المفكر الدكتور فرانسيس دينق فى حوار الفكر والسياسة والثقافة.. ٢/١

 المفكر الدكتور فرانسيس دينق فى حوار الفكر والسياسة والثقافة.. ٢/١ *إطار دستوري يجمع بين الشمال والجنوب وليس مهماً التسمية.. * فشلنا  فى خلق مناخ للوحدة .. *لامصلحة لأمريكا فى فصل الجنوب.. *قرنق قليل الكلام حاد الذكاء .. *الجنوبيون لم يسعوا لفهم السودان.. *لازلت سودانياً.. *أبيل ألير قال :ليس هناك مايدعوا للشك فى وفاة قرنق. الخرطوم : كليك تو برس:محمد نجيب –عامر محمد أحمد

 المفكر الدكتور فرانسيس دينق فى حوار الفكر والسياسة والثقافة.. ٢/١

 المفكر الدكتور فرانسيس دينق فى حوار الفكر والسياسة والثقافة.. ٢/١
*إطار دستوري يجمع بين الشمال والجنوب وليس مهماً التسمية..
* فشلنا  فى خلق مناخ للوحدة ..
*لامصلحة لأمريكا فى فصل الجنوب..
*قرنق قليل الكلام حاد الذكاء ..
*الجنوبيون لم يسعوا لفهم السودان..
*لازلت سودانياً..
*أبيل ألير قال :ليس هناك مايدعوا للشك فى وفاة قرنق.


الخرطوم : كليك تو برس:محمد نجيب –عامر محمد أحمد

تتسم كتابات المفكر الدكتور الجنوب السودانى بالعمق وقوة الحجة والمعرفة الدقيقة بأدوات الكتابة مع روح علمية ناصعة الوضوح . إنطلق الدكتور فرانسيس من الثقافة المحلية لقبيلة الدينكا وجنوب السودان والمعرفة بتاريخ السودان الثقافى والحضاري والسياسى الى العالمية . نشأ " دينق" فى بيئة زعامة وعلاقات إنسانية متشابكة ومتصالحة ومتصاهرة بين الدينكا والمسيرية فى أبيي بين والده الزعيم الراحل "دينق مجوك" وزعيم قبيلة المسيرية "بابو نمر" كتب دكتور فرانسيس فى الفكر والسياسة كتباً عديدة وروايات لايزال صداها الى اليوم قراءةً وبحثاً  فيها ، كما كتب عن والده دينق مجوك وصديقه بابو نمر كتابين يعدان مرجعين فى التاريخ الإجتماعى والثقافى السودانى .
فى فندق كورثيا بالخرطوم إلتقينا الدكتور فرانسيس، إستقبلنا فى ترحابٍ ومودة "وجلباب "سودانى يحكى عن بساطته وإعتزازه بالإنتماء الى أرض تمتد من نملي الى حلفا . ودكتور فرانسيس دينق، تتفق أو تتختلف معه فى رؤاه إلا أنه فئة الكبار ثقافةً وفكراً وإنسانياً ، الذين يندمو المرء كثيراً إذا لم يتعرف عليهم أو يجالسهم .


وفرانسيس دينق هو المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة عن منع الإبادة والفظائع الجماعية ،وأستاذ وباحث فى السياسة الدولية والقانون والمجتمع فى جامعة "جونز هوبكنز"وزميل غير مقيم فى دراسات السياسة الخارجية فى معهد بروكنغز ، ولسانس حقوق من جامعة الخرطوم 1962م ، ماجستير فى القانون1966م ، ودكتوراة 1968م من جامعة ييل بأمريكا. ومن مؤلفاته " صراع الرؤى :نزاع الهويات فى السودان،السودان على حافة الهاوية ، رجل يدعى دينق مجوك، وروايات بذرة الخلاص وطائر الشؤم ،
*فى ورقتها العلمية التى قدمتها دكتورة فدوي عبدالرحمن طه فى فعاليات جائزة الطيب صالح قالت بأنها أحست بحزن عميق ، وهى تستقبل الدكتور فرانسيس دينق ، كضيف وشخص أجنبي يزور السودانن ، تري كيف كان شعورك وأنت تزور السودان؟
هذه ملاحظة تتميز بالعمق ، وكما ذكرت كثيراَ فى كتبي ولقاءاتي حتى بعد الإنفصال فإن العلاقات مستمرة ، والوحدة والإنفصالية درجات فى علاقات مستمرة ، يمكن تقويتها أو إضعافها ، على حسب نظرية الشخص لنفسه .
