معاوية محمد نور والبحث عن أعماله ------------------------ بقلم : شريف محمد شريف
معاوية محمد نور
والبحث عن أعماله
------------------------
بقلم : شريف محمد شريف
".. ولكن من هو المفكر ؟ هو ذلك الشخص الذي يرى حيثما لا يرى الآخرون ، والذي لا تقع عينه على خلاف ما تقع عليه الأعين ، غير أنه يرى فيها ما لا يراه بقية الناظرين " .
معاويه محمد نور
(1909 - 1941م)
أضناني البحث عن مجموع الأعمال الأدبية لمعاوية محمد نور ، وقد قرأت له من قبل شذراً من أعماله ، حتى التقيت بالأخ (معاذ أمين) عرضاً ذات ليلة سابقة من ليالي هذا الشهر المعظم (شهر رمضان) ، وكان هذا اللقاء أوَّل لقاء لي به وتعرّفي عليه ، ودار بيننا أنس ثقافي وسياسي أشرت فيه إلى معاوية محمد نور ، ومن ضمن ما قلت في إشارتي لمعاوية أنني أبحث عن الكتاب الذي جمعه وأعدَّه للنشر الأستاذ رشيد عثمان خالد (إبن أخت معاوية) والذي جاء بعنوان (الأعمال الأدبية لمعاوية محمد نور) ، فوعدني بإعارتي هذا الكنز الثمين الذي كنت أبحث عنه ، وبالفعل أرسله إليَّ بعد أيام عن طريق الصديق المشترك بيننا (أشرف عبدالودود) ، والذي جمعنا ، لكلاهما شُكرٌ جزيل ومبين .
وقد ظللت ابحث عن الكتاب لحين من الدهر قد طال ، وزرعت من أجله السوق العربي (معظم المكتبات وفرِّيشي الكتب) جيئةً وذهاباً ، بحثاً عنه ، وهذا لشيئ مؤسف ومحزن ان تبحث عن مجموع الأعمال الأدبية لاديب فريد وفذ ، يمثل أحد أنجم بلادك وشهبها النيازك ، بل أكثر من ذلك إن معاوية إستحق بجدارة ان يطلق عليه لقب شهيد الاستنارة في السودان ، وهو عندي نموذجٌ لعبقرية العمر القصير !!.
وعدت صاحب الكتاب باسترداد كتابه إليه بعد عمل نسخة منه وانا على وعدي له حفيظ ، بيَّدَ أنَّه سرَّني لقاءه وكتابه ، وما أعظم عندي ان أجد كتاباً ابحث عنه عند أحد فاحرص على عمل نسخة لي دون أن أأخذ اصل الكتاب من صاحبه ، لاني اعلم ما يعنيه الكتاب الجيد عند صاحبه "الخل الوفي للكتاب" والذي أيضاً يكون من ذوي العشق المعرفي ، ولتفادي مقولة (أحْمَقانِ .. مُعِيرَ كتابٍ و مُرِدَّه) ، وأيضا حتى لا تضيع خَصلة الإيثار وقيم المروءة بين القراء في تبادل أندر الكتب - أجودها وأعظمها فائدة ، وفي ظل التصحر الثقافي والكتابي الذي تعاني منه بلادنا علينا أن نشجع بعضنا البعض بالقراءة وإشاعة الكتاب والايمان بشيوعيته لدفع حركة الثقافة والكتاب ببلادنا وجعل (الخرطوم تقرأ) ، وتكتب وتطبع .
حصولي على الكتاب مع تباشير عيد الفطر المبارك ، جعلني اتخذ قراراً بأن يكون قراءة هذا الكتاب على ضخامته حساً ومعنًى خلال أيام العيد الثلاث هو عيدي وفرحتي ، وإذا كان البروف عبدالله الطيب قد قال عن العيد في السودان "العيد أهل" ، فالعيد عندي كتابٌ جديد ومفيد أقرأه ، أخاطب به عقلي وأغذِّي به روحي ، وخيرُ جليس في الأنام كتاب .
