النبات الصاحب 

النبات الصاحب  الصديق/المتلازم وبرتقال وحسناوات اشبيليه ومراكش د. فخرالدين عوض حسن عبدالعال عالم الطبيعة واسرارها يفوق حد الروعة والجمال، واذكر وانا طفل كنت اتابع برنامج كان يقدمه بروفسير محمد عبدالله الريح عن ذلك العالم ..وايضا "عالم البحار" لكريستو وبرامج عديدة عن النباتات .. ومن عشقى للنباتات كنت حريصا على زيارة دول عديدة منها الهند هذا البلد العجيب الغريب، حيث رايت بعض النباتات تتغذى على الحشرات وتصطادها بمهارة ..ومعرض الزهور فى جنوب الهند يفوق حد الروعة والجمال ..الهند الصندل والهيل والقرفة والقرنفل والنباتات الطبية والعطرية، وزرت شركة همالايا وهى الاشهر فى العالم.

النبات الصاحب 

النبات الصاحب 
الصديق/المتلازم
وبرتقال وحسناوات اشبيليه ومراكش

د. فخرالدين عوض حسن عبدالعال

عالم الطبيعة واسرارها يفوق حد الروعة والجمال، واذكر وانا طفل كنت اتابع برنامج كان يقدمه بروفسير محمد عبدالله الريح عن ذلك العالم ..وايضا "عالم البحار" لكريستو وبرامج عديدة عن النباتات ..
ومن عشقى للنباتات كنت حريصا على زيارة دول عديدة منها الهند هذا البلد العجيب الغريب، حيث رايت بعض النباتات تتغذى على الحشرات وتصطادها بمهارة ..ومعرض الزهور فى جنوب الهند يفوق حد الروعة والجمال ..الهند الصندل والهيل والقرفة والقرنفل والنباتات الطبية والعطرية، وزرت شركة همالايا وهى الاشهر فى العالم.
وتشتهر الهند بطب الاعشاب والنباتات ..وتقول الروايات بان شجرة "النيم" اتت الينا من الهند ...ولا اعرف مصداقية قصص منسوبة للبروفسير العلامة عبدالله الطيب عن علاقة الهدندوة بالهند ..والاستدلال بالحجل والزمام وثوب الفوطة الذى يشبه السارى الهندى، والاهتمام بالشعر عند رجال ونساء الهدندوة ..ويذهب خيالى بعيدا عندما كنت طالبا فى مدرسة بورتسودان الثانوية، وفى تلك المدينة الجميلة كانت هنالك كثير من الجاليات التى اندمجت وتلاقحت مع انسانها، وكان اكبر تلك الجاليات هى الهندية وكان طبيعيا ان نرى وقتها نساء الهنود فى الاسواق بالسارى الهندى ..وكنت حريصا على قص شعرى عند حلاق هندى . بعد محاولات هروب عديدة من الوالد طيب الله ثراه ..فقد كانت الموضة وقتها قميص
 " تحرمنى منك"  والخنفس . اى عدم حلاقة الشعر ..وكان الوالد يرى الامر خلاعة ومجون و صعلكة لا تليق ..
نرجع لموضوعنا ..واه ثم اه من قلمى الذى على كيفه ولا يلتزم ابدا بالقيود  والسقوف.! لذلك لم اجد فى العسكرية فتنة ..ونفرت منذ صباى من الاحزاب العقائدية..

نرجع للعلاقات بين النباتات والصداقات والعلاقات بينها و الحب كمان ..
وقبل الاسترسال فى تلك العلاقات والتى اكتشفتها منذ طفولتى ..ولكنى استوعبت مفاهيم علمية مهمة جدا فى زياراتى للعديد من الدول ..ويوما نزلت بكازا الجميلة عروس الاطلسى ومنها اخذت القطار الى المدينة الحمراء شكلا ومضمونا مراكش ..حيث يتوسط ساحتها مسجد الفنا  وتشتهر المدينة برعاية المهرجانات السينمائية العالمية ..وايضا مهرجانات القمار والبروناى والجنس الثالث!!.
ويسكنها الاغنياء والمشاهير وكبار اليهود  ..وخصوصا الفرنسيين ..والراحل جاك شيراك كان له منزل فى احدى ضواحى مراكش..
وجمعتنى مراكش بعد غيبة بالخلوق الصديق د. حمدوك، وكان ضيفا على مؤتمر استضافته المملكة المغربية.. وكنا قد افترقنا من ايام الدراسة بمانشستر البديعة... 
وفى مراكش تستمتع بشرب الشاى "الاتاى" بالشيبة او النعناع المراكشى فائق الروعة . اما من لم يتذوق برتقال مراكش فقد فاته الكثير والمثير ..والفتيات المراكشيات يتمتعن بابتسامة تسكرك وانت فى كامل وعيك ..ولهن قدرة وبراعة فائقة فى التعامل مع الاجانب وتقديم الاكل والشرب بشكل جميل ..وحتى فرش المادبة ووضع الازهار ببراعة وادب تحسبه مجونا ..وهى ثقافة وتربية..فان المغاربة شعب يعشق النظافة والترتيب والجمال.

