فاطمة السنوسي لكليك توبرس
فاطمة السنوسي لكليك توبرس _ الأدب السوداني إسترد عافيته بثورة ديسمبر المجيدة. والإستمرارية مرهونة بالإستقرار السياسي. _. القصة القصيرة جدا إيجاز مختلف في الفنيات والاسلوب _ البعض يعتقد ان الفن يكمن فقط فى قصر القصة وقلة كلماتها وهذا بعيد جدا مما تهدف اليه القصة القصيرة جدا
فاطمة السنوسي لكليك توبرس
_ الأدب السوداني إسترد عافيته بثورة ديسمبر المجيدة. والإستمرارية مرهونة بالإستقرار السياسي.
_. القصة القصيرة جدا إيجاز مختلف في الفنيات والاسلوب
_ البعض يعتقد ان الفن يكمن فقط فى قصر القصة وقلة كلماتها وهذا بعيد جدا مما تهدف اليه القصة القصيرة جدا
_ المرأة الآن ليست اسيرة التقاليد. النساء اليوم اكثر حظا واكثر انفتاحا.
_ بدأت الكتابة وانا طالبة بالمدرسة المتوسطة وكنت ارسل بعض محاولاتي للصحف تحت اسم فاطمة الزهراء
حوار محمد نجيب.. عامر محمد احمد
الطيب صالح
تعد فاطمة السنوسي، رائدة من رائدات فن القصة القصيرة جدا في العالم العربي.و السنوسي أيضا فتحت للكاتبة السودانية، مجالات واسعة في دنيا الكتابة بما أحدثته من دهشة للقارئ والناقد وزملاء الإبداع، تميزت نصوص فاطمة السنوسي بالتواصل مع القارئ، بالأسئلة الداخلية التى تخلقها نصوصها مع تناصات مبدعة تتشكل من السياقات الاجتماعية والثقافية والتراث الشعبي والحكاية اليومية، مع إجادة تامة لفنون السرد ولغة الخطاب وتأويل الخطاب القصصي. ويعد فن كتابة القصة القصيرة جدا، من اصعب فنون الكتابة السردية لذلك تجد من يجيدونها يعدون على أصابع اليد الواحدة في دنيا الكتابة. وكانت السنوسي واحدة من المجيدات لكتابة القصة القصيرة وظلت على عرش القصة القصيرة جدا منذ ظهورها إلى يوم الناس هذا.
علي المك
_ من المعلوم أن القصة القصيرة جدا يتداخل فيها النص مع نصوص أخرى محاورة أو مجاورة. من أين تستمد فاطمة السنوسي مرجعيتها؟ ولماذا ظلت على عرش القصة القصيرة جدا في السودان كل هذه السنوات ؟
..
خلايا الإبداع تطرح مختلف الأجناس ، وهي في مجملها متقاربة ، تتداخل في الغالب وتتقاطع أحيانا. الإيجاز في التعبير عن فكرة محورية ليس جديدا ، إذ نجده في العديد من ألوان الفنون والآداب. فالحكمة إيجاز ، والمثل إيجاز ، والكاريكاتير إيجاز.
القصة القصيرة جدا إيجاز مختلف في الفنيات والأسلوب. أما قولك أن فاطمة السنوسي ظلت على عرش القصة القصيرة جدا كل هذه السنوات ، فلربما كانت الريادة هي السبب، إذ وضعت ضوابطها وبنيانها الفني وأسلوبها حسب رؤيتي لذلك ، لذلك أملك ناصيتها تماما . وقد ولجت الساحة وعليها نكهة خاصة وبصمة خاصة ، والبصمة لا تتكرر . تناولها بعدي العديد من الكتاب في مختلف أرجاء الوطن العربي ولكل بصمته ورؤيته.
