آصف بيات.. الحياة سياسة

آصف بيات.. الحياة سياسة الخرطوم – كليك توبرس  – عامر محمد أحمد  المفكر الأمريكي "آصف بيات"  يعد أحد أهم  علماء الاجتماع " و تنسجم  جهوده  وقراءاته  في الراهن مع متغيرات كثيرة  تنتظر العالم  في دورة  تاريخ  طويلة أزماتها  وقصيرة في درجة سرعة دوران الزمن. والكاتب صاحب الأصول الباكستانية يمثل كتابه "الحياة سياسة – كيف يغير بسطاء الناس الشرق الأوسط" مرجعا هاما في التعرف على الشرق الأوسط وتحديات  الشعوب في هذه المنطقة الهامة والحيوية  والباحث والأكاديمي "آصف بيات" يرسم لبسطاء الشرق الأوسط الطريق بتؤدة وخبرة أكاديمية وحياتية بالناس والجغرافية. ولا يدعي هذا العرض شمول الإلمام بهذا السفر الضخم ولكنها إظهار لبعض ملامح علها تفيد القاريء.

آصف بيات.. الحياة سياسة

آصف بيات.. الحياة سياسة

الخرطوم – كليك توبرس  – عامر محمد أحمد

 المفكر الأمريكي "آصف بيات"  يعد أحد أهم  علماء الاجتماع " و تنسجم  جهوده  وقراءاته  في الراهن مع متغيرات كثيرة  تنتظر العالم  في دورة  تاريخ  طويلة أزماتها  وقصيرة في درجة سرعة دوران الزمن. والكاتب صاحب الأصول الباكستانية يمثل كتابه "الحياة سياسة – كيف يغير بسطاء الناس الشرق الأوسط" مرجعا هاما في التعرف على الشرق الأوسط وتحديات  الشعوب في هذه المنطقة الهامة والحيوية  والباحث والأكاديمي "آصف بيات" يرسم لبسطاء الشرق الأوسط الطريق بتؤدة وخبرة أكاديمية وحياتية بالناس والجغرافية. ولا يدعي هذا العرض شمول الإلمام بهذا السفر الضخم ولكنها إظهار لبعض ملامح علها تفيد القاريء.

في كتابه "الحياة سياسة – كيف يغير بسطاء الناس الشرق الأوسط" يطل الحس التاريخي بمقدرة غير النخبة على إحداث تغيير بنضالهم اليومي في مكابدة الحياة في أماكن عديدة استظلت بحكومات لا يهمها سوى الحفاظ على كراسيها والمفكر الأمريكي – الباكستاني الأصل, آصف بيات يتابع هذه الهموم بدقة شديدة ويرصدها ويحللها, يضعها في مكان الصدارة أحياناً وأخرى يستغرب بلغة أكاديمية رصينة مع قالب أدبي كيفية حدوثها أو مرور حدثها مرور الكرام على النخب والسلط بمختلف درجاتها "وليس بمستغرب أن تتسبب الظروف المعاصرة في المنطقة في قدر من الخوف في الغرب حول حالة عدم الاستقرار في العالم التي من الممكن أن يسببها هذا الوضع الآسن من الناحية السياسية والاجتماعية ومع ذلك فإن المنطقة تشهد الآن صيحة تغيير لم تشهدها من قبل قط ثمة فكرة تقول بأن العالم كله تغير

 

 

