سمح النبق في الطبق 

سمح النبق في الطبق  دوزنة  عزالدين ميرغني  يقول الفلاسفة قديما تكلم حتي أراك . وشيخنا الحكيم ود بدر يقول الكلام بخور الباطن . سواء أن كان طيبا , أم نتناً . فالإنسان لا يقاس بمظهره

سمح النبق في الطبق 

سمح النبق في الطبق 

دوزنة 

عزالدين ميرغني 

 

 

 

 


يقول الفلاسفة قديما تكلم حتي أراك . وشيخنا الحكيم ود بدر يقول الكلام بخور الباطن . سواء أن كان طيبا , أم نتناً . فالإنسان لا يقاس بمظهره , وانما بسلوكه , وما يقوله لسانه . واللسان هو الناطق الرسمي بشخصية الإنسان , وهو همزة الوصل بينه وبين الآخرين . وكلما كانت واضحة وبينة , كلما كانت منطقية ومقنعة للآخرين . فالعاطفة والمحبة تحتاجان وتمتازان بالمفردات الممتلئة بالحميمية الخاصة . أي الوعاء والشكل الخاص الذي يحملهما للآخر . وهذا الوعاء هو اللغة المفهومة المعبرة بتقنية الشفاهية وليس بتقنية اللغة المكتوبة . والكثير منا من لا يجيد التعبير الجيد عن عواطفهم تجاه الآخرين . والكثير منا مريض منذ الصغر بفقدان الحنان اللغوي . وفي علم النفس يمكن أن تكره منذ الصغر شخصا لم يسمعك كلاما طيبا , حتي ولوكان من أقرب الناس إليك ويقول علماء النفس أن التربية لغة لها خطابها العاطفي والتعليمي . وهي قد تؤثر سلبا أو ايجابا علي الطفل مدي الحياة . وهذا التأثير قد يكون من صمت الآخر أو من قسوة ألفاظه شتما أو بذاءة . وقد كان هتلر والحجاج بن يوسف وصدام حسين ضحايا هذه القسوة منذ الصغر . واللغة اذا كانت قاسية أو بذيئة تسمي في علم اللسانيات باللغة العاجزة . والعرب كانوا يقولون بأن فلان عيي اللسان , أي كثير الخطأ , ولا يستطيع التعبير الجيد عن دواخله . واللغة العاجزة , أو اللفظ العاجز كما كان يطلق عليه شيخ الشكرية وحكيمها ( أبو سن ) , وفي عاميتنا السودانية نطلق علي عاجز اللسان فلان ( التجم , والتوزة , وفلان طبٌاز , وفلان فولات ) . أي أن كلامه متفلت وغير منضبط . واللغة في النهاية هي حصيلة تربوية , واجتماعية , ونفسية . ورغم ثراء العامية السودانية وفصاحتها وقوة خطابها الاجتماعي فقد تعطلت ولم نستفيد منها في لغة التواصل اليومي . فلا نستخدمها في الشكر والحمد لمن يقدم لنا خدمة , فتجد الشاب يقوم من مقعده للمرأة ولمن هو أكبر منه سنا ويجلس دون ان يثني علي الخدمة التي قدمها له . وتجد من يلكزك بكوعه ولا يعتذر اليك . وهذا ما لم نتعلمه في طفولتنا . واللغة العاجزة قد تكون جاءتها هذه الصفة من ابهامها وغموضها والعجز في تبيانها وعرضها . وكثيرا ما أدت كلمة غير مفهومة الي سوء تفاهم وخصام قد يمتد طويلا . ( والله ماكنت قاصد ) . والخطاب اللغوي دائما يكشف عن ذكاء الفرد أو غبائه الاجتماعي . فالكرم وسماحة الأخلاق هي قبل كل شيء , هو فن الترحيب والبشاشة في وجه الآخر . وفي بلادنا وغيرها , قد أثٌرت كثيرا ثقافة الصورة علي اللغة الشفاهية فصار الشباب أكثر صمتا وغباء اجتماعي . وصاروا لا يجيدون حتي لغة الحب والعاطفة تجاه الجنس الآخر . وقد وضح ذلك جيدا في أشعارهم وأغانيهم الهابطة . وهي من نتائج اللغة المشلولة العاجزة . وهذا العجز اللغوي قد أثر كثيرا مع تعاملنا مع اللغة المكتوبة . فأغلبنا لا يلتفت لتاريخ الصلاحية في ما نشتريه , ولا لأي تعاليم مكتوبة , ولا نرقم شوارعنا وعماراتنا واحيائنا , ولا نتعامل جيدا مع أي تنبيهات في شوارعنا العامة . ولا نعرف فن الدعاية والتسويق . ولا تجد وزارة أو مؤسسة حكومية تتعامل مع الجمهور تسهل خطوات البداية والنهاية لتلك المعاملة . فيضيع الزمن والسؤال في تلك المكاتب التي يكرهها الجميع . وقد تأثرت جدا لغة الخطاب الرسمي والسياسي من عجز اللغة , فالحكومة اعلامها ضعيف وحزبها من أكبر الأحزاب في أفريقيا . فهي لا تعرف كيف تبرز انجازاتها , وكيف تبرر إخفاقاتها . وحدث مثل تحويل مجري نهر عطبرة وهو يدخل التاريخ , ويمر عاديا , ودولة صغيرة يمكن أن تحتفل به عاما كاملا . والمعارضة خطابها ضعيف حتي تقنع الآخرين بانها البديل الجاهز . فاذا لم يقنعني الآخر بالأحسن الذي عنده فإنني أفضل السيء الذي أعرفه ويعرفني وقد أغيره الي الأحسن . تأثرت حتي لغة الأدب بهذا العياء اللغوي , فضعف الخيال لان مخارجه هي اللغة , وضعفت الشعرية , لأن عمادها الجمال والفصاحة , وتاهت المقدرة السردية لأن ركيزتها الحكاية الشفاهية , ولذلك قلت منافساتنا في سباق الجوائز والمهرجانات الأدبية .
وصلة :-
ليس المسكين هو الذي لا يملك شيئا , وانما المسكين هو الذي لا يستفيد من ما يملكه .