رواية أشباح فرنساوي لمنصور الصوِّيم... استرداد الذّات سرديا

رواية أشباح فرنساوي لمنصور الصوِّيم... استرداد الذّات سرديا ناصر السيد النور البنية السردية والسياق الروائي:  إن النص الروائي ليس مفكَّكاً عن بنيته المعرفية الُمشكِّلة لسياقاته الروائية التكوِّينية حين تكون طبقات السرد نصين يختل

رواية أشباح فرنساوي لمنصور الصوِّيم... استرداد الذّات سرديا

رواية أشباح فرنساوي لمنصور الصوِّيم... استرداد الذّات سرديا
ناصر السيد النور

 

 

 


البنية السردية والسياق الروائي: 
إن النص الروائي ليس مفكَّكاً عن بنيته المعرفية الُمشكِّلة لسياقاته الروائية التكوِّينية حين تكون طبقات السرد نصين يختلفان في المبنى أي المفاهيم التي ينهض عليها؛ ويشتركان في المعنى من حيث الحدود التي يصلها السرد عبر حوامله الهيكلية، وهي البنيَّة التقليدية في بناء النصَّ الروائي المكونة من الشخصيات والأحداث والشخوص الروائية...الخ بالحد الذي يتكيف مع أصول النصوص اللغوية قبل أن تتجسد بفعل القوى السردية ومركباتها الوصفية المباشر في نقل الواقعة السردية روائيا لتفعيل النص الروائي وفق محدداته النصيِّة. فإذا كانت البنية السردية تندرج ضمن المكونات التأسيسية للنص الروائي، فإن السياق الروائي حيث تجرى الأحداث مكونة مصدرا يستطرد السرد الفعل الروائي بمقتضى اللغة المفسرة والمعبرة عن تكوين الخطاب الروائي. وبما أن الأحداث والشخصيات الروائية سابقة في التحقق على بداية النص من حيث التجربة بالنسبة إلى الروائي، فإن حضوره (متجلياً) في السياق الروائي يكاد يكون وجودا مستقلاً عن جملة التصورات الروائية بما يشكل عالماً ليس بالضرورة – على خلاف النقد الرومانسي – موازياً للنص الروائي، بل حضوراً مهيمنا يشرع في تقنين وجوده على في بنية النصِّ الروائي ولغته المعبر عنها بحركة الفعل السردي. في تشريحه النقدي الكلاسيكي يقول الناقد الكندي نورثروب فراي في ملاحظته النقدية: "عند قراءتنا لأي موضوع [نصّ] فإن انتبهنا يتحرك باتجاهين أحدهما الى الخارج ما نقرأ من كلمات، وما تعنيه هذه الكلمات أو عملياً بالعودة الى ذاكرتنا للربط بينهما. أما الاتجاه الآخر فإلى الداخل الجاذبية التي نحاول من خلالها نطور من الكلمات أو الإحساس. ففي كلا الحالتين نتعامل مع مرموزات، ولكن فيما يربط المعنى الذي لدينا، بالإضافة الى الرمز الشفاهي أو ما يمثله أو ترمز اليه". وهو التفسير الذي يقارن بيِّن النص في الواقع والسرد. 
