الأديب التونسي محمد الجلاصي ل "كليك توبرس"
الأديب التونسي محمد الجلاصي ل "كليك توبرس" _المجتمعات التي لا يقتحم مبدعوها المستور والمغلق يصيبها الشلل _غياب الحرية يحد من عملية الكتابة حوار _ محمد نجيب محمد علي _ عامر محمد أحمد
الأديب التونسي محمد الجلاصي ل "كليك توبرس"
_المجتمعات التي لا يقتحم مبدعوها المستور والمغلق يصيبها الشلل
_غياب الحرية يحد من عملية الكتابة
حوار _ محمد نجيب محمد علي _ عامر محمد أحمد
ينتمى الأديب التونسي محمد الجلاصي إلى فئة من المبدعين، تكاد تعد على أصابع اليد الواحدة في عالم الكتابة، وهو شاعر وروائي ومسرحي وكاتب قصص أطفال. هذه النفس المبدعة، أسفر بحثها عن جوهر الإنسان، الغوص عميقا واختبار مافي الكتابة من اختبار وصبر وثقة بالموهبة العالية والعودة للقارئ بكنوز من الشعر والسرد والقصة. تفيد كتابات المبدع الجلاصي بأنه متميز وملتزم بأدوات الكتابة مع الثقافة والشفافية. خبر الجلاصي، الحياة وخبرته، إذ انتمي نقابيا مبكرا إلى الاتحاد التونسي للشغل، ولما لهذا الاتحاد من وجود فاعل في الذاكرة الاجتماعية النضالية في أرض الياسمين، فان شذى هذه السنيين، بلاشك القارئ واجد صداها في إبداع الجلاصي. وهو عضو اتحاد الادباء التونسي.وصاحب، داخل الأسوار، خلاصة الطير، ومراسيم حافر الليل، وباب الفصيل. ورحمة، نزر من شتات، المدارك او الخندقوقي، يرتعد البحر ماتيسر، اضطراب الضباب، فإنه بهذا الإبداع الذي اخترنا عناوين من جملته، يؤسس لمعمارية متكاملة في السرد والشعر والقصة، فنية وعلمية وتاريخية حياتية، وكل هذه التقاطعات في ذات الكاتب المبدع، تحيل إلى البيئة الثقافية التي نشأ فيها وموهبته العاليه. وكاتب بهذا الإبداع جدير بالقراءة والحوار معه.
_ الشعر ميدان فسيح وأنت الشاعر المجود هل يعجبك ما هو مطروح في الساحة من شعر وخاصة الشعر الحر؟
إن الساحة الشعرية التونسية اليوم تعج بمختلف الأنماط والأنواع الشعرية التي تتنافس من أجل البحث عن الأفضل والأكثر صمودا مع الذائقة الشعرية المطلوب اليوم خصوصا من حيث الشكل حيث يمكن للملاحظ أن يشير إلى وجود ثلاثة أنماط شعرية هي العمودي والحر(شعر التفعيلة) والشعر المنثور..وهي تتعايش اليوم جنبا إلى جنب وهي مؤهلة لذلك فعلا ، ولكل نوع من هذه الأنواع رواده وأنصاره حيث لكل لون منها عبق إبداعه الزاخر وإضافاته وتجلياته الإبداعية ، وخصائصه الفنية التي تتجلى في أكثر من موضع وفي أكثر من مقام معنى ومبنى غير أنها مطلوبة اليوم أكثر من أي وقت آخر لمزيد تطوير أدواتها الأسلوبية والإبداعية لمواكبة الراهن والتـأقلم مع المستجدات ، كما أن استسهال الكتابة الشعرية في بعض أنماطه وخاصة في مجال ما يطلق عليه اليوم بقصيدة النثر يغري اليوم فئة كبيرة من الشباب والمبتدئين بالإقبال على الإبحار في هذا المجال إيمان منهم بضرورة التحرر من قيود الوزن الخارجي وأحادية الإيقاع ما يفتح مجالا واسعا للنقاش قد لا يسمح به هذا المجال ، ولكن المؤكد أن الإبداع الحق يستوجب الغوص المعمق للظفر بمكامن تجليات وتمظهرات الشعر الحقيقي الموافق للذائقة الشعرية في كل زمان ومكان بقطع النظر عن محليته الضيقة والعوامل المرتبطة به.
