الناقد الشاعر محمد بنيس في أسئلة الشعر والنقد

الناقد الشاعر محمد بنيس في أسئلة الشعر والنقد

(*) ما بعد الحداثة مصطلح إجتماعي

(*)العولمة الآن جارفة وكاسحة لكل ما نؤمن به

(*)الروائي الناجح هو الذي يستوعب الشعر ويشتغله بمنطق الشعر في كتابة  الرواية

(*)اللغة العربية لابد أن تكون حديثة وأن نكف عن الخلط بين اللغة الحديثة واللغة القديمة

(*) في السودان حركة شعرية جميلة وواعية ومسئولة

أقيمت عدة فعاليات ثقافية بمناسبة إبان زيارة الناقد والمفكر والشاعر المغربي محمد بنيس إلي الخرطوم لأول مرة والتي قام بها النادي الفرنسي ولبنيس كثير من القراء والمتابعين في الحقل الثقافي السوداني منذ ثمانينيات القرن المنصرم ويعده كثير من الشباب رائد نقد مدرسة الحداثة الشعرية كما ساهم في إجتراح منافذ جديدة لقراءة الشعر العربي وهو أحد رواد الحداثة ومنظريها  إلتقيته في حواربمقهي المركز الثقافي الفرنسي تناول العديد من المحاور

حوار - محمد نجيب محمد علي

(*)هل يصح القول أن الشاعر بعمله في النقد  يدافع عن طريقته في كتابة الشعر والمثال الشاعر والناقد ( ت . س. إليوت ) ؟

كل الشعراء الكبار الأوربيين لهم إهتمام كبير بنقد الشعر ، فبودلير مثلا ناقد كبير وأنت أتيت بإسم ( ت , س اليوت ) وهو ناقد كبير وأيضا شعراء من المانيا من جميع اللغات، الإهتمام بالنقد هو جزء من العملية الشعرية نفسها  لسببين السبب الأول النقد يضيء لك ما تكتب ثم أن أفضل من يقوم بقراءة الشعر ونقده هم الشعراء وعندما نمارس النقد نعطي القصيدة  فرصة أكبر  لتأخذ معني أعمق من المعني المدرسي أو المعني العام الذي يتشبث به بعض شراح الشعر أو مفسروه

(*) بعد عملك عقودا من الدراسة النقدية والممارسة الشعرية هل لا زال سؤال  الحداثة لديك   قائما بعد ظهور مدرسة ما بعد الحداثة ؟  

لست من الذين يقول بمضي   الحداثة لأن الحداثة لا تنتهي الحداثة تتجدد مع كل زمن من الأزمنة فالحداثة كانت أيام اليونان و عند العرب و في أوروبا وهي الآن في كل مكان في العالم  و يجب أن نحترس من هذه المصطلحات التي هي في الأساس ليست ذات علاقة بالأدب والشعر ولكنها  ذات علاقة بميادين أخري ومابعد الحداثة هو مصطلح إجتماعي أكثر من كونه مصطلح أدبي وثقافي لذلك علينا  أن نفهم ما هي مرجعية الشخص عندما يقول أنه يشتغل ضمن الحداثة أو أنه يجعل من الحداثة طريقة في التفكير وفي الكتابة

(*)الربيع العربي وما أحدثه من تغييرات هنا وهناك .. هل للمثقف دورا في معالجة أسئلة  المجتمع التي طرحها الجمهور ؟

أؤمن بالمقاومة الثقافية والمقاومة الشعرية وأقول أن هذه اللحظة التي نري فيها كثيرا من القيم التي دافعت عنها الثقافة العربية الحديثة وحركات التنوير في العالم العربي هي اللحظة ذاتها التي تدعونا لنكون متبصرين إلي ما كنا نؤمن به وأن لا نفرط فيه وبالتالي أن يكون وعينا بالكتابة وبممارستها وعيا  نقديا ولذلك فهووعي  مقاوم إذا المقاومة من هذا المعني يصبح لها دلالة أبعد لأنها تشتغل علي الثقافي والشعري وتعود بالأفكارإلي حيث يجب أن تبدأ وأن نفرط في هذا التاريخ وهذا العطاء الفكري والشعري الذي كافحت أجيال عديدة وكبيرة من أجله فإذا به اليوم هو محط إتهام محط سؤال لا ينبع من شرعي في السؤال النقدي بل شرعية الإتهام والتكفير وجميع ما نعرفه من مصطلحات لا تمت إلي الثقافة ولا إلي الثقافة العربية في تاريخها      ومن هنا فأنا أنبه علي هذا العمل الذي هو المقاومة الشعرية والثقافية وأبدأ بنفسي وأمارس هذا الفعل المقاوم