الرواية والتتابع السردي: 
إنَّ المدخل الذي حاولنا من خلاله فهم النصّ داخل المفهوم الروائي وعلاقاته المتفاعلة مع بنية مفاهيم تتعلق بتحليل ومقاربة النصَّ والخطاب الروائي، قد يتيح للقارئ التوغل بإدراك مسبق الى واحد من أعمال الصويم الأكثر تعقيداً من حيث بنائها التكويني كمكون روائي ينفذ الى مفاهيم فكرية ونصية (روائية). ففي رواية " أشباح فرنساوي" نعثر على نصين أحدهما في السرد والآخر في السياق الروائي، حتى لا يكون الربط مربكاً بما يفهم منه خلط ثنائي في توصيف مكون واحد. فإذا ما طبق السرد، أو أحد تراكبيه المكملة لبنيته اللغوي قبل توظيفه (إبداعياً) على المكون الروائي يكون التعامل الزاما مع مكونين ونصين بحسب أن كل منها له أدواته في التعريف والاستخدام دون أن يتناقض ذلك مع وحدة النص التي يجهد الروائي – عادة- في الحفاظ على تماسكها والتحكم بحركتها السردية.  يبرز النص السردي في بداية النص الروائي في " أشباح فرنساوي" متداعياً عن تجريب قصد منه الروائي الانفتاح على تدفق سردي هائل يحكمه الراوي مستنداً الى قوة اللغة السردية ورمزيتها الدلالية (ما وراء اللغة وليس النص Metalanguage استنباط المعنى الكامن في دلالة الالفاظ) في سرد متتابع يتوغل في بطء الى ما تقود إليه التفاصيل التي تشكل بنية النص الروائي كما في استهلال الرواية بصوت الراوي: 
لم يكن فرنساوي حاضراً في الحكاية، لم يكن جزءاً من نسيج الأحداث؛ تشابكاتها وتداخلاتها، انبهاماتها وانفصالاتها. فرنساوي حينها؛ حين تمفصلت الوقائع واستبانت المآلات والمصائر، بجناحيْ غمام؛ كان يحلِّق في برازخ انعتاقه الأبدي، ومن هناك، من عمق الروح يشير، ويقول: "نعم، هكذا يا ولد، تناسجت الأشياء.. هكذا، بدأت رحلة البرازخ.. رحلة الأرضي، السماوي، رحلة اللا انفكاك، اللا عودة، اللا صلح، اللا سلام، اللا نوم، اللا راحة، اللا شيء.. هكذا يا ولد انسج الحكاية، وتذكَّر أنَّ لا حكاية، لا فرنساوي كان، لا دَفَاق وجنائن خضراء، لا أرز خلا، لا إوزات رمادية سابحة في مياه الرهود*، ولا حبارات شائخة تطير لتحط وتحط لتطير، لا واديَ كَسَّار بمياهه الكاسرة وهديره الهادر، لا قضاة سكارى يترنحون، ولا نساء راقصات عرايا غائصات بأقدامهن الصغيرة في ميوعة الرمال الرطبة، لا رقيب أو عقيد أو جنود صغار يلوحون بأقدام تعبة، لا زمن مضى ولا زمن آتٍ، لا أنا لا أنت.. يا ولد، طارد الخيوط، الصق الرقاع ورتِّب الألواح.. وتذكَّر؛ في زمنه الآفل كان عوض فرنساوي؛ كانت عفاف نيالا، وكانت الحكاية.. لا تنس، لا تسه، لا تَحِدْ، هو الطريق يا ولد، فامضِ.. يا ولد امضِ، امضِ".
في هذا المقطع يبدأ النصُّ كما لو أن الراوي هنا يستأنف البداية نفسها عبر ضمير المتكلم، ولكنه لم يدع النصَّ منبثقاً عن لغة محضة تتكامل معانيها في مفردات وصفيِّة؛ فكان أن كوَّن هذا المدخل بإشاراته الواضحة عالم "أشباح فرنساوي" من حيث بداية الحدث، وتفاصيل العناصر التي تكونت منها الرواية. حاول الروائي عملياً اقتراح بناء لغوي كوسيلة توصل الى ايجاد حيز سردي مبرراً لظهور شخصية عوض فرنساوي في ربط محكم يقترن بالفضاء المحتشد بصور تبدو مفزعة كامنة في دلالة الأشباح المقترنة بشعور مشفق بواقع المأساة التي أحاطت بحياته ليرتد الى أن يطغى على البداية المستعادة من قاع تجاويف ذاكرة شخصية محمد لطيف لتطبق على مسار الحدث الروائي في كامل العمل. وتنفصل بالتالي المحاولة الروائية هنا عن سائد البدايات للعمل الروائي، وتفضي المحاولة الروائية الى تجريب في النص دون أن تغادر التصور السائد للبداية نفسها.   