_ ما هو سؤال الشعر عند الجلاصي
؟
الشعر سؤال الوجود الأول منذ ظهور الشعر قديما وخاصة لدى شعراء العهد الجاهلي والإسلامي الذين طالما أرقتهم أسئلة الحياة والموت والوجود والكينونة البشرية والخلود ، وانبروا للتأمل في ماهياتها وفي محاولة الإجابة عنها...والشعر كذلك سؤال الحياة الاجتماعية والعلاقات البشرية بين مختلف أفراد الحي والعشيرة والمدينة والشعب والدولة والأمة.....وهو كذلك سؤال الذات البشرية بكل آمالها وهمومها وآلامها وتفجعاتها ونكساتها وإرهاصاتها...الشعر هو خزان القضايا الاجتماعية والبشرية والكونية الكبيرة التي لا تنتهي ربما إلا بانتهاء الحياة...الشعر هو سؤال كل شيء عن كل شيء..هو سؤال الحياة الدائم عن تناقضاتها وصراعاتها وتوتراتها .ولكنه ليس أيضا سؤالا ذهنيا جافا مرهقا للعقل وللفكر ، بل هو سؤال الفن والجمال ، تتظافر فيه عوامل شتى ويتركب من مكونات مختلفة ، إيقاعا ولغة وبيانا وبلاغة...الشعر كذلك سؤال جميل عن الأشياء تستريح في فيئه النفس البشرية المرهقة وتهدأ إليه القلوب وتطمئن له الذات لأنه يمسح عنها الأتعاب ويخفف من حدة الأشجان ويحلق بها بعيدا في سماء الحلم ويمنيها بالأفضل والأحسن والأجود ويفتح لها باب الأمل .
_ ازدهار الشعر في عصور قديمة وانحساره في الأزمنة المفتوحة اليوم فضائيا ، في اعتقادك ما السبب وهل لغياب الحرية دورا في ذلك ؟
مما لا شك فيه أن الشعر قديما كان منتشرا ورائجا بفضل السامعين و الرواة مما ساعد على نشره على نطاق واسع وبالتالي على ازدهاره إضافة لعوامل أخرى أيضا كان لها الأثر الكبير أيضا في ذلك لعل أهمها بساطة طرق العيش قديما وخصوصيات الفضاء الشاسع والممتد والفسيح قولا وكتابة وسماعا وحفظا ورواية آنذاك ، وانعدام المشاغل والتوترات التي نعرفها في عالمنا اليوم وخاصة حرية فعل القول التي بات يشكو منها كثيرا شعراء الحاضر والقيود التي باتت تكبلهم سواء من السلطة السياسية والاجتماعية أو غيرها ، مما حدا بهم اليوم إلى اللجوء إلى عوالم أخرى مفتوحة في العوالم الرقمية هروبا من الواشي والراشي والمراقب والرقيب خوفا من الأعين التي لا تنام و لا تغفل عن رفع الأمر لصاحب السلطة والجاه عند الاقتضاء عقابا على تجاوز المعتاد والمعهود والمألوف وعلى التصريح والمجاهرة بما يرفضه الحاكم ويأباه ولي الأمر.
-غياب حرية القول الأدبي؟
إن لغياب حرية القول الأدبي عموما وخاصة فن الشعر دورا كبيرا في ذلك حيث يجد المبدع الملاذ المناسب للتعبير والإصداع بالحقيقة عارية كما هي دون تجميل أو مساحيق ديدنه التواصل مع القارئ والنفاذ إلى أغوار المتلقي ولعمري تلك هي رسالة المبدع الحق وهدفه الأسمى الذي كرس له قلمه منذ قرون وعقود متحديا في سبيله كل العقبات والمخاطر والتحديات.
