" نسيان مالم يحدث "والكتابة بعد الثمانين الروائي عيسى الحلو
" نسيان مالم يحدث "والكتابة بعد الثمانين الروائي عيسى الحلو - العمريحدد مسارات خطيرة جدا فى الكتابة -عنوان النص هو العتبة الأساسية التى تحكم السرد حوار – محمد نجيب محمد على رغم أن عيسى الحلو تجاوز الثمانين من عمره إلا أنه لم يتوقف عن كتابة الرواية والقصة القصيرة والنقد ، ومشواره اليومي بالمواصلات العامة لمكتبه بصحيفة "الرأي العام "السودانية ،وإعداد الملف الثقافي الذى يشرف عليه بجانب متابعاته للحراك الثقافي . ومكتبه قبلة لزيارات يومية من كتاب الجيل الجديد . " نسيان ما لم يحدث " آخر رواياته التى أكمل كتابتها الشهر الماضي ودفع بها لدار " مدارك " للطباعة وينتظر صدورها الأيام المقبلة وقد تنافست على إصدارها أكثر من دار نشر للقبول الواسع الذى تجده كتاباته فى الوسط الثقافي السوداني . صدرت له حتى الآن مجموعة من الأعمال القصصية هى " ريش الببغاء " و"رحلة الملاك اليومية " و"أختبىء لأبحث عنك " و" وردة حمراء من أجل مريم " و"قيامة الجسد "ومن الروايات " الورد وكوابيس الليل " و " عجوز فوق الأرجوحة " و" صباح الخير أيها الوجه اللا مرئي الجميل " وعدد من الروايات الأخرى على الصحف والمجلات . تناول العديد من الكتاب والنقاد أعماله بالدراسة والنقد وصدرت بعض الكتب التى تتناول أعماله القصصية والرواية ، كما أن نصوصه كانت من ضمن موضوعات الدراسات العليا بالجامعات .وقد عمل الحلو محكما فى العديد من دورات جائزة الطيب صالح العالمية آخرها الدورة الماضية ، و سبق أن تم تكريمه من قبل مركز عبد الكريم ميرغنى الثقافي بأمدرمان . قال لى ساخرا وأنا أبادره بالسؤال عن روايته الأخيرة " نسيان ما لم يحدث " ربما تكون هذه آخر كتاباتي السردية ، سأشتغل على قضايا فكرية أجلت فيها النظر كثيرا . جلست إليه فى العديد من المحاوروالقضايا وكانت هذه حصيلة الحوار
" نسيان مالم يحدث "والكتابة بعد الثمانين
الروائي عيسى الحلو
- العمريحدد مسارات خطيرة جدا فى الكتابة
-عنوان النص هو العتبة الأساسية التى تحكم السرد
حوار – محمد نجيب محمد على
رغم أن عيسى الحلو تجاوز الثمانين من عمره إلا أنه لم يتوقف عن كتابة الرواية والقصة القصيرة والنقد ، ومشواره اليومي بالمواصلات العامة لمكتبه بصحيفة "الرأي العام "السودانية ،وإعداد الملف الثقافي الذى يشرف عليه بجانب متابعاته للحراك الثقافي . ومكتبه قبلة لزيارات يومية من كتاب الجيل الجديد . " نسيان ما لم يحدث " آخر رواياته التى أكمل كتابتها الشهر الماضي ودفع بها لدار " مدارك " للطباعة وينتظر صدورها الأيام المقبلة وقد تنافست على إصدارها أكثر من دار نشر للقبول الواسع الذى تجده كتاباته فى الوسط الثقافي السوداني . صدرت له حتى الآن مجموعة من الأعمال القصصية هى " ريش الببغاء " و"رحلة الملاك اليومية " و"أختبىء لأبحث عنك " و" وردة حمراء من أجل مريم " و"قيامة الجسد "ومن الروايات " الورد وكوابيس الليل " و " عجوز فوق الأرجوحة " و" صباح الخير أيها الوجه اللا مرئي الجميل " وعدد من الروايات الأخرى على الصحف والمجلات . تناول العديد من الكتاب والنقاد أعماله بالدراسة والنقد وصدرت بعض الكتب التى تتناول أعماله القصصية والرواية ، كما أن نصوصه كانت من ضمن موضوعات الدراسات العليا بالجامعات .وقد عمل الحلو محكما فى العديد من دورات جائزة الطيب صالح العالمية آخرها الدورة الماضية ، و سبق أن تم تكريمه من قبل مركز عبد الكريم ميرغنى الثقافي بأمدرمان . قال لى ساخرا وأنا أبادره بالسؤال عن روايته الأخيرة " نسيان ما لم يحدث " ربما تكون هذه آخر كتاباتي السردية ، سأشتغل على قضايا فكرية أجلت فيها النظر كثيرا . جلست إليه فى العديد من المحاوروالقضايا وكانت هذه حصيلة الحوار
-بعد كل هذه التجربة الواسعة فى الكتابة ، وأنت تتجاوز الثمانين فى العمر ، وتكتب فى رواية . كيف تنظر إلى " نسيان مالم يحدث " إسم الرواية والتجربة ؟
يحدد العمر مسارات خطيرة جدا فى الكتابة ، عندما كنت شابا غالبا ما كنت واثقا من حكمة استخرجها من تجربتي فأعتقد أنها الحقيقة أو حقيقة الحقائق وأن أفق التجربة ينتهى هاهنا ، أما خطورة كتابة الكهول فإنها أيضا مقياسها الثقة فى حكمة تجاربهم ، وأتساءل دائما أيهما هو الحقيقي الماضي الشاب أم الراهن ، حاولت بكل هذه التجارب فى الرواية الأخيرة أن أغامر دون أن أخشى عدم الرضا ، وعدم الرضا هذا يتابع الكاتب فى كل تجربته فإذا أصبت فى الشباب أو كنت حقيقيا فى الكهولة فإن شرف المحاولة هو هدفى .
