المبدع (الوجود والعدم) بقلم: حمزه كاكوم

المبدع  (الوجود والعدم)  بقلم: حمزه كاكوم

المبدع

(الوجود والعدم)

بقلم: حمزه كاكوم

ينهمر صوت المبدع، من حقول الغضب النازف، والفرح الدائخ في الاعماق ، في كل أحوال الابداع، الذي يمنح ماهيته، جلال الاحتراق والاعتراف والإفصاح، المتفاعل المتفائل في المشاهدة عبر  البصر والبصيرة واليقين، من عمليات مبدئية تفاعلية، ذهنية وجدانية متضمنة وحي التأمل ولذة التألم وكبرياء المواقف، مصحوبة بمعاناة المجتهد المتكلم، معانيها تشرح مضامينها، محتواها هاتف داخلي، مدى الإقامة أطول مما تنسجه الأذهان المختلة، يضيف إعماراً وإعماراً، ينسج ماهيتها ومعطياتها من أبعاد خيوط النفس بمدركات معرفية قدرية بين الغياب والحضور تسمو لميلاد إبداع محمل بالنجومية والتفتح، شفافية طاغية تستخفه بسمة بريئة يغني ذاته في الذات الآخر، تسعده المحاولات المتلاحقة لاكتمال المستحقات الإنسانية، التواصل والتوصل الحياتي النبيل.

دروب الحياة تقوده لدروب وعرة ومزدحمة مرهقة مرعبة، ورغماً عن الغياب الطويل في دهاليز دنيا الإنسان، يتحمل بجسارة معطياتها، ينفخ العطر ويغني تحرقاً واشتعالاً.

المبدع مؤثر إنساني متعدٍ، راهب في محراب الإنسانية يستوحى ويوحي ويحيل القفر خضرة، والحياة أملاً.

حصيد المبدع من ذلك الطقس الأولي الأرق والتوتر والاجهاد، يفقد في الخفية والاعلان، حياة الترف المستنفذ والجاه والأناء، ثروته احتضانه الحميم للإنسان وقضاياه، يسعى لفك حصار المدمرات الإنسانية، تحتشد نفسه في مواجهة مرارة فقدان تأكيد حرية الإنسان وكرامته، يحاول استرجاع لحظات هاربة وعمر يتوارى، يستثمر مشروع الفتوحات والإضاءات الفاضحة، ينطلق من مبدأ الحرية الصافية، للفتوح الساطعة على أفق ذاته، لأن الابداع يتخلق بتوجيه كوني أخروى صادق، دون نفي الاختلافات ودون رفع المتناقضات والصراعات، وفي نفس الآن يسدد (الفاتورة) من ودائع ذاته ومخزون عمره ورضاء مثمر واضح، غير متنصل يواجه حالات العذاب والانتظار، يقدم حصيلة التجربة بصورة باهرة ورائعة، تجربة يمكن أن تصيبنا، سابقة ابتلائية باعتبارها جزءاً من مستحقات الوجود:

حياة لا حياة لها ولكن بقية جذوة وحطام عمر

خطوب لو جهرت بها لى ضاق بها صدر الزمان وضاق شعري

يصم صليل هذا القيد سعي وفي الإغلال وجداني وفكري

يغالب محنتي أمل مشع ويحيا في دمي عزمات حر

(صوت من وراء القضبان إدريس جماع)

٭ يحاور المبدع إدارة الوجود والعدم بيقين يضبط مؤشرات الابداع وتخطي الاستسلام، من أجل إغناء وتحريك الذات الراكدة وإثراء تجربة الانسان، عبر ملفات التاريخ، ليس باعتبارها حصيلة تميز جغرافي او امتياز عرقي، ولكن باعتبارها معطيات ذات محتويات إنسانية شاملة، يرفد الذات بما يمنحها القوة اللازمة ومبرر الوجود.

خلافة الانسان المبدع للارض تأكيد للشخصنة العرفية، تنتقل في الحياة وتصيب الروح الغنى في شرايينها، فعل المبدع لن يكف عن فطام هذا التعلق مادام اليكون الانساني يتقد بالحياة.

