدنية التي فرضت عليها من خارجها من خلال نظام حكم وإدارة صمم على أساس أن يخدم مصالح إستعمارية محددة ، فإنها لا تستجيب لعوامل التغير الطبيعية أو أليات التغيير المخطط الذي تقف عليه الدول والأنظمة الحكومية ، تجلت هذه المتقابلات في ثنائية : 
(الإنتظام | العشوائية ) .
( النظامي | الأهلي ) . (ملكية موثقة |ملكية حيازة ) .
وتدخل هذه المتقابلات بتناقضاتها المحتملة في التعريف الإطاري للدولة المدنية المعنية بإدارة الحياة العامة في البلاد ، وتبدأ مهمتها التي هي في الأصل مخصصة لحماية ورعاية حقوق الإنسان إلى التمركز والتكلس في الحدود المنفعية والذاتية للسلطة خصما على هذا الإنسان نفسه ، وقياسا على رواية نبات الصبار نقرأ ف صفحة (82) مايلي : 
( قال السكان ( أهل شارع النار ) : 
- نريد أن تتحول المساحة بيننا وبينكم إلى حقول فيها كل الفاكهة والخضر ، ونريد قناة أخرى من النهر الكبير تحد حقولنا فلايصلها أحد من مدينتكم .
قال الحاكم : لكم ماطلبتم .
وصفق الحشد وهتفوا بحياة الحاكم ، لكن ، قال مساعد الحاكم في همسه لايسمعه غيره :
- لنرشهم بالنار وننهي شيئا إسمه مدينة المستنقعات .
رد الحاكم : 
- ذلك هو الرأي الصواب ، أعط أمرأ بذك قبل فوات الأوان ) .
وتبرز هذه الحوارية القصيرة طبيعة التناظر المفاهيمي مابين سكان مدينة المستنقعات الذين هم في الأصل مواطني شارع النار في مرحلة (تأريخية ) سابقة أن عجلة حياتهم تتحرك للوراء بوتيرة متصاعدة ، وتصعد هذه الوتيرة حتى حدود تصفية وجودهم أو إبادتهم كما جاءت مشورة مساعد الحاكم الذي كان يتميز غيظا من كون أن الحاكم كان يستمع إليهم ويحيب عن أسئلتهم وإن كانت تلك هي طريقته في إمتصاص غضبهم حتى يجد الوقت الكافي للإنقلاب عليهم بعد ذلك .
ومايميز رواية نبات الصبار عن غيرها من الروايات في كيفية إدارة الصراع بين المجتمع والسلطة أن الكاتبة لم تتدخل لضبط أو توجيه خطاب (الجماهير الغاضبة في وجه السلطة ) أو أن تقوم بتجييره لصالح نسق فكري سياسي محدد ( أيدلوجيا ) وإنما تركته مفتوحا مثل جرح أخضر متقيح يحوم حوله الذباب وإن بدا في أحايين كثيرة داخل الزمن السردي للنص أن هذا الصراع عبثي وغير مثمر على المستوى المعرفي أو الثقافي بإعتبار أن هنالك خطابات سردية متوازية لاتقبل أن تنشأ بينها أي حالة تقارب أو حوار عقلاني مرن بأي حال من الأحوال .