* هل أصبحت أجنيا أم مازلت سودانياً؟
 وأنا شخصياً أفتكر لا زلت (سوداني) وكما قلت للأخوة عندى " جواز دبلوماسي سودانى " وكنت وزير دولة للخارجية ، أستحق الجواز عندما أتيت فى زيارة عامة أثناء مفاوضات الجنوب قام الرئيس السابق البشير وقد شاهدني نازلاً من محل التوقيع ، ونادانى ، وقال ياسلفاكير ، انت عارف فرانسيس " زولى" ونادى على أشخاص حوله ، يافلان ياأخى أعطوا فرانسيس ، جواز سفر دبلوماسي ، والجواز الدبلوماسى كان معى ، منذ سنوات بعيدة ، لكن الصحف ، أخذت القصة كأنما ، تم إعطائى الجواز الدبلوماسي ، لأول مرة ونشرت الصحف ، بأنه قد تم إكرامى بالجواز الدبلوماسي ، وفى الجنوب "المتطرفين" الذين إعتقدوا بأن الإنفصال معناها "خلاص" علاقات " إنقطعت " وخاصة بعض الناس فى منطقتنا الذين تطرفوا نتيجة المشاكل ، لم يعجبهم هذا الخبر ، كونه ، يعطونى الجواز الدبلوماسي ، ولم يكونوا يعرفون أن عندى جوازاً دبلوماسياً وأن الأمر ليس فيه مساومة .
*هل حزنت للإنفصال؟ 
كما ذكرت فى كلمتى الأخيرة كنت حزيناً لان البلد قد إنفصلت وشعرت بالتقصير فى حقنا لأن  السودان كله لنا وطن ، وكانت " الخلطة جميلة " وكنا نعتزبأننا أكبر وطن فى أفريقيا .
*كنت ترى أن أبيي هى النموذج للوحدة؟
حقيقة وهذا تاريخ قديم حتى قبل الإستعمار ، قبل الحكومات تدخل فى هذه العلاقات القبائل خلقت علاقاتها بنفسها ، والد " جدنا" أول من خلق صلة مع العرب ، وأتى " جدنا" ثم الوالد ،وحتى الإنجليز أعطوهم الخيار ، هل تريد أن تبقى فى الشمال أم ترجع الى الجنوب وكلاهما " الجد والوالد" إختارا البقاء فى كردفان ، ودائماً ما أقول للناس ، هل الانسان يختار مكاناً أو "محلاً "وهو ليس له خير فى هذا المكان . وأنت تختار ماتشعر بأنك مستفيد منه ، وكانوا يشعرون بأن وجودهم بين الجنوب والشمال " كحلقة وصل" وجسر للتواصل وحتى كنت أقول للأخوان عندما كنت فى الخارجية " أفضل أو أحسن " نكون أفارقة أو نكون عرب فقط ، أم الافضل أن نكون " الاثنين معاً" وعندما تكون فى مجموعتين يعطيك وزن أثقل ونفس الشئ بالنسبة لمنطقة ابيي . طبعاً كل الناس تعرف بأن هؤلاء دينكا وجنوبيين من العنصر والعرق والثقافة . ولكن ايضاً لهم صلة خاصة بالشمال ومستفيدين من هذه الصلة .حتى من الناحية الثقافية ، وبعد الإنفصال شعرت بأننا فشلنا فى أن نخلق مناخ  للوحدة . وكنت من أكثر المساندين لمبدأ حق تقرير المصير ، ليس من أجل فصل الجنوب ، وإنما للضغط على " الجماعة " فى الخرطوم ، بأنه إذا لم تتمكنوا من خلق مناخ للوحدة الحقيقية ، والناس يشعروا بعزة أنهم " سودانيين " ومتساوين ، فإن البلد مهددة بالإنفصال ، وأحسن تغيروا هذا الوضع لصالح الوحدة ولكنهم طبعاً فشلوا.