ولكن باستخدام تقنية الاسترجاع الزمني، واستعادة تفاصيل تطور حياة عوض فرنساوي يتصاعد السرد بزمن يتصاعد خطياً نحو التعقيد المرهق للأحداث الروائية. فتكاد تكوِّن كل شخصية روائية بموقعها السردي وأبعادها المرتسمة على خارطة الرواية، بنية سردية مستقلة عن كامل النصّ وبنيته السردية المتراكبة التي تشكل النص الروائي موظفاً بأدواته التي لا تتقوم إلا بالطاقة التي يمنحها الروائي للشخصية. وعلى الرغم من الوجود المادي (الظهور الحقيقي) لشخصية عوض فرنساوي بما هو شخصية محورية بؤرة السارد في الرواية وأحداثها Focalization – بالترجمة النقدية العربية- يكاد يتحدد في موضعين في بداية النصَ حين يفارق الحياة في المستشفى ومن ثمَّ بالاسترجاع المتكرر كما يدونه محمد لطيف، وكيف انتهت حياته على يد الضابط بصورة عنيفة دامية. فالرواية صاغت شخصية عوض فرنساوي ليتحدَّد زمنيا بين الاستباق والاسترجاع مهيمناً على تفاصيل   الاحداث، ودائماً ما يُفعل من وجوده في مسارات متعددة حيث تتواجد بقية الشخوص، والأماكن وبالتالي تتعدد تجليات السرد وفق الضرورة التي – احيانا- ينساق إليها الروائي استجابة الى التجربة التي تسند التصور الروائي وعالمها، المتخيل منه والموضوعي. 
تداعى السرد الروائي بالقدر الذي تطورت معه الشخصيات الروائية عبر وسائط بيئية (المكان) والرصد النفسي لصور الشخصيات وما تعنيه دلالاتها الوظيفة (الوصف الروائي) في واقعها المتناقض؛ وما قادت اليه وفق تفاصيل السرد من أحداث لا تعني الشخصيات الروائية من حيث تحليل ظواهرها. فكأنما أرادت الرواية أن تكشف الواقع دون وعي (تفسيري)، فجاءت الشخصية معبرة بالقوة التي يمنحها النص الموضوعي لما تكون عليه الشخصية في سياقيها الطبيعي أو التخييلي. فنجد أن الشخصيات قد ارتبطت بواقعها المنطقي في تطابق تفصيلي انسجاماً مع الأحداث، فعنف السلطة و تهويمات المثقفين لا تعبر عنها إلا أدوات ممثلة في شخصيات ذات وجود طبيعي و فعل ممكن الحدوث و معايير ضابطة لسياق السرد متجسدة في شخوص الرواية ضباطا و شعراء و مغنيين...الخ استطاعت الرواية أن تقترب بعمق من المحاور المفصلية في بناء شخوصها الروائية، فتأوَّل النص السردي الخطاب الروائي محكم البناء، ذلك الاحكام الذي قيَّد حركة السرد ضمن الأبنية الصورية لتفاصيل الرواية؛  على غير ما يفهم في واقع الدراسات النقدية في تلك البنية الصورية للشكل الواقعي للرواية من حيث بنائها التقليدي المعروف. فالذي يعنيه البناء المحكم في مفهوم نقدي آخر، ربما كان المفهوم الذي يستتبع المنطق الداخلي للنصِّ الروائي وبقدر مقاربته لرؤيا الكتاب لينتهي الى ما يمكن اعتباره فلسفة الرواية.  
