الشاعر والروائي العراقي  حسن النوّاب

الشاعر والروائي العراقي  حسن النوّاب _عمود الشعر إنكسر بعد مقتل المتنبي _الشعر .. شعلة مقدسة لا تخمد في وجدان الشاعر _الجوائز كمائن وفخاخ لاختبار الموهبة حوار - محمد نجيب محمد علي – عامر محمد أحمد 

الشاعر والروائي العراقي  حسن النوّاب

الشاعر والروائي العراقي  حسن النوّاب
 

_عمود الشعر إنكسر بعد مقتل المتنبي

_الشعر .. شعلة مقدسة لا تخمد في وجدان الشاعر


_الجوائز كمائن وفخاخ لاختبار الموهبة

حوار - محمد نجيب محمد علي – عامر محمد أحمد 

 

 

 

 


 حسن النواب جريء وصريح وموهوب بأرائه وله سطوة الشاعر والروائي المثقف الذي يجعل من موطنه البيت الدافيء في وجوده وفي غيابه ولحساسيته الشديدة وروح الشاعر يكاد ينصهر أمامك مثل شمعة في مأتم، التقيناه على الشبكة العنكبوتية وتجاذبنا الاسئلة وكان هذا الحوار..

 

 

 

 


× وأنت الشاعر فزت مؤخرا بجائزة أفضل عمود صحفي من جامعة الدول العربية .. أين الشعر من النوّاب؟

 - كنت صبياً حين إستيقظت هذيانات غريبة في خاطري بغتةً، سرعان ما إنتشرت في عروقي وإحتلت مهجتي وكياني، لم أكن أعرف انها كانت براعم قصائد نزقة..


 × ألم ينهك الاهل عن قول الشعر؟

- أعتقد الأهل والناس أن الصبي أصابته لوثة جنون ولارجاء منه، حتى أطلقوا عليّ تسمية مجنون مشهور في مدينتي المناذرة التي كنت أراها مثل ماسة خضراء تزيّنُ خصر الفرات لكثافة بستاين النخيل في ربوعها، ومنذ ذلك الوقت لبث الشعر يلاحقني مثل جواد برّي ظمآن ليرتوي من نبع جنوني، ولما إمتحنتني دروب الحياة حتى أنضجتني وصقلتني الحروب الشرسة التي خضتها، متفادياً شظايا الموت بضربة حظ ودعاء أمي..

 

 

 

× خلدتها بالشعر؟

-بدأت تتبلور قصائدي بفرن عذاباتي وتشردي وأصبح بوسعي تدوينها بثقة على الورق لـتأخذ طريقها الى المطابع ، كانت قصيدتي التي تنشرها الصحف في أتون المعارك تعني ان فرصة بقائي على قيد العذاب بهذه الحرب ستطول ، كل قصيدة أكتبها إنما هي صفعة لوجه الموت حتى لايجروء بالإقتراب من كائن أعزل يحاول ترميم حياته التي تهشمت بحروب عبثية وغربة قسرية مازالت ترافقه بقسوة وحشتها.

× كان الشعر صديقك؟

- اصبح الشعر يرافقني بكل لحظة، اكتبه في قصيدة نافرة وأزرع بذوره الشيطانية بسطور مقالي الإسبوعي وأحشّد حضوره الشفيف عندما أكتب رواية، أما الجائزة التي حصلت عليها أخيرا من الجامعة العربية لأفضل عمود صحفي، إنما هي تلويحة مشجعة حتى أمضي بتدوين جنوني حتى آخر رمق من حياتي..

× إنكسر عمود الشعر بإنكسار الأحلام العربية .. ألا يساهم الربيع العربي في عودة الحلم القديم ؟

- عمود الشعر إنكسر بعد موت المتنبي ، وقد جاهد الشعراء الذين جاءوا من بعده على تجبير عظام القصيدة ، لكن قصائدهم برغم براعتها لم تتمكن من إستعادة قامة الشعر بزهوه وبلاغته وسحره  ودهشته وحكمته مثلما كانت أيام المتنبي، وظلت القصيدة العمودية تجتر من ماضيها وتعتاش عليه، حتى تجرأ الشاعر السياب بموهبة نادرة وفتق ثوب القصيدة العتيق وقدّمها بزيٍّ عصري أكثر إناقة..