_ ازدحام الارفف بالروايات الجديدة مع تأخر الوعي العام بين الناس، هل الأزمة ثقافية أم أن الرواية لم تصبح بعد بوابة لنهضة؟
يشهد الكتاب الثقافي عموما انتكاسة على مستوى الاقتناء والقراءة وخصوصا الكتاب الإبداعي سواء كان شعرا أو قصة أو رواية أو مسرحا، وتزدحم الرفوف بالتالي بالكتب الجديدة الصادرة ، ولعل التطور التكنولوجي الرقمي السريع خلال السنوات الأخيرة قد عمق أزمة الكتاب الإبداعي الورقي وباتت الأزمة بالتالي ثقافية بحتة لأن الكتاب بكل أنواعه يمثل بوابة لتقدم الأمم الشعوب وواجهة لرقي الإنسان وثقافته ، غير أن ما نشهده اليوم من تراجع كبير على قراءة السرديات قد يعود لتلك الأسباب السالفة الذكر ولغيرها ومنها ما يتصل بالبدائل والوسائط الأخرى للكتاب ومنها ما يتصل بوعي المواطن وثقافته واهتماماته وعزوفه عن الفعل الثقافي عموما استهتارا بجدواه في زمن بات يعج بأصناف المشاغل والحاجيات والمقتضيات المادية ويدير ظهره لكل شأن معرفي فكري أو تثقيفي .
_مقولة أن هذا عصر الرواية ، أين موقعها من السرد العربي في الراهن؟
تعرف مختلف الأشكال الكتابية اليوم إقبالا متفاوتا على القراءة ولعل الرواية هي الأكثر حظا بين مختلف هذه الأشكال إنتاجا ونشرا ودعما وترويجا وقراءة مقارنة بنظيراتها الأشكال الإبداعية الأخرى خصوصا منها الشعر الذي يعرف انحسارا ما فتئ يتزايد يوما بعد يوم
- المتسبب في انحسار الشعر؟
الشعراء أنفسهم أو بعزوف القراء أو بسبب مرتاديه من "الدخلاء" الذين تخلو كتاباتهم من الشعرية الحق ومن توهج التجربة وعمق الإبداع..إن ما بات اليوم يسمى بعصر الرواية يعانق صلب الحقيقة حيث أنها تحتل حيزا هاما لدى القراء في مجال السرد العربي ربما لاتساعها لفن الحكي والسرد وربما لقدرتها على تحمل عديد القضايا والهموم الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها المواطن ليجد فيها ضالته فيتفاعل مع شخوصها وأحداثها وأبطالها ويخرج منها بشتى الإضافات والحقائق.
- وصلت الرواية الغريبة مرحلة الملحمة ، إلا أن الرواية العربية لم تصل كما يقول بعض النقاد إلى ذلك ، هل العيب في الكتابة أم المتلقي أم الخطاب؟
ربما يعود السبب إلى كافة هذه الأطراف مشتركة حيث ينبغي مزيد العمل على تطوير فعل الكتابة السردية في مجال الرواية من طرف الكاتب كما ينبغي على المتلقي مراجعة ذائقته وتطوير أشكال التلقي لديه للتحليق في آفاق أوسع للتفاعل مع الخط الكتابي للمؤلف . إن المسؤولية في هذا المجال مشتركة ولا بد من مسايرة الرواية المعاصرة ومقتضيات الراهن الذي وصل بالرواية الغربية إلى مرحلة الملحمة..وهذا قد لا يتحقق إلآ بمراجعة شكل الخطاب الروائي ومضمونه على مستوى القضايا المطروحة فيه والإسهامات الفكرية والأدبية فيها للحضارتين العربية والغربية وللحضارة الكونية بصفة عامة.
_ تعانى المجتمعات العربيه من خوف مزمن في مسألة كتابة المسكوت عنه، كيف تقرأ تأثيرات المجتمعات هذه على الكتابة؟
إن مسألة كتابة المسكوت عنه مسألة قديمة جديدة حيث كان العديد من الشعراء عبر العصور يتجاوز الكتابة عن المعتاد والمعهود ويقتحم الصعب والمجهول في مجالات شتى تعتبر " محرمة " وخارجة عن المألوف في المجتمعات ذات النمط الاجتماعي المحافظ نسبيا والمرتبط بعدة عادات وتقاليد على مر العصور ، ولا زال مثل هذا النمط الاجتماعي المحافظ سائدا إلى هذا اليوم مما يحد آليا من حرية الإبداع والمبدع الذي لا سلطان عليه سوى يراعه الذي بإمكانه التحليق في فضاءات إبداعية شتى متنوعة المشارب ومختلفة المضامين ليقول كلمته فيها ويعبر عنها ويخرجها إلى الواقع المعيش لأنها هي بطبعها موجودة في الواقع ومتجذرة فيه ولامناص من الالتفات إليها ، وهذا يتطلب قدرا كبيرا من الجرأة لدى المبدع قد لا يتوفر لدى غيره من أفراد المجتمع وهذا أمر طبيعي فالمبدع هو منارة عصره والناطق باسمه وهو الأول والبادئ والمبتدئ في مجتمعه الذي توكل له مهمة تجشم الصعاب ومجابهة المخاطر ، وبالتالي فإن المجتمعات التي لا يبادر مبدعوها بفض المغلق واقتحام المستور وتعرية الواقع هي مجتمعات شبه مشلولة نصف واقعها ظاهر والنصف الآخر مخفي مما يحد من تقدمها وتطورها وخاصة من معالجة مشاكلها وأسقامها التي قد تتفاقم وتعود بها للوراء.