تواجهنا المصائر المتحولة للشخوص في منحى متكامل إذا ما اطبقنا عليه المستويات البنيوية للسرد من حيث رؤيا الراوي وعلاقته بالأحداث. خاصة أن رؤيا الراوي تعني المنظور الذي حاولت الرواية النظر من خلاله الى العالم عبر تكوين الشخوص الروائية سردياً في تناص وجودي بين الشخصيات والسرد لتفسير العالم كما أرتأه الروائي. أيضا ثمة مصادر متعددة انبثقت عنها وتفاعلت الشخوص الروائية، فأولى هذه المصادر المكان وما تفاعل فيه من الفعل الانساني مجرداً في كالعلاقة بين الرقيب بشير وقهر السلطة الغاشمة في شخصية الضابط مدثر الجاك، وما تحدثه هذه التفاعلات الانسانية وينتج واقعاً يكون له أثره على تصرفات الشخصية. فجاء العنف كأقوى ما تكون عليه السلطة الممنوحة وشرعيتها النافذة غير المسائلة في تصرفاتها غير العقلانية في واقع أحداث الرواية ومكانها. فتكاد العلاقات بين شخصيات الرواية  التي يتقوم بها السرد الروائي؛ تحوِّل منظومة السرد دون أن تتناص ( على مستوى الخطاب البنائي للرواية) و لكنها تشكل نصاً أولياً بالغ التأثير  Hypotext    كمصدر  يُوِّحد بين المقاطع السردية و منظومة الرواية السردية المتشكلة في نصوص محمد لطيف عن مأساة عوض فرنساوي مستمدة من قصة صديقه بشير بحسب ما يقوده إليه السرد المتتابع في سياق زمني مشترك يستوعبه مكانان يختلفان بطبيعتهما الفيزيقية و ينجذبان بأبعاد الرواية السردية و مركزية أحداثها؛ مما أتاح للرواية تبني تركيبتها (بنيتها)  السردية وفق الطرح المتتابع لسرد التفاصيل الحاكم للسرد الروائي.   
فقد تمحورت الرواية في زمنيها الاسترجاعي والاستتباعي على شخصية المدقق اللغوي، محمد لطيف، و هو يعيد صياغة، و كتابة قصة فرنساوي في فضائها المكاني الجغرافي في دارفور حيث بدأت و انتهت حياتها هناك.ومن ثَّم انتقلت دلالاتها الرمزية متقاسمة المكان و الأحداث في سياق روائي مغاير.  إن المكان لا يتحرك أو ينزاح بين محيط عوض فرنساوي، ومحمد لطيف حيث يعمل الأخير مدققاً لغويا بصحيفة بالخرطوم، فلكل من المكانين رمزيته ودلالته بما يتطابق مع أبعاد المكان الثقافية والاجتماعية ذلك التطابق بما يتعدى فرضية المكان القصصي الى مكان وفضاء جغرافي متفاعلاً مع الشخوص الروائية حيث تدور الأحداث الروائية.  استطاعت الرواية التعبير والتعريف بالمكان، أي أشكال التعبير الثقافي المنتجة بالتفاعل البشري وخاصة الفلكلوري منه ما يرد في أغنيات شعبية وصورة ثقافية أخرى ذات خصوصية أنثروبولوجيا وصفية إذا جاز التعبير لتحليل الظاهرة الثقافية بما عبرت عنه الرواية عن المكان وتناقضاته. فتكاد الرواية تستجيب في بنائها الفني الى المحددات والمتغيرات المكانية وما اشتمل عليه من أوصاف جعلت حضورا ومصدرا لبنية الحدث الروائي ومسرحا للشخصية الروائية. فما من شيء أطلقت عليه الصفات الدلالية والرمزية كالمكان و موقعه و دوره في إعادة صياغة النص السردي، فهو في ضوء الاتجاهات النقدية الحديثة و السيمولوجيا المعرفية: الفضاء، و البعد الاستراتيجي، و الجمالي و الشعري، و النص الطبوغرافي ...الخ فتعددت صفات المكان بالقدر الذي يمنح المصطلح النقدي طاقته في مقاربة حدث أي يكن وقعه الزمني داخل الاطار المكاني.  فظهر المكان مستوفياً شروطه الجغرافية في الواقع متخذا من الأودية والغابات والمستنقعات حيث جرى سحل عوض فرنساوي، ومدناً قرى متحولة إحليت في تجميع سردي Narrativization الى إجزاء مركبة لمسرح أحداث الرواية. 
