الكاتبة والمترجمة إشراقة مصطفي

الكاتبة والمترجمة إشراقة مصطفي - المرأة لها خصوصيتها في الكتابة - الكاتب المبدع الذى يعيش خارج وطنه اكثر التصاقا بوطنه الام - الترجمة عملية ابداعية تساهم بشكل واضح فى انسنة العالم - " أنثي الأنهار " سيرة استمدت طاقاتها من سيرة الناس وتفاصيلهم حوار - محمد نجيب محمد علي – عامر محمد احمد علي عتبات الكتابة الجديدة في تقنيات الخطاب وفلسفة الحياة تمضي الكاتبة الدكتورة إشراقة مصطفي

الكاتبة والمترجمة إشراقة مصطفي

الكاتبة والمترجمة إشراقة مصطفي

- المرأة لها خصوصيتها في الكتابة
- الكاتب المبدع الذى يعيش خارج وطنه اكثر التصاقا بوطنه الام
- الترجمة عملية ابداعية تساهم بشكل واضح فى انسنة العالم
- " أنثي الأنهار " سيرة استمدت طاقاتها من سيرة الناس وتفاصيلهم


حوار - محمد نجيب محمد علي – عامر محمد احمد

 

علي عتبات الكتابة الجديدة في تقنيات الخطاب وفلسفة الحياة تمضي الكاتبة الدكتورة إشراقة مصطفي في مشروعها السردي والشعري والترجمان . تتوسع الكاتبة في بحثها وتتكيء في سيرتها الذاتية علي تصميم للوصول إلي محطات النجاح ، ولها من ذخيرة ثقافية ما تقود خطاها .
فى حوار تجاذبنا معها العديد من القضايا فإذا بها تقف علي المتون كلها رؤية واضحة وعميقة ومعبرة عن عوالم مدهشة تملأ الأفق بجمال الفكرة .

 

 


(*) نبدأ بملامح من السيرة الذاتية ؟
اشراقة مصطفي حامد، من مواليد كوستي 16 سبتمبر 1961، درست مراحلي الدراسية الاولي فى كوستي وتشكل وجداني وحديقة وعي المشوكة والشائكة  فى هذه المدينة المعروفة بتعددها وتنوعها. درست بجامعة ام درمان الاسلامية وتخرجت بدرجة الشرف  فى الصحافة والاعلام فى يونيو 1989 ثم انجزت الدبلوم العالي بكلية الدراسات العليا- معهد الدرسات الاضافية بجامعة الخرطوم. هاجرت مضطرة بعد ان ضاقت بي البلاد الوسيعة لاجد نفسي فى فضاء ابرة مواجهة الذات فى النمسا حيث واصلت الماجستير فى كلية الاعلام وعلوم الاتصالات وانجزتها فى الوعي البييئى عند المرأة السودانية خلال جهاز الراديو ثم تابعت الدكتوارة بكلية العلوم السياسية بجامعة فيينا وانجزتها فى العام 2006 وعملت فى ذات الكلية كمحاضرة غير متفرغة لمدة خمسة سنوات. اعمل الآن ممثلة الادب العربي للقلم النمساوي وانسق مشاريع ابداعية مرتبطة بالكتابة. هذه هي السيرة المتعارف علي تداولها ولكن يبدو لي ان سيرتي مرتبطة بروح بعيدة، منسربه وضاربة بجزورها فى اعماق البحار ولاتنفصل عن مخلوقات الله من شجر وريح وماء. سيرة لا ولن تكن دون الانسان وتحديدا انسان السودان العظيم.

(*)لماذا الكتابة ؟

وكأن السؤال لماذا الحياة؟! الكتابة مشروع حياتي ولا يمكن ان اتخيل نفسي بلا كتب وكتابة، بلا اقلام وارواق. سؤال لماذا الكتابة يرتبط بسؤال اساسي هو لماذا القراءة؟ فالقراءة تعني عندى حبوب لقاح الكتابة ولولاها لما كتبت. الكتابة هي مشروع الوعي وثقابه التى تقود الى التغيير. الكتابة هي سؤال وجودي وجدواه، هي سؤال الانعتاق. استحضر محمود درويش (نُؤرِّخُ أيامنا بِفَراش الحُقُول ، هَبطْنا سَلاَلم أَيَّامِنَا صعدْنَا على مَا يغيبُ من السِّنْديَان . تركْنَا غِيَاباً لأوْهَامنَا وَسِرْنَا إلى الشِّعر نَسْأَلهُ أَنْ يُجدِّ أرْضاً لإلْهَامنا فَسَدَّ عَلَيْنا جهَاتِ الرَّياح ، وَصَار هُويَّةَ أَصْنَامِنَا سَنَكْتُبُ منْ أَجْلِ ألا نَمُوت .. سَنَكْتُبُ)... واقول اكتب لاحيا, لاتنفس، لافرح، لاتوازن. الكتابة ليست  ترف بل حيوات نتحرك فى مداراتها وتخرج بنا  من وإلي مغارات النفس القصية.

