النرجسية الثقافية

النرجسية الثقافية عزالدين ميرغني عظيم جدا أن يطلب الإنسان النجاح والتفوق , وهكذا تعمر الأرض وتقوم الحضارات , ولكن دون أن يكون علي حساب الآخرين . ودون أن يدمن صاحبه هذا ويصبح مرضا نرجسيا وذاتا متضخمة

النرجسية الثقافية

النرجسية الثقافية

عزالدين ميرغني

 


عظيم جدا أن يطلب الإنسان النجاح والتفوق , وهكذا تعمر الأرض وتقوم الحضارات , ولكن دون أن يكون علي حساب الآخرين . ودون أن يدمن صاحبه هذا ويصبح مرضا نرجسيا وذاتا متضخمة , تصعد علي أكتاف الآخرين , ثم تقصيهم . وإدمان النجاح والتفوق , قد يقود غالبا الي المغامرة والي الغاية التي تبرر الوسيلة . وهذا ما قاد بعض الشباب الي دخول السجون , بحثا عن الغني والثراء , والصعود الي الطبقات العليا . وقد أصدر المفكر المغربي الدكتور عبد الإله بلغيز , كتابا يعتبر مرجعا في علم النفس التحليلي بعنوان نهاية الداعية . وهو يتحدث بصراحة عن المرض الذي يصيب أغلب المثقفين في بلادنا العربية . ويعني به مديح الذات . والذي يقول عنه هذا المفكر المغربي : ( إن النرجسية الثقافية , هي مرض ثقافي يعبر عنه المثقف بمديح الذات في حضرة الآخرين . وفي الانتباه الزائد فيما يكتب عنه . بل لا يتورع أبدا في حث الآخرين بأي وسيلة في الكتابة عنه . وقد يتعجرف ويتكبر ويزدري من ينصرف عنه ويتجاهله . وقطعا هذا ما يدفع الكاتب خصوصا , والمثقف عموما , الي حالة من اللاتوازن , والي ضرب من الهيام النفسي بالذات ) . وهذا الضرب من الناس قد لا يقبل أبدا بالنقد . وقد لازمت هذه النرجسية المرضية ولا تزال تلازم بعض من كتابنا ومثقفينا , لدرجة الهوس وجنون العظمة الثقافية . فعاقت مسيرة الثقافة  في بلادنا ولا تزال تفعل . فالويل للناقد إذا لم يقرأ لهم , والثبور لمن لا يمتدحهم فالناقد يجب أن يذهب الي المكتبة ويشتري من حر ماله كتاب بديع الزمان أو بديعته , وأن تقتطع من وقتك وزمنك الساعات لكي تكتب نصا موازيا ما لم يكتبه الأوائل , في البدائع والصنائع , وأن تجري لاهثا لتجد من ينشره لك , والا ستثير عليك الدنيا , والمشكلة ليست في كتاب الغفلة والساحة الخالية , وانما تألب علي النقاد الأزواج والزوجات وأصحاب الصداقات المرضية الذين يبحثون عن الشهرة تحت الأشجار ولو كانت غير ظليلة . فالكل وجه سهامه للنقاد كأنما هي بطاقة يحملها البعض وتعز علي الآخرين . وقد كان العقاد مصابا بهذه النرجسية الثقافية , فالويل لمن ينتقده , فهو الذي يعرف في الطب أحسن من الطبيب الذي يعالجه .رغم أن عقدته كانت من الشهادة , ولكنها كانت محفزة له في الكتابة والابداع . ولو ترك المعارك والخصومة لكان قد أبدع أكثر من ما أبدع . وهذه الأنا المتضخمة , والتي بدأت تظهر عند بعض الشباب من الذين فازوا في بعض المسابقات , أو من الذين فتحت لهم الصحف الابواب , فاعتبروا نفسهم قد من قائمة الكبار , وهذه هي بداية النهاية والاحتراق . فالفوز عندهم يعني الختم والتوقيع النهائي والذي لا يقبل النقد وأحكام النقض , ويجب أن يكون أي حكم بعد لجان التحكيم , مؤيدا وليس معارضا . ولعمري تلك هي القمة الزائفة , والصعود الوهمي الذي لم يبدأ متمهلا ومتدرجا , لكي يسير بخطي متوازنة في دروب الكتابة الشائكة والوعرة . وهذه النرجسية دفعت البعض من نجوم زمن الغفلة الثقافية , أن يتصدروا الساحة الخالية , وأن يسعوا إلي النجومية علي حساب المبدع الحقيقي الذي لم يجد فرصته وسط هذه المعمعة الثقافية الزائفة , فنجد أن تدشين الكتب والدواوين صار مثل حفلات التخريج لطلاب جامعاتنا حيث الأبهة والصخب والفرح الوقتي , وعندما ينفض الجمع تصبح الشهادة ورقة تزين الحائط , فهي لا تسمن ولا تغني في زمن العطالة والاحباط . رغم اننا نتكالب ونتنادى ونتأنق عندما تكون صاحبة الكتاب أنثى , ويزداد العدد لو كانت جميلة , ولا يهم إن كانت ملكية خاصة , فبعضنا مثل اللصوص لا يحبون إلا أشياء الآخرين . وفي النهاية , وبعض انفضاض الجمع , يبقي الكتاب , المحتفى به , يتيما وحيدا لأنه ولد ناقصا متخلفا , فلن يجد من يلتفت إليه .
  (ق . ق . ج ) ( ذهب المعجبون بنجمتهم الإعلامية ليشاركوها الاحتفال بتدشين كتابها الأول , كانت هي نجمة الحفل , ترك المتحدثون الكتاب ليتغزلوا في جمالها , اشتروا كتابها تبرعاً واكراماً , بعض انتهاء الحفل خرجوا , بحثوا عن صورتها في الكتاب لم يجدوها , مزقوا الكتاب وألقوه في الشارع قبل أن يعرفوا ما بداخله ) .