تقاطعات الذَّات: 
تقاطعت شخصية محمد لطيف مع الروائي، والمحيط الذي ينتمي إليه (الصحافة)، وهذا التقاطعات هي ما عبَّر عنه الروائي عن رؤياه الشمولية للعالم Weltanschauung من خلال عمل المدقق وحالات الاشمئزاز التي يبديها وهو يدقق ويحرر المقالات الصحفية. فقد أحال الروائي تجربته في ميدان من ميادين الحياة والعمل الى تشابك تخييلي يعبر عنه خطاب روائي مفتوح الأفق وقابلاً لاحتواء كافة العناصر التقنية لخلق مساحة سردية يمكن تفهمها وفق منطقها السردي. فإذا كان انتماء الروائي الى شخصية ما في العمل أو تخفى وراء شخصياته من أجل توصيل الخطاب الروائي، فلا يمكن ان يعزل المحيط المحايث للتجربة الشخصية عن الكاتب. ولابد من الإشارة الى التداخل بين شخصية الكاتب والراوي وما بين السيرة والتخييل، وهو الفصل الذي أولته الدراسات النقدية اهتماما خاصاً لفصل التداخل بين التشابه والتطابق بين أحداث مصاغة سردياً وفقاً لبنية نصية وبين احداث واقعية ومسافة الروائي منها.  وتكمن المفارقة استناداً الى حركة الشخصية في النص الروائي دون أن تستبطن شخصية الروائي، فيظل انعكاس الأنا في محور الخطاب الروائي؛ في تفاصيل و موقع  شخصية محمد لطيف في يؤرة الأحداث و شروطها السردية و ما تنقله من إشارات استدلالية مدركة بوعيها الذاتي معبرة عن شخصية الروائي في انفصال يبعد عن التطابق و الاحتواء عن الشخصية الروائية، على غير ما تعبر عنه الذَات (الأنا) عادة عن هويتها في الرواية المعاصرة محكومة بأطر معرفية و ايدولوجية بواسطة ضمير المتكلم لتضيف بعداً جماعياً أو مجالاً اجتماعياً يتحول الى شخصية راوية داخل الخطاب الروائي. وعليه تكون الشخصية الروائية مخولة بقوة السرد للنفاذ الى لاوعي شخصية الروائي وتمثل تصوراته الوجودية ووجهة نظره، وهي المسافة التي يبقيها الروائي بينه والوجود الفعلي للشخصية الروائية دون أن يتمكن من السيطرة على مغاليق الطبقات النفسية للشخصية منعاً للتسريب الذي يكشف في السياق الروائي عن ذاتيته فحسب؛ بل اشكالاته النفسية والوجودية.
لا تقتصر رؤيا الروائي الشخصية على الشخصية الروائية كذات ناطقة ومكونة بطبيعتها الانسانية وذاكرتها المستعادة في الزمن السردي، فالمحيط الانساني تتفاعل فيه عوامل مكونه من عناصر هي من طبيعية المحيط ذات تأثير قوي على الشخصية الطبيعة. فإذا كان المكان يشكِّل عنصراً لا تتقوم بدونه النصوص الروائية، فإن أثره وما ينتجه من احداث وأنماط ثقافية تطبعه وتميزه عن غيره من الاماكن من حيث الوجود الجغرافي أو الثقافي. ونجد أن موضوعات المكان في رواية " أشباح فرنساوي" لم تكن بعيدة عن تقاطعات الأنا منعكسة عن تجربة الروائي حول ما دار من أحداث في المكان، حيث تعدد المكان في السرد الروائي، و عليه استمر هذا التعدد في الصور المنقولة عن بيئة المكان وفق منظور انثروبولوجي أحال العلامات اللغوية و المادية كما تعتقدها ثقافة كل مكان الى وقائع سردية بالغة التشويق بالحالة الثقافية التي تكون عليها التصورات الثقافية السائدة Ideologeme  فالاتصال بالمكان يبقى جزء من محاولة الذات لاسترداد المكان سرديا الى زمن الخطاب الروائي بحيزه الطبيعي وما يجري فيه من تفاعلات انسانية مستعادة ومستردة في الخطاب الروائي بآلية الزمن في بعده التاريخي و متغيرات الحاضر.  