-أطلقت على روايتك الأخيرة وهى الآن بالمطبعة عنوانا قد لا يوحى بالتفسير وإن كان يوحى بالإختلاف هو نسيان ما لم يحدث ، ماذا أردت بهذا النسيان ، هل خوف التجربة أم خوف العمر أم أن للسرد تجلياته ؟
هى ذاكرة للأصوات المفصلية فى تاريخ السودان القديم والحديث ، وهو تاريخ زاخر بما حدث وما لم يحدث وبنسيان بعض أحداثه ، لذلك عليك أن تقول صراحة وهنا أتحدث بصوت الناقد لا الراوى ، هى مغامرة شكلانية فى إجتراح طريقة للسرد تقول بتأسيس سرد يحافظ على التراتبية الزمنية ، وفى نفس اللحظة يمضى إلى هناك ،إلى إنكسارات فى مسار الزمن ، هذا الإنكسار فى الزمن هل من فعل السارد أم أبطال الرواية الذين يتواجدون فى أزمنة مختلفة ومتيباعدة ، نعم هم يتواجدون فى أزمنة متباعدة ومختلفة ، ومن هنا أرى فى العنوان المحاولة فى قراءة أيهما أوضح التذكر أم النسيان ، وأيهما الحقيقي ، الحدث المنسي أم الحدث الذى يحدث الآن ، كل هذه الأسئلة قد تكون بلا إجابات إذ أن التاريخ الحقيقي برماله المتحركة قد يخفى داخل التاريخ السردى ثناياه ، ويختلف تماما عن التاريخ السردى ،إذ أن المتخيل فى مقياسه يوازى الواقع ولا يرسمه بل يحاول أن يتجاوزه ليكون برهانا عليه ،أما أي البراهين أسلم ، فإن القارىء المحتمل بزاوية نظره المختلفة هو المقياس .
-كيف تختار عنوان أعمالك ؟
العناوين قد تكون دائما بالنسبة لى هى المدخل لموضوع من الموضوعات أو فكرة تتعلق بموضوع يأتى عنوانه قبل سياغه ، ولكن العنوان كما الحياة فى علاقتى بها بين العام والخاص يمثل العتبة الأساسية للخطوط العامة التى تحكم السرد ، وكذلك الفضاء الواسع الذى تدور فيه أحداث القصة أو الرواية ، بعبارة أخرى صادقة العناوين هة الثيمات أو الأفكار الأساسية التى تجرد لك المعانى ،أو هى التجريدات التى تقوم على مداميكها القصة أو الرواية بتجسيدها
-تجربتك الكبيرة لأكثر من ستة عقود كيف تنظر إليها ؟
مرت بأطوار مختلفة ، الآن أنظر إليها واسترجعها ، ومرات أتعرف على قدراتى فى منابعها الأساسية ، واحيانا أجد أنني قد انحرفت عن خط السير الأساسي دون أن أبارح الفكر أو الفكرة
-أول إصداراتك " ريش الببغاء " كانت فى العام 1968كيف تقرأ البدايات ؟
أنظر إلى هذا التاريخ منذ الستينات حتى الآن فأجد أننى قد صنعت نفسي ككاتب من خلال عنصرين أساسيين هى الفطرة والعفوية والعنصر الثاني التجربة والخبرة . أتذكر أن ناشري الأول فى دار الحياة البيروتية قد كتب على غلاف كتابي الأول " ريش الببغاء " هذه موهبة جديدة نقدمها للقارىء ، دون أن يشير إلى أي قارىء يتوجه ؟ هل إلى القارىء على هامش الثقافة العربية المعاصرة أم إلى عواصم الثقافة الكبرى ؟ ومن هنا كان أن وقفت طويلا على كلمة موهبة