*كنت تنادي بحكومتين فى سودان موحد ؟
أنا كنت رئيس مناوب فى لجنة تم تكوينها فى أمريكا ، من أجل الخروج بتصور لسياسة أمريكا نحو السودان  فى تلك الفترة ، كان كل العالم يريد أن يظل السودان موحداً ، لكن الظروف الموضوعية فى السودان ، كانت غير مشجعة للوحدة .وفى إجتماعات إستمرت شهوراً كنت الوحيد الذى لم يكن أمريكياً والبقية كلهم " أمريكيون : وأغلبهم كانوا يرون أن لامصلحة لأمريكا فى السودان ، وأهمية السودان فى رأيي تكمن  فى عمقه الأفريقى والعربى، والثانية إذا ترك وحيداً فى زعزعة المنطقة وهناك الناحية الإنسانية ونتائج الحروب وقالوا : بأن أمريكا لا مصلحة لها فى السودان ، نترك السودان لأوروبا ، ونحن ندعم من بعيد أنا أستطعت أن أقلب هذا التصور وقلت لهم أن السودان مهم جداً وهو ملتقى للعالم العربي وأفريقيا وجسر للثقافات والاديان ، ومنطقة تدعم علاقات بين هذه المناطق أو تكون منطقة مواجهة ، وهذه المواجهة ستكون لها آثار فى أفريقيا والشرق الأوسط ، وأخبرتهم بأن دخول السودان فى الإرهاب نتيجة للحرب ، وأن ذلك لشعور الخرطوم بأن الغرب يساند الجنوب وبالتالى تقف مع أعداء العالم الغربى الأوروبى فى العالم العربي، أما زعزعة المنطقة أيضاً لشعورهم بأن الأفارقة " مساندين " لجنوب السودان من الناحية الانسانية نتيجة للحرب، لذلك لابد من توقف الحرب وبالتالى توقف الإرهاب والصراعات فى المنطقة وتنتهى أيضاً الأزمات والمشاكل الإنسانية ، ونحن نريد أن يظل السودان " موحداً" فكيف نحقق ذلك ، وقلت: لهم لابد أن نجعل من المستحيل ممكناً ونوفق بين شيئين ينظر الناس لهم كأنهم لايتحققان ابداً ، وهو ان السودان يريد الوحدة ، والجنوب الإنفصال  ، السودان عايز العروبة والاسلام والجنوب الافريقية وقلت ممكن أن نوفق بين الاشياء هذه كلها بان يكون بلد واحد ، ونظامين مختلفين ، السودان يظل فى عروبته واسلامه والجنوب فى ثقافته وأفريقانيته ولكن يظل فى بلد واحد . وكان فى ذهني أن هذا الترتيب يحقق لنا الوحدة ، ولكن طبعاً لم نوفق .
*بماذا شعرت بعد إنفصال الجنوب، بعد كل هذه الجهود التى بذلتها من أجل الوحدة؟
مامكن نقول أن الجنوب والشمال إنفصلوا ومعنى ذلك أن  لاتكون هنالك علاقات هذه العلاقات ستستمر وفى المستقبل لو نجحنا فى أن نخلق  مناخ لحلول مشاكلنا الداخلية التى تتعدى الحدود وتخلق مشاكل ممكن نرجع للتعاون كنوع من الوحدة أو " التوحيد" حتى ولو لم نرجع للوحدة القديمة،أنا فى إحساسي كنت أشعر بان التطورات فى السودان من التاريخ القديم الذى يقول بأنك إذا أصبحت مسلماً أو عربياَ تكون على مستوى إحترام وتقدير ، وإذا كنت أفريقي وأسود ، أنت مستهدف ، من هناك إنطلقنا وعرفنا بأننا فى وطن يمكن لهذا الوطن أن يستوعب الجميع وهذه رؤية جديدة يمكن الإرتكاز عليها ونسيان التاريخ القديم وأيضاً مبدئياً هناك  حقوق وطنية يجب القيام بها ، وعندما جاءت إتفاقية أديس أبابا كان فى ذهنى أنها يمكن أن تخلق واقعاً جديداً يتمثل فى تمتع الجنوب بالحكم الإقليمي الذاتى، وبالتالى متفاعلاً مع الشمال ،وتدريجياً سنجدالمناخ فى مجتمعنا مع بعض ونستطيع "خلق سودان واحد" وهذا أيضاً كان مصيره الفشل .