ماعدا الشرق الأوسط. وهي فكرة حظيت باهتمام متجدد الآن حيث تحاول المؤسسات الدولية والاقليمية ان تعبر عن توقعات مختلفة حول كيفية حدوث التغيير في المنطقة ويضيف "بيات" ان الذين خبروا الثورات غالياً ما يربطون بين الثورات العنيفة بتوقف الحياة فجأة والتدمير وعدم اليقين. وأولاً وقبل كل شيء فإنه لا يوجد ما يضمن ان تتمخض الثورة عن نظام اجتماعي عادل وأخيراً فحتى لو افترضنا ان الثورات أمر مرغوب فيه وانها يمكن ان تقوم على التخطيط فما الذي يجب ان يفعله الذين يعيشون تحت الحكم التسلطي, ومع أخذ كل هذه المحاذير في اعتبارنا فإن ثمة وجهة نظر بديلة تقول بأنه بدلاً من انتظار ثورة تقنية فإن التغير يمكن ان يحدث عبر الزام الدول باجراء اصلاحات سياسية واجتماعية لها صفة الاستدامة وتتطلب هذه الاستراتيجية لتغيير الأوضاع دون عنف تتطلب قوى اجتماعية ذات بأس – أعني حركات اجتماعية "للعمال والفقراء والمرأة والشباب والطلاب والحركات الديمقراطية الأوسع" أو أحزاب سياسية حقيقية يمكن ان تتحدى السلطات السياسية وايجاد قاعدة عريضة لمطالبها. ان فكرة وجود شرق أوسط له ظروف استثنائية ليست فكرة جديدة, فالمحق ان التغير في مجتمعات الشرق الأوسط قد تمت مقاربته لفترات طويلة عبر النظرة الاستشراقية الغربية والتي يرجع تاريخها للقرن الثامن عشر ان لم يكن اسبق عن ذلك ولقد مال التيار الرئيسي في النزعة الاستشراقية الى وصف الجزء المسلم عن الشرق الأوسط على أنه يميل الى الحكم الأحادي, وهو في جوهره ساكن أو آسن, ومن ثم فإنه يشكل كياناً خاصاً, وبالتركيز على فكرة ضيقة "استاتيكية" للثقافة وهي فكرة تعمم على الاسلام – يتم تصوير مجتمعات الشرق الأوسط في ضوء فكرة الصيرورة التاريخية "الديمومة" وليس فكرة التغير. ولكن الشرق الأوسط كان في الحقيقة مسرحاً لسلسلة من الانتفاضات والثورات والحركات الاجتماعية مثل "الحركة الاسلامية" التي سرت في الأمة بأسرها, كما شهد خطوات واسعة نحو التغير, ولقد ظهرت في المنطقة بجانب هذه التغييرات بعض الصور المتميزة وغير التقليدية من الفعل والنشاط السياسي وهي انشطة لم تحظ بانتباه كبير وذلك بسبب أنها لا تتلاءم مع المقولات النظرية على هذه الصور والتي أطلق عليها اللا حركات اجتماعية.

اللا حركات

يقول آصف بيات تحت عنوان اللا حركات الاجتماعية "على الرغم من وجود بعض الادعاءات المبالغ فيها لأطروحة العولمة "القول بالدور المنزوي للدول القومية وتحطيم الحدود بين الدول وتشابه اساليب الحياة والثقافات والنظم السياسية الى أجزاء" على الرغم من ذلك فثمة اتفاق على ان اقتصاديات العولمة التي تتكون من نظام عالمي للسوق وتراكم مرن وتعميق مالي, كان لها تأثير عميق الجذور على مجتمعات ما بعد الاستعمار" ان احدى النتائج الأساسية لإعادة الهيكلة وفقاً لمباديء العولمة في المجتمعات النامية تمثلت في عملية مزدوجة يظهر فيها التكامل من ناحية والاستبعاد والتحول الى القطاع غير الرسمي من ناحية أخرى. ويضيف "بيات" ان اعادة البناء العولمي في السنوات الأخيرة قد أدى الى توسيعها وامتدادها ففي أثناء الأزمة الاقتصادية في عام 1998م فقد حوالي "2" مليون نسمة أعمالهم في كوريا الجنوبية وصل الى ثلاثة مليون نسمة أعمالهم في تايلاند وعشرة ملايين في اندونيسيا. ان الجديد في هذه الحقبة هو ظهور عملية التهميش بين قطاعات عريضة من الطبقات الوسطى فلم تعد الخصائص التي كانت تلصق بالفقر التقليدي مثل سكنى المناطق المزدحمة والعمل الموسمي والعمل المتجول في الشوارع, والعمل اليومي, لم تعد كل هذه الخصائص مقصورة على الفقراء انتشرت بين الشباب المتعلم الذي ينتمي الى مكانات أعلى وله تطلعات أعلى وانتشرت أيضاً بين الموظفين الحكوميين من أصحاب المهارات والمدرسين وأصحاب المهن المتخصصة. والسؤال الآن والحديث للمفكر آصف بيات, كيف تأثر هذا النمو الذي ظهر بين سكان الحضر في العالم الثالث بالعمليات الاقتصادية والاجتماعية الأوسع والتي أثرت في حياتهم؟ يذهب اولئك الذين يتحدثون من منظور العولمة الى ان النمو الاقتصادي الوطني سوف يعوض على المدى الطويل التضحيات الحتمية التي يقدمها الفقراء في المرحلة الانتقالية وفي نفس الوقت فقد تم تشجيع الصناديق الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني ومساعدات الطواريء على خلق عمل والمساهمة في البرامج الاجتماعية التي تستهدف رفع المعاناة ومن ثم تقلل من المصادر المحتملة لعدم الاستقرار الاجتماعي وفي الواقع فان البعض يرى في ازدهار منظمات المجتمع المدني في دول الجنوب منذ الثمانيات مؤشراً على تنامي النزعة النشاطية المنظمة والمؤسسات الشعبية التي تستهدف التنمية الاجتماعية ومع ذلك فمع التسليم بأن نمو المنظمات غير الحكومية يختلف اختلافاً ملحوظاً, فإن قدرتها على تحقيق تنظيم ديمقراطي مستقل للتنمية من أجل حل مشكلة الفقر, هذه القدرة قد تم المبالغة فيها بشكل عام.

