أسئلة المثقف والسياسة
أسئلة المثقف والسياسة محمد نجيب محمد علي أسئلة المثقف والسياسة تتعدد فيها الآراء وتختلف ،والتحولات التي تشهدها المنطقة العربية تنعكس علي الثقافة والمفاهيم
أسئلة المثقف والسياسة
محمد نجيب محمد علي
أسئلة المثقف والسياسة تتعدد فيها الآراء وتختلف ،والتحولات التي تشهدها المنطقة العربية تنعكس علي الثقافة والمفاهيم ، وتفتح الباب أمام المأزق الوجودي للمثقف وفهمه لقضية الحرية في المعرفة والعلاقة مع الواقع ، وتعد العلاقة بين المثقف والسياسة واحدة من ابرز الإشكالات في حياتنا المعاصرة ، فهل كل أدب هو تعبير ايدلوجي أم هومحاولة للخروج عليها، وكيف ينظر المبدع للصراعات والتناقضات التي يعيشها المجتمع قمت بطرح السؤال علي عدد من المبدعين والنقاد من السودان ودولة المغرب وكانت هذه الحصيلة
المنهج
يقول الناقد نادر السماني المثقف مصطلح حمال أوجه فهو في مرات كثيرة يحمل معاني متناقضة فتارة هو المهتم بالنشاط الفكري والأدبي وفي أحيان أخرى يشمل كل المتعلمين، وقد يحصره البعض في المنتجين للفكر النظري والمشتغلين به
وفي كل مرة نستطيع أن نجد تعريفات متباينة خصوصا في دول العالم الثالث التي تشملنا ـ غض النظر عن هويتنا ـ والبعض يميل إلى تقسيم المثقفين إلى أنواع فهناك مثقف عضوي فاعل في مجتمعه مؤثر فيه متأثر به ،وهناك آخر منعزل مترفع عن قضايا مجتمعه، وآخر انتهازي يوظف معرفته لخدمة أهدافه الذاتية متناسيا قضايا مجتمعه بل يعمل بالضد منها خادما لأعداء مجتمعه غض النظر عن نوعية الأعداء.
ومع كل هذه الأنواع يصبح الموقف من الأيدلوجيا ـ بالضرورة ـ متباينا خاصة أن المفهوم نفسه متباين بل متناقض أحيانا ، فالأيدلوجيا أنواع ،فإذا قلنا عنها مجموعة الأفكار المتماسكة التي تفسر الحياة ـ بحسب الموقع الذي تنظر منه ـ دون أن تدخل منهج إنتاج المعرفة ذلك يجعلها جامدة مقيدة ومسيجة للمثقف أيا كان نوعه ، وغير منتجة للأفكار الجديدة القائدة للتغيير نحو الأفضل ،.وفي نفس الوقت اتهام مطلق أيدلوجية بالجمود هو في واحد من تعبيراته انتهازية ،ولعب على الحبال ،ورغبة في التحلل من الالتزام لكل ذلك أعتقد ـ دون تعصب ـ أن المثقف الفاعل المنتمي يحتاج إلى الأيدلوجية لتحديد هذا الانتماء، ويحتاج إلى المنهج في انتاج المعرفة ،والانفتاح على الأفق الإنساني دون أن تقيده أو تحكمه المقولات والأفكار الجامدة ،
ودون أن يلزم ( ضم الياء وفتح الزين) بمنظومة سياسيةبعينها وقيادة غير مؤهلة لقيادته. بينما يذهب الناقد والروائي المغربي حسن إمامي إلي أن الثقافة والإيديولوجيا ربما يتجاوران و يتقاطعان و ينطوي أحدهما على مضامين الآخر بين صفحاته و ثناياها ،أو ربما تلك الحدود غير موجودة بينهما، في الواقع كما في التحليل الموضوعي و الصريح الذي لا يحيد عن قول الحقيقة، فأين تنتهي الثقافة حتى تبدأ الإيديولوجيا؟ و العكس صحيح؟ ثم يستطرد بأنه لن يكون هناك جواب بقدر ما سيكون هناك تشخيص لما وقع و يقع من توظيف هذه في تلك و تلك في هذه.، ـفما الذي تتوخاه الإيديولوجيا من الثقافة؟ وما الذي ترسمه الثقافة للإيديولوجيا؟ لعلنا، نبحث عن استعمال خفي تم بينهما ، وصنع الحدث والتاريخ والإنسان. هذه رحلتنا إذن في مقاربة الثقافة والإيديولوجيا، في راهن واقع مجتمعي وسياسي وتربوي وثقافي يشكّل الإنسان وشخصيته. أي خدمة خدمة الإنسان وحضارته وتمدنه ووعيه التاريخي الراهن؟ وإذ تتعدد الأسئلة تستبين شعاب متخالجة للموضوع المتناول، نريد من خلال ذلك جعل الثقافة فاعلة وحيوية وإيجابية فيما يحقق التطور والتقدم للعقل ،كما للحياة والسلوك الفردي والجماعي. وما دامت السياسة غوص وتحليل قبل أن تكون فعلا في الواقع أو تدبيرا له، فإن المقاربة ستربط بين توظيف الإيديولوجي السياسي والحزبي والإيديولوجي التدبيري المؤسساتي الذي يتم للثقافة وباسم الثقافة. وسيعني هذا أن الثقافة مطية لتحقيق هذا وذاك. كما أن الإيديولوجيا والسياسة مجالان لتمريرها كمواقف و تصورات و قناعات.ويقول الناقد صابر جمعة بابكر إستنادا علي جزر المصطلح في التاريخ اليوناني نجد ان اللوغوس هو النسق الكلي لمجموع الافكار ونجد تعريف اخر عند العرب الا وهو علم الخطاب إلا أن أول من صك المصطلح في عصر التنوير الفرنسي دي تراسي ،وأصبحت للايدلوجيا أهمية تترسخ في علم الاجتماع السياسي، و في رأي أن المثقف يقع في إشكالية تراتبيه أو مركبة. عند تمثله ايدلوجيا ذات سمات ما ،فهي كالأقفاص الحديدية تكبل نزوعه المستمر نحو أفق الحرية والخلاص. ونجد تعسف الايدلوجيا لإرتباطها بـأنظمة الحكم. في أمزجة وتدوير العقول المستهدفة وفق قوانينها ونظمها. تتسم فلسفة ما بعد الحداثة باستقلالية التمثيل فالسيموطيقا والتفكيك يتحديان الإعتقاد الواقعي وجل فلاسفة ما بعد الحداثة يطرحون الايدلوجيا في ميزان الأحكام ومدي الوعي الزائف الذي تشيده انظمة الدلالة. .