عدمية السلطة التي عبر عنها (مساعد الحاكم ) والتي قضت بأن يكون الرصاص ضد هؤلاء المواطنين العزل هو الطريقة المنتقاة لقفل باب الحوار الذي يرى أنه لا يضيف جديدا للسلطة المكتفية بذاتها والحصرية على المدينة ( المخططة ) ليبقى كل ماهو كائن خارج هذه المنطقة المخططة بالضرورة مستبعد وغير محاط بأي رعاية مؤسسية من قبل (الحاكم| الدولة ) ، وقياسا على هذه الفرضية في أن مضمون وجوهر الأزمة الوجودية التي يعاني منها السكان (النازحين |المقهورين |ضحايا الكوارث الطبيعية ) وغيرها يتمركز في كيفية نظر السلطة إلى وضعهم ( القانوني ) كشرط للإندماج في مجتمع المدينة الذي يعكس بالمقارنة على النموذج الدولي المعاصر مايمكن إيجازه فيما ساقه المفكر الفرنسي تودروف حول الوضعية الأخلاقية للمهاجرين غير الشرعيين في أوربا :
( ماتفرضه الدولة الأوربية المضيفة من قوانين وإجراءات عقابية نوعا ما على المهاجرين غير الشرعيين داخل أراضيها ربما يتجاوز صلاحيات المشرعين المحلين إلى مايمكن أن تتم مقاربته بالتعديل الفوري على مجمل المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وهذا ما سيتم رفضه من قبل الدول ذات الحكومات اليمينية المتزمتة تجاه الأخر المختلف عرقيا وثقافيا ) .
ونلقي من خلال هذا الإقتباس الضوء على بعض الجوانب غير المرئية في مفهوم ( النظام | التخطيط | شرعية إمتلاك الأرض ) مقرونة بحق الإقامة الذي هو ( فوق|قبل دستوري ) ،فقد عكست رواية نبات الصبار مفهوما مغايرا للتخطيط والنظام مع كيفية مباشرة السلطات لمهام الحفاظ عليه بكافة الوسائل المتاحة في اللحظة (فهى تدير الحياة وفقا لقانون طواريء أبدي ) على مايبدو من خلال تفكيك هذه الأحداث الشائكة في حياة الناس في ( شارع النار ) في رواية نبات الصبار :
- على المستوى الدولي وبالإستناد على رؤية الفيلسوف البلغاري تزفتيان تودروف ( 2006) تكون العزلة والقيود التي تضعها الدول على حركة المهاجرين غير الشرعيين داخل أراضيها مبررة من منطلق تصرفها الحر غير المقيد لحماية حدودها الدولية من ناحية والحفاظ على أمنها الإقتصادي والإجتماعي الذي ربما يتعرض للإهتزاز نتيجة لتزايد الطلب على الغذاء والعلاج ومجمل مطلوبات الضمان الإجتماعي والإيواء المؤقت أو المستدام لمئات الألوف من المهاجرين ، إلا أن تودروف يرى أن هذه الأوربية ذات التأريخ الإستعماري – غير الناصع البياض – في القارة الإفريقية وأمريكا اللاتينية هو ماقاد هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين إلى الرحيل عبر مواكب الموت نحو الغرب بحثا عن الحياة التي ظلت تصورها الميديا الغربية طوال عقود من الزمان .
وهذا أيضا ما أوردته الكاتبة زينب بليل من خلال حوارية ( راعفة ) وشديدة الوضوح في نهار قائظ تحت إحدى الأشجار التي يستظل بها سكان شارع النار في إشارة واضحة لإلتصاقهم بالطبيعة والإحتماء بها من عنت الحياة في الضفة الأخرى من المدينة الحقيقية التي هزمت كل أحلامهم وتطلعاتهم في الحياة السهلة والمبهجة كما جاء في صفحة (39) من رواية نبات الصبار :
(سكنوا بيوتا ضيقة ، ليس فيها ماء ولا كهرباء ..تكدسوا فيها بالعشرات ، بيوتا ليس فيها مراحيض ، وبعضهم جاء من بيوت تحترم حاجة الإنسان ، سكنوا بيوتا قاحلة وجرداء ليست مثل بيوتهم الفسيحة ، ولا تظللها أشجار وريفة يقضون نهارهم تحتها ...حتى تبلغ هذه الحالة الوصفية ذروتها في : وجدوا أنفسهم يسيرون في شوارع تضيق بهم .. يتدافعون بالمناكب ، يهرولون ..يتصادمون ..ولا يحيي أحد الأخر ).
