خارج المتاهة / محمد عتيق   لا وقتَ للجدلِ والاختلاف

خارج المتاهة / محمد عتيق   لا وقتَ للجدلِ والاختلاف

خارج المتاهة / محمد عتيق
  لا وقتَ للجدلِ والاختلاف
————————————
    جاءت حملة "كلنا معكم" لوحةً بارزةً على جدار التاريخ الوطني للسودان ، مليئةً بمختلف الخطوط والألوان المتداخلة المتكاملة ؛ بين الحماس اللاهب ، روح الشباب الواثق ، إلى حنين الشيوخ المحتشد بالذكريات وتواريخ الصمود الجسور أمام مختلف الدكتاتوريات المدنية والعسكرية ، واعلاناً صريحاً من الأمهات والآباء عن انتهاء عهد الحذر والإشفاق على الأبناء عندما يتعلق الأمر بالوطن ؛ فالاستشهاد هنا يعني الخلود الأبدي في ذاكرة الشعب والوطن حيث تمضي الألسنة عبر العصور والأجيال في ذِكْر الشهيد : (الشهيد فلان والشهيد فلان) وليس القائد والوزير والمدير مهما كانت أدوارهم ، فهم لم لَيَكُونوا  لو لا هؤلاء الشهداء العظام ؛ أذهبوا أيها الأبناءُ إلى المجد آمنين مطمئنين فنحن خلفكم والتاريخ والوطن … (نذكر مثلاً - وستذكر الأجيال القادمة - وللأبد ،الشهيد عبد القادر ود حبُّوبة ولكن لا أحد يذكر من كان من الإداريين والمسؤولين والأثرياء وما شابه) ..
   كانت خطوة متقدمة عندما التقط الجميع الفكرة وخرجوا للمشاركة في ذلك الإعلان بغض النظر عن مصدر الفكرة مع التقدير التام ..
 
         كذلك كانت الخطوة المرافقة للحملة : "ميثاق تأسيس سلطة الشعب" ولكنه - أي مقترح الميثاق - جاء وبه رتوش من سلبياتنا "القديمة" ولكنها لا تمنعنا من النظر لإيجابياته قبل "إدعاء" التنبيه لتلك السلبيات .. فمع تطاوُل عهد الضعف وما ساده من أمراض الأنانية والشك والتنافس السلبي بين قوانا السياسية ، بأسبابها الذاتية والموضوعية ، لن تأتي خطوات الانتقال منه إلى عهد ايجابي مثاليّةً متكاملة ، لا نتوقع ذلك ، بل ستتخلّل المقترحات إسقاطات إيديولوجية وحمولات حزبية مندفعة ، ذلك أمرٌ طبيعي ، فالمهم أن تُقبل قوى الثورة على بعضها بعقول منفتحة وإرادة عازمة على إنقاذ الوطن وإعادة بنائه .. 
  
 ابتداءاً نؤكد على أن الميثاق جاء خطوةً عمليّةً وأساساً جيداً للنقاش وافتتاح عهد التوحُّد الواسع والتقدم بالثورة على انقاض ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ .. 
    لكن ، في صياغة الميثاق لا زالت هنالك التفاتاتٌ إلى الوراء ، من أبرزها مُطالَبَةْ مجموعة من الأحزاب (قوى الحرية والتغيير/المجلس المركزي) أن تأتي للنقاش والتوقيع بعد تقديم نقد ذاتي لتجربة الحوار مع المجلس العسكري وتأسيس الشراكة معه بالتوافق على الوثيقة الدستورية !!! مثلاً .. سيكون الالتفات إلى الوراء من أكبر العوائق في بناء مشروع التوحد/التنسيق وتجميع كل قوى الثورة في مواجهة انقلاب ٢٥ أكتوبر :
- هذا يُطالب الآخرين بالنقد الذاتي ..
- هذا يسأل عن ١٩ يوليو١٩٧١ وذاك عن ٢٨رمضان/٢٣ أبريل ١٩٩٠ ..
هذا عن الاشتراك في برلمان النظام الساقط بعد إتفاقية القاهرة ٢٠٠٥ ، وذاك عن التفاوض مع النظام وإبداء الاستعداد للتحالف معه ومشاركته السلطة بعد مذبحة ٢٨ رمضان ١٩٩٠ ..
- هذا يُعاير ذاك ، وهذا يُجيب : من الذي نَصّبَكَ أساساً ؟؟ 
وهكذا ، بحث ومحاكمات لن تتوقف عند عنبر جودة أو انقسام مؤتمر الخريجين ، ولا معركة كرري ستكبح جماحها ..
 لن يتوقف هذا المسلسل حتى لو انبرى أحدهم ليقول : "بدون تقييمٍ لتجاربنا ودراسة سلبياتها لن نستطيع التخطيط للمستقبل بطريقة معافاة .. و.. و.." إلى آخر ذلك من مداخلات نظرية بَرَّاقة ومنطقية ولكنها لن تُفيدَ بناءاً مستقبلياً لمثل بلادنا المُهَدَّددة بالتجزئة والفناء ، التي يتكالب عليها الجوار الإقليمي والدولي أفراداً وجماعات ، ويطمع في رئاستها وتغيير طبيعتها قائد مليشيا تقول سيرتها أنها تاريخ القتل والحرق والاغتصاب في دارفور والسرقة والنهب لموارد البلاد وثرواتها ؛ يزحف الجنجويد ويتمدد على حساب جيشنا الوطني (المُغْتَصَب) نحو زمام البلد ونحن في صراعاتنا ، نزعاتنا في الانفراد وإقصاء الآخر ..

 "المماحكة" والهتافية تُظلِّل مساجلاتنا وأعوان النظام الساقط يعودون علناً لمواقعهم لاستعادة سلطتهم الغابرة تحت رايات (المكون العسكري) الذي لم يكن إلّا تأميناً لمصالحهم وإلّا امتداداً لهم .. لن ينفعنا اجترار الذي يحدث ووصفهُ وتحليلُه ، فالمخاطر تتكاثف من حولنا والوقت لن يسعفنا ، لا نملك ترف الجدل والمساجلات ، مخرجنا العاجل الوحيد (كما أرى) أن نضع معايير وطنية مخلصة وعلى ضوئها نتفق  على أسماء لرئيس الوزراء وأعضاء حكومته بالتشاور معه إضافةً إلى رئيس للمجلس التشريعي المرتقب يتعهّد من الآن أن يُعلن أسماء أعضاء الحكومة ورئيسها (المُتّفق عليهم) في أول جلسة للمجلس يوم سقوط نظام ٢٥ اكتوبر٢٠٢١ / بقيّة ٣٠ يونيو ١٩٨٩ ، وبرنامج بمهام الفترة الانتقالية التي لن يختلف عليها أحد والذي ينتهي بعقد المؤتمر الوطني الدستوري الذي يحدد كل شيءٍ في السودان ويصيغ دستوره وقانون الانتخابات وإجرائها وفقاً له ..

   الأمر سهل للغاية - رغم صعوبات المظهر - إذا أخلصنا بصدقٍ للوطن (وفيه تأسيس جيد لعلاقات المستقبل الوطنية) ، أسهل كثيراً من الندم الدامي :
"ندم البُغاة ولات ساعةَ مندمٍ
والبغيُ مرتع مبتغيه وخيمُ"
 06.03.2022