ولقد أشار الكثيرون من أنصار اليسار الى عدد من الحركات التي تعبر عن ردود فعل محلية "والتي تعكس سياسات الهوية" كما يقول هؤلاء تتحدى العولمة  عن طريق تبني التكنولوجيات التي توفرها العولمة. فإننا قد نذهب الى القول بأن إعادة البناء الجديد للعولمة يعيد انتاج صور من الواقع "الجماعات المهمشة وغير المنظمة مثل الفئات المحرومة من الطبقة الوسطى والعاطلين عن العمل والعمال الموسميين والعمال الذين يبيعون الأطعمة في الشوارع وأطفال الشوارع" كما يعيد انتاج فضاء اجتماعياً, ومن ثم صوراً من النضالات السياسية لا تستطيع النظريات المعاصرة ان تفسرها في حد ذاتها. ويمضي "بيات" الى القول ومن هنا فإنني اقترح نظرة بديلة – ما اطلق عليه الزحف الهادي – وهو ما يمكن ان يكون اكثر قدرة على تفسير النشاطية Activism من جانب الجهات المهمشة في المدن في مجتمعات ما بعد الاستعمار ويشير مفهوم الزحف الهادي الى الأفعال غير الجمعية المباشرة التي تتسم بالنفس الطويل. ويرجع الاهتمام السوسيولوجي بقضية الهامشية الحضرية الى أوروبا في بداية القرن التاسع عشر فقد حظيت المشكلات المتعلقة بالحضر "مثل مشكلات الجريمة والظروف الداخلية للمدينة والبطالة والازدواجية الثقافية. حظيت هذه المشكلات بمعالجة علمية من جماعة العلوم الاجتماعية فقد تعامل "جورج زمل" بعنوان "الغريب" تعامل مع الخصائص النفسية/ الاجتماعية للسكان الحضر الجدد كما اهتم دوركايم اهتماماً خاصاً بحالة "الأنومي" لديهم ولقد ألهمت مثل هذه التصورات العمل الذي قدمته مدرسة "شيكاغو" في علم الاجتماع والدراسة الحضرية بالولايات المتحدة الأمريكية أثناء حقبتي العشرينيات والثلاثينيات حيث عملت مدرسة شيكاغو معملاً لدراسة السلوك للكثير من المهاجرين اليها من عرقيات مختلفة وفي ضوء هذه المدرسة وعلى عكس انصار النزعة الوظيفية من مدرسة شيكاغو لم يأخذ التيار الرئيسي لأصحاب النزعة الماركسية, لم يأخذ هذه القضية مأخذاً جاداً فقد أهملت فقراء الحضر وكما لاحظ "هال دربر" فان ذلك قد أدى الى سلسلة لا متناهية من سوء الفهم وسوء التفسير. لقد فتح نقاد النماذج النظرية حول ثقافة الفقر, والفقراء السلبيون, الأفق لتطوير نظرة ظهر فيها المهمشون الحضريون فاعلين سياسين وهو ما أطلق عليه وجهة نظر الحركة الحضرية الاقليمية. فالفقراء يشاركون ليس فقط في الممارسات السياسية الحزبية والانتخابات والأنشطة الاقتصادية الرئيسية ولكنهم يشاركون أيضاً في تنظيم حركاتهم الاجتماعية داخل حدودهم الاقليمية, لذلك فإن الروابط التي يقيمونها في المجتمع المحلي والتنظيمات التي تخدم المستهلكين ومشروعات المطابخ التي تزود الفقراء بالطعام وجماعات الدعم لسكان المناطق العشوائية, تفهم جميعاً على انها تكشف عن وجود حركات منظمة لها حدود معروفة يقوم بها الفقراء الذين يسعون الى تحول اجتماعي او تحرر اجتماعي او باقامة بديل عن طغيان الحداثة بعبارات "جون فردمان", فالفقراء يسعون في انشطة حياتهم اليومية الى النضال من اجل اقتسام الخدمات الحضرية او الاستهلاك الجمعي. ويقول "بيات" ومن نافلة القول ان المجتمعات الحضرية لا تشكل نقاطاً بيضاء خالية من التفاعل الاجتماعي فهي بالتأكيد تشكل كيانات اكبر من القرى الصغيرة تكون اكثر عرضة لنمو الفردية والتنافس والتباعد الحضري. فغالباً ما تميل الأسر من جميع الطبقات الى التنافس عندما تكون الموارد نادرة ويظهر ذلك على وجه الخصوص في المجتمعات المحلية الجديدة الخصوص في المجتمعات المحلية الجديدة وغير المتجانسة اكثر من ظهوره في الأحياء القديمة في المدينة القديمة حيث يعمل التجانس النسبي للسكان والعيش المشترك لمدة طويلة الى خلق هوية مكانية.