 وعلى الرغم من صعوبة هذه المقاربة ، إلا أن هنالك حالة إحلال في وضع المركز ( بإلزاميته الثقافية والجغرافية ) في (المدينة الجديدة) التي خلفتها هذه الدول الأوربية في المستعمرات ، ونبرز مظاهر هذا الإحلال غير التأريخي وغير المبرر عقليا في عدد من النقاط : 
أ. السور ، الجدار ، منطقة العزل ، المساحة المقيدة ، العلامات واللافتات التي تحدد حدود الملكيات ، الدوريات النظامية ، التفتيش ، المعسكرات في المدن الساحلية ، أوراق المرور الرسمية .
ب. حزام الأشجار بين شارع النار والمدينة ، الخور ( فكرة أشبه بفكرة حفر خندق ) ، الإزاحة بالتجريف وإجبار السكان على التقهقر والإمعان في الغوص في المزيد من وحل المستنقعات وهي عبارة عن (مكب قاذروات المدينة والتي تعتبر في – مجمل بلدان العالم الثالث – الأحياء التي تقوم في أطراف المدينة إضطراريا مما يدفعها وبشكل تلقائي إلى إقامة حدود جديدة (مكبات نفايات ) يتم إقتراجها لكى تتجنب سيل الشكاوى والإنتقادات الحادة التي توجهها منظمات المجتمع المدني لسلطات البلديات (المحليات ) .
ج. سكان شارع النار ، يأخذوا وضعية النازحين (جغرافيا وثقافيا ) لكنها لا يتحصلوا على حقوق مدنية تحجبها عنهم هذه السلطات المحلية بذريعة ضعف الموازنات المالية ، والأنكأ والأمر هو تصنيف مواقع سكنهم كمناطق خطرة تنتشر فيها الجريمة والأمراض والجهل ، في النموذج الأوربي يحصل المهاجر غير الشرعي على مأوى مؤقت يضمن فيه وجود حاجاته الأساسية لكى يبقى على قيد الحياة ، وفي الحالة السودانية لمجمل ما يعرف بالسكن العشوائي تكون نهايته الطبيعية والمتوقعة هي تجريف البيوت وتشريد قاطنيها إنفاذا للوائح وأوامر محلية لا صلة لها بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان أو أي تشريعات ذات صلة بحماية حقوق الأفراد وتمكينهم من ممارسة حياتهم الطبيعية داخل بلدانهم .
ثالثا : أثر وضعية التأكل الإجتماعي في تنمية روح المقاومة الجماعية :
إتجهت الروائية زينب بليل في واقعية صادمة إلى بناء سلسلة من المشاهد السردية كرست فيها لتشخيص تجليات حالة التأكل الإجتماعي في شارع النار أو مدينة المستنقعات ، والتأكل الإجتماعي كوضع غير طبيعي هو ناتج القهر والقمع السلطوي مع الشعور بالعجز وعدم القدرة على المقاومة ، وقد تجلت هذه الوضعية فيما تعرض له الإنسان |إنسان شارع النار من إنتهاكات ألغت أدميته وفي أحايين كثيرة كانت تسحقه وتسحله حتى حدود الموت ( المجاني ) ، ونقرأ في صفحة (92) من رواية نبات الصبار :
(في واحد بجي يجلدني كل يوم لما أبرك في الواطة وأسلم ليه في رجلينو أقول ليه : أرحمني ) .
(مرة طلبت من واحد من الرجال يساعدني قلت ليه لو ساعدتني مرقت بجيه مكان ماعاوز وبلا مايدفع أي شيء) .
(بس الراجل أداه بونية ، عوض ماكضّب سلّ سكينو من ضراعو وطعنوا في كرشه وشقاها النص ..أنا قلت إسمه العدل ، أخد حقي منهم الإتنين ، حلفت ما أكورك عشان الناس مايجو يودوه الإسبتالية ..خليتو راقد لماصفى دمو كله ) .
(البوليس جاء  وساقونا كلنا ..أنا نكرت كل شيء ..ختيت يدي في إسم الله وحلفت ماعارفة سبب الشكلة ).
