الناقد والمخرج الجنوب سوداني شول دينق

الناقد والمخرج الجنوب سوداني شول دينق -ضعف حركة التواصل الثقافي كان من أسباب إنفصال الجنوب عن السودان حوار : محمد نجيب محمد على يعد الناقد والمخرج والأستاذ الجامعي شول دينق أحد أبرز المثقفين الجنوبيين الذين لم يكتفوا بثقافة أهل الجنوب

الناقد والمخرج الجنوب سوداني  شول دينق

الناقد والمخرج الجنوب سوداني  شول دينق

 -ضعف حركة التواصل الثقافي كان من أسباب إنفصال الجنوب عن السودان

حوار : محمد نجيب محمد على

 

 

يعد الناقد والمخرج والأستاذ الجامعي شول دينق أحد أبرز المثقفين الجنوبيين الذين لم يكتفوا بثقافة أهل الجنوب ، بل إنه كان من الأصوات التي لعبت دورا كبيرا في ترسيخ مفهوم الثقافة الجنوبية ضمن الثقافة العربية الإسلامية . وكان  قد تخرج في معهد الموسيقي والمسرح وتخصص في النقد والدراسات المسرحية وعمل بالإذاعة السودانية رئيسا لقسم تقويم النصوص ، وكتب في الصحف والمجلات ، ومن أشهر برامجه برنامج " جسور " الذي كان يعده ويقدمه في الإذاعة والتلفزيون ، وكان يركز علي الثقافة العربية الإفريقية . ونال درجة الماجستير من معهد الخرطوم الدولي للغة العربية للناطقين بغيرها ، وأصدر كتابا عن تأثير اللغة العربية علي لغة الدينكا .وآخر عن " رث الشلك بين الصورة والواقع " وله مجموعة من الدراسات عن الدراما وتوظيفها  . ، وهو ناشط ومشارك في كثير من المنتديات الثقافية في السودان . ويعمل الآن أستاذا للغة العربية في جامعة أعالي النيل بدولة جنوب السودان .

 

 

- كيف تظر إلي تأثير اللغة العربية علي اللغات المحلية في جنوب السودان ، خاصة لغة الدينكا ؟
هنالك تأثير كبير لأن اللغة العربية كانت هي اللغة الرسمية لدولة السودان قبل الإنفصال ، لذا إنتشرت وسط المجتمعات في الجنوب بالذات مجتمع المدن .وحدث ذلك أيضا عبر الجنود والتجار ، ساهم كل ذلك في إنتقال الكثير من الفاظ اللغة العربية إلي لغة الجنوب . واللغات مثلها ومثل البشر والأحياء تستلف وتستدين من بعضها نتيجة للإحتكاك اليومي بين اللغتين أو بين المجتمع العربي والمجتمع الدينكاوي ، مثلا لفظ "قطار" نجد الطاء تنطق في لغة الدينكا تاء لتكون "قتار" والطاء والتاء من مخرج صوتي وحد ، والفاظ كثيرة أخري ، وفي ذات الوقت نجد أيضا أن اللغة العربية  أخذت من لغة الدينكا مثلا كلمة " توج " وهي عند الدينكا تعني المستنقع الذي ترعي فيه الأبقار قرب منابع علي بحر الجبل تجمع في اللغة العربية علي " تيجان " وهناك الفاظ كثيرة أخري .

- اللغة العربية كانت جزءا من المنهج التعليمي قبل الإنفصال ، كيف الوضع الآن بعد الإنفصال ؟
حدث تغيير في المنهج التعليمي بعد الإنفصال ، إذ أصبحت اللغة الإنجليزية هي اللغة الرسمية لدولة جنوب السودان ، لغة الدراسة والمكاتب ولغة الديوان ، وأصبحت اللغة العربية لغة ثانية وهي تدرس في مرحلة الأساس من السنة الدراسية الخامسة حتي السنة الثامنة إي إلي أن تصل المرحلة الثانوية . إذا اللغة العربية لا تزال قائمة للآن .