*عندما تم تقسيم الجنوب من جانب النميري لثلاثة أقاليم ،كان هناك إتهاماً يتردد بأن "الدينكا "هم الذين ضغطوا على النميرى ، لأخذ الحيز الأكبر من السلطة فى صراعهم مع الإستوائيين الذين كان جوزيف لاقو نائب رئيس الجمهورية يمثلهم .أين الحقيقة من كل ذلك؟
كنت مع النميرى فى دار السلام بتنزانيا ، فى أمسية لوحدنا، بدأ يشكو من الجنوب ويقول" ياأخى أنا حققت لهم السلام والإستقرار ولم يقدروا ذلك ، ويتهمونى ويشتمونى وأنا سأرفع يدى عن الجنوب وأشوف حايمشوا الى أين ! "قلت له حضرة الرئيس ، حل مشكلة الجنوب، أكبر إنجاز عملته ، وقال لى ، أقول لك سراً ، هنالك إقتراح من جوزيف لاقو،بتقسيم الجنوب الى أقاليم ، وأنا رافض لهذا الأمر ، والدينكا لايعلمون بأننى رافض لهذا الإقتراح ، بعد (شهرين، ثلاثة)، بدأ إجتماع الإتحاد الإشتراكى وأعلن للحضور بأنه هناك، إقتراحاً من "فلان" لتقسيم الجنوب ، وأنا أعتقد بأن هذه المسألة يجب أن تناقش.
*تحدث معك عن رفضه لقرار التقسيم ، ثم أعلنه بنفسه بعد شهور؟ 
نعم تحدث معى عن رفضه ، ثم أعلنه بنفسه ، وأنا متأكد بأن الفريق جوزيف لاقو ،حتى لو قال هذا الكلام حول تقسيم الجنوب ،يكون قد نسي الموضوع .
*لماذا فى إعتقادك إتخذ نميري قرار التقسيم الذى كانت له تبعات كثيرة فى تاريخ السودان؟
نميري كان غاضباً من الجنوب ، وفى إعتقادى أنه قد عمل عملاً ممتاز بالسلام فى الجنوب ، وكذلك إرساء الحكم الإقليمي فى الجنوب ،لكن أعتقد أيضاً بأنها كانت تحركات تكتيكية ، وليست نظرة مرتبطة بمستقبل الوطن ، وتاريخ الرئيس النميري به كثير من التقلبات ، فقد وقف مع الشيوعيين ضد اليمين، ثم بعد إنقلاب الشيوعيين ضده تحول الى اليمين ، وفى الآخر" أصبح وسط " ومع الجنوب ،وعندما شعر أن الإسلاميين الأقرب الى الحكم ، تخلى عن الجنوب وأتجه نحو" الإسلاميين".
*إنضمامك الى الحكومة فى عهد النميرى وثورة مايو؟
كان لقناعة شخصية ، بانه مضى فى الطريق السليم بالنسبة للبلد ككل، لكن إتضح لى إنه يسعى فقط للحفاظ على السلطة والحكم .
*علاقتك معه "كيف كان شكلها" عقب ترك المنصب فى حكومة مايو؟
إستمرت معه ودية ،حتى أنه طلب منى عقب ظهور التمرد من جديد الذهاب الى أديس أبابا والتحدث مع من حمل السلاح وتمرد ضد حكمه ، فقلت له ، ماذا أقول لهم !، هؤلاء ناس عندهم قضية لذلك إعتذرت له،وقلت له بأننا علاقاتنا ستستمر وأنا سأظل متمسكاً بمبدأ خدمة الوطن ، مهما كان عملى فى الخارج ، وفعلاً كان كل مايأتى الى أمريكا ،أستضيفه وعلاقتنا "إستمرت".
*تقييمك لشخصيته السياسية ورئيس للدولة ؟
شعرت بأنه لم يكن له البعد الإستراتيجى والنظرة السياسية الثاقبة لقيادة البلد، كان هدفه البقاء فى السلطة .
