تعارض المستويات واشكالات القراءة في قصيدة (للآخرين قصائد ولوجه إلزا ) "2/2"

تعارض المستويات واشكالات القراءة في قصيدة (للآخرين قصائد ولوجه إلزا ) "2/2"                                                                          د. عبد القادر جبار " العراق "  تنماز قصيدة الشاعر نجيب محمد علي بوجود متن ينقسم على ثلاث كتل لغوية ، وهي النص الشعري ، والهامش ، والحكاية التي عنوانها ( جلسة عائلية )  وهذه الجلسة تمثل العنوان الفرعي من عنوان النص الكلي ( للآخرين قصائد ولوجه إلزا  )

تعارض المستويات واشكالات القراءة في قصيدة (للآخرين قصائد ولوجه إلزا )

تعارض المستويات واشكالات القراءة في قصيدة (للآخرين قصائد ولوجه إلزا ) "2/2"


                                                                         د. عبد القادر جبار " العراق "

 

 

 

 

 

 تنماز قصيدة الشاعر نجيب محمد علي بوجود متن ينقسم على ثلاث كتل لغوية ، وهي النص الشعري ، والهامش ، والحكاية التي عنوانها ( جلسة عائلية )  وهذه الجلسة تمثل العنوان الفرعي من عنوان النص الكلي ( للآخرين قصائد ولوجه إلزا  ) ، وقد تبدو هذه الكتل النصية ممثلة للشعر والنثر وجنس ثالث يقع بينهما في حكاية الجلسة العائلية ، إلاّ أن الوزن أنقذ هذا التوزع لكي يبدو النص جنساً واحداً هو الشعر وذلك بناء على الايقاع الذي يوحد بين الكتل الثلاث ، إذ تنتمي القصيدة إلى البحر المتدارك ( فاعلن ) ، وهذا البحر يعد أكثر البحور استعمالاً في قصيدة التفعيلة الحديثة والمعاصرة ، وذلك بسبب تفعيلته الصافية في الوزن ، وقد أسهمت هذه البنية الايقاعية الصافية بانسياب النص في تحولاته الداخلية (الهامش والحكاية ) وجعلته يجنس الى الشعر ،  وينطلق هذا الشعر في دلالته من العنوان الذي يشير الى وجود صراع بين الأنا والآخر وفي الوقت نفسه يشير إلى مواجهة بين الأنا والحبيبة ، لكن الحبيبة ليست كالآخر لأن العنوان ميزها من الآخر ليبدو في المستوى السطحي للنص أن هناك ثلاثية في الصراع تتماثل مع ثلاثية التجنيس السطحية قوامها ( الأنا الحبيبة الآخر ) ، لذلك يبدو أن هناك  مستويين من العلاقة الأولى علاقة الأنا بالآخر والثانية علاقة الأنا بالحبيبة ، وهي علاقة اشكالية لها أثرها في حركة النص ،  وينعكس هذا الاثر في العنوان في المقطع الاول من القصيدة الذي يقول : هل تريني كما أشتهي ... \  أم  تريني كما يشتهي  الساقطون ؟ \ جادلتني الشوارع عن أمنيهْ \  وانزوت نجمة كنت المحها ،  بين وجهك والدمعة الاتيهْ / كيف طاب لك العدو قبل الرحيل  \  . في هذا الافتتاح يتكثف  الايقاع في النص  من خلال عنصري الوزن والقافية ، الأمر الذي عزز غنائية النص التي يسود فيها حديث الذات ، كما يلاحظ أن هذا المقطع إعتمد الحوار بين الذات والخارج ، ( الأنا تسأل وتحاور الحبيبة المفترضة التي هي منطقة قلقة بين الحلول في الذات والانفصال عنها  ، وفي الوقت نفسه يحاور الخارج  (الشوارع ) الأنا ) ، وهذا الحوار يعبر عن القلق الشامل الذي تعيشها الذات وأزمتها مع الخارج والداخل ، لذلك  فإن الاطار العام الذي يمكن ان ينفتح فيه التأويل في هذا المقطع يشير الى وجود ارتباط روحي سابق بين (رجل وأمرأة) ، ولكن الاخر فض هذا الارتباط ليتحول  الى جحيم كما يذهب سارتر إلى ذلك ، وهذا التأويل لا يمثل القراءة المطلقة لهذا المقطع