من المشاريع الأدبية الحديثة التي اتخذت الإيجاز أسلوبا، مشروع (قصيدة قصيرة جدا ) . رواد هذا المشروع الشاعر محمد نجيب محمد علي والشاعر الدكتور طلال دفع الله . من الأمثلة قصيدة حصار للشاعر طلال دفع الله
حصار
يا طاويني عفوا بالهوى
خليني كان سهوا
أشيل شهقة هواء .
وقصيدة لمحمد نجيب محمد على عنوانها نداء تقول
أعقلني وتوكل
يا هذا الفاتح إني أتوسل
أن تقطع عنقي في فجر الإنشاد.
_ السياق الإجتماعي في سبعينات وثمانينات القرن الماضي.
ازدهرت القصة والقصة القصيرة جدا لماذا في رأيك ؟ أسباب إجتماعية ام سياسية مرتبطة بنظام الحكم في السودان ؟
..
عقد السبعينات كان عهد ازدهار للآداب والفنون بمختلف أنواعها على مستوى العالم والسودان كذلك . في السودان ساهمت الظروف الإجتماعية والسياسية في هذا الإزدهار نسبة لانتشار التعليم وازدياد الوعي من ناحية ، والتداخل الكبير مع العالم الخارجي بكل الوسائل المتاحة والتي ليس من بينها إنترنت آنذاك ، من ناحية أخرى . رغم مثالب النظام المايوي في السبعينات إلا أن ما يحمد له انه لم يغلق منابر الآداب والفنون وظلت دور السينما مفتوحة في كل مدن السودان تعرض آخر ما تنتجه السينما العالمية . كانت المهرجانات الثقافية تقام سنويا . وظلت منابر الشعر والندوات الأدبية مفتوحة رغم مضايقات رجال الأمن . كذلك كانت الحركة المسرحية في ازدهار قدمت العديد من المسرحيات الاجتماعية والسياسية ، رغم القبضة الأمنية . كما تواصل عطاء الفن التشكيلي فشهدنا العديد من معارض التشكيل . وكانت أرض المعارض بأبي جنزير تستقبل الرواد من محبي الفنون اليدوية من مختلف الولايات .
عيسي الحلو
باستثناء المركز الثقافي السوفيتي ظلت المراكز الثقافية الأجنبية مفتوحة ، وعملت على ربط الشباب بالحركة الثقافية والأدبية والفنية عالميا، والتلاقح معها . كل هذا ساهم في إثراء الساحة الأدبية والفنية ، وتواصل عطائها، والدفع بها إلى الأمام ، وعدم انقطاعها وتقوقعها
ومع كل ذلك الا ان الصورة لم تكن وردية تماما في حقبة مايو ، إذ كانت معتقلات النظام تستقبل المبدعين بعد اغلب الفعاليات الثقافية . كنا نسمع الشعر في الأمسيات الثقافية ويقضي الشعراء ليلتهم في سجون النظام
. تواصل ازدهار الآداب والفنون بصورة أكبر في فترة الديمقراطية في الثمانينات ، إذ جعل مناخ الحرية الفضاء أكثر رحابة وتنفس الأدب ملء رئتيه.
_ تدحرجت القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا في عصر السرعة والانترنت ، ماهي في رأيك أسباب تراجع القصة وتصدر الرواية المشهد الثقافي؟
..
تراجع أو تصدر جنس من الأجناس الأدبية للمشهد ، غالبا ما يكون مؤقتا ثم يتغير الترتيب بحسب المعطيات المحيطة في الزمن المعين ، أو بحسب المزاج النفسي واحتياجات المتلقي . الرواية هي أم بعض الأجناس الأدبية والفنية الأخرى ، وليس مستبعدا أن تتصدر المشهد . ونجد في رحمها الكثير من الأجناس الأدبية والفنية بقدر متفاوت ، لكن هذا لا يقدح في أهمية الأجناس الأخرى منفردة. في عصر السرعة والانترنت يلجأ المتلقي المتعطش إلى الإبداع إلى ما يتناسب ووتيرة الحياة المتسارعة من قصيدة أو قصة قصيرة أو قصة قصيرة جدا ، ثم ينيخ راحلته ليأخذ نفسا عميقا من هذا اللهاث وهنا يلجأ للرواية ففيها مجال فسيح واحداث متعددة وشخوص وأماكن ومشاهد متعددة عبر مساحة زمنية طويلة.