*كيف تنظر الى المشهد السياسي السوداني الراهن ؟
الظروف الآن فى السودان بدأت تتغير ، وعندما أتيت فى ديسمبر 2018م، أثناء محادثات الجنوب، عملت محاضرات فى الجامعة ولقاءات مختلفة ، فشعرت ، أن هنالك إتجاه فى تغيير وتفكير وذهنية الناس وأن المشروع الحضارى أصبح " ماماشي لى قدام" وأصبحت الأسئلة تترئ لى من جمهور كبير صاحب وعى، وإلتقيت فى تلك الفترة حتى مع الإسلاميين، وبعض شبابهم المثقف وتعليمهم جيد،طلبوا مناقشتي ، وكنت (مستغرب)لهذا الطلب وهؤلاء الناس يعرفون موقفى وأعرف موقفهم .
* وماذا تقول عن حصيلة النقاش؟
كان ممتازاً جداً ، والسؤال المطروح فى أنه قد بدأت تقديرات التيار العربى الإسلامى فى السودان بأنه يريد التخلص من الأنظمة الإستبدادية ، وخلق نظام حكم مبني على الواقع السودانى وأنا متفهم لهذا الأمر، وفى افريقيا كل الناس "مجتهدين" فى خلق أنظمة حكم تعدل الموقف الموروث من الإستعمار ، ولكن السؤال المطروح إذا كانت عندك بلد (متنوعة)عنصرياً،دينياً،ثقافياً، كيف توفق بين كل ذلك ،هل تبنى على أسس دينية ثقافية ، لتختلف عن الأخرين ، وكيف تستطيع توحيد" البلد " وهذه القصة فى العالم ككل، ليس هناك بلاد ليس فيها صراع وتنوع .
*فى كل هذه المعطيات التى ذكرتها من تنوع وتباين ، ماهو التحدى الذى ينتظر مثل هذه البلاد؟ 
التحدى الكبير كيف نوفق بين كل هذه الأشياء توفيق فى الإطار الشامل لوحدة تشمل كل الناس ،وحتى فى الجنوب ،وفى مهماتى ضمن الأمم المتحدة، زرت كل دول العالم تقريباً ووجدت فى كل دولة أوضاعاً متشابهة للدولة للأخرى . مثلاً هناك بلدان عندما أكون فى مهمة ، وأتفاوض مع الحكومة ومع النازحين ، جراء الأزمةوالحرب بينهما ، وبعد ذلك أسئلة وأسئلة.يأتينى سؤالاً يؤرقنى "هل سيأتى الوقت بأن كل هؤلاء وبهذه العداوة ،يضمهم من جديد وطن واحد!" .
*هل تعتقد بخبرتك فى السياسة والفكر ، والعمل الدبلوماسي ، أن هناك آلية فى السودان تساعد فى طريق للتغيير؟ 
أعتقد أن هناك نظرة وتفكير فى إطار سليم تسعى لأن نمضى فى إطار كلى لدولة مواطنة ومساواة ، وأنا لاأعلم هذه النظرة والتفكير الى أين ستمضى فى إطار الحل الشامل والسلام. ممكن يدوم واذا نجحنا فى شمال السودان وفى الجنوب ، وأيضاً الجنوب يحتاج الى نفس الشئ ، وهناك من يعتقد بأن التنوع معناه وجود أشياء كبيرة واضحة لكن حتى القبلية تلعب دوراً،كمثال دولة الصومال دين واحد وعنصر واحد وثقافة واحدة . لكن إنقسامهم على أساس " خشم بيوت" لدرجة إنهيار كل البلد .


*كيف نعيد الوحدة مرة أخري ، وهل هى مستحيلة ؟
أنا لاقول مستحيلة، وهناك من يرى بأن أى دولة تنقسم من الصعب عودتها مرة أخرى، لكن تشكوسلوفاكيا، كانت وطناً واحداً ، " تقسمت" وأعتقد أنه اذا تم حلّ مشاكلنا هناك فى الجنوب ممكن تدريجياً نرجع الى تعاون ، وبعدها يمكن التفكير فى إطار دستورى ، التسمية غير مهمة ، المهم نعيد العلاقات والتعاون .