-التجريب في الكتابة مع قارئ محافظ ، كيف السبيل لتجسير هذه الهوة في التلقي والتثقيف؟
الكتابة فعل مغامرة واعية تستوجب من الكاتب الجرأة ومن القارئ الاستعداد لتعديل الذائقة وتطوير آليات تقبله وتفاعله حسب مقتضيات الراهن وعدم التثبث بمقاييس الماضي التي ربما لم تعد منصفة للعمل الأدبي مما يستوجب من المبدع أيضا في نفس الوقت مرافقة القارئ جنبا لجنب وتدريجيا لتأهيله للتفاعل مع الجديد دون الاستهانة بالقديم من أجل تجسير الهوة في التلقي والتثقيف حيث أن التجريب المجاني للكاتب والتهويم في عوالم إبداعية مخالفة تماما للمعهود وغريبة عن الذوق العام المألوف و لا تتصل بحياة القارئ لا من قريب ولا من بعيد ، من شأنه أن ينفر القارئ من الإقبال والتفاعل مع أي عمل أدبي .
_ رفعت تونس لواء الحرية بثورة الياسمين ولكن لم ينعكس الربيع على ضوء الكتابة لتدوين كنابة الربيع؟
الحقيقة أن فعل الكتابة في تونس لم يشهد تطورا ملحوظا لا كميا ولا نوعيا بعد ثورة 14 جانفي 2011 ، رغم مناخ الحرية الذي أصبح مفتوحا على مصراعيه في البلاد بفضل جرعات الحرية والديمقراطية التي غزت الواقع السياسي ، كما انحسر الدعم المادي والأدبي للفعل الثقافي عموما بالبلاد لأسباب شتى لعل أهمها الاهتمام الجماعي بالشأن السياسي وبمتابعته ونقده وتقييمه وهذا أمر طبيعي في بلاد نشأ أهلها على الخضوع لحزب الحكم الواحد وللتصرف الأحادي في الشأن المجتمعي طيلة عقود خلت، وكل هذا انعكس على الفعل الثقافي الذي شهد بعض الجمود على مستوى الطباعة والنشر والدعم والتلقي ، نرجو أن لا يستمر طويلا ليعود للأدب بريقه وللكتابة رونقها ، فالكتابة دلالة الوجود وعلامة الوعي المجتمعي وشارة تقدمه وتطوره.
- المسرح العربى، عمره اكثر من قرن لكنه لازال بعيدا عن الهم العربي العام مع إشراقات بسيطة على مدي سنوات عديدة؟
يعرف المسرح العربي حاليا شأنه شأن كل الفنون الأخرى صحوة صحية على مستوى الشكل والمضمون استوجبتها المرحلة الراهنة ومقتضيات الإبداع الفني ، وهناك عديد الإشراقات في عدة دول عربية في هذا المضمار لعل من بينها تونس التي يأخذ فيها المسرح شكلين اثنين على مستوى الصناعة المسرحية وهما المسرح الهاوي الذي يتخذ فرقا مسرحيا منتشرة في كافة ربوع البلاد والمسرح المحترف الذي يتمثل في انتشار مراكز الفنون الدرامية الجهوية الراجعة بالنظر لوزارة الثقافة ، وهذان الصنفان يحاولان الاقتراب قدر الإمكان من الجمهور وتجسيم الهم العربي والوطني العام ، وأعتقد أن هناك بعض النجاحات في هذا المضمار مع ضرورة مزيد دعوته للحرص على معانقة الهم الاجتماعي والوطني للمواطن العربي الذي لا زال يتخبط في عديد المشاكل والأوضاع الهشة ويحتاج للتنفيس على مكنوناته وخفاياه لعله يجد في ذلك بعض التنفيس والترفيه والتثقيف ما دام الأمر بِيَدِ الساسة وأولي الأمر.
