المغرب :- بوابتنا للحداثة

المغرب :- بوابتنا للحداثة قراءة م. بنيس لظاهرة الشعر المعاصر في المغرب وخواطر أخرى مجذوب عيدروس تمتد العلاقات الثقافية بين المغرب العربي والسودان الى عمق التاريخ ، اذ أن الأثر الروحي / الصوفي المغاربي موجود في تاريخ الثقافة السودانية

المغرب :- بوابتنا للحداثة

المغرب :- بوابتنا للحداثة
قراءة م. بنيس لظاهرة الشعر المعاصر في المغرب وخواطر أخرى
مجذوب عيدروس

 

 


تمتد العلاقات الثقافية بين المغرب العربي والسودان الى عمق التاريخ ، اذ أن الأثر الروحي / الصوفي المغاربي موجود في تاريخ الثقافة السودانية ، والطرق الصوفية من تجانية وشاذلية وغيرها موجود في غرب السودان خاصة دارفور وفي أواسط وشمال السودان ... وقد كان هناك أثر أيضاً لا تخطئه العين للسيد أحمد بن ادريس المغربي في نشأة عدد من الطرق الصوفية من خلال تتلمذ عدد من كبار الدعاة والأولياء كالسيد محمد عثمان الختم ( مؤسس الطريقة الختمية ) والسنوسي الكبير في ليبيا وعثمان دان فوديو في غرب أفريقيا وغيرهم . وفي عصرنا هذا كان وجود العلامة عبدالله الطيب في المغرب ومساهمته بالتدريس في الجامعات واتصاله بالأوساط الثقافية ، وكذلك حضور الطيب صالح عبر رواياته وقصصه ومشاركاته في مهرجان أصيلة ، يمثل حضوراً سودانيا على الساحة المغربية .. وأيضاً هناك الفيتوري ومحمد عبدالحي ورفاق لهما ... وقد أنجز باحثون مغاربة دراسات حول النزعة الزنجية في الشعر السوداني .
وفي أواخر السبعينيات من القرن الماضي كانت المناهج النقدية الحديثة (بنيوية وسيمائية ، تفكيكية الخ ) تجئ للساحة الثقافية العربية ... وكان معظم منظري الحداثة يكتبون بالفرنسية : دريدا / تودوروف / رولان بارت / لوسيان غولدمان – ولما كانت اللغة الفرنسية لأسباب معلومة تتعلق بطبيعة الاستعمار الانجليزي للسودان غير منتشرة بالسودان ، فقد كان قدرنا أن نقرأ هذه الأعمال عبر الترجمات الانجليزية أو العربية ، وأن تظل في انتظار الترجمات القادمة من المشرق والمغرب ، وكانت البوابة المغربية مدخلنا ضمن مداخل أخرى مشرقية منها مجلة فصول ( القاهرة ) التي بدأت الصدور عام 1980م ، وكتب تجئ من بغداد ودمشق وبيروت .
عرفت الساحة الثقافية السودانية من النقاد المغاربة د. أحمد المديني في أصول اللخطاب النقدي الجديد ، وترجماته لعدد من الأعمال المهمة لتودوروف وأمبرتوايكو ، ود. محمد برادة في نقده وترجماته لباختين ( الشكل الروائي ) ود. حميد لحمداني ( بنية النص السردي ) وعبدالفتاح كيليطو – الأدب والغرابة والتناسخ والكتابة ، ود. سعيد يقطين – وقد شارك د. حميد لحمداني وسعيد يقطين في الندوة العلمية بجائزة الطيب صالح العالمية للابداع الكتابي ، وحتى كتابات عبداللطيف محفوظ ، ابراهيم الحجري ، ادريس الخضراوي ، سعيدة تاقي الخ .
كان النقاد المغاربة هم اذاً – أو لنقل إن البوابة المغربية إحدى أهم مداخلنا للحداثة – وكذلك ترجمات محمد البكري لبارت ، وفي كتابه ( ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب / مقاربة بنيوية تكوينية ) كانت بداية تعرفنا على محمد بنيس الذي دخل في احتكاك مع المؤسسة الأكاديمية التي رفضت تعيينه ضمن هيئة التدريس . أشرفت لجنة مكونة من د. أمجد الطرابلسي ود. عبدالكبير الخطيبي . ود. محمد برادة ، على مناقشة دراسته .