وعليه أتمنى عيداً سعيداً للجميع ، وكل عام وانتم بخير ، وبلادنا قد عادت إليها حريتها وديمقراطيتها وكرامة انسانها وحقوق مواطنيها ، ومن أجل ذلك فليعمل الأذكياء والاوفياء من أبناء شعبنا .. وأولّ العمل وأوجبه إشعال الثورة الفكرية التي تنتج الثورة الثقافية ، حيث إلتقاء الفكر بالواقع ، حيث التغيير السياسي المنشود واهدافه المحققة والمستدامة التحقق ، الباعثة للحياة والدافعة للعيش فيها برغبة وطلاوة ..
رجائي يا بني وطني الأعزاء ، الثورة السياسية لا تقوم ولاتبنى على قلاع الجهل والتخلف والأمية ، والمنظومة المجتمعية والقيمية البالية .. إن السبيل الصحيح والوحيد إليها يكون بالفكر الحر والمستقيم على المبادئ الإنسانية ، الفكر أولاً وقبل كل شيئ ، الفكر إكسير الحياة .
في مصر الثلاثينات التقى أديبنا معاوية بالاستاذ عباس محمود العقّاد ، والذي رّحب به واصطفاه ، ودعمه وشجّعه ، وضمّه إلى مجموعته ، وتحسر لاحقا لوفاة معاوية المبكرة ، ناعياً إياه بقوله : "لو عاش معاوية لكان نجماً مفرداً في سماء الفكر العربي"
إحتفاء العقّاد بمعاوية لم يأت من فراغ ، وليس محض تفضّل او تكرم منه ، وإنما لان معاوية كان يستحق ذلك بجدارة ، إذ كان واسع الاطلاع ، غزير المعرفة ، ثاقب الرأي ، أصيلاً معتدّّاً بنفسه ، أكثر من ذلك وما يميزه أنَّه لم يشعر بدونية تجاه أحد ، ولم يكن يتهيب الأسماء والاعلام الكبيرة ناقداً لها وكاتباً ندَّاً ، وكان دائما على أهبة الاستعداد والمواجهة بشكل مبدئي وموضوعي ، لم ينزوي أو يتراجع أمام أحد من كبار عصره ، في طرح الرؤى والمواضيع وإثارة القضايا ، وحوارهم ومناقشة انتاجهم الفكري والأدبي ، وإصدار الأحكام النقدية على أعمالهم .. مثل نقده لطه حسين وقوله له : ليس هذا الذي ينتظر من زعيم نهضة ؟!.
بعد وفاته احتفل أدباء السودان بتابينه ، وأرسل العقّاد قصيدة رثاء كتبها في معاوية بعنوان (الشهيد معاوية) لتلقى في يوم تأبينه .
أوصى العقّاد في رثائه لمعاوية ، أن لا نضن بذكره ، ونحن لن نضن بذكره وفكره ، ولن نغفو عن تذكاره ونقصر عن اقتدائه - كشباب السودان اليوم - وما أشد حوجتنا لمثله مَثلاً وفكراً ومساراً ، ولقد كنت أرغب في زيارة قبره ولكني علمت من العم العزيز بروف معاوية الدرديري باندثار مقبرته ، وهو يمت بصلة رحم قريبة لاديبنا معاوية ، تالمت لذلك الاندثار والذي ينبئ بعدم الاحتفاء المطلوب .. وعزيت نفسي بالقول الماثور (خير القبور الدواثر) ، على اي حال سيمتد ذكرنَا ووفاءَنا لاديبنا معاوية ، ونأمل لبلادنا أن تكون على المستوى الرسمي أكثر وفاءً ، وأكثر تقديراً ، حتى لا تصبح مثل أورشليم قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين .
أحسن ما نختم به هذه السياحة القصيرة ، في البحث عن أعمال معاوية الأدبية ، وشذرات من سيرته الذاتية ، ثلاث أبيات اخترتها من قصيدة رثاء الأستاذ عباس محمود العقاد لأديبنا معاوية :
بكائي على ذاك الشباب الذي ذوى .. وأغصانه تختال في الروض ناميـة
تبينت فيه الخلد يوم رأيته .. وما بان لي أن المنية آتيهْ
ويا عارفيــه لا تضنوا بذكره .. ففي الذكر رجعى من يد الموت ناجية
________________
30 - أبريل - 2022م