_ في اعتقادك من هم أهم كتاب الساحة العربية ولماذا؟
تعرف الرواية العربية بطبيعة الحال تطورا ملحوظا معنى ومبنى وقد استطاعت مسايرة الراهن وشد المواطن العربي إليها وقد نجحت في هذا الشأن كثيرا أفضل من نجاح أشكال الكتابة الاخرى شعرا وقصة...في علاقتها بالمتلقي...إن كتاب الرواية العربية الناجحون هم من استطاعوا ملامسة هموم المواطن البسيط عن كثب وملامسة هموم الطبقة الثقافية والسياسية وطرحوا قضايا شتى مختلفة تزخر بالموضوعات التي بإمكانها أن تشغل عقل القارئ وتدعوه للتأمل والتفكير وبالتالي إلى نقد الواقع والدعوة لتغييره كما فعل الروائي المصري علاء الأسواني في روايته "عمارة يعقوبيان".
- غياب الحرية ساهم في غياب المسرح كما يرى البعض ، إلا أن أدوات الثقافة الجماهيرية الأخرى من تلفزيون وصولا إلى الانترنت، لعبت دورا لا يعترف به أهل المسرح؟
إن الحرية عامل ضروري في الإبداع الأدبي بجميع أنواعه وغيابها من شأنه أن يحد من عملية الكتابة ومن جودتها وتماهيها مع المتلقي ، ولعل المسرح أحد الفنون الذي بحاجة للحرية كتابة وإخراجا وتمثيلا نظرا لأهميته الكبرى في التواصل المباشر مع الجمهور وفي قدرته على تمرير رسائله وأهدافه مباشرة دون وسيط ، ورغم تطور وسائل الاتصال والتواصل التكنولوجي والصورة البصرية العادية والرقمية فإن المسرح لا زال راغبا في المحافظة على طقوسه وعلى خشبته إيمانا بجدواهما التربوية والتثقيفية والترفيهية الكبرى في ضمان التفاعل مع الجمهور وفي نجاح العمل المسرحي ، بقطع النظر عن الإمكانيات الفنية الكبيرة قد تضفيها عليه أدوات الثقافة الجماهيرية الأخرى من تلفزيون وصولا إلى الانترنت التي ربما قد تثري العمل المسرحي نصا وإخراجا وأداء.
_ من أصعب أنواع الكتابة ، الكتابة للطفل ، هل من شروط الكتابة للطفل العودة إلى زمن الطفولة.؟
لا مراء في أن الكتابة للطفل مهمة دقيقة وصعبة إذ إلى جانب الصياغة الفنية وما تستوجبه من لغة موحية وخيال متدفق وبناء متماسك مشوق وصور نابضة وحس إيقاعي منساب تلقائيا ، ينبغي أن تتوفر للشاعر المتوجه للطفل رؤية تربوية واضحة تراعي نمو الشخصية الكلية للطفل وقدراتها الذهنية والتعليمية وخصوصياتها النفسية والعاطفية والسلوكية ، وتبعا لذلك فإن تحقيق هذه المعادلة أي التوفيق بين الجانب النفسي التربوي والجانب الأدبي اللغوي ، يبدو أمرا صعبا للغاية تستوجب من الشاعر الإلمام بمتطلباتهما . إن روح الطفل التلقائية البريئة الخالية من دنس عالم الكهول ينبغي أن تسكن هذا الصنف من الشعراء حتى ينقلوا أحلامهم للأطفال ويتقمصوا أدوارهم وهواجسهم وأحلامهم ، وهذا يستوجب منهم أيضا العودة سنوات إلى الوراء للتطبع برؤى وشحنات الطفولة ولو عن طريق الاطلاع على بعض الخصوصيات النمائية والتربوية للأطفال في مجال علم النفس التربوي للتزود بها وتوظيفها عند الكتابة شعرا أو نثرا.
