استيلا قايتانو
استيلا قايتانو اتهمت بالخيانة الوطنية بسبب مجموعة «العودة" حوار : محمد نجيب محمد على تعد القاصة والكاتبة الجنوب سودانية الدكتورة الصيدلانية استيلا قايتانو من أكثر الأصوات الشبابية شهرة
استيلا قايتانو
اتهمت بالخيانة الوطنية بسبب مجموعة «العودة"
حوار : محمد نجيب محمد على
تعد القاصة والكاتبة الجنوب سودانية الدكتورة الصيدلانية استيلا قايتانو من أكثر الأصوات الشبابية شهرة وحضوراً في الساحة الثقافية في السودان ودولة جنوب السودان؛ إذ كان ميلادها في السودان وتزوجت منه وذات صباح- كما كتبت بعد انفصال الجنوب- استيقظت من نومها في الحاج يوسف في الخرطوم بحري لتجد نفسها أجنبية من دولة جنوب السودان وزوجها وأطفالها مواطنون سودانيون.
وأصبح تنقل الأسرة الواحدة بجوازات مختلفة وجنسيات مختلفة بين الدولتين، وقد امتازت كتاباتها بالغوص في حياة الأحزمة الفقيرة التي تلتف حول المدن وصراع الهوية وتحقيق الذات، صدرت لها مجموعتان «زهور زابلة» «والعودة» وتناولها العديد من النقاد والكتاب بالدراسة، وتمت ترجمتهما للغة الإنجليزية وصدورهما الشهر الماضي عن دار رفيقي بدولة جنوب السودان.
قال عنها الكاتب الكويتي أ. د. فهد سالم الراشد برعت القاصة استيلا قايتانو «الجنوب سودانية» في الوصف والتصوير، ونجحت في سبر أغوار الشخصيات، وتفوقت في حديث النفس «المنلوج» وكانت ماهرة جداً في الالتفاف حول فكرة الموضوع «لبثيمة» وقد جسدت في قصصها نماذج لشخصيات منسية من قاع المجتمع مهملة.. التقيتها في حوار تناول عدة محاور
..
القصة القصيرة في تراجع مستمر في زمن الانفجار الروائي.. كيف تقرأين المشهد القصصي عالمياً؟
-شتى ضروب الإبداع كالكائنات الحية، تمر عليها لحظات ازدهار وركوض، ولكنها لا تموت أبداً، البيئة العالمية ملائمة للرواية، رغم أن الواقع وكل التحاليل تؤكد أن الإنسان المعاصر إنسان عصر السرعة واللهث خلف الومضات السريعة ومن ثم قد لا يكون صبوراً لقراءة النصوص الطويلة، قد يكون تحليلاً ملائماً للحالة، ولكن الواقع يوضح احتياج هذا الإنسان المنطلق بسرعة الصاروخ إلى الانسجام والغوص اكثر لمعرفة الذات الإنسانية وإيجاد تفاسير مرضية لكل التحديات التي تواجه إنسان اليوم، وليس هناك ما هو ملائم اكثر من الرواية للإجابة عن بعض الأسئلة الوجودية التي تراود إنسان اليوم القلق على مصيره ومصير العالم، في عصر غلب فيه العنف واهتزت فيه الكثير من المسلمات
تميزت مجموعاتك القصصية بشعرية سردية وسرد خشن.. كيف الملاءمة بين الشعرية والواقعية؟
-على ما أظن هذه واحدة من واجبات الإبداع، إعادة سرد لبعض الوقائع في قالب جمالي تخفف على المتلقي قبح الأحداث وقبح الفعل الذي تم في الواقع أو الخيال، وأظن أن مجموعة «العودة» حملت الكثير من الأحداث الخشنة التي حدثت مؤخراً، فاستعنت ببعض الكلمات والألفاظ الشعرية في وصف المكان والحالة النفسية للشخوص لإبراز الهوية الجمالية للنص طالما أنه غارق تماماً في المرارة. فالشعرية السردية فعل إسعافي استعنت به لإيجاد الوقع المناسب للنصوص على فكر وروح المتلقي
.