 

 

 

 

× لكن الشعر عاش بعد المتنبي؟

- إرتبك الشعر وإحتدم الجدل في مضارب الشعراء، وقد واجهت قصيدته الحديثة حذراً وصدوداً وجفوةً من قبل المتلقين حتى إنتعشت بمرور السنوات، وأصبحت تتصدر منصات الشعر، ومع حمى الحداثة طعنت قصيدة النثر خاصرة قصيدة التفعيلة وأزاحتها جانباً وجذبت مريدين ومعجبين لا حصر لهم..

× قصيدة النثر اصبحت لها الحضور؟

-بات كل من هب ودب يكتبها متوهمين انهم يكتبون شعراً، كما هو حال الشعوب العربية التي توهمت بأحلام وردية ستقطفها من ثورات الربيع العربي، لكنهم إكتشفوا بمرارة إنها أضغاث احلام فاسدة فاقمت من تعاستهم وبؤسهم وضياعهم وتشردهم في أصقاع الأرض.

× الهجرة العراقية جعلت الحنين الأقرب الى روح الشعر أين بغداد الآن من حسن النواب هل لا يزال يذكر لياليها أم أن الغربة تصيب الإنسان بالجفوة؟


- مضى أكثر من خمسة عشر عاما على مهجري الإسترالي، وكل  يوم عندما إستيقظ أجد الوحشة في إنتظاري، هذا هو حال الغريب ومحنته المؤلمة التي ترافقه كضرّة، ليس هناك من إنسان حقيقي لايتمنى البقاء في وطنه ويدفن جسده بترابه، الشاعر التركي ناظم حكمت يقول: وضعوا الشاعر في الجنة فصاح آه ياوطني، ولا أغالي اذا قلت ان الإنسان في غربته لا زاد عنده سوى الحنين..

 

 

 

× العيش في المغترب اكثر نعومة من الأوطان أحياناً؟

- رغم مغريات العيش وروعة الطبيعة في المهجر، فان الحنين لمرابع طفولته وأزقة مدينته وزحام أسواقها وبناية مدرسته وعتبة باب منزله ومقهى كان يمضي على أريكتها أوقات فراغه، وناصية بيت نزفَ في ركنه قصيدته..

× ألا يعاودك الحنين الى بغداد؟

- بلى حتى الحنين لزيارة خنادق حرب أفنى سنوات شبابه في حرائقها، ذلك ان كل شيء يمكن نسخه إلا الوطن ، لكن كيف السبيل الى وطن جريح ؟ أصبح مدمّى من المفخخات وهزيلاً من السرقات وأسير نزوات من ساسة وأحزاب متشددة ، ماعادت بغداد قلعة الإسود ، فقد أصبحت مأوى لغير اهلها، وماتبقى من نبلاء في منازلها مطاردون، يبدو ان الطغاة في وطني يتجددون، أما الفقراء لا أحد يراهم ولاهم يحزنون..

× الشعر العربي الآن يتيم على موائد الكتابة لماذا؟ 

 - الشعر العربي ليس يتيماً لأن آباءه الأفذاذ كثرُ ، لكن موائد الكتابة تخلّت عنه وماعادت المنتديات الشعرية تكترث لتدوينه لإختلاط حابله بنابله..

× توجد مؤسسات ثقافية تسعى لاعادته الى مائدة القراء؟

-نعم هناك محاولات جادة من مؤسسات ثقافية رصينة لإعادة إنتعاشه بين الجمهور، غير ان هذه المبادرات إقتصرت على إعادة الإعتبار للقصيدة العمودية على حساب قصيدة التفعيلة والنثر، وأعلنت عن جوائز مغرية للقصيدة الكلاسيكية، دعت الشعراء يتزاحمون على أبوابها وهم يحملون قصائدهم المقفاة أملاً بالفوز لتزدهر حياتهم البائسة..