- لم يعد الأطفال في عصور السرعة والفضاء هم أطفال ما قبل العقدين من الزمان ، كيف نكتب لطفل الفضاءات المفتوحة والذكاء الخارق ؟
إن لتسارع نسق تطور العلم والتكنولوجيا في عالمنا اليوم تأثير كبير على فعل الكتابة الأدبية بثا وتقبلا شعرا ونثرا من أجل مواكبة المستجدات ومسايرة الراهن واللحاق بالمتلقي الذي يخشى الفعل الأدبي فقدانه وهروبه والتفاته إلى مجالات أخرى أكثر إغراء وجاذبية ربما نظرا لسهولة التعامل والتفاعل معها. ولذلك يتوجب على الكاتب عموما و على الكاتب للأطفال خصوصا ، الوعي بهذا التأثر وبآثاره ومخلفاته للحفاظ على رصيد القراء من الأطفال وذلك بمحادثتهم بلغة العصر ومصطلحاته واستغلال الآفاق الجديدة الكبيرة التي تفتحها الفضاءات الرقمية والذكاء الخارق سواء في مجال المحامل الرقمية التي تساعد القارئ على تقبل أفضل للإنتاج الأدبي بفضل ما يمكنه إرفاقه معه من صور ورسوم وأصوات وموسيقى ...تستهوي الطفل وتجذبه إليها ... أو في مجال الكتابة التخييلية في إطار أدب الخيال العلمي التي تسترعي انتباه القارئ الطفل كذلك بتضمنها اختراعات كثيرة وآلات عجيبة وشخوصات غريبة وأحداث متسارعة ومفاجآت متلاحقة تحرص على شد الطفل إليها . وكل هذا لا ينبغي أن يحجب عن الكاتب للأطفال طبعا نبذ كل الأفكار والموضوعات والمحامل ذات الأهداف التربوية السامية التي نشأ عليها الطفل منذ الصغر ، والتي لا ينبغي أن يخلو منها عالم الأطفال في كل زمان أو مكان.
_ سيطرة الصورة الغريبة على عقول أطفالنا ، ما الفائدة والأضرار؟
إن للتكنولوجيات السمعية البصرية الحديثة في عالمنا اليوم تأثيرا واسعا وملحوظا على عقول الجميع كبارا وصغارا ، ولعل الأطفال هم الأكثر تأثرا والأكثر عرضة لتجلياتها وتمظهراتها وتأثيراتها نظرا لسهولة تأثير الصورة في الطفل الذي يقبل عليها بكل شغف وتفاعل ، وهو في الأثناء يستفيد كثيرا منها ويشكل بفضلها رؤاه للإنسان وللحياة ويكتسب معارف جديدة ويعمق معلوماته التي تساعده على تحصيله الدراسي فالصورة البصرية ضرورية في عالم التربية والدراسة خاصة لأنها من المدعمات والمعينات البيداغوجية التي لا غنى عنها في هذا المجال ، كما أنها تفتح للطفل آفاقا جديدة لولوجها والتحليق في سماءاتها والحلم بعوالم جديدة يحقق فيها الطفل أفكاره وخيالاته وأحلامه الخيِّرة منها التي تنفع الإنسان مهما اختلفت الشعوب والمذاهب والاختلافات ، كما أنها سلاح ذو حدين في نفس الوقت لأن تواتر الصور الغريبة البعيدة عن عالم الطفل المغرقة في الخيال والتخيل والخارقة للمعتاد والتي تأتي بالمستحيل والمعجزات الخيالية وتجسم الأساطير القديمة والمستجدة في شكل غير مألوف ، قد تلحق الضرر أيضا بنفوس الأطفال من خلال التقليد الجزئي أو الكلي غير الواعي لبعض أبطال الخوارق والتشبه بهم وتقمص أدوارهم فتتفشى نتيجة لذلك عدة ظواهر اجتماعية مقيتة يأباها الضمير الإنساني الحي والواعي وخاصة عالم الطفولة ، مثل العنف والتحرش الجنسي والإرهاب وانتزاع متاع الآخر بالقوة واعتداء القوي على الضعيف والتعدي على حقوق الإنسان وغير ذلك من الموضوعات الشائكة غير الإنسانية التي تؤثر على الطفل أيما تأثير خصوصا إذا كان دون رقيب أو موجه أو مرشد أثناء تفاعله مع هذا النوع من الصورة الغريبة من خلال القنوات الرقمية الجديدة المستجدة.