اشتمل كتاب "الحياة سياسة – كيف يغير بسطاء الناس الشرق الأوسط" على دراسة في أبوابها عديد من الأفكار في قراءة واقع الشرق الأوسط وعناوين تظهر مقدرات الكاتب في سبر غور هذه المجتمعات الشرق الأوسطية منها – النسوية في الحياة اليومية – استعادة الشبابية.

سياسات الشارع والشارع السياسي

تحت هذا العنوان يسرد المفكر الأمريكي "آصف بيات" سرودات ترتبط بالحياة العادية في الشرق الأوسط اذ يؤكد انه من الواضح ان الثورات ليست مواقف استثنائية من صور التمرد وتغيير النظام, كما انها ليست لحظات من الجنون كما يطلق عليها كما ان الثوار ليسوا هم الفاعلين الواضحين للعيان في الشارع, فهناك الملايين الذين يعطون في الكواليس الخلفية في هذه الدراما البالغة التعقيد, العمال, المصانع, الفلاحون المعدمون في الحقول التلاميذ في المدارس. ان الشوارع بحكم طبيعتها تعد مسرحاً حضرياً حديثاً للتعبير بامتياز عن الاحتجاج, ونحن فقط نحتاج الى أن نتذكر الدور الذي لعبه الشارع في تلك اللحظات الحاسمة في الثورة الفرنسية وفي الحركات العمالية في القرن التاسع عشر وصور النضال ضد الاستعمار وحركة معاداة الحرب ضد فيتنام في الولايات المتحدة. ان الشارع هو المكان الرئيسي للممارسات السياسية للناس العاديين اولئك الذين يغيبون بنائياً عن مراكز القوى النظامية وبالتالي يشكل الشارع حيزاً اجتماعياً ومكانياً ساكناً ومتحركاً لأهل البيت والغرباء وللمرئي والمسموع, هو يشكل كياناً معقداً تتشكل فيه المشاعر والآراء وتنتشر ويتم التعبير عنها بطريقة فريدة ان العنصر المكاني في سياسة الشارع يميزه عن الاضرابات والاعتصامات ذلك ان الشوارع ليست هي المكان الذي يحتج فيه الناس, ولكنه ايضاً المكان الذي يمكنهم ان يمتدوا باحتجاجاتهم خارج نطاق دائرتهم. وكذلك اشتمل الكتاب في باب سياسات الشارع, عناويناً فرعية مثل "هل من ايكلوجيا حضارية للاسلام الثوري" "اللا صمت واللا عنف – المسيرة ما بعد الاسلاموية" اذ يقول "آصف بيات" ان الجدل هو الفشل الديمقراطي في الشرق الأوسط ليس جديداً بحال ان الجديد هو الاهتمام الكبير بالاسلام كعامل يقال دائماً انه يعطل الاصلاح الديمقراطي وأود هنا ان افترض ان القضية التي تثار على نحو يشي بتعمد واستمرار لا ترتبط بما اذا كان الاسلام يقف مع الديمقراطية "وهي نفسها مفهوم غامض" من عدمه ولكنها ترتبط بالطريقة أو الظروف التي يستطيع المسلمون من خلاها ان يجعلوا الاسلام يستوعب الأخلاق الديمقراطية فليس هناك من خصائص داخلية في الاسلام أو في أي ديانة أخرى تجعله ديمقراطياً أو غير ديمقراطي أو تجعله سلمياً أو عنيفاً ان ذلك يعتمد على الطرق المعقدة التي يفهم بها صاحب العقيدة عقائده والطريقة التي ينظم بها هذه العقائد ويعيش من خلالها.

هوامش:

يقع كتاب "الحياة سياسة  في 604صفحة  وصدر عن المركز القومي للترجمة – مصر ترجمة عالم الاجتماع الدكتور "أحمد زايد" – الطبعة الأولى – 2014م اهداء الكتاب للعالم والمؤرخ البريطاني "إريك هوبسباوم" صاحب كتب "عصر الرأسمال" وعصر الثورات.