*لماذا لم تستطع النخبة فى الشمال والجنوب ، وضع أسس لدولة وطنية منذ البداية ، أم أن الإستعمار لعب دوراً فيما حدث حتى وصل الى الإنفصال؟ 
المسألة فى إعتقادى معقدة جداً، وليست بهذه السهولة ، لانه قبل الإستعمار كنا مجموعة قبائل وهذه القبائل لديها مجموعة تعاون بينها وكان هناك تعايش ، فى مواجهات وغيرها ، ولكن ايضاً هناك تعاون ، الإستعمار وضع هذه القبائل فى إطار "دولة "لكن فى نفس الوقت عمل على التفريق بيننا ، والمعاملة لم تكن متساوية ، وتم تفضيل مجموعة على أخري ، وهناك مناطق تم الإهتمام بها وإهمال أخرى ، ومعنى ذلك هناك تضارب فى تكوين هذا الوطن وفى نفس الوقت عملت على فصلهم عن بعضهم البعض.
*مرحلة مابعد الإستعمار؟
بعد الإستقلال كنا مواجهين بهذا الواقع ،هناك من أخذ فرص أكثر من غيرهم فى التنمية والتعليم ، وهناك من تم الإنتفاص من حقهم أوتركهم بعيداً، عن التعليم والتنمية ، الذين تقدموا فى تعليمهم ، أستولوا على السلطة ، بدون مايفكروا فى أن هناك آخرين "مهمشين" ، وعندما كان الجنوب يتحدث عن الفيدرالية وكانوا يعتقدون بأن هذا القول يندرج ضمن الدعوة للإنفصال، عقب إتفاقية أديس أبابا ، "الجنوبيون كانوا وحدويون أكثر من الشماليين".
*عقب إتفاقية أديس أبابا ، كيف كنت تنظر الى العلاقة بين الشمال والجنوب ؟ 
كنت أعتقد بأننا نسير فى إتجاه إيجابى يساهم فى توحيدنا ، وكان تحليلى فى كتابى( دينامكية الهوية )  باننا ماضون فى طريق الوحدة ، وأننا سنختلط ونندمج ، ونصبح دولة واحدة يعيش فيها الناس فى تعاون وسلام ، والظاهر أننى كنت متفائلاً أكثر من اللازم .
*حدوث الإنفصال بعد كل هذه التجارب نحو الوحدة والفشل فى ذلك ؟
هل يعنى الإنفصال بأن الامر قد إنتهى لا: . كنت متفقاً مع دكتور جون قرنق فى مطلبه حول الوحدة .
*علاقتك بالدكتور جون قرنق ؟
قابلته أول مرة عند حضوره الى أمريكا للدراسة فى الجامعة ، وأنا كنت قد تخرجت من الجامعة وعملت الدكتوارة ، وعملوا إجتماع للطلاب الجنوبيين، وتم إختيارى حتى أكون رئيساً لهم ، وأنا فى الأمم المتحدة كان يزورنى وكان قليل الكلام ، على عكس الحضور تجدهم "كثيرو الكلام "، وعندما كان يتكلم كان يقول كلاماً قيماً، فيه العقل والذكاء ، خلقنا علاقة شخصية ثم رجع لعمل دراسات فوق الجامعية ، فى دولة تنزانيا، ومن قبل بعد التمرد نزح لتنزانيا ودرس هناك وعاصر بعض القيادات الأفريقية .
*دخوله الى حركة التمرد فى العام 1983م؟
كان قراره بالإنضمام لهم ،حتى أصدقائه فى أمريكا إنزعجوا ، وإتصلوا بى، وقرنق كان ضد إتفاقية أديس أبابا، لإعتقاده أن الإتفاقية كانت مساومة " لن تحل مشكلة البلد ككل" . وكان قد كتب جواباً مهماً للفريق جوزيف لاقو فيه معارضة وأقتراح لأشياء لضمان أن لاتصبح قضية السلام والإتفاقية ، مسألة مساومة ،تصرف نظر الناس عن القضية الكبيرة ، تم إبعاده مرات عديدة.وأرسله جوزيف لاقو للدراسة فى الخارج ، وأيضاً كانت ضمن قرار إبعاده ، ولكنه إستفاد من ذلك .وفى كل مرة يتم إبعاده لأسباب مختلفة كان يستفيد منها فى التحصيل العلمى حتى آخر مرة إستفاد من الإبعاد فى عمل الدكتوارة .