(عشان مافي عدل في الدنيا يابخيتة ، الدنيا مليانة بالغيلان ، والتماسيح والأفاعي ، والقوي بيأكل الضعيف ..والماعنده ضهر بنضرب على بطنه لامن مصارينو تمرق ..الضعيف مافي زول برحب بيهو والماعندو مافي زول بديه ، عشان كدا حصل ليكم الحصل ) .
وعلى خلفية هذه الجمل التي تم نقلها من متن نص رواية الصبار ، نستطيع أن نميز مدى قدرة الكاتبة الكبيرة زينب بليل على توظيف اللغة العامية في بناء عوالم موازية ( لا تقبل الإخفاء القسري أو السكوت عنها ) من هذه الفرضية :
(إذا كانت السلطات الحاكمة لا تقبل بوجود الحى الطرفي المستحدث (العشوائي ) ضمن خارطتها المصممة مسبقا ، فإن أليات الضبط الإجتماعي ومؤسسات تنفيذ القانون والأمن الوقائي لاتعمل في هذا الحى من بداهة كون أنه ليس موجودا داخل منطقة إختصاصها ) .
ليكون عدم إختصاص هذه السلطات من الناحية (الهندسية ) بمدلولها ( الوظيفي ) المهني يقود بالنتيجة إلى خلو هذه المدينة من كل أشكال الحماية والأمن الوقائي فيما يتعلق بحماية الأفراد خصوصا جرائم الإتجار بالبشر وإنتهاك حقوق الإنسان من أسباب من قبيل ( التمييز على أساس النوع ) و( الإفلات من العقاب ) وإستغلال السلطة وغيرها .
ردة الفعل الإجتماعية التي تنتج جراء هذه الضغوط والألام والرضوض النفسية وتراكم الإحباط بشكل يومي تكون غير محسوبة أو متوقعة بالنسبة للسلطات في المدينة ، وقد ساقت الكاتبة زينب بليل واحدة من (مسيرات الغضب ) نحو مقر الحاكم – وهي نبوءة – أكدت الأيام صدقها ، ومن اللافت للنظر في هذه الرواية أن إستخدام الكاتبة للأسطورة والفن الشعبي جاء مقابلا لدرجة الوعى الإجتماعي التي هي بالضرورة غير (علمية أو حداثية ) من حيث طبيعة الأليات الثقافية والإعلامية التي إستخدمتها في صراعها ضد السلطة : 
- ربابة الحسين : واحدة من أليات التعبئة النفسية والوجدانية التي يستجيب لها الناس في شارع النار ومدينة المستنقعات وماحولهما بإعتبار أنها إحالة على ثقافة وهوية محددة ، وفي حفريات ثقافية بعيدة عن الإغلاق الثقافي الذي كانت تمارسه المدينة على سكان هذه (المدينة المنبوذة) فإنها تكون (منطقة إنصهار ثقافي ) لكم كبير من الثقافات التي جاءت بها شروطها الوجودية القاسية إلى هذا المكان .
- شخصية الحسين : رجل صاحب خطاب عرفاني ، إيجابي ، يعشق الحياة ويعمل على تجميلها بالرغم من قسوتها غليه ، لا يبالي كثيرا بإكتناز المال أوالبحث عنه بالرغم من أنه يعيش داخل بيئة ومجتمع يعمل فيه الناس الف حساب لمن يملكون المال ، تجريد هذه الشخصية ووضعها في مواجهة أحداث داهمة وعاصفة يحسب للكاتبة زينب بليل التي تمكنت من خلال هذه الشخصية من إبراز الجوانب العرفانية في الشخصية السودانية بشكل عام .