تركت كل مفاتن وسط مراكش الحمراء ..وذهبت فى رحلة حول ضواحيها وجبالها والشلالات . استكشف النباتات واستمتع بالصباريات وانواع من التين الشوكى لم اراها او اتذوقها من قبل ..فان الصباريات والنخليات تجعل لمراكش طابعا خاصا، بل وعظيم التخصيص والخصوصية وزيارات  قبة الفكى كما اسميها واستمتع بذرات ترابها ..او الحديقة النباتية الماجوريل وهى اهم معالم مراكش وسعر دخولها خمسون دولارا وتجد الاجانب من  كل حدب وصوب بالصفوف !!..  وفى مراكش وان كنت تسكن سابع دور ستجد نخلة مراكشية تفوق سكنك طولا ..وابتسامة مراكشية تفوق خيال صاحب مؤسم الهجرة للشمال خيالا ..وبالمناسبة فان الطيب صالح عاشق متبتل فى حب المغرب وقد بادلوه العشق، وفى اصيلة المدينة المغربية الساحرة ..تجد شارع وميدان باسم الطيب صالح ..ولايزال يتم كتابة اسمه على المقعد الامامى فى مهرجان اصيلة كما لو كان موجودا بجسده!..
فى الجبال والشلالات التى تطل على المدينة يمكنك الاستمتاع بطاجن امازيغى لذيذ ..على انغام موسيقى امازيغية صاخبة ..ويحوم من حولك بائعى الازهار والاعشاب والنعناع ..من خزامة وسالمية وروزمارى ولويزا وغيرها من نباتات يستعملها الجميع شرابا ولاغراض الزينة والجمال الجميع..وقد كنا زمان نسمع اخواتنا وامهاتنا عند الحيض يشربن الحرجل وعندهم نبات يستعمل لنفس الغرض هو اللويزة ...كما انى لاحظت ان النساء المغاربة لا يستعملوا الكريمات المستوردة للشعر والبشرة ..وما ادراك من بشرة المغربيات ..وترى بنت الاربعين صبية ..
يوما سألت احداهن عن سبب جمال ونقاء بشرتهن وانهن لا " يترهلوا" او "يعجزوا" ..فاصرت ان تاخذنى جولة الى الاسواق "القديمة" حيث تباع الاعشاب والنباتات الطبية والعطرية ..فوجدت حتى طمى النيل " طين البحر" يباع هنالك!!
وزيوت طبية وعطرية اهمها واشهرها الارجان وهو اغلى واهم الزيوت فى العالم للشعر والمساج والاكل وكل شئ..وانا استمتع باكل زيت الارجان مخلوطا بطحين اللوز المغربي وعسل نحل اغادير الشهى..

رغم  معاناة المغرب من ندرة المياه والامطار وقلة الاراضى الخصبة ومحدوديتها الا اننا نجد الفواكه والخضروات والاعشاب المغربية فى كافة سلسلة البقالات فى العالم .وفى محل سينسبرى الشهير بانجلترا  يمكنك شراء زيت زيتون مغربي وزيت لوز مغربي وفاكهة مغربية وسمك تونة مغربي ..وزعتر و " زعيتر" مغربي طازج!!
وقد ظلت اسبانيا دائمة الشكوى للاتحاد الاوربي عن منافسة المغاربة لمنتجاتها ...
وبمناسبة اسبانيا فقد تذكرت باننى يوما كنت قاصد اشبلية وقرات نبذه عنها فى كتاب الطيران easyjet حيث تم تعريفها بان سبب غزو العرب قديما لاشبيلية لانها مدينة البرتقال والنساء الجميلات ..

وتتشابه مناطق الاندلس وبعض المدن المغربية بانتشار نوع من اشجار البرتقال فى الشوارع..يشتهر برائحة ازهار كانها من جنة الفردوس ..وخصوصا عقب "رزاز" المطر ..تتعطر الشوارع بتلك الرائحة الفردوسية التى تعلى من مزاجى وانتاجى العقلى والجسدى!

وفى المغرب يشربون الشاى الاخضر مخلوطا بعدة نباتات اطيبها فى ظنى هى العنبر والزعتر والياسمين ..والاخيرة ليس هى ازهار الياسمين وانما ازهار ذلك البرتقال الذى تراه على مد البصر يفصل مابين الاسفلت ويزين الشوارع فى وسط المدن..
وفى"حديقة العشاق" وهى مزرعتى الصغيرة " معبدى" بمنارة امدرمان ..زرعت اشجار لارنج استمتع برائحة ازهارها وشراب عصير ثمارها..
المغاربة شعب يحب الطبيعة والطبيعى ويستمتعون ويتفاخرون بانتاج بلدهم وياكلون بشهية لحوم خروف الصردى اللذيذة ( كتبت مقالا عن الخراف المغربية وانواعها )..وزيت الزيتون مع خبز الشعير وعسل النحل ...والطواجن ويكرهون الطهى فى اوانى معدنية او الشرب من اوانى بلاستيكية ..وكل شئ محلى عندهم اجود واغلى من المستورد.. 

