الدكتورة لمياء شمت فى حوار النقد والقصة

الدكتورة لمياء شمت فى حوار النقد والقصة -المنجز الإبداعي نتاج حواضن اجتماعية وثقافية وفكرية شديدة التعقيد -"الكتابة النسوية" مصطلح مشوش ومرتبك ، و لازال محل جدل وريبة. -السياق الروائي السوداني ليس استثناء عن كامل السياق الإبداعي الإنساني

الدكتورة لمياء شمت فى حوار النقد والقصة

الدكتورة لمياء شمت فى حوار النقد والقصة

-المنجز الإبداعي نتاج حواضن اجتماعية وثقافية وفكرية شديدة التعقيد  
-"الكتابة النسوية" مصطلح مشوش ومرتبك ، و لازال محل جدل وريبة.
-السياق الروائي السوداني ليس استثناء عن كامل السياق الإبداعي الإنساني

 

تعد  الناقدة والقاصة والأستاذة الجامعية الدكتور لمياء شمت من ابرز الأصوات النقدية والقصصية النسوية في المشهد الثقافي السوداني في الألفية الثالثة وهي حاصلة علي درجة الدكتوراة في اللغة الإنجليزية " اللغويات " من جامعة الخرطوم وتعمل حاليا أستاذة في الجامعات السعودية . ولها حضور فاعل في المشهد الثقافي السوداني فهي كاتب ثقافي منتظم بالدوريات والصحف السودانية والإنجليزية وصدر لها في مجال النقد كتاب في جزئين " تأملات ومشاهد " ومجموعة قصصية بعنوان " ومض"إلتقيتها في حوار تناول تجربتها النقدية والقصصية والمشهد الثقافي السوداني ودور النقد في تبيان الكتابة الحديثة والكتابة النسوية

حوار - محمد نجيب محمد علي


(*) مجموعتك ( ومض) إلي أي حد تفارق المفهوم السائد عن القصة القصيرة ؟

اسميت المجموعة  "ومض" ليكون لها من دلالة اسمها عامرالنصيب،  فهة بذلك اسم وصفة تحاول التحايل على ورطة مسمى "نصوص قصيرة جدا".  فالنصوص تنقدح كومضات خاطفة كما هي الخصائص والتقنيات المركزية "للفلاش" كسرود ذات سبك حكائي مقتصد ومتضام، ينهض على الإضمار والحذف والتقطير والتضمين الكثيف. ويراهن على كفاءة اللغة واكتنازها الدلالي، وايقونيتها وحوافزها الجمالية.
" فاللغة ، هنا ليست مجرد أداة أوماعوناً  للمعنى، بل هي المعنى ذاته، هي الإشارة والعبارة معاً، هي الكثافة واللطافة جنباً إلى جنب، وهي الدال والمدلول في كلٍ متحد.. يتعانقان في حديقة الأسئلة" وفق رؤية وتعبير د.عبدالماجد الحبوب. وهي في مجملها تسريد مستقطر للنوازع الإنسانية من مواقف ورؤى وانفعالات وشواغل في محاولة لاستكشاف دغلها في برهات كثيفة وماضة.

(*) هل القصة القصيرة تتراجع لصالح الرواية وهل هذا فعلا زمن الرواية وليس زمن القصة القصيرة والشعر؟

تلك مقولات يمكن لدخانها أن يحجب الأفق في ظل غياب المؤسسات والمراكز والمراصد الثقافية التي تقوم باستقراء ورصد وتحليل حركة المنجز الإبداعي، لذلك فلابد من الاحتفاظ بمسافة تمكن من استيعاب التحديات الفنية والموضوعية التي تحيط بمثل هذا الأمر، حتى لا ينحبس في خانة التخرصات. فالمنجز الإبداعي عموماً هو نتاج حواضن اجتماعية وثقافية وفكرية شديدة التعقيد. والسرديات على وجه الخصوص تمثل تجلي شفاف لمخاضات الوعي ووطأة الضغوطات والانعطافات الحياتية، من تحولات اقتصادية، واجتياحات ثقافية وتجريفات اجتماعية. بالإضافة لذلك فنحن نحتاج أن نتوقف أيضاً عند سؤال "الكمي" في مقابل "النوعي" عند تناول العصف السردي عموماً وغزارة الانتاج واضطرادالتدوين، هل يمثل ذلك مراكمة حصيفة ومتعمقة ومثابرة لخبرات النص الحكائي؟ أم أن المشهد في مجمله قد تم إرباكه بموجات استسهال النشر ونزوات الاستعلان وترويج الذات وتوخي الوجاهات الاجتماعية عبرالمدارالإبداعي؟ سيما في غياب الرصد النقدي القادر على متابعة واستيعاب طاقات ذلك المد الجارف.  