- الوداعية ، ضاربات الرمل ، الدجال : وهي أدوات بحث عن الحقيقة تلجأ إليها المجتمعات المغلقة والمستبعدة من التخطيط العلمي والإداري الذي يتيح لها إمتلاك وسائل وأساليب جديدة للتعامل مع الحياة اليومية ، وقد وضعتها الكاتبة كمقابل موضوعي لآلة القمع والخداع الكبيرة التي تديرها السلطات الحاكمة في المدينة ضد هؤلاء الناس : العزل ، الأميين ، السذج ، البسطاء ، الدهماء ، الغوغاء ، وما إلى ذلك من صفات أنتجتها ألة الإعلام الرسمية لتسهل مهمة الحكام في قمع أي تحركات تقوم بها هذه المجموعة من الناس حتى وإن هذه التحركات سلمية ، وقد تطابقت هذه الفرضية مع الواقع في حياتنا اليومية في أكثر من مرحلة ومناسبة ونرأها بوضوح في رواية نبات الصبار في صفحة (285) :
(الحق يالحسين .. الحكومة جات وخمت كل الرجال .. كلهم ، دخل العساكر البيوت ..كسروا الأبواب وفتشوا تحت السراير حتى داخل أزيار الماء ) .
( لم يسع السجن رجال المدينة فبنوا لهم سورا من السلك الشائك وحشروهم فيه ) .
( أفهمه المحامي أن التهمة : هي تحدى القانون .. تصرفوا وكأنهم دولة قائمة بذاتها ، حفروا بئرا دون إذن وشقوا قنالا وسحبوا ماء النيل دون إذن ، زرعوا أرضا ملكا للحكومة دون إذن ، وتأريخ هؤلاء السكان، تحدوا السلطات من قبل فأضطرت لترحيلهم ، وتحدوها ثانيا فإضطرت لرشهم بالنار ) .
ويشير الإقتباس الأخير من رواية الصبار والذي كررت الكاتبة فيه عبارتين أساستين على نحو (ثوري ) تم إخراجه على أساس بناء الثنائيات المتوازية :
- تحدي القانون – مقابل القمع والتعالي الذي تمارسه السلطة علىيهم .
- تصرفوا وكأنهم دولة قائمة بذاتها – كناية عن غياب دور الدولة في حياتهم .
- حفروا بئرا – قصور السلطات في تقديم خدمات أساسية لهم .
- شقوا قنالا وسحبوا ماء النيل – تمسك السلطات بمقولات عجز الموازنة المالية والديون .
- زرعوا أرضا ملكا للحكومة – نقض مفهوم الملكية وقوانينها التي لا تراعي حقوق الإنسان .
- بنوا سورا من السلك الشائك – بنى سكان شارع النار مدينة المستنقعات .
وليس أبلغ من هذا لتوصيف شكل العلاقة المضطربة بين السلطات الحاكمة والمواطن على مستوى التخييل أو من خلال التطبيق الواقعي على الأرض فيما أسميناه بمعالجات ملف السكن العشوائي في بلادنا ، وتبقى جدلية (التصديق | شهادة البحث |القرعة | كروكي المساحة | الخدمات الأساسية ) هي موضوع المواطن الأول وبغير إمتلاكه لها يظل هائما على وجهه بلا حقوق في داخل وطنه .
رابعا : إنتهازية المدينة وأحكامها الإنتقائية : نهايات مؤلمة 
نشأت علاقات فردية بين أفراد وجماعات من شارع النار ومدينة المستنقعات مع أسر ومواقع عمل في المدينة التي تفصل بينها وبينهم غابة من الأشجار الشوكية ، كانت المدينة تستخدمهم في الأعمال ذات الطابع اليدوي الذي يستنكف أهل المدينة القيام بها ، فهم من يقومون بالعمل كخدم في البوت والمحلات وكذلك هم من يكون عليهم واجب القيام بجمع النفايات وتشييعها إلى مكباتها الأخيرة في ( مناطق سكنهم ) ، وتكمن المفارقة الصادمة في أن المدينة أبقت على (هامشيتهم في الحياة ) وكأنها تقوم بتطبيق رؤيتها ومنظورها الثقافي لهم على الأرض فأعطتهم (المهن الهامشية ) والمستهجنة .
