سطور في ترشيد النقد ✓ حامد محضاوي

سطور في ترشيد النقد  ✓ حامد محضاوي

سطور في ترشيد النقد

✓ حامد محضاوي

 

 "القتل لا يهب حياة"

النقّاد الذين يمسكون السكاكين أو الورود، هم سواء في تأبيد القتل. التعامل مع المنجز الإبداعي عبر السكّين لا يشي بغير التقطيع والتقسيم على محمل جثة راكدة. هذا فعل جزّار يقوم بتحضير اللّحم لزبائنه، ذبحا، سلخا وتقطيعا. مثل من يحمل ورودا، يقتفي النص مجاملات وابتسامات وملامسات تزلّف وإغراء، كلّها تعاويذ لا أكثر. التخندق بصورة مسبقة رفضا أو قبولا، هو اختيار صاحبه ولا يمكن بعده إعطاء رجاحة للنقد او لمقالات تكتب في الغرض. لا يخفى على أحد التداخل والتنميط الذي ساد العمليّة النقدية، مما خلق بؤر توتّر ومناطق نزاع وتكتّلات في نطاق المشهد الفني. كل ما يدار كأنّه ينطق بمفاهيم سياسية لا فنيّة. النوازع الذاتيّة والأراء المسبقة لا يمكن أن يعتدّ بها في التفكيك والتأويل لأنّ _ببساطة_ معنى التفاعل ساقط من البدء. الولوج النقدي يجب أن يكون في ذات المنجز وإليه. كما أنّ المنجز لا يمكن اخضاعه للتشريح أو التقطيع بصورة آليّة طبيّة. المنجز هو خلجان وذاكرة ومعاجم وجغرافيا وتاريخ، خيال وواقع. كلّ هذا يتطلّب من الناقد مغامرة إبحار وليس وقوفا على مرفأ المتداول وربوة القول. للناقد ما عليه. منطق الفوقية وممارسة الساديّة أو التودّد كلاهما عملتان لتخريب وجه المنجز لا بيان احجياته ومغازيه.

الرؤية النمطيّة التي تراهن على المدارس بدل احجيات صاحب المنجز الإبداعي، أيضا تقبر مآلات التجديد والفعل الحيّ صلب الممارسة الفنيّة. اعتبار كلّ جديد خارجا عن التراتب الإبداعي بمنطق المدارس الفنيّة هو قول غير وظيفي، باعتبار أن الإبداع دائما يسبق التأصيل والمدرسة. أيضا ما يعتبر الآن مدارس وتوجّهات كان في البدء غريبا، مثلا قصيدة النثر، الشعر الحر..هي كانت في مواجهة السائد واستوت اليوم قائمة الذات، وغير هذا كثير في مختلف الأنماط الفنيّة. الأساس فهم أحجيات المبدع عبر منجزه وفك آليات اشتغاله، دون هذا يكون المجال فقط لاسقاطات سلفيّة ونمطية على رؤى الراهني والآتي. يبقى التّكرار واصباغ المنجز بما ليس فيه مجرّد طواحين هواء لا تنتج شيء.

مثل ما تطوّر الفعل الإبداعي في ارتباط بالمعطى المكاني والزماني، صلب الوقائع والأحداث، وخلق مدارس جديدة، وأسّس لها نحتا وهدما وتجريبا وتأصيلا. فإنّ النطاف النقدي يجب أن يتوثّب على نفسه أوّلا ويجترح معاليم جديدة في حضوره، ثانيا يكون قادرا على أن يكون إسفنجة تمتصّ الرؤية والعوالق والتجارب وتحايث الواقع، كي تبني عصارة مفاهيميّة ورؤى حيّة معاصرة. تمشي بالتوازي مع المنجز الفني وفي إرتباط بالواقع والتصدّع الجغرافي والسياسي والإجتماعي. لفهم مدارات تطوّر الاشتغالات الفنيّة وحقول البناء الجمالي، بعيدا عن الإتباع والتقوقع. كما تمكّن الفنان من أن يكون ابن واقعه ورهان لحظته، على الناقد أن يكون في ذات المآل. أي إغتراب من قبل أحدهما يخلق هوّة في الإدراك والاستيعاب من قبل الأخر.