 

 

 

(*) الجوائز المحلية والعربية إلي أي مدي ساهمت في تطوير الكتابة الروائية بالتحديد ؟

للأمر أوجهه المتعددة فالمد المعرفي والرقمي الهائل، وتعملق دور الآلة الإعلامية بتعدد أذرعتها الربحية، وروافعها الدعائية أصبح يلعب دوراً كبيراً في مآلات المنتج الإبداعي. وهناك بالمقابل هيئات ومؤسسات ثقافية فاعلة تعمل على رفد الفعل الإبداعي ورصف مساراته.  ووفقاً لذلك فالجوائز تصبح ذات قيمة حقيقية ومساهمة ايجابية عندما تهدف لرعاية  حادبة ونزيهة للإبداع، وللاستثمار الخلاق في المنجز الإبداعي تتويجاً لجدارته وحفزاً لمبدعه، بعيداً عن أفخاخ الأهواء والممالاة، ودون أن يُختزل الأمر إلى محض مناسبات منبرية صاخبة.
   
(*) الحداثة هل ارتبطت بتغيرات في مستوي اللغة الإبداعية بمعني التمايز بين جيل وآخر في لغة الكتابة _ في الخليج وفي السودان ؟

في كلتا البيئتين هناك بالتأكيد تمايز وتباين على مستوى الأجيال والتيارات والأساليب والرؤى والأدوات. ويمكن الامساك بتلك التجليات على مستوى النصوص بطبقاتها المتعددة وتشابكاتها النصية، وبنيتها العميقة ومخزونها الدلالي، وحمولاتها الجمالية ومضمراتها الكامنة.  فالحداثة تحتفي عميقاً بالاختلاف والتعدد والتنوع، والانفتاح على التجريب الخلاق. كما أنها تحرض بلا هوادة على الخلخلة والرج والهتك والانزياح والانفلات، ونسف النموذج وتجاوز تقليدية معياريته نحو اللااحتراز واللانسق واللاحدود. ويمكن تتبع ذلك في نفح الحساسيات الجديدة وأثرها في كيمياء الإبداع الشعري، وكذلك في وعي وخبرات الذات الساردة، وفي ملامح  النقلات الأسلوبية الحرة، وكما تتجسد في إيقاع القص ومفرداته وتراكيبه، وأخيلته واشتغالاته الجمالية الدؤوبة، وتيماته المهجوسة بقضايا الهوية والكينونة، ومخاتلة الرقيب، ونبش سراديب المطمور والمُغيب .
 
(*) تطبيق المناهج النقدية الحديثة علي النصوص العربية ينطوي علي شيء من التعسف لأن السياق مختلف بين الإبداع العربي والغربي ؟

أتمثل هنا بأراء ومقولات الناقد الفارع الرصين عبدالقدوس الخاتم بسعته واحاطته النقدية ورؤاه العميقة الممتلئة التي ظلت تستهجن عسف حشر وحبس النص الإبداعي في قماط النظرية. وهو عين ما صرخ به الناقد هارولد بلوم، صاحب الخبرة النقدية المديدة المنتجة، وهو يؤكد أن "القارئ هو المنهج". فالنقد منظومة  واسعة وشديدة الدينامية والثراء المعرفي. والأصل أن يدأب النقد لاستيعاب طاقات النص وفيوضه وممكناته ومضمراته، وليس بهدف احتواء النص وابتلاعه في هوجة رطانات اصطلاحية وتعقيدات مدرسية جافة.
 
