ناقشه كتاب ونقاد من السودان والمغرب
ناقشه كتاب ونقاد من السودان والمغرب ظاهرة إنتحار بعض المبدعين وأسئلة الحياة أجراه – محمد نجيب محمد علي تطرح ظاهرة انتحار بعض المبدعين الكثير من الأسئلة، هل الدوافع إلى ذلك وجودية أو فلسفية أو ذات بعد سيكولوجي وما علاقة كل ذلك بالكتابة، ولماذا يشكو أغلب المبدعين من عذاب الكتابة؟ قال يوما الشاعر والمفكر السوداني التجاني سعيد: إذا رأيت مبدعا أو شاعرا سعيدا في حياته فاعلم أنه ليس بمبدع أو شاعر. لماذا لا يسعد المبدعون في حياتهم وأينما التفتنا نجد قصة انتحار مبدع؟ تناولت " كليك توبرس" الظاهرة من خلال إفادات عدد من كتاب ونقاد السودان والمغرب وكانت هذه الحصيلة
ناقشه كتاب ونقاد من السودان والمغرب
ظاهرة إنتحار بعض المبدعين وأسئلة الحياة
أجراه – محمد نجيب محمد علي
تطرح ظاهرة انتحار بعض المبدعين الكثير من الأسئلة، هل الدوافع إلى ذلك وجودية أو فلسفية أو ذات بعد سيكولوجي وما علاقة كل ذلك بالكتابة، ولماذا يشكو أغلب المبدعين من عذاب الكتابة؟ قال يوما الشاعر والمفكر السوداني التجاني سعيد: إذا رأيت مبدعا أو شاعرا سعيدا في حياته فاعلم أنه ليس بمبدع أو شاعر. لماذا لا يسعد المبدعون في حياتهم وأينما التفتنا نجد قصة انتحار مبدع؟ تناولت " كليك توبرس" الظاهرة من خلال إفادات عدد من كتاب ونقاد السودان والمغرب وكانت هذه الحصيلة
اليأس
يقول الناقد المغربي إدريس زايدي الموت كفعل ليس سوى تتويج لموت متلاحق، والذي يمكن نعته باليأس. وإشكالية اليأس كتجلّ في الكتابة هي من جنس التجربة التي يعيشها الإنسان، وهي التجربة التي تبحث عن معادل لها كرؤيا تستشرف الآتي . فما معنى أن نكتب إذا لم نجعل من الكتابة تمردا بالمعنى التجاوزي، وهو ما يجعل الشعور باليأس حالة إبداعية تستجيب للإبداعي أكثر من الواقع الكائن وإلا صارت الكتابة ذلك الفرح العابر. بينما تري القاصة والروائية السودانية سارة عبدالمنعم أن المبدع معبأ بالإحساس الذي يقوده لحساسية مفرطة لتقبل واقعه، باختلاف رؤياه عن الشخص (الطبيعي)، أي أن المبدع مجنون بأشياء يتميز بها ، وتضيف أن اليأس هو ما يدعو للانتحار، كفقدان النجومية، تقدم العمر الذي يفتقد لصحة وعافيه وعطاء ماضيه، أو شعوره أن كل ما جاهد لأجل إثباته ضاع سدي دون أن يشعر به أحد ولو بقليل تقييم وشعور،وتضيف عبد المنعم أن إنتحار المبدع ، فكرة تأخذ منحني الجنون بمعني فقدان عقل الاختيار، أو حالة اكتئاب ويأس من ضغوط نفسية لا يحتملها إلإحساس المرهف. ويري الروائي السوداني جمال الدين علي إلي أن علاقة الانسان بالموت وغيرها من نوافذ الأسئلة الجدلية والفلسفية التي فتحت بعيدا عن الدخول فيما يعتقده الناس .فذاك أمر يخص قناعات الشخص وعلاقته بربه. ولكن يبرز سؤال هنا. من الذي يهب الحياة؟ وبالمقابل من الذي يقرر أخذها؟ وهل للشخص المتمتع بهذه الهبة الحق في ارجاعها للواهب اذا أحس أنه لم يستفد منها بالقدر المرضي أو لأنه تشبع منها واكتفى ولم يعد بحاجة الى العيش لأنه لا يضمن أن بعيش أحسن من الأوقات التي عاشها؟.ويضيف علي الحاج أن الانسان بفطرته التي خلقه الله عليها كائن يحب الحياة بل يقبل عليها بغية الخلود وذلك الخلود يتمثل في أمور كثيرة الخلود في الملك. السلطة. النجومية. ومن هنا يدخل الشيطان كما دخل من قبل لأبوينا. وأظن ان اللحظة التي يقرر فيها الانسان التخلي عن هبة الحياة واعادتها للواهب هي لحظة يبحث فيها الانسان عن الخلود في عالم آخر مع ناس آخرين في حياة أخرى تضافرت عوامل كثيرة لوصوله لتلك القناعة أهمها احساسه أنه اختار هذه الحياة التي هو مقبل عليها و لا يعرف عنها شيئا. اذن الانسان الطبيعي الذي يفر من الموت كما يفر المعافى من الأجرب والذي تلتف ساقه لحظة خروج الروح حتى لا يهرب. هذا الانسان بهذا الضعف والجبن عن مواجهة العدو الأول حينما يفر بالاتجاه المعاكس. نحو الموت فهو اما شجاع لحد الفدائية أو جبان لحد التوقف عن الركض مثلما يفعل حمار الوحش حين يزأر بوجهه الأسد. قد يكون الانتحار بكلمة أو موقف أو تخلي عن طموح وآمال وغايات ويظل الانسان يتنفس مثل تساقط الأوراق و الشعر أو الخلايا الجلدية. وجميعها تدعو لحياة جديدة. وتحدث يوميا الاف المرات ولا نحس بها. ولكن خروج الروح عن الجسد للمنتحر فذاك احساس يعرفه فقط الشخص المنتحر ويترك لنا عديد التساؤلات الخالدة.