الانتماء لثقافة والاندماج في ثقافة أخرى.. ما مقدار العنت الذي رأيته في تقبل الكتابة بلغة الوطن الأم؟
-ليس هناك عنت بالمعنى الحقيقي، ولكنه محاولة لرتق حالة التشظي التي تتملك كاتباً يحمل عبء الانتماء لأكثر من ثقافة وقد لا يملك لغة أم بل أمهات من اللغات يوظفها في عمله المبدع، ولا بد أن يظهر ذلك جلياً في شكل تناوله الأدبي لبيئته ومجتمعه الذي ينتمي له ثقافياً وعرقياً، بالإضافة لبيئة ومجتمع آخر ينتمي له أيضاً بحكم الظرف ويكتسب كل ذلك ويصبح بوجدان مختلف ووعي صقلته التجربة والمعايشة، ليتخذ اللغة جسراً واصلاً بين تلك الشظايا، حينها يصبح التنقل بين الثقافتين كاللهو في لعبة مليئة بالأنفاق ولكنك تعلم أن كل تلك الأنفاق سوف تنتهي بعمل قد يكون مفارقاً ولكنه لا يخرج عن المسار
.
هل كتابك «العودة» بشارة برفض الانفصال والعودة إلى الوحدة على مساحات الثقافة الواسعة؟
- لا هذا ولا ذاك، أعلم أن اسم المجموعة استفزت العقول السياسية واتهمت على اثرها بالخيانة الوطنية في الجنوب، وتوجت كأيقونة للوحدة في الشمال، ولكن المعنى واضح لمن يقرأ المجموعة مجردة من التشخيص السياسي في الزمن المعين
.
تأخذ القصة القصيرة من الواقع سردية الواقع اليومي.. لماذا استأذنت القصة بالغياب عن المشهد الكتابي؟
-القصة موجودة، الآن في السودان أجد أن هناك الكثير من الأجيال الجديدة منشغلة بكتابة القصة القصيرة، والكثير من المنابر والمراكز مهتمة بإطلاق المسابقات (عبدالكريم ميرغني متمثلة في جائزة الطيب، وجائزة الطيب صالح شركة زين، جائزة غادة، والكثير).. هذه أعمال ضخمة وتجارب صغيرة سوف تتربع على عرش القصة القصيرة قريباً إذا وجدت الرعاية ووجدت طريقها للجمهور عبر الطباعة والنشر بطريقة مشجعة.
التنوع الثقافي في دولة جنوب السودان تهزمه الحروب.. ما دور المثقف في إطفاء الحريق الاجتماعي؟
-في أجواء الحرب يتم إبعاد المثقف غصباً عنه من اللعبة برمتها ويتم عزله ومطاردته بالتهم ونفيه في أحيان أخرى، والغريبة من المعسكرين، فحملة السلاح يحترمون بعضهم دائماً ويتفقون أن المثقف مجرد كائن مزعج يجب إسكاته ليستمتعوا بأصوات طلقاتهم وقنابلهم.
ولكننا دائماً نوصل أصواتنا بطريقة أو أخرى من أجل إعلاء خيار الحوار فوق صوت البنادق، من أجل السلام وكرامة الإنسان الجنوبي المهدر في الملاجئ، من استقرار للوطن والمنطقة، وسنظل نردد أن الحرب خيار مكلف ومجرب من قبل. نتمنى لعب دور أكبر في تقريب وجهات النظر بين الخصوم
.
ما بين الصيدلة والسرد تركيبة من جزئيات الكلام والدواء.. ما العلاقة بين بناء النص وتركيب الدواء؟
-كيمياء النص تشبه كيمياء الدواء من حيث التفاصيل الدقيقة والجميلة والمعقدة ويعتمد ذلك على ذكاء الكاتب في تجميع كل هذا التعقيد في نص جمالي واحد يقرأ في جرعة واحدة، أثر النص الجمالي يحاكي أثر الدواء العلاجي صغيراً ولكنه فعال
.
كيف تنظرين لمشروع الكتابة في ظل كل هذا التشظي الإنساني الذي يعم العالم؟
-الإنسان تائه بين قيم تبناها من قبل وانقلبت ضده ولا يدري كيف يهرب منها سوى بالخرق المتواصل، العالم انفلت عن مساره وأصبح ينتظر مصيره في حيرة، في هذه الأجواء تصبح الكتابة مهمة، وثم ما يصرخ بداخلي بأن الكتابة هي الثورة التي تحتاجها الإنسانية
.
