خارج المتاهة / محمد عتيق  *الشهيد ابراهيم مجذوب* ؛  *نحو إصلاح مدنيٍّ كامل*

خارج المتاهة / محمد عتيق  *الشهيد ابراهيم مجذوب* ؛  *نحو إصلاح مدنيٍّ كامل*

خارج المتاهة / محمد عتيق
 *الشهيد ابراهيم مجذوب* ؛ 
*نحو إصلاح مدنيٍّ كامل*
______________________________ 

  في كتيب "أوراق من الواحة ، تجربة صحفي في بيوت الأشباح" ، وفي المقال الخامس بعنوان : "الطوابير والجرجرة.. أفراد الحراسة والحياة اليومية" ، الفقرة الخامسة (ص ٤٠) ، ورد في وصف الحراس ، وهم عسكريون من جهات مختلفة :
*" داخل البيت ، وفي تعاملهم مع المعتقلين ، يحرص هؤلاء الأفراد على سيادة جوٍّ من الصعب وصفه بدقة : فهو مزيجٌ من التهكُّم والإرهاب والهذيان واللامبالاة .. ينظرون إلى المعتقل كعسكري "مُسْتَجِد"، أي مبتديء ، والمستجد في أوساط القوات المسلحة وقاموس رجالها ومراكز تدريباتها هو أسوأ المخلوقات وأهونها ، وبالتالي فإن عبارة "يا مستجد" هي الصفة الأسوأ على الإطلاق*...." ..
 (فإذا كان ذلك هو تقييمهم لزميلهم العسكري المبتدئ فكيف تكون نظرتهم للمدنيين ؟) :  
عند الإنتقال لغير العسكريين "المدنيين" ("المدنية" في صيغة الجمع الدارجة ، وتعادل : المَلَكِيَّة " من مَلَكِي أي غير عسكري) ، لتصبح النتيجة عدمية بمعنى أن المدنيين لا قيمة لهم إطلاقاً ، بعيداً عن النظرة الحقيقية النابعة من طبيعة الأشياء التي تقول أن العسكرية مهنة من مهن المجتمع :
١- اما بالجندية ، عسكرياً فرداً أو ضابطاً ، في القوات المسلحة التي تختص بالدفاع عن الوطن وسلامته في حدوده البرية والبحرية والجوية ومساعدة الوطن والمواطنين في ظروف الأوبئة والكوارث الطبيعية ..
٢- أو في الشرطة التي تحمي الناس وتحارب الجريمة ليكون رجل الشرطة صديقاً للمواطن ، حامياً لحقوقه ، مدافعاً عن كرامته وجزءاً هاماً من الآلية القانونية المختصة بتحقيق العدالة في المجتمع ..
٣- أو في جهاز الأمن والمخابرات حيث يُوظف كل قدراته العقلية والذهنية في جمع المعلومات عن الأعداء وتحليلها وتقديمها لجهات الاختصاص في الحكومة القائمة مشفوعةً بالتوصيات المناسبة .. والأعداء يتواجدون في الداخل بين المواطنين يتاجرون في الممنوعات مثل المخدرات ، ويتخابرون مع الدول الخارجية ، أو في الخارج في شكل منظمات أو دول معادية تعمل على الإضرار بالدولة بوسائل ، ولأسباب ، مختلفة ..
وذلك كان في أعقاب انقلاب "الاسلامويين" العسكري وحكمهم للبلاد ، وعلى أيديهم بدأت وأكتملت عملية غسل الأدمغة والتعبئة الايديولوجية التي صَوَّرَت لهم بأنهم هم المسلمون وأن غيرهم (أي كل من لا ينتمي إليهم) هم الكفار الذين يحق لهم أن يسلبوهم أموالهم وممتلكاتهم وحتى حيواتهم ، أي أنهم لا حق لهم في أي شيء حتى في الحياة نفسها .. هكذا ، على أيديهم ستتم أسلمة السودان والسودانيين ...
  هذه الدرجة من انحطاط النظر إلى المجتمع هي نوع من ألتعبئة والتغييب والتسيير وصلت إليها العسكرية السودانية في عهد الاسلامويين الذي احتل نصف عُمْر السودان الوطني المستقل ...