جدلية الحياة
وتقول الشاعرة المغربية نعمة ابن حلام أن الرغبة في الاستمرار تنعدم حين يغيب المعنى بغض النظر عن الوازع الديني الذي حرم قتل النفس، فان أسباب التمسك بالحياة تتلخص في شخص نحبه أو هدف نرجو الوصول إليه أو قضية ندافع عنها أو أي أمر يحبب إلينا الحياة ويمنحها المعنى، فإذا غاب المعنى تسلل اليأس ومات التفاؤل وفقدت الحياة طعمها.
ويقول الكاتب اميل سيوران: "لا ينتحر الا المتفائلون، المتفائلون الذين لم يعودوا قادرين على الاستمرار في التفاؤل، أما الآخرون، فلماذا يكون لهم مبرر للموت وهم لا يملكون مبررا للحياة؟" بذات الوقت فإن أيا من المبدعين الذين انتحروا لم يجب على سؤال لماذا انتحر وأي خلاص حققه بانتحاره وهل كان فعله بطولة أم خذلانا أم فشلا؟. قضية انتحار المبدع تستدعي البحث عن أبعادها الفكرية والأخلاقية والنفسية، وكذلك البحث في علاقتها بالكتابة، وماهي الكتابة، وما هو الإبداع، هل هو نوع من الجنون أم بحث عن الخلاص أم تورط في جدلية الحياة والموت، كذلك ما هو مفهوم الجنون، هل له علاقة بالعزل الفيزيائي والإجتماعي كما جاء عند فوكو، أم يتداخل مع الحمق والبلاهة مما ينتج عنه رفع التكليف كما في الثقافة العربية، أم أنه جرعة زائدة للعبقرية والروح الخلاقة . أما الشاعر المغربي عبد الله فراجي فيرى أن موضوع انتحار المبدع جدير بالتوقف وقراءة رمزية الموت كموقف من الحياة وأمام الحياة. هل هو موقف لنقض الوجود؟ لرفض الحياة بلا تحكم ولا مسؤولية؟ هل الموت بداية التحرر من كل ما لم نقرره؟ هل هو خروج من الحياة نحو المطلق؟ هناك من يعتبر الموت شرا، وهناك من يراه بداية حياة أخرى كما تقول غالب الأديان. و سؤال الوجود والحياة أدى بالإنسان إلى الخوف من المستقبل، وطرح سؤال ما بعد عالم الحواس وكثير من المفكرين والمبدعين والفنانين مارسوا فعل التحرر من الحياة والكون، والذي يراه الكثيرون انتحارا، وفي ذلك إبداعات راقية، وفكر وجودي خاص بنكهة التحرر والانعتاق. بينما تقول الروائية نفيسة زين العابدين إلي أنها ترى أن المبدع شخص تختلف تركيبته النفسية والفكرية عن الشخص العادي ، إذ يري الأشياء بمنظور مختلف فيه من المثاليات وأيضا من الغرابة ما يؤثر في تعاطيه مع واقع الحياة المتواجد، والذي قد لا يعترف به المبدع ويلجأ إلي تبديله بعوالم تخصه وهنا يكمن تفرده وإبداعه. وهذا التفرد الذي يعيه هو ما يجعله يعاني في الأغلب حد اليأس كونه يعيش في وسط ربما لا يقيم أو يفهم أفكاره وإبداعه بطريقة ترضيه . وفي عالمنا العربي كمثال ، نجد أن المبدع قد يكون إبداعه سبب شقائه وربما اتهامه بالجنون أو الكفر أحيانا. لكن تظل ظاهرة انتحار المبدعين بصفة عامة غامضة، إذ ليست هناك أسباب واحدة ، فكل له دوافعه الشخصية والفلسفية التي جعلته يسعي لمقابلة الموت قبل ميعاده . لكن تلك الدوافع تكتنفها تأملات فلسفية وروحانية وتفكير في ماهية الموت وماذا يحمل وما الجديد في الحياة الأخري
الموت المأساوي