وحتى أولئك الذين شقوا طريقهم وسط الصخور الصماء من بين سكان شارع النار ونالوا درجات علمية كبيرة في مختلف التخصصات وتمكنوا من إقتحام المدينة ومجتمعها المخملي تواجهوا بحقيقة أن معايير البقاء فيها لا صلة لها بدرجاتهم العلمية أو حتى المناصب التي وصلوا إليها البتة ، حاكمتهم المدينة بإنتقائيتها القاسية وفرزتهم عند حدود (سورها الثقافي ) القديم والراسخ على الرغم من أن هنالك مياها كثيرة جرت من تحت الجسر ، ونشير هنا إلى إبداعية الكاتبة زينب بليل في توظيفها للزمن الكورنولوجي والأخر السردي في تكريس تناقضات العلاقة بين المدينة وهامشها المنبوذ إرتجالا وتعسفا في التشريعات وأليات تنفيذ القانون ومعايير الخدمة المدنية العامة :
- جاء زواج البروفيسير خالد من خديجة (إبنة شارع النار ) تعبيرا عن فكرة عميقة في الإستحواز على كل ماهو جميل ومثير ولافت للأنظار كعادة أهل المدينة في إقتناء ( الأشياء الثمينة ) بغرض إشباع شهية لا تشبع في الملذات أو تعويضا عن نقص داخلي لايمكن الإفصاح عنه في حيواتهم الخاصة ، وهو الزواج الذي جعلت منه الكاتبة زينب بليل ( محك تجربة إصطدام الثقافات ) المتصارعة بين المدينة وشارع النار لتتجلى قوة المدينة وقدرتها على (صهر وتذويب ) شارع النار تحت أسنان منجل رأس المال الذي تمكن من كسر قناعات الكثير من الناس في الضفة الأخرى من المدينة المنبوذة .
- إصطدم الشباب المستنيرين من أبناء شارع النار بحقيقة أن المدينة هي في الأصل فقيرة وبائسة وأنها مثل مدينة المستنقعات لذلك كان خيار أحمد وهو الشخص الأكثر حضورا من بين شخصيات الرواية وقد صنعت منه الأستاذة زينب بليل شخصية فاعلة تجلت فيها كل (مشكلات الإنتقال ) والعبور نحو المدينة من الهامش حتى أن هزيمته وهروبه إلى الغرب وإصطدامه هو شخصيا بالحقيقة المرة في أنه لا يعدو من كون أنه سيكون مضطرا ليتسول بصور أهل قريته البائسة وهم في أسوأ أحوالهم ( الجوع ، الجهل ، المرض ) وخيانة حبه لخديجة التي فضل أن يتزوج بدلا عنها (فتاة أوربية ) ليحصل على الإقامة والطعام في بلد لا تعيره إنتباها من غير أن يمتلك المال الكافي لمقابلة تكاليف حياته اليومية فيها .
- أرسلت الرواية رسالتها التنويرية الكبرى – تبعا لبنية النص الأساسية –في أن الإستغراق في الأحلام الوردية والنكوص عن طريق المقاومة الشاق لا يحقق الأهداف العليا التي تصبو إليها المجتمعات الموبوءة بأمراض التجاوز والتخلف والإنسحاق بفعل الجهل والأمية وتعالي السلطات ، كانت رسالتها الصريحة لكافة المجتمعات التي نرزح تحت قيود (القوانين المقيدة للحريات ) والمنحازة لصالح ( طبقة الملاك ) والمتمسحة بالليبرالية الغربية القاسية أن مقاومتها تبدأ من إمتلاك سلاح (المعرفة| التجربة |الأصالة |البناء النفسي السليم للفرد| الخروج من سيطرة الخرافة والخوف الفطري من المستقبل | مواجهة الواقع وتحديه حتى الموت | عدم الإستسلام للفشل | مقابلة العنف بعنف مماثل ) وغيرها من المضامين الإنسانية العميقة التي تصب جميعها في كيفية إدارة الصراع بين السلطة والمجتمع في حال تجاوز السلطة لحدود المشاركة البناءة بينها وبينه وجنوحها نحو الشمولية .