× هؤلاء الشعراء أعادوا الى القصيدة مجدها؟

- المفارقة المؤلمة ان معظم الذين حالفهم الحظ بتلك الجوائز، هم من شعراء المناسبات والشعر ليس ديدنهم وشغلهم الشاغل، سرعان ما يختفون عن المشهد الشعري مع جوائزهم ولا أحد يذكرهم بعد ذلك، بينما الشعر في حقيقته شعلة مقدسة لا تخمد في وجدان الشاعر، تزداد ضراوة وسطوعا مع كل قصيدة ينجبها بعد عناء وعذابات لا حصر لها..

× انهم شعراء؟

- الشاعر الحقيقي هو من يسعى الى إبتكار قصيدة تُذكي دوحة الشعر وتديم سحره ودهشته وتجدد رؤاه حتى يبقى الشعر خالدا، لا يمحى ذكره مع إسدال الستار على مسابقة ما . الشعر العربي بحاجة ماسة الى من يرعى جنونه وتمرده وتطلعاته النافرة ويطوّر ذائقة جمهوره التي اصبحت كاسدة .

× وأنت الشاعر والروائي ألم يساهم الشعراء الروائيين في جعل الرواية قصيدة ومن ثم تحويل أعمدة الديوان العربي من الشعر إلى الرواية؟ 

- جميع أجناس الكتابة والفنون بوسعها ان تلوذ بحضن الرواية، طالما شبّهت الرواية بأم رؤوم تستوعب وتتحمل مشاكسات صغارها ونزقهم وتحنو عليهم، يمكن للشاعر اذا ترّسخت تجربته وخبرته ان يكتب الرواية، ولكن من الصعب على الذي بدأ روائياً ان يكتب الشعر فيما بعد..

× لماذا؟

- ذلك ان لعنة الشعر الحقيقي إنما هي بذرة ابداع تنبت في وجدان كائن ما بوقت مبكر من حياته أضف الى تمتعه بخصال متميزة دون سواه، بينما السرد هو حصيلة قراءات متواصلة ومكثفة تتضافر معها موهبة التدوين وخصوبة خيال الكاتب..

× تحول الشعراء الى شيطان الرواية؟

- بالطبع لا أنفي شيطان الكتابة عند الروائي لكن الفرق بين تدوين قصيدة وكتابة رواية يشبه ذلك الذي يحاول رسم الهواء وهذا هو الشاعر بينما الروائي من يرسم حقلا أمام ناظريه، من هنا وجدت ان الروايات التي أنتجها شعراء، كانت أغلبها تتصف بالتكثيف وإشراقة السرد وبراعة الحبكة، لكن من العبث كتابة رواية شعرية، فأنت بهذه المحاولة تعدمها بحبل الشعر دون ان تدري..

× كيف في ليالي الغربة تقرأ تأبط شرا والشنفرى؟

 - عاش الشنفرى في البراري والجبال بين أترابه حيناً ومنعزلا معظم الوقت عنهم، حتى مات مقتولاً، ورثاه صاحبه تأبط شرا قائلا: وأجمل موت المرء اذ كان ميتاً ولابد يوما موته وهو صابرُ، ولأنه كان يضع سيفه تحت إبطه في الغزوات أطلقوا عليه تأبط شرا..

× هل فعلاً تأبط شراً؟

- في رواية أخرى ان أمه طلبت منه طعاما فجاء لها بصرّة ملأى بالأفاعي؟!

 صعلوكان غريبان بكل شيء ، كأن الغربة خرجت من جنونهما ومفردات حياتهما اليومية ، ولعل الغربة تأنس بهما مثلما تُبدد القراءة شبح الوحشة عني ، لكن مطالعاتي تنوّعت بلغات اخرى ، احدى فضائل المهجر انه علمني مع مرور السنين  قراءة اللغة الإنكليزية دون مشاكل ومعوقات ، حدَّ أهجس فوق بدني الهزيل رأسان وليس رأساً واحداً .