وتناولت الناقدة الدكتورة لمياء شمت ما ذكره محمد أحمد يحيى في مؤلفه " أبو ذكري أخذ زهور حياته ورحل "، حيث أفرد مساحة لتناول ظاهرة الانتحار ودوافعها وارتباطها باليأس والاكتئاب العصابي، ونوازع السلوك التدميري للذات. ووقف عند خصوصية الظاهرة في أوساط المبدعين بحكم حساسيتهم المختلفة، وعمق حسهم ووعيهم ورؤاهم. وذكرت كيف تطرق الكاتب لانحياز نيتشه للانتحار ضمن تعريفه للموت الطبيعي العبوس، والموت الإرادي الظافر، واعترافه لاحقا بأنه قد حاول الانتحار دون جدوى. وكذلك ظهور الميول الانتحارية في روايات همنجواي، والاضطراب والتشوش الذي لون حياة فرجينيا وولف حتى تحول الاكتئاب والنفور إلى أعراض جسدية مقيمة. واستعرض حالة مايكوفسكي بجموحه ومصادمته، وما تعرض له من حملات موجهة أمعنت في نقده ومحاربته وعزله. كما تطرق لخليل حاوي ومعايشته للحرب ومحارقها الهائلة، ومعاصرته لحوادث اغتيال المبدعين التي خلفت لديه شعورا جارحا بالانكسار والغضب، فجنح للسوداوية والعزلة. وهناك المصرية أروى صالح وقصة عشقها لمثقف أجوف ظل يتشدق بالتقدمية، ويوسعها جراحا وخيبة. وشيبون السوداني الذي أمضه الجحود والنكران. وحاول، في الفصل الأخير من كتابه، الإجابة على سؤال لماذا انتحر أبو ذكرى استنادا على منجزه الإبداعي ومذكراته الشخصية وإفادات معاصريه، وحالة الاكتئاب العصابي الحاد التي صبغت كل تفاصيل حياته. ويري الدكتور المخرج والأستاذ الجامعي السوداني وجدي كامل أن الانتحار فعل تخلص ارادوي من الحياة. وقد يتم اتخاذ قرار الفعل في ثانية او سنوات. وحول إنتحار الشاعر السوداني عبد الرحيم ابوذكري قي موسكو يقول كامل للمصادفة الغريبة أن أبو ذكري كان معجبا بشعراء منتحرين هما ايسينين و مايكوفسكي، وكتب رسالة الدكتوراة في تشيخوف الذي مات باكرا في الأربعينيات من عمره. وفِي احدي زوايا كتاب محمد يحي عبد القادر "ابوذكرى أخذ زهور حياته ورحل"ذكر الكاتب انه عثر علي كتيبات في تعليم كيفية الانتحار . لكن الظروف التي تقود الناس الي الانتحار معروف عنها انها ذاتية وموضوعية ، ونحن ان كنت جاهلين بالظروف الذاتية العميقة والخاصة جدا بعبد الرحيم الا اننا علي علم ودراية ومعاناة مشتركة مع عبد الرحيم بالظروف الموضوعية التي تجعل اي أديب او فنان يفكر في الانتحار بما تتوفر من أسباب حرب وحروب تؤسس ضده في سياق الحياة السودانية وخاصة الأدباء والفنانين الباحثين اصحاب المشاريع والاحلام ، والضعف الاقتصادي للأديب والفنان في ظروف كظروفنا يضعه في ناصية المحرقة والمعاناة. وابوذكرى عاش علي الكفاف ولم يتزوج ورحل أعز أصدقائه الادباء في تلك الأوقات ومنهم عبد الحي وربما رأي عتمة ممتدة ومطلقة في ما يسمونه بالمستقبل الذي حضرويضيف كامل لم يخطر ببالي طيلة العلاقة به بان عبد الرحيم يمكن ان يختار نافذة للخروج من الحياة بتلك الطريقة التي جرت. عبد الرحيم كان رجلا هاديا وقليل الكلام ومحدود العلاقات وفِي ذلك ربما يكمن سوْال ماذا كان وراء تلك المحدودية في عالمه؟ هل ثمة عالم سري اخر يخفيه عبد الرحيم او عمل علي إخفائه ؟ أظن ذلك. كذلك أورد الناقد المغربي إدريس زايدي مثال الشاعر الشاب المغربي كريم حوماري الذي اختار عن سن 25 سنة أن يضع حدا لحياته شنقا في إحدى الواجهات البحرية لمدينة أصيلة، على سارية هناك في 4 مارس 1997.