وترتفع هذه الرسالة بمحمولاتها الثقافية والحضارية العالية إلى أن تشمل بلدانا بأكملها خصوصا بين بلدان العالم الثالث التي هي في التصنيف الغربي (المتعالي|المتفوق |المنتصر ) هامشا متأخر عماوصلت إليه الشعوب في العالم الأول ، هي موضوع المانحين وموظفي منظمات الإغاثة وقوات حفظ السلام ، هي ليست الند القوي أو الشريك الموثوق في قدراته ، هي الحديقة الخلفية لعواصم إقتصاد الرفاه في العالم .. وأن إستيقظوا أيها الغافون على وسائد الوهم الأيدلوجي والعرقي بإمتيازاتكم التأريخية التي تجاوزها الزمن لتواجهوا ما وقع عليكم من ظلم وقهر ، أن تتعلموا الدرس ، وأن تقاوموا بالمعرفة والتنوير كل أشكال الهيمنة الغربية على عقولكم وإقتصادكم وثقافتكم ، أن تتحدوا لتعرفوا بعضكم بعضا ، وتنحدوا لتنتصروا .
خاتمة :
قياسا على ماتمت مناقشته في المحاور الأربعة التي وضعناها كأسئلة متشابكة حول علاقات السياسة والإجتماع في داخل مضمون رواية نبات الصبار للكاتبة زينب بليل نصيغ هذه الخلاصة الأولية لهذه الدراسة المصغرة :
1. تمكنت الكاتبة زينب بليل من خلال أسلوبها السردي العميق من أن تزاوج بين اللغة العامية والفصحى في بناء خطابها الروائي مما أضفى على النص قدرا كبيرا من التجانس والتجنيس الذي أكسبه (هوية ) ثقافية واضحة لاسيما وهي من رواد (السودانوية ) في السرد السوداني .
2. النهايات المؤلمة والمأساوية لشخصيات رواية نبات الصبار عكست إبداعية الروائية زينب بليل التي لم تقفز فوق المراحل إحتفالا بإتحاد الجماعة (سكان شارع النار ) في وجه السلطة قبل أن يستعدوا لمعركتهم الكبرى معها ، فقد رفضت ( دونكيشوتية ) الحسين ورفاقه وإنتصرت للعقل على حساب الجمالي في سردها الروائي الملتزم بثقافة المكان والتي أعطتها ماتستحق من التنمية والإهتمام الذي يليق بها .
3. جاء الأثر المرجأ للسياسي والإجتماعي لمضمون رواية نبات الصبار قويا وفاعلا داخل ذهن المتلقي قياسا على تجربة التلقي الذاتية في أبسط أدواتها وقاموسيتها اللغوية والسردية ، ونحمد لها كثيرا أنها عملت على نشر الوعي السياسي وسط الناس في المجتمعات المحلية بما يستطيعون تفهمه وإدراكه والتماهي معه في تجاربهم المستمرة مع الحياة اليومية دون تقعر أو إدعاء لأستاذية هتافية جوفاء ، ونكرر معها دعوتها الصريحة إلى التسلح بالعلم والمعرفة قبل الشروع في مواجهة نظام دكتاتوري وشمولي أو لنقل أي عدو أجنبي يتربص بخيرات ومقدرات شعبنا .   
مراجع :
1. رواية نبات الصبار – زينب بليل – هيئة الخرطوم للصحافة والنشر – الطبعة الأولى 2011م .
2. رواية الزندية – إبراهيم بشير إبراهيم – القاهرة – بدون تأريخ .
. النظام اللاعالمي الجديد .. وجهة نظر مواطن أوربي - تزفتيان تودروف – ترجمة محمد ميلاد -2006م.