(*) إذا الفعل المقاوم الثقافي هو الذي يعيد الحالة العربية للأمن والطمأنية ؟

هو الذي يعيد الثقافي إلي مركزه القوي لكي يثق بما يفعل رغم أن  جميع ما نعيشه في ظرفنا الحالي مضاد لما نؤمن أنه هو الذي يجب أن يكون في  مقدمة ما نسعي إليه من أجل حرية  المجتمع ومن أجل تقدم المجتمع من أجل تطوير المجتمع نحو  الأفضل

(*) الهويات الثقافية باتت مهددة في ظل هيمنة المركزية الغربية _ هل هناك خارطة طريق للوطن العربي لمواجهة هذه الهيمنة ؟

_ كما تعلم حركة بكاملها  كان رائدها هو إدوارد سعيد في نقد الإستشراق هذه الحركة الآن متعاظمة في العالم ويجب أن لا نهون من شأنها وبإعتقادي أن هناك حركات الآن  تنشأ هنا وهناك رغم أننا لا نراها وفي الوقت نفسه نعلم أن العولمة الآن جارفة وكاسحة لكل ما نؤمن به لأنها تجعل من الإستهلاك هو المبدأ الأول لكل حركة في العالم إجتماعية أو فنية أو أدبية ولابد أن نري في هذا شيئا يمثل خطراعلينا  مثلما تمثل الظلامية الفكرية  خطرا علي المستقبل العربي أو الإنساني إن الهويات يمكنها أن تثبت في مكانها وتشتغل ولكن بعقلية جديدة وبوسائل جديدة وباللقاء بالعالم وليس بالهروب منه

(*) في كتابكم ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب مقاربة بنيوية تكوينية _إلي أي مدي تم تطبيق المنهج البنيوي التكويني علي الشعر العربي في المغرب وما هي إضافاتكم حتي يتلاءم المنهج مع السياق الشعري المغربي .. وهناك من يقول أن البنيوية إنتهي عهدها بعد ظهور التفكيكية ؟

هذا العمل قمت به سنة 78 من قبل اربعين سنة أنا من بعدذلك  إشتغلت علي الشعر العربي الحديث بمنهج آخر الشعرية النقدية إذا  يجب أن لا نكون جامدين في مكاننا لأنني دائما أتبني  السؤال والسؤال  معناه أننا نشتغل ضمن حركية و ليس مفاهيم جامدة وعند طرح السؤال المعرفي علي أي شيء يجب أن نتجرأ؟ ونواجه السؤال بما يجب من الحزم والمسئولية ولكن لابد من الإرتكاز في كل هذا علي المعرفة وليس فقط علي ما نسمع أو الإشاعات  والقراءات المتسرعة ويجب أن نعود إلي الأصول وإلي المعارف ونجدد بطريقة جذرية ونشتغل مع العالم  كما يشتغل هو أيضا والحوار  مع العالم يساعدنا علي تطوير أفكارنا وفي نفس الوقتوعلينا  أن لا ننخدع بالشعارات العابرة التي دائما ما تكون إعلامية

(*) في قراءاتك للرومانسية العربية _ ماذا أردت أن تقول عنها في نظرتك إليها كمرحلة هامة في تطور الشعر العربي ؟