 


 
(*) سيرتك الذاتية " أنثي الأنهار " وجدت قبولا واسعا نري ما هي مرجعيتك الثقافية في كتابة السيرة ؟
مرجعيتها هي الواقع الذى ولدت وعشت فيه، تلك البئية التي شكلت وجداني ودربتنى على الحياة وعلي مواجهتها. سيرة استمدت طاقاتها من سيرة الناس وتفاصيلهم، اشواقهم وحنينهم، تصالحهم رغم الافقار,
مرجعيتى هي هذا الثراء المعرفي المُبهج من سيرة الحبوبات المنسيات، سيرة النساء المسكوت عنها وكفاحهن اليومي, كفاح الاباء والاجداد، السيرة الشفاهية من الحكايات اليومية، تفاصيل الخبز والمحبة والسلام النفسي، تفاصيل شكلت مرجعيتي منذ ان كنت طفلة اكتشف طريقي واتلمسه. حكايات ربات البيوت ساعة القهوة وقلي البن، نقرشة الفناجين فى ذاكرتي ظلت كل هذه الاعوام ولم تقف فيينا بكل جمالها واختيارها للمرة السابعة كافضل مدينة فى العالم تصلح للعيش، ان تحجب عني تلك الذاكرة وتلك الروائح، رائحة القهوة والحلومر والبيوت القديمة.

(*)  يري البعض من النقاد أن للمرأة خصوصيتها في الكتابة التي تختلف عن الرجل ؟
بالطبع لها خصوصيتها، فالكتابة لاتهبط من السماء بل هي انعكاس الواقع، استلهام تفاصيله واستشراقه فى احلام واشواق النفس البشرية. فلو القينا نظرة إلي وضع النساء منذ  كنا صغيرات وماتعرضن له من تمييز وامامنا المواد الدراسية، منذ امل وبدر، امل التي يتم اعدادها منذ ذلك العمر لتكون اقل من بدر الذى تقوم هي ذاتها فى مقبل الايام بغسيل ملابسه. القيود المضروية عليها من المجتمع وحركة نضالاتها الطويلة جنبا الى جنب مع الرجل المؤمن بحقها فى الحياة الكريمة وان حقوقه كانسان لاتنفصل عن حقها كانسانة. من هنا تأتي خصوصية كتابتها وطرحها لاحلامها واشواقها، هواجسها وحنينها للآمان.

(*)يقولون أن هنالك إنفجار روائي .. وأن الرواية أصبحت ديوان العرب ؟
صحيح هناك انفجار روائي خاصة فى السودان فى السنوات الاخيرة ولكن يظل الشعر سر الروح السادرة فى الوجدان ويظل الجمرة التي تحتفظ بلهيبها دون انطفاء.

 

 

(*) هل تشعرين أنك حرة في الكتابة والتعبير عن نفسك وعن قضايا المرأة وأنت خارج الوطن ؟
الحرية؟ المكان بالتاكيد يلعب دور وصحيح ان لارقابة هنا  ولكن الرقابة الاخطر هي رقابة الذات وهذه قد تكون مسيطرة علي البعض حتى وهم خارج السودان. بدأت فى فرد ريش حريتي منذ بدأت اعي ضرورة الكتابة واكون نفسي حين ابدأ اكتب، اكتب ولا افكر الا فى الكتابة. لا ارهن متعة حريتي فى هذه اللحظة الفريدة لايا كان. لقد هزمت كل اشكال الخوف وتدربت علي المجابهات وحين اكتب لا ابالي الا بالفكرة الشاردة فى خيوط عناكب النص الذى يعتقنى او اعتقة لحظة اندلاق الحبر.  شرطي الرقابة الذاتية روضته فصار طيعا اكثر من عناد الكتابة نفسها. هي لحظة حريتي حين اقرأ وحين اكتب وفي هذا متعة روحية تنعكس علي البدن حيوية ونهوضا وتنطلق افراسه نحو الحياة الفاعلة والمتفاعلة.
 اما اذا كان الامر يتعلق بالنشر فابالتاكيد هنا اجد براحات اوسع وفقا لواقع الحراك الثقافي فى النمسا كمثال، حراك مسنود بقانون ديمقراطي عادل، لاتوجد لجنة نصوص وحتي اللجنة المناط بها تقييم النصوص حين يتقدم احدى الكاتبات او الكتاب للحصول علي منحة يتم تقييمها فنيا. بالتاكيد مساحة الحرية المكفولة بالقانون هنا تشكل سلامة للنفس وطمأنينة، فلا شىء يُزهر بلا ديمقراطية.