 

 

الرؤية الابداعية، الافكار والتآملات وحالات اللااستقرار تتموضع تفاعلاتها الكيميائية في قلب المبدع وكيانه، ويتحمل امتصاص الألم والمكابدة ويهضمها. ليقدم للإنسان حصيدها المستساغ، بأسلوب انتقائي تلقائي، مؤطر بالخضرة والعطر الفواح، يسري في الكهل ويتمايل من أعماقه ويندفع الشباب تضحيةً وعطاءً.

تتناسل من المتلقي طاقات الاستضاء والاستعداد، لاقتحام المجاهيل دون خوف وتجاوز القيود الواهية بأعجوبة المتيح للوعي الحياتي.

(أن تعيش ليس أمراً سهلاً، فالإنسان عادة يعيش بالناس ومع الناس وضد الناس، وهذا هو سر الشقاء في هذه الدنيا انيس منصور).

المبدع لا يحمل ضغناً على أحد، يزاحم برايات الحق والجمال مواقع الظلمة، ومعاناة الانسان، ينشر ألوية الوعي والاقدام، يزيل غشاوة المعاني ويحطم المنصات المضادة لحركة الإنسان، ويفك طلاسم العبث والاستهتار، ويتقمص اجيال المعرفة، لربط الاصل بالعصر، وتجديد الرؤية والمعاني السامية بأدق وأوضح المعاني للخير والرفاه (التعب عقوبة كل إنسان مثالي مبدع وكل إنسان عنده ضمير، ولذلك استراح السفلة والمنحطون، والذين لا مبادئ لهم. (أنيس منصور).

من سمات المبدع الأصيل التعايش النقي والتصالح المتوازن مع نفسه والآخر، ورغم مسارح المعارك وويلات التضامن التي يحملها إلا انه محصن بالشجاعة المتعالية، وجسارة المواجهة دون تراجع، ودون تجميد ممركز في الذات لأنه متصل في الذات الآخر، الروحية والفكرية والمادية، يساعد بالتحريض الواعي ويمد سواعد المعرفة لتعزيز رابط الاتصال بين حياته الشخصية وفعله الإبداعي، لأن الإبداع لا يولد من فراغ، ولا يدور بعيداً عن حلقة مبدعة ومتلقية، هنا نسقط كل الحواجز الجغرافية المصطنعة والرايات القبلية واللونية، والمسافات الزمنية والمكانية، ويبقى الحبل السري والوجداني الذي يتدلى منه الرابط والعلاقات الإنسانية النبيلة.

يستدعي المبدع الثقافات والتاريخ ليس كركام وحوادث، بل كإمداد يمد حركة التاريخ ويغذي التفاعل والساكن، ويعير الدروب بين الكان واليكون امتداداً لتحقيق الأماني والحياة المطلوبة.