-عرف عيسى الحلو بالروائي والقاص والناقد أين تجد نفسك فى هذه الأمواج ؟
أقول أننى من خلال كل هذه الوسائل أبحث عن نص يدفع بالأشياء إلى الأمام ، ويضىء إضاءة كافية لغيري ، لهذا أصبحت غير منشغل بكتابة القصة أو الرواية كما هو فى السابق ، أنشغل بالقضايا الفكرية فى فضائها المجرد ، وجدت أن هذه التجربة الفكرية وقراءاتها أعمق وأغنى ، ربما لأنني اكتهلت وأصبحت أواجه من بين ما أواجهه من أسئلة سؤال الموت ، أنا لا أخافه ولكن تتضاءل كل الأفراح والمتع الصغيرة وتصبح فى أماكن بعيدة جدا
-هل هذه النظرة الفكرية والفلسفية البعيدة إلى ما وراء الحياة تمثل للكاتب الإنعتاق مما يحيط به ؟
قد يكون ذلك جائزا حسب ما اراه وقد يراع غيرى ذلك ، إلا أن حرية الكتابة تتمثل فى هذا الطيران لهذه المسافات البعيدة المطلقة فى مختلف جوانب الإبداع ، وانظر إلى شعرائنا الذين أحبهم جدا أمثال الراحل عبد الحى والتجانى سعيد وقد وقفا حقا أمام مثل هذه الأسئلة ـ كما أجد فى التشكيلي أحمد عبد العال ذات الوقوف وذات الدهشة ونفس السؤال ، كما أجد عند الناقد النور حمد مغامرة مثل هذا .
-لك مقولة عن موت القصة القصيرة .هل هجرت كتابة القصة القصيرة ؟
أحيانا تأتيني خواطر صغيرة كومضة تتشابك فى داخلها حكايات صغيرة عن قصص يمكن أن تكتب بجمال واقتدار إلا أنها ما تلبث قليلا وإلا وتنطفى كأعواد ثقاب . وعندما أقول بموت القصة أنا لا أقول أنها إنحدرت أو أنها فقدت بريقها فكتابها القدامى والجدد لهما الحضور إلا أنها فقدت قارءها
-برزت الكثير من الأسئلة حول الرواية السودانية وموقعها بين نظيراتها فى العالم العربي ؟
لا أخفى عليك أن هناك نصوصا مبشرة فى العالم العربي وفى السودان والعالم الثالث عموما ، لكن المشكلة الحقيقية أن كثيرا من الروايات وخصوصا فى السودان تنطلق من التراث الشفاهى والمحكي مثلها مثل الشعر الشعبي ، فإذا نظرت إلى قصيدة التفعيلة فى السودان تجد نجاحها وتطورها لأنها قامت على تراث مكتوب . الرواية ليست هى ما يقول القول ، الرواية هى الطريقة التى يكتب بها القول ، والرواية ليست المعنى ولكن الإطار الذى يؤطر به المعنى كما يقول الشكلانيون إن اللغة هنا مقصودة لذاتها وليست مقصودة لأن تكون أداة توصيل اللغة ، فى الحالة الأولى لازمة وفى الحالة الثانية متعدية .