أوضح محمد بنيس أن اختياره للموضوع لم يكن مصادفة فهو ممارس لكتابة الشعر ومهتم بالثقافة الوطنية التي هي بالتأكيد شريحة من شرائح الثقافة العربية ... وقد بين مصادر المعرفة الشعرية والتكوين الثقافي لمجموعة الشعراء " موضوع الدراسة " وقد حصرها في الشعر الأوربي عبر إجادة اللغة الاسبانية والفرنسية حيث أن المغرب خضع لاستعمار الدولتين " اسبانيا وفرنسا " وهناك وسيلتان لقراءة واعادة كتابة المتن الشعري الأوربي في النص المغربي المعاصر ، وهي المتجلية  في أغلب النصوص ويعتمد قراءة النص الأوربي مترجماً الى العربية بعد أن يفقد كل أسرار كتابته في النموذج الأصلي ، والثانية وهي القليلة النادرة في أن بعض الشعراء نفذوا الى النص الأوربي دون وسيط – والمصدر الثاني فهو المتن الشعري القديم – وأهم المصادر هو المصدر الأول : - المتن الشعري العربي المعاصر ، وبخاصة من خلال رواده : بدر شاكر السياب ، عبدالوهاب البياتي ، أحمد عبدالمعطي حجازي ، خليل حاوي ، صلاح عبدالصبور وأدونيس ثم فيما بعد شعراء المقاومة الفلسطينية وفي طليعتهم محمود درويش وسميح القاسم .
وفي مجال الدراسات أنتج محمد بنيس رباعية بعنوان الشعر العربي الحديث ، بنياته وإبدالاتها : - الجزء الأول التقليدية – الجزء الثاني الرومانسية العربية – الجزء الثالث الشعر المعاصر – الجزء الرابع مساءلة الحداثة .
ومن ملاحظاتنا غياب المشهد الشعري السوداني عن كتاب بنيس والذي أراده شاملاً ، وهو يتأمل قضية غياب الرومانسية عن الذاكرة العربية الآن . وقد درس محمد بنيس الرومانسية من خلال خليل مطران وجبران خليل جبران وأبي القاسم الشابي وعبدالكريم بن ثابت – ولربما كان إغفاله للرومانسية السودانية ناتجاً عن قصور هنا أو هناك في آليات التواصل الثقافي السوداني / المغربي . ونعتقد أن محمد بنيس سيتعرف على المشهد الثقافي السوداني بشكل أفضل ونذكره أن كل التيارات الشعرية المهمة في الوطن العربي كان للسودان مساهمة قيمة لا تنكر بدءاً من التقليدية وانتهاء بقصيدة النثر .
ولمحمد بنيس آراء قيمة في مسألة الصورة الشعرية والزمان والمكان وما أسماه بلاغة الغموض لدى جيل الرواد من المحدثين ، وكذلك فكرته عن اندماج الكلام اليومي في نسيج النص الشعري المغربي المعاصر . وقد نتج من عملية الإدماج هذه إغناء للكلام الشعري ، وفي ذلك استجابة لبعض ما دعا اليه بعض الشعراء الأوربيين وفي مقدمتهم ت. س . اليوت الذي أخذ بدعوته ثلة من الشعراء العرب المعاصرين نذكر من بينهم عبدالوهاب البياتي وصلاح عبدالصبور ثم أمل دنقل فيما بعد .
ومراجعة بنيس لمشروع الحداثة ، وأسباب عطب هذه الحداثة أرجع الأمر الى أنه ناتج عن عطب ثقافي ومن طبيعة ثقافية ، يبدأ العطب من التعليم ، أي من مضامينه وطرائقه ، ثم يمتد الى السلطة والمؤسسة بالمعنى الأوسع منهما في الحياة العائلية والاجتماعية والسياسية والثقافية . أنه المشترك الذي لا ينفصل فيه المشرق عن المغرب ولا يختلف فيه تقدمي عن محافظ . قام التعليم على محاضرة الحرية ، في اللغة والآداب والفنون والفكر . إذ أن الحرية حرية الفرد والجماعة هي مبدأ الحداثة السابق على كل مبدأ سواه .
ويصل محمد بنيس الى موضع آخر يصيب الحداثة في مقتل ، وهو يصف ما يصيب الانسان في الوطن العربي الكبير ( وفي عالمنا الجديد وسائل أكثر فتكاً بالحرية ، لا تمنع رأياً ولا صحيفة ولا كتاباً . أنشر الأعلام فيهم . أكثر من القنوات التلفزية . أجعل من المعلومات المصورة ، المصنوعة في المختبرات النفسية ، ما يفك سراحك من خطاب كاد أن يخنقك فلا أنت تعرف كيف تتخلص منه ، ولا هو يتوقف عن مضايقتك . أجعل من التلفزة لواءك وأهجم عليهم في الأصقاع كلها ، مما علمت وما لم تعلم . حرض عليهم ذئاب المسلسلات اليومية الخ .
وعن طه حسين يقول أنه يأتي من المستقبل لا من الماضي وهذا هو الفرق بين رؤية حديثة تتبنى الوعي النقدي في تاريخيته ، وبين وعي لم يعد يتحمل الخصيصة النقدية فيتملص من القديم كما يتملص من الحديث .
أفكار محمد بنيس عن اللغة والعروبة والفرانكفونية في حاجة الى المناقشة ، والحوار معها ... وهذه بداية الحوار الذي يبدأ من محاولة التعرف عليه . .. وما ورد في هذا المقال عبارة عن مقتطفات من ورقة قدمت في قاعة الشارقة في 22 يناير 2015.