ماذا تقولين عن القصة القصيرة جداً؟
-القصة القصيرة جداً ضرب جميل ويحتاج إلى الكثير من التأمل لوضعه في قالب سردي كثيف وتعطي أثرها بضربة جملة واحدة، وهناك نشاط ملحوظ في هذا المجال من قبل كتاب أفذاذ كعمر الصائم وعلي إدريس وبهجة جلال وآخرين، وسوف يتبوأ مكانة أيضاً في فضاء السرد
.
شهادتك عن تجربتك الإبداعية في جائزة الطيب صالح العالمية وجدت قبولاً كبيراً.. ما سر ذلك التجاوب الذي استقبل به الجمهور هذه الشهادة؟
- قد يكون الصدق والجرأة وكمية الغضب الذي فيها، جاءت أيضاً في وقت مفصلي وحساس وكانت مشاعر الناس في حالة غليان، وفي حاجة لمن يقول كلاماً مختلفاً يسبح عكس التيار يعترف يصدق بكل الأخطاء ومعرياً للحقيقة، لم يكن الغرض منها دغدغة مشاعر الناس بقدر ما كانت تنفيس لألم يخصني قبل الآخرين ولكن الخاص صادف العام
.
بعد الانفصال أصبح الوضع مختلفاً عن ما قبله.. ماذا عن الجيل الجديد وكيفية التعامل ثقافياً وتربوياً وما انعكاسات التغيير في المناهج التعليمية مثلاً عليه؟
-كل جيل له ظروفه وسوف يتلاءم معه بالطبع، وسيبتكر طرق نجاته، فنحن أجيال الحروب الطويلة والسياسات الخرقاء والهزائم، أجبرنا لنركز في شأننا الخاص على المستوى المحلي ولم نعط لأنفسنا فرصة كسر القيد والانفتاح، هذا الجيل بحكم العصر يجري العالم على سطح هاتفه المحمول، وله أدواته الخاصة للتعبير، أجيال حرة، متحررة من قيد الجغرافيا والانتماءات الضيقة، بأسئلة مختلفة، قادرة على التعبير والتحليق والحوار
.
صدرت لك مؤخراً «زهور زابلة
و«العودة» بترجمة للغة الإنجليزية من دار رفيقي بدولة جنوب السودان.. هل الترجمة هي الطريق للوصول للعالمية؟
-بالطبع نحن نبحث عن القارئ الآخر، لابد من أن نسعى لتوسيع دائرة المتلقين حتى نعلم أين نحن من العالم؛ الترجمة طريق لكل الإنسانية، البريطاني أنطوني كالدربانك ترجم مجموعة «العودة» وهو من قام بترجمة أعمال لنجيب محفوظ وصنع الله إبراهيم. والدكتورة عائشة موسى السعيد ترجمت مجموعة «زهور زابلة» وهذه الترجمات موجودة في السودان وجنوب السودان ودول شرق إفريقيا
.
استيلا الآن كتبت روايتها الأولى.. هل هذا تحول أم رؤية وأنت عُرفت ككاتبة قصة؟
-أحاول مجاراة العصر، وفى اعتقادي أن كتابة القصة مهمة وأيضاً الرواية مهمة، ربما يكون ذلك نوعاً من التجريب، الكثيرون من النقاد والكتاب شجعوني لكتابة الرواية لظنهم أن قصصي تحمل روح الرواية، ولا أرى أن هناك ما يمنع
.
أخيراً رسالتك للماجستير والذي حصلت عليه مؤخراً من جامعة الأحفاد في الصحة العامة أثار الإهداء الذي كتبته في مقدمة البحث الأساتذة المناقشين: «إلى أقوى امرأة عرفتها.. إلى استيلا قايتانو.. إلى أنا».. ما السر وراء هذا الإهداء؟
- نعم.. أهديت لنفسي لأنها تستحق مني الحب والتقدير، دراسة الماجستير كانت إلهاءً للنفس حتى لا أرتكب حماقة، كنت أعبر بفترة سوداء مرت ببطء شديد.. نعم.. الحمد لله. الآن أتعافى لأنى أقوى امرأة عرفتها ووراء كل قصة مؤلمة سؤال يحتاج لإجابة وسؤال آخر.. هذا الإهداء إجابة لجروح لاتزال تنزف وشفاؤها في الإبداع والكتابة.