*ماذا فعل بعد حصولة على درجة الدكتوراة؟
أذكر أنه قد زارنى بصحبة أسرته فى كندا عندما كنت أعمل سفيراً هناك ،وفى جلسة معه قلت له " أنتم تمردتم ثم رجعتم وإتفاقية أديس أبابا  الآن النميرى يريد تغييرها، ماهو موقفكم من ذلك ؟ قال له هذه مشكلة تخصكم انتم "السياسيين "واعتقدت أنه قد ساومته الحكومة ونسي القضية  ولكن على عكس ما اعتقد بعد ذلك تمرد .وعندما قابلته فى أديس أبابا ، قلت له بصريح العبارة ياأخى 
“you fool me”
قال لى :كيف 
قلت له يااخى انا تكلمت معك مع إنهيار إتفاقية أديس أبابا ، فقلت لى حديثاً أعطانى إنطباعاً  بأنك أصبحت جزء من النظام مايو . فقال لى والله كان سراً حتى زوجتى لاتعلمه .
*بعد كل هذه العلاقة مع قرنق وعلى المستوى الشخصى ماالذى جمع بينكم فكرياً؟
تشابهت أفكارنا من دون أن نتحاور فى كثير من القضايا وكان أمراً مستغرباً بالنسبة لى . ودون أن نتفق على المعنى فى هذا الخط . مع إحتفاظ كل منا بخطه الخاص  *ماهو الخط الخاص بك ؟
كنت قبل التمرد قد نشرت كتاباً  فى العام 1972م تضمن كثير من أفكارى حول الهوية والوحدة ، وهناك كتاب كتبته لحكومة مايو  بعنوان حل مشكلة الجنوب كإنجاز أفريقي " وقد أهداه النميرى لرؤساء أفريقيا ، وايضاً مضمون هذا الكتاب ، مثل كتابى السابق ، بأن الحل لمشكلة الجنوب بداية لتطور السودان الواحد لتبدأ الاطراف بقضية التنوع ،  لكن لخلق الثقة مستقبلاً حتى  نكون مع بعض فى سودان موحد .
*مفهوم السودان الجديد الذى طرحه قرنق؟
أفكارى وأفكاره متشابهة لكن "الجنوبيين" ، ماكانوا عندهم نظرة السودان الجديد ، وفسروه بأنه مسألة تكتيكية وشطارة حتى يصمت من هم ضد إنفصال الجنوب ، لكى يعملوا للانفصال ، وهذه غالبية فى الجنوبيين ، قرنق أفكاره كانت معقدة جداً، يقول أول شئ السودان كله حقنا ، وقد نكون الأولى كأصحاب حق ، زيادة على ذلك العالم كله ضد أنفصال الجنوب ، وحتى لو نجحت فى إنك تنفصل ولكن ماخلقت وضع فى السودان يتمشي مع ما فى الجنوب فإن الإنفصال لن يكون سليماً ويكون" مهدداً".
*رؤيته لحق تقرير المصير؟
كان يعتقد بأن مجرد الكلام عن حق تقرير المصير لن يعطيك هذا الحق، لابد من تحرير البلد كلها وبعدها إذا حررت البلد ، وكان لك صوت فى الشمال وأصبحت مواطناً متساوياً لماذا تسعى للإنفصال ، لكن حتى إذا كنت تريد أن تصل الى الانفصال فان مجرد الكلام لايكفى . فكيف ستحققه لابد من النضال ، وفى آخر الامر تخلق وضعية فى الخرطوم تتماشى مع وجودك فى الجنوب ، والناس تسأل إذا كان جون قرنق " حياً " هل كان الجنوب سينفصل .
*ونحن نسأل نفس السؤال اذا كان جون قرنق على قيد الحياة ، هل كانت نتيجة الاستفتاء ستكون الانفصال؟
وانا أقول لايمكن أحلف بأن قرنق كان" وحدوياً " أو " إنفصالياً" كان الاثنين معاً . الناس يتوحدوا فى السودان الجديد ولكن فى نفس الوقت على قدم المساواة ، وإذا كان هذا لم يتحقق .و الجنوبيون كان الحل الوحيد بالنسبة لهم الأفضل هو الإنفصال،وتحقيقه يكون نتيجة ضغط على الشمال . وايضاً قال لى فى إحدي المرات حتى لو قلنا ننفصل لانقول فقط نريد الإنفصال للضغط على الشمال حتى نعمل له ضغطاً شديداً ونتيجة للضغوط يكون الوضع الملائم للجنوب اذا إنفصل أو ظل فى وحدة مع الشمال  ، لكن حتى لو ضغطنا على الشمال كى يتخلى عن الجنوب ، نعتقد أن سلامة الجنوب وإستقلال الجنوب يعتمد على تغيير جذرى فى الخرطوم .