_ بعد كل هذه الحصيلة العظيمة من الكتابة والكتب المنشورة في الإبداع والمعرفة ، لازال سؤال الكتابة للمبدع مطروحا، لمن يكتب محمد الجلاصي؟
الكاتب عادة حين يكتب ، هو يكتب لنفسه وللجميع ، أنا حين أكتب لا أفكر لمن سأكتب ولا يهمني سوى فعل الكتابة وإخراج مخزون الذات والتفاعل مع اللحظة الراهنة والواقع المعيش القريب والبعيد ،الكتابة سؤال الذات عن الحياة والوجود ومغامرة الوجود وتحدي المستحيل . أنا بالرغم مما كتبته كما وكيفا أحس دائما برغبة عارمة في مزيد الكتابة ، وأشعر بعطش دائم لذلك ،عطش غير قابل للرواء ، وأعتقد أن هناك أسئلة ما زالت تخامرني وأفكارا لا زالت تجول بخاطري وقيما لا زلت بحاجة لتمريرها وأحداثا لسردها وتفاصيل أخرى كثيرة تنتظر معانقة اليراع وحبر الدواة وبياض الورقة وأرجو من الله أن يمهلني الوقت لذلك حتى تكتمل مهمتي كإنسان وكمبدع دأبه الكتابة ولا شيء غير الكتابة.
_وبعد كل هذه التجربة في الكتابة والتدريس ماذا ينقص الكتابة العربية لتكتمل
؟
كل فعل كتابة هو تواق للأفضل فالنفس البشرية بفطرتها وطبيعتها لا تؤمن بمقولة ليس في الإمكان أحسن مما كان ، وذلك هو قدر الإبداع والمبدعين الذي يشدهم العطش الدائم للبحث الدائم على تخوم أخرى للإبداع لم تطأها قدم مبدع بعدُ تكون بالضرورة أكثر تفردا وتميزا ،لأن سؤال الكتابة العربية لم يكتمل بعد ، حيث لا زالت بحاجة لجرأة أكثر وشجاعة أكبر من حيث المضمون ولمزيد النحت على جدار اللغة لتطوير الخطاب الروائي وتعميق البناء الدرامي السردي.
_ الشعر التونسي : تاريخه وراهنه .؟
عرف الشعر التونسي في تاريخه البعيد والقريب عدة مراحل ونزعات وتطورات سواء على مستوى الشكل او على مستوى المضمون..فعلى مستوى المضمون عرف الشعر التونسي قبل مائة سنة مرحلة النزعة الوطنية التي تدافع على الوطن وتثمن الكفاح وتدعو إلى محاربة وإجلاء المستعمر وظهرت هذه النزعة خاصة لدى الشعراء أبو القاسم الشابي وسعيد بوبكر وآخرون ، بعدها جاءت مرحلة الشعر الاجتماعي التي تدافع عن العمل والعمال والطبقات الاجتماعية الهشة ويمثلها الميداني بن صالح والطاهر الهمامي وغيرهما... ثم جاءت مرحلة شعر الذات المتأرجحة بين المأساة والملهاة ،بين الألوهية والفناء بين الألم والنغم ويمثلها كثيرون...أما على مستوى الشكل فقد انطلق الشعر التونسي كغيره بالتقليد معنى ومبنى ثم جاءت مرحلة قصيدة في غير العمودي والحر لشعراء الحبيب الزناد ومحمد المصمولي والطاهر الهمامي وغيرهم ، ثم انتشرت القصيدة النثرية التي استسهل كتابتها عدد غير قليل من الشعراء الشبان في ظل انحسار القصيدة الموزونة (شعر تفعيلة وشعر عمودي) التي سرعان ما عاد لها بريقها في بداية هذه الألفية بفضل إيمان أنصارها بجدواها وبقدرتها على مواكبتها للعصر ومسايرة الراهن شكلا وموضوعا ،من أمثال الشعراء المنصف الوهايبي وخالد الوغلاني والشاذلي القرواشي وعبد العزيز الهمامي وغيرهم كثيرون ، وحاليا تتعايش في تونس هذه الأنماط الشعرية الثلاثة : العمودي والتفعيلة والمنثور ، جنبا إلى جنب في غير إقصاء أو تهميش رغم انحياز البعض لبعضها ودعوته لإلغاء بعضها ورغم أن الساحة الشعرية تتسع للجميع...وقد عرف الشعر التونسي في جل هذه المراحل توهجا شعريا ملحوظا وشَتْ به أغلب التظاهرات والمحطات الشعرية الكبيرة التي شهدت على المستوى الجيد معنى ومبنى للشعر التونسي إقليميا وعربيا بالخصوص ، وتجلى ذلك في تفوق الشعراء التونسيين فيها وفي حصولهم على المراتب الأولى ، وهذا يمثل في حدا ذاته تحفيزا هاما لهم من أجل الحرص على كتابة قصيدة أفضل ، قصيدة تخلد عبر العصور إيمان بقول المعري الخالد : "وإني وإن كنت الأخير زمانه/لآت بما لم تستطعه الأوائل"
.