تعدد الزمن السردي: 
إنَّ الزمن الوجودي (الفيزيائي) بأبعاده وقياساته تتطابق كما في النصَّ الروائي حيث لا يتدخل في تفاصيل الاحداث الروائية أو يحددَّ حركتها الزمنية، ولكنه يلقي بأثره المحسوس ضمن الزمن الواقعي أو الموضوعي الذي تقع ضمنه حركة الشخوص الروائية في تتابع سردي بالرؤيا التي يتصورها الروائي. ولكن يظلَّ التحكم بالزمن في المتن السردي مرتبط بواقع حركته في الماضي والحاضر والمستقبل. وبما أن الرواية تنقلت بتمدد زمني ومكاني بين أحتوى على أحداث منفصلة ومتداخلة فقد شكلت كل منهما زمنه في سياق الايقاع السردي فكان الزمن بمثابة تجسير بين الشخصيات الروائية والأحداث السردية. فقد أشرنا الى زمن استرجاعي زمن الحكي، رواية عوض فرنساوي في زمن يستقطعه محمد لطيف من زمنه. ومثلما حاول الراوي موازاة الزمن السردي متوحداً مع الحدث الروائي وتفاصيل التي تقع ضمن الزمن الايقاعي للسرد، فقد واجهتنا المتقابلات، أو المقارنات بين زمني الأحداث والمكان. ثمة ثنائية تتوازى حتى تكاد أن تفصل الرواية الى جزئيين، فالمكان والزمان والشخوص متحركة في فضائي السرد، وحتى العلاقات الانسانية المتبادلة بين عفاف وبشير ومحمد لطيف وساندرا، فكأنما أرادت الرواية أن تفصح عن زمن وتعبير انساني واحد ربما تباعد بالمكان وتوازن بالمشترك الزمني. لقد ركزت الاتجاهات النقدية في البحث عن التعدد الصوتي   Polyphonic كأحد تشكيلات النص السردي وتَّم قياس الزمن الروائي كوحدة متصلة لا تختلف أو تتعدد إلا من خلاله تسلسل الاحداث أو الاشارات الزمنية المباشرة كتفاصيل الوقت والايام والسنوات. 
اللغة في الرواية: 
إذا كان النص الروائي، متن لغوي بمركباته اللغوية وصوره الدلالية يخضع الى تجربة الروائي ورؤيته المعرفية وما يحتمله من تفسير، فإن اللغة بمنطوقها اللفظي والبياني تُصب في سياق النص الروائي بغية تكوين صورة لغوية متكاملة الأبعاد البيانية واللفظية والتركيبة. رواية الأشباح في مقاربتها اللغوية وارتباطها بالنص السردي داخل المستوى اللغوي الذي استخدمه الروائي مقابل كل شخصية ابرازا للبعد اللغوي والنفسي لها برهنت على قدرة الراوي على تحويل الأشياء والاحداث والعواطف الى صورة مرئية مستخدما أداة التحويل، أي اللغة المختارة وتعابيرها الدلالية ما مكنه من تحويل الواقع الموضوعي الى بنية سردية جمالية. تعدُّ اللغة من بين الأدوات التي يجيد الصويم بها رسم شخصياته الروائية بما يتجاوز قدرتها في التعبير عن رؤاها. فمن لغة مشعبة الدلالات تتجلى فيها القدرة السردية المفتوحة حين تفعل الألفاظ وتُمنح درجة أعلى مما هو مألوف من واقع الكيان اللغوي المسبق في اقترابه من الشعر، الى لغة ذات مستوى تعبيري تنطق به الشخصيات داخل النسق المعرفي للشخصيات. ففي جانب يجرد الراوي النص الروائي من ارتباطاته الموضوعية، ويجعل من التداعي اللغوي المحض مقاربة شعرية بوحي الكلمات وهذا ما نعثر عليه في نصوص شعرية ومقاطع سردية عبرت عنها شخصيات الرواية كأشعار الشاعرين البرثنين ونصوص خطب ثلة المثقفين. ووفقاً لتنصيف بأختين للكلمة داخل السرد وحدود درجة ترميزها سرديا مع مرجعتيها الموضوعية في المتن اللغوي، فإن الروائي وظف اللغة في تعدد مستوياتها التطبيقية والوظيفية. وأفاد بالتالي الشخصيات الروائية بالتعبير السردي واللغوي المتزامن مع موضوعية بنية الخطاب الروائي. 