-الرواية العربية ؟
إذا أردنا أن نقف وقفة خاصة نرى أن الكتابات الكبرى قد سدت الطريق ، وما زال كتاب الجيل يقفون تحت عجلات الكبار من الكتاب العرب . وما أراه أن الإطلاع على عيون التراث العالمي قليل جدا ، والتجارب الوجودية الحياتية ضعيفة ،وقد سبق أن أشرت أن الكتابة هنا تأتي من منبعين إما من الحياة العميقة مباشرة أو من القراءات العميقة أيضا ، وفى متابعتى الكبيرة لهذه الكتابات الروائية الكبيرة لا أرى شيئا من هذا أو ذاك الآن بصورة متقدمة إلا من أسماء كبيرة رسخت على مر السنين وتقودها تجربتها العميقة فى الكتابة إلى القارىء
-قلت سابقا بأن الربيع العربي قد فشل لطغيان السياسة على الفكر وغياب الناظم الثقافي الذى يقرأ الهوية والواقع وراهن الشعوب ؟
سيادة الأزمة فى مناحيها السياسية والثقافية تكبل الواقع المعاصر الذى تعيشه ، والذى وصل حد سد كل المنافذ للرؤية الفكرية الناصعة ، ولا ننسى أننا ورثة القول الشعر ديوان العرب فى الوقت الذى ورثنا فيه الثقافة ثقافة كل العالم . إن الفكرة هى ديوان الإنسانية جمعاء ، تفوق الرواية والشعر والنقد فى البلاد الأنجلوسكسونية هو إعتماد هذه الثقافة على الفلسفة ، هذا ما أدى إلى رقي الإبداع ونصاعة العلوم ونحن لا نزال خارج العصر كما قال أحد المفكرين العرب . وفشل الربيع أتى لرومانسية وشعرية ثواره وجماهيره إذ نحن مأزومون بواقع محدد ، واقع غير مرغوب فيه وإن كان واقع واجب التغيير ولكننا لا نملك الإجابة على سؤال كيف هو التغيير وملهى بدائل ما قمنا بتغييره ، نحن منفعلون ولسنا مفكرون هذه هى المعضلة التى أدت إلى الفشل وإلى مزيد من الإحباط
-ككاتب كيف تقرأ الآن ما يحدث فى عالمنا العربي ، ثورات مجهضة ودول تخاصم دولة ؟
أرى أن عالمنا العربي الآن محاصر جدا ، ومن حاصروا قطر مثلا أيضا هم محاصرون ، وهذا الحصار يجعلهم داخل ورطة حضارية وثقافية ، فكل الأعمال على المستوى الحضاري والثقافي كانت قد تمت تحت واقع عربي لم يعد الآن موجودا . قد يقول بعضهم أن تلك الحضور كانت متأدلجة ، ولكن العرب كانوا قد وضعوا كل شىء داخل ذلك الإطار . فإذا غابت الحريات وسؤال الديمقراطية فإن السؤال الذى يطرح ولا يجدون له حسابا للتغيير أنهم لم يسألوا هذا السؤال عن الحرية الثقافية والحرية الفكرية ثم تأتي السياسية . الورطة الآن أن العالم قد تغير بفعل المتغيرات الكونية بشكل غير متوقع ومفاجىء لهذه المجتمعات العربية ، مما يستدعي نظرة جديدة وتخطيط ثقافي وحضاري يستدعي رؤى سياسية أكثر وضوحا وأعمق إستشراقا للزمن الراهن .
-وهل يستطيع العرب فعل ذلك ؟
نعم يستطيعون ،إذا قرأوا واقعهم وتراثهم بعين بصيرة فاحصة ، وإذا أتت الأمور دغعة واحدة وبشكل مفاجىء كالطوفان .إلا أن السؤال لم يعد حول الإستطاعة بل ماذا خططوا من مشاريع فكرية وثقافية للسيطرة على هذا الواقع الذى يتحرك الآن فى إتجاهات قد تؤدي إلى مجهول وهذا ما أخشى وقوعه .
-وهل يمكن للعرب أن يلحقوا بقطار العالم المعاصر ؟
نعم ، ولكن أن تتغير أو تغير ما يحيط بك بين ليلة وضحاها أنك تحتاج إلى مغامرة ينبغي أن تقودها الحياة العربية بكاملها ، مغامرة فى التحديث وفى الحداثة وفى الأدب وفى التجريب ، وفى فتح النوافذ كلها لدخول الهواء النقي الذى يجدد الخلايا ، بعدها سأقول أن الربيع قد أثمرت زهوره بالجدية وبالواقعية وأن الأزمة قد إنتصرت لذاتها على إنكساراتها
-أخيرا أستاذ عيسى من خلال عملك فى لجان التحكيم المختلفة فى السرد ، كيف ترى المشهد القصصي والروائي فى عالمنا العربي ؟
ما يفوز من إبداع روائي وقصصي فى المنصات الروائية الكبرى كتارا الطيب صالح ونجيب محفوظ والبوكر يمثل الجيل الجديد من الكتاب ومن النقاد ،إلا أن كثيرا من هذه النصوص التى قابلتني أثناء إشتغالي بلجان التحكيم دون النظر إلى من فازوا أجد أنها تجارب حياتية بسيطة والمرجعيات الجمالية تعانى مما يحيط بها ، لذلك أرى أن الميزان فى مجمله بعيد عن أصحاب المقاعد الأولى فى المنصة كفائزين . أجد أن هذه الكتابات الأخرى المشاركة تعاني من قيود داخلية تحيط بها وازمات وايدلوجيات تأخذ بخناقها ، وهذا ما يؤدى إلى خيارات من هؤلاء الكتاب لا تتسق مع الحاضر أو الراهن ولا تقرأ الماضي ، وهذا شىء فى إعتقادي بين الفطرة والتجريب لا يرتقى إلى مستوى الإحتراف .