ابراهيم اسحق
_ تعتمد القصة القصيرة جدا على سرعة البديهة والمفارقة لذلك نجد القليل من يجيد كتابتها أو يستمر فيها . هل لأنها فن صعب ام ان الزمن في العام والخاص يلعبان دورا في الإبتعاد عن كتابتها ؟
..
سرعة البديهة والمفارقة هو أسلوب اخترته لكتابة القصة القصيرة جدا مع إشراك المتلقي في وضع النص واستخدام بعض ذكائه واستخدام ذكاء الكاتب أولا. قد يكون في هذا صعوبة لبعض كتاب القصة القصيرة جدا فتكون نصوصهم أشبه بالخواطر. والبعض يعتقد أن الفن يكمن فقط في قصر القصة وقلة كلماتها ، وهذا بعيد جدا مما تهدف إليه القصة القصيرة جدا . وكما اقول دائما لكل بصمته ، والمتلقي هو من يعطينا شارة النجاح أو الفشل .
_ برعت فاطمة السنوسي في كتابة القصة القصيرة جدا وتصدرت المشهد ولا تزال في الذاكرة . لماذا الإبتعاد عن الكتابة أولا. وثانيا ماذا كتبت في سنوات الغربة والهجرة الطويلة؟
..
لا زلت أكتب أحيانا . الغربة وظروف الحياة تأخذنا أحيانا مدا وجزرا فتقربنا أو تبعدنا عن دنيا الإبداع.
_ المرأة الكاتبة لا تزال أسيرة التقاليد الإجتماعية وأنت كتبت في فترة صعبة بالنسبة للمرأة في كل دول العالم الثالث. كيف تنظرين الى المرأة المبدعة والكاتبة اليوم؟
..
ليس الآن . المرأة الآن ليست أسيرة التقاليد فالنساء اليوم أكثر حظا وأكثر انفتاحا، وقد أتيحت لهن الكثير من الفرص ، وانتزعن الكثير من الحقوق ، ولم تعد التقاليد عائقا. فهن المشاركات مشاركة فعالة في صياغة الحياة والمجتمع الجديد، وقد اقتحمن كل مجال ببراعة ونجاح، وصارت عوائق التقاليد شيئا من الماضي. وقد نشرت المرأة الكاتبة والمبدعة الآن منتوجها في الهواء الطلق، وشاركت في فعاليات ثقافية وأدبية داخليا وخارجيا ونالت الجوائز.
الستينيات والسبعينات والثمانينات كانت فترة وعي سياسي واجتماعي ، وتعليم وحركة نسوية نشطة. أعتبر نفسي من الأجيال المحظوظة .
بدأت الكتابة الأدبية وانا طالبة بالمدرسة المتوسطة ثم الثانوية. كانت حداثة السن تصور لنا هذه القيود فكنت ارسل بعض محاولاتي الأدبية للصحف تحت اسم "فاطمة الزهراء" . واستخدمت إسمي الحقيقي في المرحلة الجامعية. وفي منتصف الثمانينات بدأت نشر القصة القصيرة جدا وفيها تعبير صريح عن المشاعر والعلاقات الإنسانية، وكانت في رأيي خطوة جريئة فتحت الباب للمبدعات للتعبير وعدم الخوف والتردد وفي ذهني دائما صديقتي في المدرسة الثانوية التي كانت تستخدم اسما حركيا هو " سلمى ع " . كانت كاتبة متميزة تدهشني نصوصها لكنها لم تكن تجرؤ على نشرها حتى في الجريدة الحائطية للمدرسة.