 


- ماذا عن ثنائية اللغة عند كتاب جنوب السودان  ،الذين يكتبون بالعربية والذين يكتبون بالإنجليزية ؟
الثنائية لا تشكل أزمة إذا كانت هناك ديمقراطية ، والسؤال هو هل الديمقراطية وصلت لممارسة وفهم ؟ ، هنالك صحف في الجنوب تصدر الآن باللغة العربية ، وهنالك كتاب يكتبون قصص وروايات أيضا باللغة العربية أمثال إستيلا وبوي جون وسايمون وغيرهم وآخرون يكتبون باللغة الإنجليزية . هذه الثنائية في إعتقادي ستظل متوازية وهذا يمكن أن يدفع للتنافس الإبداعي الشريف ، ويمكن أيضا لهم أن يكتبوا باللغتين وتأكيدا الكتابة باللغتين ليست أمرا سهلا
_ ألا تري  أن الثقافات الإفريقية لم تستطع الخروج من أسر اللغات الأوربية إلي توطين اللغات المحلية ؟
هنالك إنتباه لهذا الأمر ، حتي في جنوب السودان هنالك من يكتبون باللغات المحلية ، ولكن لم يصلوا بعد لمرحلة الكتابة الإبداعية . والدارس للمشهد الأفريقي يري أن هنالك نهضة للكتابة باللغة المحلية الإفريقية رغم أن الكثيريين موزعون مابين الكتابة باللغة الإنجليزية وهم الفرانكفون ،والكتابة باللغة الفرنسية وهم الأنجلوفون خاصة في الكتابات الإبداعية . وهناك أيضا من يكتبون باللغات السواحلية .
- رواية فرانسيس دينق " طائر الشوم " هل عبرت عن ثقافة الدينكا والعلاقة بين الشمال والجنوب ؟
أصل ترجمة االرواية صرخة البوم ولكن الترجمة جاءت جميلة جدا وذات أبعاد رمزية  ،فالبوم عند الدينكا رمز للشوم ،وفرانسيس دينق إرتكز علي ثقافة الدينكا ليظهر وجهة نظره في قضايا السودان الثقافية ، فهو يري أن هذه الثقافة عبارة عن إتصال بين مكوناته ،وهو عبارة عن خليط وهجين ، وثقافة الدينكا تقوم علي إعتقاد يرتبط بسيرة الأسلاف ، الأجداد الذين إنتقلوا للعالم الآخر ، في مفهومهم أنهم يؤثرون تأثيرا قويا علي الأحياء ، وفرانسيس بني روايته علي أحداث وسمات وشخوص تجمع بين الجنوب والشمال لتفسير مشكلة الثقافة السودانية ومساراتها المختلفة.
- ضعف حركة التواصل الثقافي بين الشمال والجنوب كان من مسببات الإنفصال ، كيف الوصول لقراءة مشتركة لهويات متنوعة في البيئة السودانية شمالا وجنوبا ؟
ضعف حركة التواصل الثقافي كان من بين الأسباب التي ساهمت في الإنفصال ، وعن طريق الفنون يمكننا أن نحقق الهويات المشتركة ، لأن المنتوج الثقافي يخاطب مشاعر الإنسان ، ومشاعر الإنسان في دولة الجنوب ودولة السودان واحدة. وفي دولة الحنوب الآن يقدم التلفزيون القومي برامج باللغة العربية بجانب اللغة الإنجليزية ، وتجد الأغنيات السودانية  هي الأكثر إنتشارا هناك ، وقبل إندلاع الحروب الأخيرة زارت فرقة عقد الجلاد  جوبا وقدمت حفلاتها ، وتم تكريم الفنان شرحبيل أحمد ، وأيضا هناك فرق مندولة الجنوب تأتي للخرطوم للمشاركة في فعالياتها كفرقة "أورباب " لإستيقن .أعتقد أن التواصل يمكن أن يستمر كما هو الآن كلما غابت الخلافات السياسية .