لأن الارتباط ربما يكون بين الانسان ووطنه أو عالمة أو اي وجود يمكن  فيه  ان يبادل الانسان مشاعره  مع ذلك العالم  بطريقة أو بأخرى ، هذا المفتتح لا يبني مقومات  شعريته على الصورة الواضحة ولا على المفارقة بل على التباس الصورة المفارقة معا ً في محاولة للوصول إلى (الحكمة ) وهنا تكمن  مقدرة الشاعر في انتاج نص ينتمي الى الشعر في موضوع يمكن أن لاينتمي إلى مقومات الشعر الاساسية ، وهي (الحكمة ) ، لأننا  اذا ما دققنا  في هذه اللوحة نجد ان اللغة  تؤدي وظيفتها الشعرية  من خلال   الحوار مع الإخر كما في العلاقات  الاتية : جادلتني الشوارع \ هل تريني ، أم تريني .  وهذا الحوار يعبر ع ثنائية الوضوح والاختفاء كما في عبارة ( انزواء النجمة بي الوجه والدمعة الاتيه ) ، ففي هذه اللغة تلتبس الصورة  في علاقة انزواء النجمة بين الوجه والدمعة  لتخرج وظيفة الوجه والدمعة عن مألوفها لأن الوجه علامة الوضوح والدمعة ايضا ً بوصفها اداة الحزن الروحي ، لذلك فأن الانزواء  في الوضوح يجعل الصورة ملتبسة في التصور  والتأمل لدى المتلقي .  إن هذا الالتباس هو نتاج التباس العلاقة بين ثلاثي الذي يحرك  النص ( أنا – الآخر – الحبيب ) ولذلك نجد النص في مفتتحه وهو يحدد الموقف من الاخر بوصفة نقيضا ً لا معارضا ً يضغط على موقف الآخر في قوله :  ( كما يشتهي الساقطون ) ، ( طاب لك العدو )  وفي هذا المقطع هناك إشارة الى الارتباط السابق بين ( الانا  والحبيب  ) على الرغم من معارضة الاخر ورفضه لهذا الارتباط ، يقول النص ( ثم كيف وقفنا امام  القضاة / لنستجدي العفو)  . بعدها ينفتح المقطع الشعري الذي يلي المفتتح على لحظة الاقتران  وهذا المقطع يمتاز بالوصف من دون ان يبني صورة اللحظة التاريخية بين العاشق والمعشوقة ، وهي لحظة الاقتران التي تتحدى فيها ارادة الذات كل المعترضين على فعلها ،  والابتعاد عن الصورة  في هذا المقطع عوضه النص بالعلاقات المتعارضة في السطور الاتية (طاب لك العدو )  ، ( العفو فيّ قاتل صار القتيل ) ، (ان بين يدي وبين الذي  في يديك جنون) ، ( أهل  بابل ..... يا أيها  الكافرون) ( لكم دينكم ولنا كل ما تشتهون ) ، إنّ الخروج من بابل يعني الخروج من الخطيئة ، ولكن الخروج يشي بتعارض داخلي ، فالخلاص من الخطيئة يعني ترك أهل بابل لدينهم ، لكن هذا لا يعني أن الذات مستعدة للتخلي عن رغباتها وأحلامها لذلك قال النص (لنا كل ما تشتهون ) ولم يقل ( لنا كل ما نشتهي ) ، هذه المفارقة يمكن عدّها من الناحية البنائية عملية انسجام مع القافية (جنون ، كافرون ، تشتهون ) ولكن هذا الايقاع فتح الدلالة في القصيدة على طرفين ، الأول ان  ما تشتهي الذات لا يختلف مع اشتهاء الاخر  ورغباته وفي الطرف الثاني فان التوافق  في الرغبة لا يعني الانحلال بالأخر والتوافق معه لأن الخروج شكل عملية انفصال مع الاخر على الرغم من توافق الرغبات وبذلك يتضح التباس المقطع  الاول والذي أراد فيه النص ان يورط قارئه بإشكالاته التي تتراوح بين الانفصال والاتصال مع الحبيبة والآخر ، وفي المقطع الثاني وهو بعنوان ( الانتفاضة ) يبدأ المفتتح بالسؤال بعد ان تعارضت الفكرة  وتناقضت في المقطع الأول يقول المفتتح في المقطع الثاني : كيف لا نلتقي / حينما يخرج الرعب منكفئاً  بالخجل / حينما تجمعين الحصى عن دمي ... / والرماد الذي بيننا ... /  والجراح التي في القبل ؟؟؟ ... وينماز هذا المقطع بالغنائية التي تتضمنها رسالة النص في التعبير عن الذات والموقف من الآخر ، وكانت حركة الايقاع في الوزن والقافية أداة لتعزيز غنائية المقطع ، أمّا بشأن الرسالة فانها تعتمد على شروط التفاعل مع الآخر وهذه الشروط متحققة في (كيف لا نلتقي ) ، إذا كان الخوف خارج لقاء الآخر ، والآخر يكنس من طريق اللقاء كلما يعكر صفوه . وإذا كان اللقاء قد تحقق في هذا المقطع فأن   هوامشه تبدأ بما يشبه ذاكرة الأنا وذلك في مقطع (هوامش ) ، وهذه الكتلة النصية التي تنتظم تحت هذا العنوان  تتحدث عن عناصر الممانعة التي يؤثر فيها الخارج على الداخل وهذه العناصر تتمحور في محاولة الآخر عزل الحبيب عن المحبوبة وجعلها عنصر موت للحبيب بدل أن تكون عنصر حياة ، وهي رسالة تفتح دلالاتها على تأويلات مختلفة لمعنى الحبيبة ، يقول هذا المقطع : خبأتني المغارات عنك \ خبأتني الحجارة والأوجه الكالحة \ طاردتني الى خارج اللغة المفرحة \ جردتني من اللون والدهشة الفاعلة ....وبهذا يكون فعل الآخر في الذات هو ( خبأ وطارد وجرد ) وعلى الرغم من أن بنية الهامش غالباً  ما تكون من  النثر إلاّ أن هذا المقطع كان موزوناً ولم يخرج من المتدارك وحقق شعريته في العلاقات الآتية : خبأتني الأوجه الكالحة \ طاردتني خارج اللغة \ العشق مقصلة ، بعد هذا الهامش تبدأ الحكاية المعتمدة على السرد ولكن هذا السرد من النوع الموزون أيضاً وعلى وزن متن النص نفسه لتبدو القصيدة من وزن واحد ولكن من انماط  تبدو في المألوف انها لابد أن تتمي الى الشعر والنثر والجنس الذي يقع بينهما ، وهذه هي ثلاثية التجنيس  التي تمظهرت في النص ، وهي واحدة من محاولات مرحلة ما بعد الحداثة التي تعتمد على تشظية النص في الرسالة والايقاع الداخلي وقد تتجاوزها الى الايقاع الخارجي  ، ففي المقطع الاخير (جلسة عائلية ) يبدو التشكيل البصري للسطر مشابهاً للسطر النثري وكان هذا التشكيل مصدر ايهام للمتلقي على أن النص نثري والحقيقة انه موزون ، أمّا بشأن الرسالة فيقول النص فيها : حدثتني عيون أبيك عن الخنجر البابلي ، وعن أوجه الراحلين الى المدن النائحات \ وفي كل زاوية كنت أقرأ : (يا أيها النهر كيف العصافير تجتاز عام الرمادة ، كيف البكاء \ على قبلة خبأتها الحبيبة في موسم الركض ، كيف الغناء وقد اشعل المارقون عن \ العشق نار الخديعة ، في الليل ايقظني هاجس ، واختلينا معا – كنت استرق السمع قالت لي الشهب البابلية : ( إنا فتحنا لك ال ..وانزوت دمعة راودتني على نفسها ) . يلاحظ في هذه الحكاية أن الافعال التي انتج متن النص صوره على أساسها  قد تكررت هنا ، وكذلك الافعال في الهوامش الأمر الذي يشير الى الترابط الصوري والرسالي بين النص والجلسة العائلية ، ولكن الذي أنهى الجلسة العائلية الدموع في حين انتهى الهامش بالاستعداد للتضحية من اجل الحبيبة واحتمال الموت بسعادة ، أمّا المتن فقد انتهى باستبعاد الحبيبة للجراح التي في القبل ، وهنا تبدو النهايات متعددة الاتجاهات منها نهاية للحبيبة في المتن نهاية للحبيب في الهامش ، ونهاية مشتركة للدموع في الجلسة العائلية التي تشي باشتراك الحبيب مع حبيبته في فعل وموقع واحد  ، وهذه الثلاثية قريبة من الثلاثية التي جنست النص الادبي في الاطار العام مع أن الرسالة انفتحت هذه المرة على بابل التاريخ والحاضر الامر الذي عقد عملية حصرها في معنى محدد .