أسئلة الرواية: 
إنَّ الانتقال الدراماتيكي لأحداث "رواية فرنساوي" وتموقعها بين مكانين (هامش دارفور/ عوض فرنساوي، مركز الخرطوم/ ثلة الخميس) وما يرمزان إليه في بنية الخطاب السياسي والاجتماعي السوداني، أضطر الرواية الى توثيق وابراز الحيوات في المنطقة الحادة بين المركز والهامش. فهي أي الرواية من حيث المنظور الفني الجمالي لا تنتقد أوضاعاً قائمة في واقع ما، أو تقترح حلولاً لمشكلاته. أستطاع الروائي أن يتجاوز ما وسم عدداً من الروايات السودانية الصادرة مؤخراً وهي تعالج العلاقة ونتائجها بين مركز مهيمن وهامش مستضعف وما بينهما من صراع له نتائجه على الأرض (الهامش)، وذلك بإيصال الخطاب الروائي الى عمق الخلافات البنيوية في العلاقة الجدلية بالتي تحكم الطرفين.  فإذا أشارت تفاصيل المكان الأول (الهامش) الى بؤر ثقافية معالجة روائيا في التعابير الثقافية الفنية كالأغاني والأشعار العائدة الى ثقافة الهامش وارتباطها ضمن حدود جغرافية المكان، وعليه انتقلت الأحداث الى محيط آخر (المركز) الذي لم يخل من تبعات الوجود السلطوي القاهر الذي أجلت أحلام ثلة المثقفين ازاحته ريثما تفوق من غمرة الهذيان الابداعي في الشعر والمغالطات التي يلجؤون إليها بينما تترسخ قوى السلطة. شكلت السلطة في بعدها الإجرائي العنيف معضلة دارت حولها أحداث الرواية، ولم تغب عن الظهور مطلقاً عن السياق السردي. دائما ما كان هناك سقف يحد من تطلع الشخصيات العادية المهمشة في واقع المكان كشخصية الور عدو الجلابة وبائعات الشاي، أو المثقفين على تخوم الخرطوم.  
استخدمت الرواية التفاعلات الانسانية بين السلطة ممثلة في شخصيات اعتبارية بالمفهوم السلطوي ومحيط تنفيذها للفعل السلطوي عبر آلياتها التنفيذية كرموز لقراءة واقع مأخوذاً بسطوتها المطلقة. وأحالها الراوي سردياً الى وقائع حياتية كما يتوقع لها أو كما وقعت، بينما نقدها الاخلاقي وتعارضها القيمي يتجلى في انفلاتات وممارسات سلوكية شخصية. فمحاولات شخصية الضابط المستميتة في استعادة فحولته باللجوء الى السحر والشعوذة ما هي إلا متابعة وتأمل لمآل السلطة من أن بداية نهايتها تبدأ بانهيار عضو في اجهزتها ولكنها لا تتنازل إلا بثمن فادح. وبالمثل فإن المدى المتسع المتمدد سرداً أمكن للرواية ألا تقتصر على ادانة السلطة ونقد خطابها السياسي في استئثارها بممارسة الغرائز كما في استباحة رجالها لحرية الآخرين أو تصميمها على ازاحة الآخرين كفئة المثقفين؛ تلك الثلة المنسحبة احباطاً والغائب عن الفعل والواقع المتحدي لطموحها.  فقد عالجت الرواية بتقنيتها السردية متعددة الأوجه موضوعات اجتماعية يقع بعضها في باب الرَّصد التاريخي كما السياسي والتاريخي الاجتماعي لظواهر وممارسات تحدث وسط مجتمع ما. أراد الصويم أن تظل أسئلة روايتها تبحث لها عن اجابة.