قصيدة «13» طلقة إلى هانوي محمد المكي إبراهيم

أنا سعيد أيها الأشقاء المقاتلون

أن ننتمي معاً للأمم المقاتلة

الأمم النبيلة المناضلة

وأن نكون أسرة واحدة

نقتسم الخنادق

نقتسم البنادق

نقتسم الزاد القليل

وننتحي على جراح بعضنا

باللطف والرقة والتقبيل

أنا سعيد أنكم تقاتلون

للشرق الوحيد

في عصرنا الشهيد

الحصاد الإفريقي محمد الفيتوري

أصبح الصبح وهنا نحن

مع النور التقينا

التقى كل شهيد

قهر الظلم ومات

أبداً ما هنت يا إفريقيا

يوماً علينا

بالذي أصبح شمساً في يدينا

آسيا وإفريقيا تاج السر الحسن

وجه غاندي وصدى الهند العريقة

وجه طاغور المغني بجناحيه على روضة فني

جومو كنياتا الذي نعرفه

يا دمشق كلنا في الفجر والآمال مشرق

مصر يا أخت بلادي يا شقيقة

مريا صلاح أحمد إبراهيم

ليت لي يا مريا

أزميل فدياس

وروحاً عبقريا

قد كنت أبعد عنك

يا مريا حسني بيديا

٭ يتناسل الابداع خلقا في بيئة باطنية (حالة تخلق الفعل) تظل منطوية على ذاتها (التفاعل) النمو، حتى تغدو ذات ديناميكية فاعلة مؤثرة فيكشف عما تفيض به ذاته تتمدد في الساحة متنادية، ليجعل الآخرين شركاء فيه ( منهم واليهم) هنا يأخذ الإبداع صفة الحياة في أطره الاجتماعية، انطلاقاً من طبيعة نفسها، الوعي الابداعي لا يحدث خرفياً أو ألياً او فرمانياً، هناك اسئلة تؤرق إجاباتها، تخفيها مفاهيم مسكوت عنها او اقنعة مرتعشة تخشى تعري الحقيقة، المبدع بقدر ما يريح لا يستريح لأنه موجود في شقوف الارض، وفي قلب الأنين والألم، في مواكب الافراح يكسر قيود الذلة وصناع النكب.

يستطيع المتلقي أن يتجاوب ويتآلف ويتفاعل مع الإبداع، لكنه لا يستطيع نقل حالة الوحي الابداعية، وحالاتها الاهتزازية واضطراباتها العصبية، التي تطيح باستقرار المبدع النفس، فهو يحتمل ويحمل الحالة كرهاً على كره لا يستقر إلا بعد الميلاد، والدورة تستمر وتأتي دون استئذان مندفعة، يتكور في العمق، يمنع التضاحك والصياح، مكمن السير الابداعي، واليقظة والنقاء، كلما تشابكت اقداره مع اقدار الانسانية، ارتفعت درجات القلق والتوتر، وامتزجت الأحاسيس والمشاعر، وانفتحت نوافير التعابير منتجاً ابداعياً يخصب الحاضر ويسطع التنوير المعرف، ويمنح الأشياء جدارة الانتماء الحياتي، كقضية تستحق التأمل والانتباه والفعل.

المبدع يشقف القشرة التي تحجب مدى الرؤية، يغلب المفاهيم لتأخذ شكلها المتوازن، ومستواها التحليقي الحقيقي، كأولوية توجه بوصلة السلوك تجاه القضية، والمبدع لا يجتر ولا يستعرض أفعال الذات انتظاراً لعائد مادي (لا خيل عندي اهديها ولا مال فليسعد النطق إن لم يسعد الحال). وايضاً لا يحوم حول العصر دون هدى، أو يقدم شروطاً وهوامش على الخطب والبيانات الرسمية دون اضاءتها، هو سيد النفس والإيقاع لا يؤدي دوره خارج الجماعة، فهو المبدع، لأن المتلقي يستهلك دون معاناة، يحاول المحاكاة عاجزاً ويقف في بر الأمان ساكناً يساكن الأموات ويحاكي حالاتهم، يكتفي باجتهاداتهم ويعيد الاستشهاد بالنصوص القديمة، لا يبدع نصوصاً معبرة عن الطموح المعرفي، في المجتمع والتاريخ والوجود.

٭ حال الطقس الإبداعي قلق هضم وسوء هضم، مطبات، لا استقرار، محاولات تسلقية، كشف وجذب.

٭ حالات تبني قضايا الإنسان بشجاعة محصنة، بوجع الإنسان المقهور المسحوق.

٭ احتضار مؤقت، يعود بعدها أكثر إبصاراً ويقيناً بقضايا الوجود.

٭ مخاض أليم، لا يحتاج لتدخل قيصري، فالولادة عادة طبيعية، لأن المولود أمل الوجود وعد وميعاد وبشارة.

٭ حالة قيئ يأتي ولا يأتي.

كالشمعة الخرساء أعصاب رقاق تنعصر

كالرمل تمتص المياه حياته من جانبيه

٭ يقيم المبدع:

٭ في زمان القبح الممتد، والأعين المفقوءة، والقيم الفضيلة الموءودة، والنبل الدائخ في الأسواق.

٭ في زمن الموت المجاني والتقمصات اللاإنسانية.

٭ يموت المبدع يومياً، ويمنح روحه للمحاصرين في حقول الأحزان والجدب، وضروريات الحياة.

٭ في زمان إنتاج الكآبة والقتامة والذين يندسون في قلبي المغني يمزقون الأوتار.

٭ في هذا الزمن الإضافي الضروري الذي يرتدي عباءة الليل وطاقية الإخفاء، يقتلون الأطفال والأفراح.

٭ هذا قدر المبدع ولكنه أقوى من قدره وأنقى من طقسه.