(*)تكتبين الشعر والقصة والرواية والسيرة وتمارسين الترجمة البعض يري تشتت الجهد الكتابي ما رأيك ؟

 كلها فضاء واحد، كلها تنمي لى ريشا وتجعل روحي محلقة فى فضاءات اللامرئي. تشحذ مخيلتي لتمضي مراكبي فى ذات النهر.. نهر الابداع ومنطلقي ايماني بوحدة الفنون.
وضع خطة واضحة ومحكمة تنظم الزمن هي الضمانة الوحيدة لانجاز المشاريع التي ننوي تنفيذها.
اشير الى اني حتى الآن لم انشر رواية رغم ان هناك ثلاثة مخطوطات اعمل عليها من سنين وربما ترى احداهن النور قريبا. أشير هنا إلي ماعندى من مخطوطات سوى ادبية او بحثية لم تجد طريقها للنشر لان النشر بالعربية مكلف عكس النشر بالالمانية التي تعود عليك بنشر الكتاب مجانا وفي بعض الاحيان يكون هناك عائد رمزي ولكنه يعني الكثير، يعنى اعترافا بك وبمشروعك الابداعي.

(*) هنالك من يقول أن الكاتب المبدع الذي يعيش خارج وطنه لا يعرف قضايا الفرد في وطنه ؟
فى هذا ظلم كبير ويقسو كثيرا على من حملوا الوطن فى وجدانهم تميمة تحرسهم وتحفزهم لاجل الاسهام فى التغيير الاجتماعي المنشود.

 


ليس بعيدا عن هذا الرد الذى يبدو عاطفيا اقول ان الميديا الاجتماعية سهلت التواصل اليومي والمتابعة الدقيقة، اضافة الي ان كثير منهم ومنهن لم ينقطعوا عن السودان... فكيف يكونوا بعيدين عن قضايا الفرد وهم الداعمين نساء ورجالا لاهلهم واسرهم ماديا ومعنويا وبذلك يتحملون الكثير من النفقات التي كان علي الدولة ان تتحملها. فى المقابل يمكننى ان اطرح فرضية بحثية مفادها ان الكاتب المبدع الذى يعيش خارج وطنه اكثر التصاقا بوطنه الام وتفاصيله الاولي وحنينه لامكنة شكلت وجدانه اكثر من التصاقة بالموطن الجديد؟!

(*)النص المفتوح الذي يحوي بداخله كثير من المسميات الابداعية من قصة ورواية وشعر الا يساهم ذلك في تغييب صورة كل ابداع علي حدة ؟
يعتمد علي الموضوع وعلي روح النص وكيفية كتابته، هناك روايات مثلا مثل رواية (لوليتا) لواسيني الاعرج لاتعرف ان كانت رواية ام قصيدة  او قواعد العشق الاربعون لاليف شفق او الاسود يليق بك لاحلام مستغانمي رغم ان الثلاثة مصنفات كرواية. احب النصوص المفتوحة والتي تفضي الي آفاق لاحد لها وتترك لي حرية الحراك.