ونرجع تانى للنبات الصاحب وقد صاحبت المغرب واحببته حتى سكرت من هواه واطربتنى ذكراه...

كما اسلفت، فى مراكش ذهبت الى سوق البذور والشتول وهذا ديدنى مع كل بلاد العالم التى زرتها ..وقد اكتشفت فى استانبول ان هذا السوق يقع خلف اكبر سوق للبهارات فى العالم!! وفيه جلست فى "بنبر" كارب وشربت قهوة تركية مع حلاوة لكوم..
فى مراكش دلفت الى شركة فرنسية تبيع البذور ،  والارتباط الفرنسى المغربي عميق، ونلحظ ذلك بوضوح فى الثقافة المغربية حتى فى الاكل والشرب . فالمغاربة لا يعرفون ابدا الشاى بالحليب او الشاى الانجليزى English tea
ولكنهم مثل الفرنسيين يحرصون على شرب القهوة بالحليب ..
فى الشركة الفرنسية لبيع البذور لاحظت ان اكثر البذور مبيعا هى لزهرة المارى قولد 
Marigold
وبالعربية يسمونها المخملية..
استغربت للامر والشركة تخصصها هو بيع بذور الخضروات وليس الورود والازهار ..ويومها استمتعت باجمل محاضرة من كهل فرنسى متبحر فى عالم النباتات وحسناء مغربية تترجم ..فتخرج من لسانها ورود وازهار ورياحين ..وفى وجهها سحر كاد ان يفتك بقلبي المسكين ...

حدثنى الفرنسى عن اهمية الزراعة العضوية وعن ضرر استعمال المبيدات الكيمائية وانتشار امراض السرطان وغيرها من الامراض الفتاكة والشعور بالكسل والخمول وانتشار العقم ..كل ذلك بسبب استعمال السماد والمبيدات الكيماوية فى رايه واسانده الراى .. وقالوا انهم اتجهوا للزراعة العضوية باستعمال وسائل طبيعية ..وشرح لى طريقة لاكثار حشرات وديدان غير ضارة ولكن تساعد فى التسمين والتلقيح والتغذية للنبات ..وفجاة انتقل الى موضوع سؤالى عن امتلاء ارففهم ببذور زهرة المارى جولد 
فقال لى ان تلك الزهرة لم يكتشفها العالم ويعطيها حقها ..فانها تحمى النباتات من الحشرات وتجذبها اليها او تبعدها وهى اعظم غذاء للنحل الذى يقوم بدور عظيم فى التلقيح ..وبدأ يشرح لى بان النبات الصاحب او المرافق قد يجذب اليه الحشرات بدلا عن الخضروات المزروعة او يبعدها مثل الريحان..او يساهم فى تغذية التربة لنباتات اخرى ..وان الفرنسيين كانت لهم الريادة فى اكتشاف العلاقة بين النباتات وتوظيفها لانتاج فاكهة وخضروات طبيعية ( عضوية) هى الاغلى فى السوق العالمى ..

كانت المحاضرة طويلة وجميلة وممتعة ..ويزيدها امتاعا وجمالا وروعة ابتسامة المغربية الحسناء ..وبينما هى تحرك شفتيها الجميلة ..ورغم كل ذلك الحضور الباذخ ..وجدتنى اسرح بعيدا ..واعود الى موطنى والى شاطئ النيل ..الى ارضنا المعطاءة الخصبة ..الولود 
وجدتنى لا احلم ببرتقال تلك الحسناء وازهارها الحمراء ..وجدت نفسى اسرح فى موطنى واحلم بان نزرع كل اراضيه جمالا وقمحا ووردا وتمنى ..

وتذكرت ان المتاجر البريطانية تبيع الشمام بنصف جنيه استرلينى  للواحدة بينما العضوى منه تفوق الواحدة 3 جنيهات استرلينى ..وحتى الشطة الخضراء العضوية والبامية والطماطم والفاكهه ..كل المنتجات العضوية سعرها اكبر خمس مرات او اكثر من غيرها ..وحتى "المثبتات" والنكهات الطبيعية  للمشروبات اسعارها مضاعفة مثل الصمغ العربي .. وقد سبق ان كتبت مقالا دسما جدا عن التبلدى
 " القنقليز" وتجارته العالمية التى اصبحت رقما خياليا ..واستعماله فى صناعة الاغذية والمشروبات ..وقد تمت اجازته قانونيا مؤخرا  فى الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي..
ان سوء الادارة والفساد كان طابع العصابة التى تحكمت فينا ثلاثة عقود عضود.. 
فهل تستيقظ حكومتنا الحالية وتهتم بالتقنية والعلم فى الزراعة وكل اوجه الحياة..ونرى مدارس ثانوية متخصصة بالزراعة والحيوانات؟؟.

د. فخرالدين عوض حسن عبدالعال
استشارى ادارة جودة وانتاج 
الزمالة المهنية للجودة من المعهد البريطانى