 في ختام مقاله عن جريمة قتل الشهيد اليافع "ابراهيم مجذوب" ، قال المحامي والقانوني البارز "علي عجب" :
*" يجب أن يرتفع وعينا في ملاحقة هذه الجرائم الخطيرة بعدم ملاحقة الجنود وحدهم جنائياً وترك المجرمين الآخرين في قيادة هذه القوات ، لأن ملاحقة قادتهم أيضاً على أساس مسؤولية القادة هو السبيل الوحيد لوضع حدٍّ لإستهتار قيادة الشرطة والنيابة بما يُرتكب من جرائم ضد الثوار بدمٍ بارد"*..
أي أن الجريمة مشتركة بين الجنود والقيادات العليا للشرطة والنيابة العمومية ولا ينبغي الثأر فقط من الجندي أو الضابط الذي نفَّذ جريمة الاغتيال/إطلاق الذخيرة الحية بدمٍ بارد .. فإذا وجدنا في رأي الأستاذ علي عجب حلَّاً آنياً للمحاسبة ومواجهة هذا الجنون في إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين ، إلا أن في الأمر جذوراً أبعد ينبغي مواجهتها ضمن قضايا الوطن الذي يحتاج في كُلِّيَّاتِهِ إلى إعادة تأسيس ، إذ أن تلك التعبئة وغسيل الأدمغة التي أشرنا إليها - في اعتقادي - ما كان لها أن تنجح وتفعل فعلها لو لا أن هنالك استعداد لقبول ذلك ، أي أن في مناهج وأسس العسكرية السودانية ما يجعل أرضيةً لمثل تلك التعبئة والغسيل لكي تنبت وتنمو .. فمثلاً في مناهج التعليم والتدريب التي ورثناها من المستعمر البريطاني نجد أن لطالب الكلية الحربية أو كلية البوليس وضع مادي ومعنوي  أعلى بكثير من أوضاع زميله الذي التحق بالجامعة ، إذ هو يتميز عليه مادياً واجتماعياً رغم أن الطالب بإحدى كليات جامعة الخرطوم مثلاً قد أحرز نسبةً أعلى في الشهادة ، في الغالب ، من الطالب الذي التحق بإحدى الكليات العسكرية !! ، وتبدأ رحلة التمييز من هناك لدرجة أن الذي التحق بالجيش ضابطاً يكون له من جنوده "خادم" شخصي !! ونظام التراتبية الصارم داخل القوات النظامية يخلق حالة من الخضوع التام من الأدنى للأعلى أشبه ببند "نفذ ثم ناقش" في مباديء الديمقراطية المركزية عند الأحزاب العقائدية بل وأشدّ انضباطاً.. فيتسرّب الشعور بالأهمية والتميُّز إلى الجنود بما يجعل من المدنيين (الملكيَّة) مجرد دهماء بعثتهم (هؤلاء العسكريين) العنايةُ الإلهية لحكمهم والتسيُّد عليهم .. هذا التمييز خلق إستعلاءً لدي منتسبي القوات النظامية على الشعب .. فإذا أضفنا إلى ذلك غسيل الأدمغة الذي تم في الأعوام الثلاثين الماضية تحت حكم الاسلامويين ، وما أحدثوه من دمارٍ وتمكينٍ لهم في كل مناحي الحياة وفي كافة المؤسسات العسكرية والمدنية ، نجد أن الواقع الماثل أمامنا هو النتيجة المنطقية ..

 عليه ، فإن إعادة صياغة الحياة العسكرية "النظامية" وتأسيسها على نهج وطني سليم يجب أن تأخذ طريقها إلى الوعي النافذ الذي استولى على كيان الأجيال الجديدة الثائرة في تأسيس وطنٍ عصريٍّ متطوِّر تنتظمه التنمية في كل جانب وتظلله رايات السلام والأمن...
   05.03.2023