_ والرواية التونسية ، موقعها في إعراب الرواية العربية؟
تعرف الرواية التونسية هي الأخرى تطورا ملحوظا على مستوى الكتابة والنشر والتلقي وبدأت ملامحها تتشكل تدريجيا لتحتل مكانتها الجديرة بها في زخم التأليف الروائي العربي ولعل الجوائز العربية وحتى الدولية التي حصدتها إلى حد اليوم ولا زالت، تَشِي بنجاحها وبإقناعها للقارئ التونسي الذي بات هو الآخر يقبل على اقتناء الرواية أكثر فأكثر وقد تجلى هذا في أكثر من معرض كتاب وطني ولعل من أبرز الأسماء في هذا المجال عز الدين المدني وشكري المبخوت وابراهيم درغوثي وعبد القادر الحاج نصر وحسونة المصباحي وغيرهم
- ما تعرفه عن الشعر والرواية السودانية؟
أعتقد أن هناك نقصا كبيرا بيننا في الدول العربية في مجال الاتصال والتواصل على المستوى الثقافي والأدبي والفكري وهذا يعد تقصيرا كبيرا من أهل السياسة في بلداننا العربية أصبح من الضروري تداركه في أقرب الأوقات بِمَدِّ جسور التواصل بين جميع الأدباء والكتاب السودانيين والتونسيين وبينهم وبين مختلف نظرائهم في البلدان العربية لتبادل التجارب وتعميق الخبرات...إننا كتونسيين لا نكاد نعلم الشيء الكثير عن إخواننا الأدباء السودانيين من شعراء وقصاصين وروائيين ولا نعلم تحديدا سوى الرواية الشهيرة للروائي السوداني الكبير الطيب صالح التي درسناها عندما كنا تلاميذ وطلبة ، وربما نسمع كذلك بصفة سطحية وغامضة ببعض الأسماء الأخرى من حين لآخر مثل علي احمد الرفاعي وطه جعفر وغيرهما . أما في مجال الشعر فإننا كذلك نُجِلُّ تجربة الشاعر السوداني الكبير محمد الفيتوري كما نسمع عن تجارب وأسماء أخرى مثل روضة الحاج ومحمد المهدي المجدوب ومحمد المكي ابراهيم وغيرهم..
_ حلم بكتابة لم تتحقق في الواقع، لا تزال في الخاطر وبعض خربشات الأوراق القديمة.
؟
أعتقد أن فعل الكتابة لا يكتمل أبدا مهما طالت فترتها وتكررت تجربتها ،كما أعتقد أن فعل التدريس لسنوات طويلة قد ساعدني على المحافظة على مهمة الكتابة بفعل التعامل اليومي مع اللغة العربية كوسيط رسمي لمختلف التعلمات حافظ لدي على طقوس الكتابة وعلى أدواتها وآلياتها، غير أنه رغم ذلك كله لا زال الاعتقاد راسخا لدي بأن الكتابة عمل متواصل دؤوب لا يكتمل ومجالاته واسعة لا تحد ، منها مثلا الكتابة للطفل والكتابة للمسرح والكتابة للنقد الأدبي وكتابة المقال وغير ذلك مما لم يأذن به يراعي بعد للاهتمام به ، رغم أني ولجت أكثر من مجال كتابي أدبي في تجربتي الأدبية المتواضعة ، إضافة إلى القصة والرواية والشعر ، حيث كانت لي اهتمامات ولا تزال بتاريخ المدن والشعوب وبالأدب الشعبي شعرا ونثرا وقد أصدرت في هذه المجالات أكثر من عشرة كتب .