(*) ماذا عن الكتابة النسوية في السودان ومنطقة الخليج ؟

"الكتابة النسوية" مصطلح مشوش ومرتبك جداً، وهو لازال محل جدل وريبة. فدعنا نتمسك هنا بالجزء الذي ينفتح قبالة الحساسية الأنثوية الإبداعية بأسئلتها وإحالاتها وعوالمها الداخلية. فمحاولات رصد ملامح ذلك الفعل الإبداعي على وجه العموم تشي بأن تلك الذات المبدعة منهمكة في رهق محاولات استعادة منصة حضورها، واسترداد صوتها المغيب، والفكاك من بين أنياب سطوة الأبوي الصارم العاق. والقفز فوق عوائق وأسيجة الرقيب المتحامل المرتاب، وشرنقة الوصايا وكوابح المرجعيات المتحجرة.
وذلك المد الروائي الشاهق يدعونا لاستحضار نبوءة الطيب صالح ووعيه النافذ بالتحولات، فهو قد أصغى بعمق ليلتقط تلك الإشارات المرهصة في البيئة الاجتماعية والثقافية الخليجية: (إذا كان الخليج عنده أدب حديث وأصيل وليس ازدهاراً مجبراً فسيكون مكتوباً على يد امرأة.لأن النساء هنّ اللواتي يعشن تحت ظروف اجتماعية صعبة.تجعلهن مؤهلات للكتابة في الرواية والشعر..وإذا كان هناك رواية خليجية في السنوات المقبلة فإنها سوف تكون رواية امرأة كتبت بالقهر والغضب).

 

 

(*) ما رأيك في المشهد الثقافي الآن هل هناك تحولات فيه ؟

المشهد يبدو متحرك وحيوي رغم الراهن اليومي القابض الشرس. والمدارات الإبداعية عامرة بعطاء الأجيال المختلفة وبالأقلام الخضراء والدماء الجديدة رغم الرهق المبدد للطاقات. ولكن كما أسلفت فالنتاج الكمي لا يعني بالضرورة أن الحقل بخير، فالأعشاب المتعطشة للضوء قد تزاحم الجذوع الراسخة والورود فتسرق من خام عصارتها وتستنزف نسغها. وهناك أيضاً فخاخ الترويج التجاري الربحي، وشروط السوق المنفصمة عن القيمة الفنية، الأمر الذي يمكن أن يحول المشهد إلى محفل علاقات عامة، لا يستهدف أبعد من التسويق والربحية.  لذلك فلابد من رصد وكشف وتدارس نقدي حفي وحادب يجاري ويستوعب ذلك الإنتاج الإبداعي الوفير، ليمحص الثمار من القشور، والجوهري من الطارئ، والأصيل من الزائف.
 
(*) ما رأيك في الرواية السودانية هل هي ضعيفة وإذا كانت ضعيفة ما هو ضعفها وإذا كانت قوية قوتها في ماذا ؟

السياق الروائي السوداني ليس استثناء عن كامل السياق الإبداعي الإنساني في مداه الكوني. فالقوة والوهن محكومة بعوامل وشروط كالجدية والإخلاص للمشروع الإبداعي، والكدح الهميم لتوخي الأصالة والخصوصية. وأهمية الترافد وتدبر الوشائج العميقة المتصلة بين المحلي والعالمي، واستحضار الدرس القيم الذي أسدته لنا تجربة  مثل أفق تجربة الطيب صالح وغيره من القامات الإبداعية التي أوصلها الإبحار الوئيد والتفرس في ضفاف نهرالمحلية إلى رحابة محيط العالمية.

(*) ما رأيك في الاسماء الروائية الجديدة السودانية - حمورزيادة  ، منصور الصويم وعماد  البليك ؟

تلك الاسماء تمثل أقلام جادة ومُجيدة استطاعت أن تصنع دمغتها الإبداعية الخاصة، وتجوهر صوتها المختلف بمساهمات دؤوبة وثجاجة، ورؤى إبداعية مائزة تتجلى في اللغة والأسلوب وطرائق السرد، والمعمار الروائي، وتشييد الخلفيات الزمانية والمكانية بموجوداتها ومشاهداتها، وبناء الشخوص ونحت ملامحها، وتركيب الوقائع وسبك التفاصيل، والطاقات التأثيرية والجمالية. وقد اجتمع ثلاثتهم في تجاربهم الحكائية المختلفة في الغرف من المورد التاريخي والسيري، لردم فجواته والقبض على ما تجاوزه وأغفله التاريخ الرسمي المصبوغ بالإيدلوجي، ونزع الغطاء عن عورات السلطة  كما في "آخر السلاطين" للصويم ، و"شوق الدرويش" لحمور، و"دماء في الخرطوم" للبليك.

(*) ما هي مشاريعك الجديدة ؟

أحاول جاهدة اللحاق بموكب الاصدارات الجديدة والمتواترة  في الحقول الإبداعية المختلفة، وتلك في حد ذاتها غاية كؤود تتطلب جهداً كبيرا لمواكبة بعض من دفق ذلك المد الهائل.