*هل كان بعد كل مايقال عن برنامجه للسودان الجديد يقبل بقيادة الجنوب المستقل ؟
حتى لو قبل بإستقلال الجنوب ، كان سيظل يتعاون مع الحركة الوطنية فى السودان من أجل عمل تغييرات تخلق مناخاً فى الجنوب والشمال ، الناس به تستطيع أن تمضى الى تكوين تصور واحد لحلحلة القضايا المتشابكة  .
*تقييم إتفاقية نيفاشا ؟
عندما خرجنا بمقترح للسياسة الامريكية ، وهو السودان الواحد فى نظامين" نيفاشا " تقريباً كانت مبنية على ذلك ، وكانت إتفاقية نيفاشا تقول بأنه فى الفترة الإنتقالية لمدة "6" سنوات لجعل الوحدة جاذبة ، والمشكلة أن الجنوبيين لم تكن لديهم الرغبة فى فهم ماهو السودان الجديد ومسألة جعل الوحدة  جاذبة هذه ليسوا مهتمين بها، ومعظمهم يسعي للانفصال ، لكن لو كان جون قرنق هو القائد ، كان التفكير سيختلف وكان يستطيع إقناع الناس باستراتيجية السودان الجديد ، ممكن حتى أنت لمصلحتك حتى لو كنت تريد " جنوباً" مستقلاً عن الشمال ، فإن السودان الجديد ، مهم جداً بالنسبة لك.
*أفكار جون قرنق بعد رحيله والإنفصال ، هل لازالت موجودة ؟
أعتقد بأنها لا زالت على قيد الحياة والتداول ولها تأثير على الكثير من الناس .
*هنالك أقوال كثيرة حول وفاة جون قرنق الى أيهم تميل ؟
ليس لدى معلومة فى هذا الامر ، لكن الشئ الغريب أن هذا الرجل يكون لمدة "22" سنه فى قتال وخطورة مستمرة ، وفى اللحظة التى فيها أنجز ، وقد كنت فى الخرطوم عند إستقباله والطريقة التى بها تم إستقباله وكنت فى فندق الهيلتون فأنتابنى شعور بأنه قد أنجز المستحيل ، وعندما تكلم بعد القسم ، وقال مخاطباً للجنوبيين (أنتم الان أحرار وأنطلقوا الى حرية أكبر) ، ونحن كحركة سنشكل مكاتب فى كل أنحاء  السودان .
*هل إلتقيت به بعد هذه الكلمة ؟
نعم وقلت له عندما تقول للعالم والسودان بأنكم قد أصبحتم أحراراً " أحرار من ماذا ؟. من الذين وقعت معهم الإتفاق وماهو شعورهم فى ذلك . وانت تقول بتأسيس مكاتب فى كل السودان ، فأنت بذلك تدخل معهم فى منافسة "
قال لى :ىالقتال وقف ، لكن الصراع " مستمر "  باساليب أخرى . والواحد يسأل يارب كيف هذا الرجل يفعل كل هذا وفى اللحظة الاخيرة والناس تنظر الى هذا الانجاز ، يرحل صاحب هذا الإنجاز فى ظروف غير معقولة ،و حتى زوجته سألته لماذا إلإستعجال فى السفر ، وبدل أن تسافر فى هذا الليل ، إنتظر حتى صباح الغد ،  كانت مخاطرة ليس لها لزوم .
*رغم ذلك هل تستبعد فرضية المؤامرة ؟
هذا مايستدعيه البال علي طول فى مثل هذه الحوادث. لكنهم قرروا بأنه لا داعى  لفتح هذا الملف . وزوجته قد لعبت دوراً فى هذا الأمر على ما أعتقد. لا فائدة من فتح الملف وأخذوه كارثة أو قّل "قضاء وقدر ". وأنا سالت " أبيل لير " وهو كان فى لجنة التحقيق ، هل لمستم شئ يجعل الناس تشك؟ . قال لى لم نجد مايدعو للشك.