الروائي والقاص والكاتب إبراهيم إسحق وحديث في التجربة والراهن الثقافي
الروائي والقاص والكاتب إبراهيم إسحق وحديث في التجربة والراهن الثقافي \ حوار محمد نجيب محمد علي - بأت بكتابة الرواية وكتابة القصة القصيرة كانت أمر تحدي . - الجوائز أسهمت بشدة في خلق كتاب جدد للرواية - المترجم الأجنبي يبحث عن موضوع يثير به القراء في بلده
الروائي والقاص والكاتب إبراهيم إسحق وحديث في التجربة والراهن الثقافي
حوار محمد نجيب محمد علي
- بأت بكتابة الرواية وكتابة القصة القصيرة كانت أمر تحدي .
- الجوائز أسهمت بشدة في خلق كتاب جدد للرواية
- المترجم الأجنبي يبحث عن موضوع يثير به القراء في بلده .
- الفنية الروائية عند الطيب صالح لا تطالها أي فنية لكاتب روائي عربي حتي الآن
يعد إبراهيم إسحق أحد أبرز كتاب السرد في السودان ،إذ أنه أصدر روايته الأولي " حدث في القرية " في ذات العام الذي أصدر فيه الطيب صالح روايته " موسم الهجرة إلي الشمال " عام 1969م ، وقد صدرت له حتي الآن "6" روايا ت و"3" مجموعات قصصية بجانب دراسته عن الحكاية الشعبية في أفريقيا وهجرات الهلاليين . وله العديد من الدراسات والقراءات التي نشرت بالملاحق الثقافية . وقد تناول العديد من النقاد أعماله ، وأثار إستخدامه للغة المحلية الدارفورية في حوارات رواياته الكثير من الإختلاف ، حتي أن البعض عدها من أسباب عدم إنتشار أعماله بما يستحق .وقد حظيت أعماله أيضا بأن كانت موضوع دراسات لطلاب الجامعات في نيل العديد من شهادات الماجستير والدكتوراة في عدة محاور . جلست إليه في حوار مطول شمل تجربته والراهن الثقافي . وكان هذا حواري قبل تعرضه للوعكة الصحية الاخيرة والتي نسأل الله له تمام الشفاء وتجدر الاشارة الي أن اول حوار لي مع استاذي ابراهيم اسحق كان في العام ٧٢ لجريدة الحائط بمدرسة محمد حسين الثانوية حين كنت طالبا وكان هو استاذا لمادة اللغة الانجليزبة
- اللغة الدارفورية التي إستخدمتها في رواياتك الأولي أثارت كثيرا من الجدل ، حتي أن البعض ذهب إلي أنها السبب في عدم وصول أعمالك للآخرين ، والآن أصبحت لغتك في رواياتك الأخيرة لغة عربية مفهومة للكافة ما قولك ؟
كانت بداياتي في معهد المعلمين العالي بأمدرمان في عام 1968 ، وقررت أن أتجاوب مع التحدي الذي يمثله كتاب جيمس جويس " العوليسة " ( (Uyllesإذ تدور رواياته كلها "600" صفحة في يوم واحد ، فقررت أن أكتب " حدث في القرية " لتستغرق يوما واحدا . وكان لابد من أن أحل هذا الإشكال الفني وهو صدق الشخوص . ولا يتم ذلك في رأيي إلا بأن أجعلهم يتحدثون باللغة الدارجة المحلية في شرق دارفور في حواراتهم ، إذا السرد كان باللغة العربية الفصحي لكن الحوار بالدارجية الدارفورية ، مع غرابة البيئة التي كنت أكتب عنها ، تسبب ذلك في مشكلة شعور من يقرأوون لي بأنني بالنسبة لهم لغز . لم يكن هناك خيار . فوضعت في ذهني أن المزيد من الكتابة سيحل الإشكال . فبعد سنة واحدة صدرت الرواية الثانية " أعمال الليل والبلدة " علي نفس النهج ، وبعد سنة كتبت " مهرجان المدرسة القديمة " علي نفس النهج ، وبعد سنة كتبت " فضيحة "آل نورين " علي نفس النهج . رغم تأخر طباعة هذه الأعمال إلا أن تواليها مع نشر القصص القصيرة في الجرائد منح للقاريء الجاد شعورا في السبعينات بأن ليس هناك مجال لحل آخر ، إلا أن يقبل عملي علي ما هو عليه ، هذا أثر في كمية القارئين ، لكن قيمة العمل الفنية ظل محفوظا . الأعمال التي صدرت بعد عشرة سنوات من ذلك التاريخ تغيرت فيها لغة الحوار ، ولم تعد هناك مشكلة . لماذا ؟ لأن التواصل الحضاري بين القرية التي أكتب عنها والعالم الفسيح غير اللغة عند أهالينا حتي صارت شبيهة بلغة أمدرمان . فلا تعود هناك مشكلة إلا في غرابة نوع الحياة التي أكتب عنه ، وهذه مشكلة يجب علي القاريء الجاد أن يحلها لنفسه . فروايتي الأخيرة " وبال في كلمندو " الصادرة لأول مرة في 1998 لم تواجه أي مشكلة في اللغة ، لكن مسميات النباتات والحيوانات والعادات الإجتماعية قد تظل معضلة بمن لا يكترث لمعرفتها ، أنا مسرور لأن كاتب مثل السوري نبيل سليمان قرأ هذه الرواية في 1999 وأعجب بها وكتب عنها ،كما أن الطيب صالح – يرحمه الله – أشاد دائما بالقصص القصيرة التي قرأها لي ، في الجرائد ، وكذلك عبر عن إعجابه بوبال في كلمندو .