ما أردت أن أقوله أن القراءة العربية التي كانت سائدة والمتخيل والطريقة التي يفكر فيها العرب في الرومانسية هي دائما قرينة بالسخرية والتتقليل من شأنها  وإعتبارها حركة إنهزامية  و إنزوائية ومضادة للحياة الإجتماعية  والحركات الإجتماعية وللحياة ولكن بالنسبة لي قمت بالعودة إلي منظريها  الأوائل وهم الألمان الذين لم نكن نعرفهم في الثقافة العربية ثم بالعودة إلي النصوص نفسها وليس فقط بالكلام أو الإعتماد علي أقوال كتاب وباحثين .بالعودة إلي النصوص نكتشف أن هذا الشعر                           وهذه الحركة الرومانسية   هي حركة قوية في حياتنا وكلن لها عطاء وكانت لها قوة دافعة من أجل تحرير العقول وتحرير الحساسيات لهذا فأنا أتشبث في هذا الجانب من  الرومانسية وأعتبره يستحق كل العناية وبدون فهم الحركة الرومانسية  يصعب              علينا أن نكون من أصحاب الحركة الحديثة

(*) غياب الشعر السوداني في دراستكم عن الرومانسية العربية وللسودان مساهمات توقف عندها نقاد الجيل السابق إحسان عباس ود . محمد مصطفي هدارة مثلا ؟

أنا لم أقصد أن أذكر الشعر العربي كله أنا قمت بعمل نظريوليس بعمل تطبيقي أو جولة علي الشعر العربي والتاريخ  وهذا الإلتباس حصل حتي في مصر قالوا لي أنت لم تتناول شعر مصر قلت لهم ليس هذا هو هدفي هدفي هو البحث في أسس نظرية من خلال الأعمال التي شكلت مرحلة  مفصلية في الشعر العربي ولكل بلد يمكن أن يشتغل علي شعره مثلا أنا إشتغلت علي الشعر العربي ما سميته المركز والمحيط إشتغلت علي المغرب وفي السودان ممكن أن يشتغل شخص بنفس المفاهيم علي الشعر السوداني وانا لا يمكن أن أشتغل علي هذه الأشياء كلهاأنا  فقط متواضع في هذه الأعمال أدعوا الآخرين لكي يجتهدوا بدورهم من أجل أن  نفتح ورشة موسعة في القراءة الحديثة للشعرية العربية الحديثة

(*) من خلال تجاربكم في الترجمة ( ترجمة الإسم العربي الجريح لعبد الكبير الخطيبي ) وهناك مناقشات حول اللغة العربية وتحديثها لتساير التطورات الثقافية في ظل العولمة  ؟

اللغة العربية لابد أن تكون حديثة وأن نكف عن الخلط بين اللغة الحديثة واللغة القديمة والبحث بشكل فردي وجماعي في إعادة التراكيب للإستفادة من ما لدينا من لغة نعيشها ونعيش معها كل يوم وإدخالها إلي اللغة العربيةو أيضا مكتسبات لغوية عالمية كما الشأن في كل لغات العالم الحديث و بهذه الوسيلة نجعل من العربية لغة حية قادرة عليالإستجابة للأفكار الجديدة والحساسيات ولهذه الشساعة الكبيرة التي أصبحت عليها العلوم الإنسانية في الدراسات الأدبية أو الكتابة الأدبية نفسها

(*) تراجع الشعر وتفرق داخل  الأجناس الأدبية الأخري من قصة ورواية  .. ما قولك ؟

هذا كلام قاله نقاد متعجلون وهو كلام يقال في أكثر من مكان في العالم الشعر دائما كان يعيش علي الهامش ولكن هذا الهامش فاعل حتي ولو كان يبدو لنا أنه لا يفعل ، الروائي الناجح هو الذي يستوعب الشعر ويشتغله بمنطق الشعر في كتابة  الرواية

(*) كيف وجد محمد بنيس الشعر السوداني ؟

ما سمعته جعلني أقول أن هناك حركة شعرية جميلة وواعية ومسئولة وأتمني لها المزيد من التفتح أيضا الإنتشار والحوار مع الشعريات  العربية والعالمية

(*) أخيرا محمد بنيس هل لا زلت متمردا ؟

أنا معك كنت مؤدبا هل أدبي معك هو التمرد