(*) هناك حديث كثير عن الترجمة وخصوصا ترجمة الشعر هل يترجم الشعر إذا وجدنا أن الشعر في لغته الام يعتمد علي التأولية له ظاهر وباطن ؟
من تجربتي المتواضعة والتي ساهم القلم النمساوي فى صقلها اقول ان الترجمة عملية ابداعية تساهم بشكل واضح فى انسنة عوالمنا، حيث تغوص فى  روح الشعر وليس ترجمة حرفية يمكن العمل عليها لتأخذ ملامح القصيدة. الترجمة فعل ابداعي متكامل مستند على افق معرفي لثقافة اللغة المنقول منها أو اليها. اذكر هنا مثالا بسيطا، فحين ترجمت (فى محبة الحياة) للشاعر المصري عمر حاذق كنت ارجع احيانا الي البعد الثقافي لبعض المفردات الموغلة فى الثقافة المصرية وحين بدأ زميلي الشاعر النمساوي كورت مراجعتها وسبكها حتي تصل الي قارئات وقراء الالمانية، بدأت معه الكثير من الاسئلة وانعكس اختلاف الثقافات فى حوار ثر لازلت احتفظ بنقاطه للتوسع في الكتابة حوله. مثلا (وضحك البحر).. البحر هنا له ثقافة مختلفة عن التي عندنا، رغم ان الصورة الشعرية التأويلية يمكن قبولها ومع ذلك تطفو للسطح بقوة ان الترجمة لايمكن ان تكون ان لم نكن ملمين بثقافة اللغتين ومرجعيتهما، فهى ليست محض (نقل) بل عوالم وكائنات.

(*) الترجمة لم تستطع علي مدي سنوات كبيرة نقل اللغة العربية ومبدعيها إلي الصفوف الاولي في الكتابة أين الخلل؟

كما ذكرت سابقا ان الترجمة تفاعل بين لغتين بكل حمولاتهما الثقافية والفكرية ولابد ان يكون المترجمة/المترجم ملم  بهذه الثقافات وابعادها. فثراء اللغتين ومعرفة سياقاتهما التاريخية وتطورهما تتيح لمن يترجم حرية التنقل بين حالات انسانية تتناغم الي ان تصل إلي نص موازي فى الغالب مع محاولة الحفاظ علي روح النص الاصلي. هذا الثراء المعرفي بالابعاد الثقافية للغتين يتيح فرصة كبيرة لتجسير الثقافات وفتح فضاءات للحوار الثقافي الذى يتناول قضايا مختلفة تقرب بين الشعوب.
 التمويل عقبة اساسية سوي بالنسبة للترجمة، النشر او التوزيع.
 
(*) هل كل من يملك لغة أجنبية يعد مترجما .. وما تعريف المترجم ؟

لا اعتقد ان كل من يملك لغة أجنبية يعد مترجما، لان الترجمة فن وعملية ابداعية، يمكن ان يكون عاشق الادب مترجما ولكن الهواية وحدها لا تخلق مترجمة/مترجما اذ لابد من صقلها بالتعلم وكسب المعارف وتبادل الخبرات كما يحدث هنا فى النمسا وعبر الاتحاد العام للمترجمات والمترجمين النمساويين فى المجال الأدبي اذ تقوم عبر شبكة واسعة لتبادل الخبرات والمعلومات التي تخص دوارت تعلمية او مؤتمرات او ورش عمل الخ...
فكرتي في الترجمة ليست فعلا أحاديا إنما فعلا جماعيا كلما تقوم صديقات واصدقاء بمراجعة ترجمتي وفي طقس سوداني حميم علي ورائح الطبيخ البخور السوداني،  كل هذا يفتق حوارات عميقة كم استفدت منها وكم اكتشفت جهلي وكم ساعدتني لأنظر للأشياء كل الأشياء بمنظور مختلف وان أكون متقدة الذهن على الدوام لتقبل الرأي الآخر بمحبة واحترام. إنهم أو إنهن لا يصححن فقط ما اكتب إنما المثابرة والاجتهاد أيضا من جانبهم لمعرفتنا بعمق، معرفة (العنقريب)، ذلك السرير البلدي فى السودان فترجمته الى مايعادله باللغة الالمانية مثلا يفقده بعده الثقافي والاجتماعي وسر طقوسنا المرتبطة به، فنحن نولد فيه ونرحل الي ضفتنا الأخري محمولين عليه ويشكل حياتنا من المولد والي الممات، فهل لما يعادله فى اللغة المقابلة يقوم بنفس الطقوس؟ قطعا لا.
او (آبري، اى الحلومر) فهو ليس محض مفردة وانما طقس ثقافي كامل وليس له هنا مايقابله لذا تركته كما هو
Apri
مع شرح لماهية الآبري، او العنقريب، وبالتالي نقلت القراء من حالة الي حالة، الي طقوس مختلفة وحيوات مختلفة وهذا هو الثراء الانساني الذى اهدف اليه فى مشروعي.