طلال دفع الله عبد العزيز
_ المشهد الثقافي السوداني سابقا واليوم . أوجه التشابه والإختلاف ؟
..
المشهد الثقافي السوداني سابقا ومنذ بداية عقد التسعينات ، جابه الكثير من العوائق والعقبات والتحديات. إذ تم تحجيم الإبداع الأدبي، وتغييبه وحجبه عن التفاعل داخليا وخارجيا ، كما تم توجيهه لخدمة فكر معين. وعلا صوت الأدب الجهادي فقط لسنوات طويلة، فاتسمت تلك الفترة بالركود في مجالي الأدب والفن ونشأت أجيال تجهل تماما الأدب والفن السوداني لانقطاعها وحرمانها منه، مما عطل مسيرة الأدب واقعده عن التطور وأخذ مكانه المتوقع في خارطة الأدب العربي. بانتصار ثورة ديسمبر المجيدة بدأ عهد جديد وانفتحت أبواب التعبير على مصراعيها. وكانت البدايات ما شهدناه في خيام ساحة الاعتصام في مشهد يعتبر تدشينا لعهد جديد في مسيرة الأدب وحرية التعبير . علت أصوات عديدة الآن ، وظهرت الكثير من الأسماء في مجالات الأدب المختلفة، ونشطت حركة النشر. الأدب السوداني الآن يسترد عافيته ويعلو صوته، الا ان الاستمرارية مرهونة بالاستقرار السياسي .
_ كثير من النقاد يتحدثون عن القصة القصيرة جدا ويقولون انها مع صعوبة كتابتها و لكن من الممكن أن تتصدر الكتابة في عصر ما بعد الحداثة؟
..
القصة القصيرة جدا فن جديد مستحدث بصورته الحالية ، وهو فن صعب ويحتاج إلى ملكات عالية ، ليس في المفردات اللغوية وصياغتها فقط لكن في البناء المحكم ، والقدرة على استخدام ذكاء الكاتب ، والتواصل الذكي مع المتلقي وتوصيل الرسالة إلى العقل قبل القلب . يمكن للقصة القصيرة جدا ان تتصدر المشهد إذا أجاد الكاتب استخدامات اللغة والتقنيات بصورة جاذبة ؛ تنجح في توصيل الفكرة بطريقة ذكية تتسم بالغموض وليس المباشرة، مع جودة التكثيف العالي والايجاز المعبر.
_ هذه الأسماء في ذاكرة فاطمة السنوسي.
الطيب صالح
علي المك
ابراهيم اسحق
عيسى الحلو.
..
هذه الأسماء مجتمعة هي شوامخ نعتز بها، ومنارات في مسيرة الأدب العالمي والعربي . ألقت بظلال تأثيرها الإيجابي على العديد من أدباء اليوم محليا وعربيا وعالميا .
هم تقريبا من أجيال متقاربة ، فما بين ميلاد الطيب صالح في ١٩٢٩ وميلاد ابراهيم اسحق في ١٩٤٦ ، كان ميلاد علي المك في ١٩٣٧ وعيسى الحلو في ١٩٤٤ . اربعتهم تشبعوا بالأدب العالمي إلى جانب تشبعهم بالثقافة المحلية، الا ان الطيب صالح وعلي المك عاشا وعملا في ديار الفرنجة وتفاعلا مع ثقافاتهم وأساليب حياتهم وكان لذلك تأثير كبير وواضح على منتوجهما الأدبي. أربعتهم من الأدباء متعددي القدرات والمواهب . الطيب صالح قاص وروائي وإعلامي قدير . علي المك أديب شامل، روائي وقاص وكاتب مقالات ومترجم واعلامي إذاعي وتلفزيوني. عيسى الحلو قاص وروائي وناقد أدبي وصحفي قدير. ابراهيم اسحق قاص وروائي بنكهة متفردة وأستاذ لغة انجليزية متمكن .