واسيني الاعرج يكتب قصة مولده

واسيني الاعرج يكتب قصة مولده قصة ولادة واسيني الأعرج الخامسة صباحا. إنه يوم الأحد 08-08-1954، صباح يوم عيد الأضحى. العائلة تتحرك بسرعة في الحوش الواسع. جدي محمد يحضّر أضحية العيد، قبل ذهابه للصلاة في جامع العائلة الصغير، حيث يلتقي أعمامي وأبناءهم الكبار

واسيني الاعرج يكتب قصة مولده

واسيني الاعرج يكتب قصة مولده


قصة ولادة

واسيني الأعرج

 

 

 


الخامسة صباحا.
إنه يوم الأحد 08-08-1954، صباح يوم عيد الأضحى.
العائلة تتحرك بسرعة في الحوش الواسع. جدي محمد يحضّر أضحية العيد، قبل ذهابه للصلاة في جامع العائلة الصغير، حيث يلتقي أعمامي وأبناءهم الكبار. جدتي حنّا فاطنة تتحرك في البيت. تنظر إلى أمي التي كانت تتألم من شدة المخاض، لكن مرتاحة لوصول حنّا ربيحة، القابلة التي جيء بها من بيتها. يقال إن كل من وُلد على يديها، حمل قليلا من صفتها: الغضب السريع. وأنا مازلت في رحم أمي، أمزق الأغشية للتحرر النهائي والخروج. أمي تقصص رؤيتها على حنا ربيحة وحنّا فاطنة وزوجة عمي أحمد،  عمتي زينب، ونينوت وميميت، وغيرهن: البارح فقط جاءني، سيد امحمد الواسيني. كان يمتطي حصابا أبيض. كان يرتدي هو برنسا من الحرير الأبيض الصافي الذي يلمع تحت الأشعة كأنه فضة. في البداية سمعت دقا على الباب، ظننته ميما فاطنة تتهيأ للوضوء كعادتها. كان المخاض قد بدأني في شكل لسعات متواترة تحرمني من النوم المستمر. كثر الدق، فقمت من مكاني وذهبت نحو الباب الخارجية. فتحها. أصبت بالعمى للحظة، لم أر شيئا من شدة النور. أغمضت تلقائيا عيني ثم شيئا فشيئا بدأت أفتحهما، فرأيت رجلا وسيما، طويلا، تغلب على ملامحه شقرة ساحرة، على وجهه ابتسامة هادئة. كان ممشوقا كرمح على حصانه. قال: هل عرفتني يا لالة ميزار؟ قلتُ: ومن لا يعرفك يا مولاي. سيدي امحمد الواسيني. نزل ثم قبّل رأسي. قال: كنت أعرف أن حواسي لا تخطيء. جئت أبشرك بذكر، بعد محمد الذي توفي في شهره الأول، وخيرة، وزليخة، وزهور وحسن. ذكر، كم حلمت به ليستقيم أمرك في العائلة. انحينيت تقول أمي، وكدت أقبل رجليه: من بركتك يا مولاي. ثم استقام أكثر وقال بشكل أكثر صرامة: عندي شرط واحد، أن يحمل المولود اسمي إلى الأبد، وإذا لم يتم ذلك سأعود في اليوم، لآخذه وأطير به بعيدا. قالت حنا فاطنة، وتبعتها حنا ربيحة: من بركات سيدي امحمد الواسيني.

 

 

 


بدأت أمي تتوجع. شدت على الحبل بقوة. وضعت حنا ربيحة بين أسنانها قطعة كتان، وطلبت منها أن تضغط عليها بقوة كلما شعرت بالألم. الجنين لا يخرج، كأنه انقلب ويريد أن يخرج برجليه، الأمر الذي يعني الموت المؤكد له ولأمه. تحاول حنا ربيحة أن تعدل من وضعه بحركاتها التي تعرفها وحدها. ميراثها الكبير أن لا امرأة ولا مولودا ماتوا  بين يديها. هنا لا مستشفى. النساء تلدن في البيوت، والكثيرات كنّ قابلات أنفسهن.
تضغط حنا ربيحة على البطن وتدفع من تحت لتسوية وضعية الجنين. أمي تعرق. تريد أن ترتاح. تصر حنا ربيحة: ليس الآن حتى تتعدل وضعية الجنين. أخيرا يأتي الفرج. قالت حنا ربيحة: يمكنك الآن لالة ميزار أن ترتاحي قليلا. تعاود أمي من جديد. تشد على الحبل وتدفع بكل قواها. فجأة تختلط صرختها بصرختي. تمد حنا ربيحة وتقطع السرة بالسكينة الحادة. أخيرا انفصلت عن أمي. مررت حنا ربيحة كتانة بيضاء على كل جسدي قبل أن تغسلني في إناء الماء الدافئ الذي أتتها به ميميت. ثم وضعتني داخل قماط أبيض كما عادة أهل القرية ولفت حوله خيطا من الصوف مختوما بودعات شنشنت عندما انتهت من تقميطي، ثم منحتني لأمي وهي تضحك:
- ها هو الواسيني اللي حب يخرج برجليه مش برأسه. ربي يجعل منه خيرا لأهله وذويه ولكل من يريد خيرا للناس.
عذرا يا أجمل وأبهى خلق الله. يا أمي. ليس عيد ميلادي، لكنه عيد نجاتك من موت كاد أن يسرقك بسببي.
أبي هناك، في أراضي الغربة، في باريس وضواحيها. كان لديه ما يشغله كما كل الرجال. لا أعتقد أن انينها وخوفها وصله. كان في غمرة العمل والاستمتاع  بما يمكن أن تمنحه له الحياة.
على الرغم من عزلة الدشرة، كان الناس متضامنين، والنساء أكثر.
عاد جدي من صلاة العيد. سمع الزغاريد، فأدرك أن المولود ذكر. قال: آتوني بالأضحية سأسميه على بركة الله: عيد. تبعا لتقليد المنطقة. من يولد في شهر رمضان، يسمى رمضان، من يولد في يوم العيد فهو عيد، ما بين العيدين، فهو بلعيد، ومن ولد في فصل الربيع فهو ربيع... صرخت أمي: قولوا له يتريث حتى أقصص عليه ما رأيته في الحلم. عندما سمع قصتها، قال ليكن. ما دام الأمر يتعلق بسيدي امحمد الواسيني. سنسميه على بركة الله: الواسيني، وذبح الأضحية.
شكرا يا جدي أنت اللي راسك عاصي، كما يُحكى عنك، قبلتَ من أمي طلبها ووافقتَ على رؤيتها ولم تسمّني عيدْ. ماذا لو أسميتني عيدْ؟ أشياء كثيرة كانت ستتغير فيّ، لا أعرف كيف؟ ربما لكنت شخصا آخر.
لكل اسم قدره. وأنا سعيد برؤية أمي وقدري.  
لك قلبي يا أمي في هذا الصباح الذي نزلت فيه إلى الحياة. لروحك الرحمة والسلام. لم تتغير علاقتنا طوال عمرك الجميل. فقد بقيتُ الطفل دوما في عينيك، الذي تخافين عليه، وتوصيه كلما ركب سيارته، قبل أن تقبليه في عنقه بحنان: لا تغب كثيرا حبيبي. عد بسرعة. ولا تثق في البشر كثيرا. خفّف من طيبك. أكاد أقول لها تربيتك يا أمي.
ثم أمضي.