_ لا زالت الحروب في أفريقيا تمثل مأزقا لسكانها في سؤال النهضة والحداثة ؟

الحروب ستظل عدوا للتنمية والإنسان في العالم الثالث ، ورغم أن هنالك عدا من الدول نالت إستقلالها قبل نصف قرن إلا أن الأيدلوجية الإثنية الطائفية لا زالت تسيطر ، وهنالك تعدد قبلي و إثني  وأيدولوجي في العالم الثالث ، وإذا لم تستطع هذه الإثنيات جملة من أن تصل إلي مرحلة تآخي وتدرك أن الصراعات تؤدي للتخلف وأن السلام يؤدي للتنمية والنمو والإستقرار لن تتوقف هذه الحروب ، لذا لابد أن نطرح السلاح بعيدا لنتعاون ونتسامح ونتضامن فالآخر يحتاج لي وأنا احتاج له لنتجنب التعاسة. في  جنوب أفريقيا إستطاع الزعيم التاريخي نيلسون مانديلا أن يؤثر في الناس وبالتالي حدث التسامح وحدثت المصالحة في جنوب أفريقيا بعد التفرقة العنصرية الحادة ، وإستطاعت أن تتخطي الحواجز القبلية واللون والتفرقة إلي مستوي من الرقي والفهم والسمو ، وأيضا في رواندا بعد معارك الهوتسي والتوتسي حدثت المصالحة والإستقرار بعد الدماء التي جرت في البلاد .

 


- من خلال رؤيتك للساحة الثقافية ما تقييمك للكتابات النقدية الراهنة ؟
الجانب النقدي الآن فيه كثير من الإخفاق ، والنقد لابد أن يكون متقدما العمل الفني ، وموازيا للنص الإبداعي ، والتنظير الموجود في الصحف إنطباعي وسطحي وهذه مشكلة ، بجانب أن النقاد أصبحوا يهتمون بكتابة المقال أكثر من التحليل والدراسة . ومن يتخرج من قسم النقد بكلية الموسيقي الآن يتحول إلي مخرج أو مذيع فلا توجد وظائف للنقاد حتي في الصحف . وفي السبعينات والثمانينات طان الأمر مختلفا ،كانت هناك دراسات جادة وقراءات نقدية مواكبة ، وكان هناك نقاد ممتازين بالذات في مجلة الدوحة وفي الملفات الثقافية هنا ، والآن إزداد الإنتاج الإبداعي سواءا علي مستوي الشعر أو القصة أو الرواية لكن الجانب النقدي تخلف . الإبداع يحتاج إلي نقاد متخصصين علي أن يكون هذا عملهم الأساسي

- هنالك من يري أن هذا عصر الرواية وليس عصر الشعر لماذا ؟
الرواية فرضت نفسها لأسباب مربوطة بالعصر ، إنتشرت بصورة مذهلة . كلاهما يعتمد علي الموهبة أولا ، لكن الرواية من الممكن أن تصنع . فهي تعتمد علي الفكر والجانب الشعري يعتمد علي المشاعر ، وكلاهما يرتكزان علي الخيال . الكتابة الروائية مهرب من قواعد الشعر، والشعر له قوانينه التي تحكمه هنالك فروق تلعب دورها . ولا يمكن فصل الموهبة عن العملية الإبداعية . وهذا العصر فقط للكلمة المحكية وليس للشعر

- شول دينق . جئت من الجنوب ، واتخذت موقعا متميزا في الشمال في ظل الصراعات . كيف تم ذلك ؟
أعتقد أن أساتذتنا كان لهم الدور الأول ، هم من علمونا أن لا نخاف في قول الحقيقة ومن جعلوا الهم الثقافي أول إهتماماتنا . أستاذي كمال الدين عجيب من أبناء الحلفاية كان أول لفت نظري إلي رواية " موسم الهجرة إلي الشمال "للطيب صالح ، وأيضا كان لليالي الأدبية دورهاووجودنا قرب المنابر الثقافية ، بجانب دراستي في معهد الموسيقي والمسرح ، ويرجع الفضل أيضا للبروفسير صلاح الدين الفاضل وعملي بالإذاعة الذي فتح الآفاق وللأستاذ مجذوب عيدروس الذي ربطني بالملفات الثقافية بجانب عملي أيضا في الصحف والمجلات والتحاقي بمجلة سودان ناو والذي كان بمبادرة مني
- أستاذ شول دينق أنت عاشق للغة العربية ؟
فعلا ، الأساتذة والنظام هم الذين كانوا سببا في ذلك ، وجعلوني أعشق هذه اللغة والتي لازلت حتي اليوم تلميذا في محرابها ، وهي لغة جميلة ومعبرة ولها وجودها وموسيقاها ونظمها وقوانينها ، وهي لغة واسعة . أنا أعشق النحو والبلاغة ورغم أني أقوم بتدريسها في الجامعة لغير الناطقين بها، لكني ما زلت أحتاج لتطوير وترقية معرفتي بها هي بحر لا ينضب وأنا تلميذ لكل من يعلمني المزيد منها .