×قصيدة الهايكو اليابانية ساهمت في إزدهار الإبداع الياباني شعرا ونثرا وسردا .. لماذا تكتب الهايكو؟

- اذا أردت إختبار موهبة شاعر، إطلب منه كتابة قصيدة ومضة، وستكتشف من خلالها حساسيته الشعرية وحدود موهبته، لأن قصيدة الهايكو لا تمنح نفسها بسهولة، لشروطها الصعبة والتي لاتخلو من تعقيد، كمن تطلب من روائي إيجاز فكرة روايته بثلاثة أسطر؟ كثيراً من الروائيين المحترفين يشعرون بحيرة حين يطلبون منهم كتابة فكرة مختصرة عن روايتهم، اما عن توجهي لكتابة قصيدة الهايكو، ربما ستفاجأ اذا اخبرتك إنها تمارين يومية لتنشيط ذاكرتي وتحفيز رؤاي وصقل موهبتي وبعضها شفرات غزل خاطفة وبريئة لقارئات يحرصن على متابعة ما أكتبه، ويبقى الأدب هو أفضل ما إخترعه الإنسان من أجل الوقاية من التعاسة كما يقول الروائي البيروفي ماريو فارغاس..

× ماذا تعني لك الجوائز؟

- هي كمائن وفخاخ لإختبار موهبتك، وتثمينا لجهدك وإخلاصك وبراعتك في مجال الكتابة الأدبية، شرط توفر لجان تحكيم نزيهة تمتلك حرفية عالية بمجال إختصاصها ورؤية عميقة برصد المتفرد من النصوص المنافسة، والجوائز غواية للذين لا يستحقونها حيث تأخذهم الى هاوية لا قرار لها بنهاية المطاف..

× يحتفي بك الناس وأنت فائز؟

 -من الطرافة التي لاتخلو من غصّة ان جميع الجوائز الأدبية التي حصلت عليها بمشواري الأدبي لم أكن حاضرا في حفل توزيعها نتيجة وجودي بمهجري البعيد، بل أن بعضها ضاعت أوسمتها بالبريد المرسل كما حدث مع جائزة شرق غرب بالشعر، وجائزة العمود الصحفي في العراق والتي لم تصل الى عائلتي هناك حتى الآن ، لإسباب مازلت أجهلها؟

× الأدب العراقي يعاني من غربة داخلية وغربة خارجية متي ينتهي الإغتراب؟

- ليست غربة بقدر ماهي نقمة من جهات حكومية وأحزاب تتحكم بمفاصل الثقافة العراقية، جهات مريبة تجهل قيمة الأدب وضرورة حضوره الإبداعي بين مفاصل المجتمع، فهي تسعى لمهرجانات هزيلة بمحتواها حتى ترفع من شأن أسماء محددة بمنجز شاحب عفا عليها الزمن، وتشعر بالقلق والنفور من تواجد المبدعين في ساحة الأدب العراقي وتجاهد الى تقليل أهميتهم وحجب دورهم الحقيقي في المحافل الثقافية, ذلك ان حضور المبدع يكشف عيوب تلك الجهات ويفضح مؤهلاتها المتدنية وغاياتها غير البريئة، وليس دفاعا عن أدباء المهجر من العراقيين لكن المؤشرات تقول ان معظم الإنجازات الإبداعية والجوائز الأدبية المرموقة كانت من نصيبهم..

× الكثير من الأدباء السودانيين يقرأوون النواب ويحبونه كيف ينظر النواب إلي الشعر السوداني ؟

 - مهرجان المربد أتاح لي فرصة رائعة لتوطيد علاقتي مع كثير من الأدباء السودانيين والتعرف على نتاجاتهم الأدبية، بعضهم حمل قصائدي ونشرها بصحف سودانية محتفلا بها يوم كنت في بداية حياتي الأدبية، صداقات نبيلة تعززت أواصرها نتيجة إبداع مشترك تقاسمنا همومه وعذاباته ودهشته..