المساق الفكري
يري الناقد مجذوب عيدروس أن القرن العشرين الميلادي إتصف بأنه عصر هيمنة الأيدلوجيا علي المساق الفكري في الوطن العربي والعالم ، وظل كثير من النقاد والمفكرين أسري لهذه الهيمنة ، ونتذكر تجارب كثيرة لمن حاولوا أن يفلتوا من أسر الأيدلوجيا ، وهناك تجارب علي مستوي العالم مثل روجيه غارودي الذي حاول أن يبدع فلسفة خاصة به في إطار الماركسية ، وقاده التجريب والتفكير المستقل إلي الإسلام أخيرا . وهناك تجارب إصطدم فيها مفكرون ونقاد وأدباء بهذه الهيمنة الأيدلوجية ، وأبرز مثال في الساحة السودانية الناقد والشاعر صلاح أحمد إبراهيم ، فقد خاض معارك عديدة دفاعا عن تفكيره المستقل ، وغاية الأمر أن المتقف مطالب بالإتكام إي ضميرهوأن يغلب المصلحة العليا لوطنه وللإسانية والسمو فوق الإنتماءات السياسية والحزبية الضيقة . بينما يرى الناقد والشاعر المغربي عبد الله فراجي أن الإيديولوجيا لا تنحصر في مجال السياسة فقط وأن مجالها أوسع؛ إذ هي تضم كل بنيات الفكر ،وتعبر عبر الرمز و الإشارة عن هذه البنيات، ولكنها لا تتمظهر بالملموس، بل تعمل في الخفاء، في الوعي الذاتي والجمعي، وفي كل أشكال الفكر والإبداع والسلو ك الاجتماعي وغيرها. وهي كما يقول الفيلسوف الفرنسي لوي ألتوسير Louis Althusser كالهواء، ولا يمكن لأي كان أن لا يستنشق الهواء، أو كالأخطبوط الذي يتحرك في جميع الاتجاهات، ويحتوي كل ما يوجد في طريقه. وبالتالي فإن من يضع نفسه فوق أو خارج الإيديولوجيا، إنما هو يمارس إيديولوجيا نقض الإيديولوجيا، ومواقفه في هذه الحالة تبدو بريئة ولكنها تعبرعن رؤية ومواقف مُغالِطة، وهذا أمر موجود طبعا في الأدب وفي الفكر الإنسانيين. كل أديب في رأيه، ينطلق من ذاته أو من الواقع أو من العلاقة بينهما، ويبدع -بوعي منه أو بغير وعي- وفي كل ما يكتب تحضر الإيديولوجيا من حيث هي تموقف فكري، يعبر عن تموقع اجتماعي وسياسي. وهذا يعني أن لا شيء يكتب في الأدب يكون خالصا ولا علاقة له بالذات والواقع. وحتى في أقصى الحالات عند دعاة الفن من أجل الفن، أو في الأدب السوريالي تحضر الإيديولوجيا، ويحضر الإبداع بلونه الخاص والذاتي عند هذا الأديب أو ذاك. في هذا الإطار كان للتقدم الذي عرفته الفلسفة المعاصرة دور كبير في عقلنة النقد الأدبي، وجعله ينفتح أكثر على مجال التنظير، ومجال العلوم الإنسانية وخاصة علم النفس مع التحليل النفسي، وأيضا علوم اللغة وخاصة مع السيميولوجيا. والنتيجة هي تلك الأعمال النقدية التي تكشف ما لايقال، وتعري البنيات العميقة للخطاب الأدبي،وترسم العلاقات الممكنة للذات مع العالم من خلال رمزية الخطاب، وإخفائه لإيديولوجيا مبنينة Structurée ، لا تفصح عن نفسها، بل وقد ترفض ذلك. والجدير بالذكر هنا، هو أن الفكر الفلسفي، والتنظير في مجال الأدب، قد تخليا عن الحديث عن الإيديولوجيا، وقد أعلن البعض موت الإيديولوجيا مع ظهور البنيوية. بينما الأمر لا يتعدى محاولات كثيرة لتجديد المفاهيم، وإعادة إنتاج وسائل وأدوات التفكير والإبداع والنقد. وتقول الروائية والقاصة نفيسة زين العابدين المثقفون بأطيافهم المختلفة إن كانت سياسية أو أدبية أو فلسفية أو علمية، لهم ايدلوجيات معينة يتبعونها توضحها وتعلن عنها أعمالهم وإنجازاتهم على مستوى الفرد او الجماعة. فالمثقف المبدع في رأيي ولأنه ألاقرب الي بيئته ، لا يكتب خارج نطاق آيدلوجيته الخاصة مقتنعا ، وإن فعل ذلك فلن يكون أمينا بشكل تام .