- كتبت القصة والروايات ، ما الذي يدفع الكاتب للتنقل ، وما هي الفروق الجوهرية ، ولماذا يلجأ الروائي لكتابة القصة القصيرة علما بأنك بدأت بكتابة الرواية أولا ؟
بدأت بكتابة الرواية ولم أكتب القصة القصيرة إلا بعدما تحدث الوسط الثقافي السوداني بأن إبراهيم إسحق لا يجيد كتابة القصة القصيرة .إذا الأمر كله بالنسبة لي في القصة القصيرة أمر تحدي ، لا أعرف مفهوم الكتاب الآخرين ، لكن مفهومي الخاص بأن الحادث العريض وطويل الزمن المشحون بعدد من الشخصيات يحتاج إلي عينة الرواية ، وهذه تأخذ مني ما بين الشهر إلي الثلاثة أسابيع ، أما القصة القصيرة فهي حادثة محددة ، قليلة الشخصيات والإحداثيات مركزة ، لكن الدراما والمعطي قد يكون بنفس الأهمية الموجودة في الرواية ، هذا قالب يناسب الرواية وهذا قالب يناسب القصة القصيرة ، وأنا أصدرت أعمالي "6" روايات و"3" مجموعات قصصية علي هذه الصورة ، هنالك سهل عريض ممتليء بالأشجار ، من بينها أشجار سامقة كالتبلدي . كلها منظور واحد متكامل ، الأشجار الصغيرة هي القصص القصيرة وأشجار التبلدي هي الروايات . وما دام النقاد يتحدثون عن أن هذا العالم متكامل برواياته وقصصه القصيرة ، فالمجاز عن المنظر الواحد المتكامل ينبني علي شيء كبير من الواقع في نظري .
- دراستك للفلكلور والحكاية الشعبية في افريقيا ، ما العلاقة بين الحكايات الأفريقية والقصة الحديثة ، وإلي أي مدي إستفدت من ذلك ؟
أظنني قرأت الكثير جدا من الحكايات الشعبية والنوادر والأخباريات بالعربية والإنجليزية منذ ما كنت في مراحلي الدراسية المتوسطة والثانوية والجامعية . أعتقد أنني لم أكن أفهم الفلكلور كعلم حديث ، لكن قراءاتي أخذت طابعا قريبا من فهم الفلكلوريين للحكايات الشعبية . لهذا عندما طلب مني المرحوم أستاذنا جيلي أحمد عمر أن أكتب أربعة حلقات لكتاب شهر لمجلة الخرطوم عن الحكاية الشعبية التزمت بذلك ونفذته في 1975وأيضا المرحوم الشاعر محمد عبد الحي طلب مني أن أجمع الحلقات وأقدمها له وطبعها من ضمن إصدارات مصلحة الثقافة عام 1976 . وأساتذتنا سيد حامد حريز ومحمد عمر بشير وأحمد عبد الرحيم نصر تحمسوا لكتاب الحكاية الشعبية في افريقيا وطلبوا من مجلس أساتذة معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية أن يتجاوزوا القانون ويسجلوني لماجستير في الفلكلور وقد تم ذلك في 1978 . أعتقد أن السرد في الخيال الروائي وفي القصة القصيرة إندمج مع السرد في الفلكلور وقدما بعضهما البعض .
- دراستك حول السيرة الهلالية في السودان ( أبوزيد الهلالي ) أرجو أن تعقد لنا مقارنة بينها وبين السيرة الهلالية في مصر وفي تونس ودول المغرب العربي ومثيلاتها في البلاد الأخري ؟
عندما وجدت نفسي أختار موضوعا للرسالة الدكتوراة كان أمامي خياران دراسة السيرة الهلالية كأدب أو دراسة السيرة الهلالية كتراث شعبي تاريخي ، الإقتراح الأل من سيد حامد حريز والثاني مستخرج من كتاب بروفسير يوسف فضل المسمي العرب والسودان . في شمال السودان تحكي قصص أبوزيد كمادة ترفيهية وتعليمية . لكن في غرب السودان وفي تشاد وشمال افريقيا غالبا ما يروي الأعراب قصص ابي زيد الهلالي كجد لهم ، نسبة لأنهم يمثلون أخلافا للقبائل الهلالية التي دخلت إلي بلاد السودان بعد القرن الحادي عشر الميلادي . لذلك إخترت أن أجعل دراستي في جانب التراث الشعبي التاريخي والتقط الموضوع من جنوب المملكة العربية ، وأنتقل مع بني هلال عبر نجد والصحراء الشامية وسيناء وصعيد مصر ، عبورا بالمغرب العربي العريض ، حتي يظهر الأعر الذين جاءوا مع بني هلال في شمال مملكة البرنو بوثيقة تاريخية أوردها القلقشندي في القرن الرابع عشر الميلادي عندما تدفق هؤلاء الأعراب إلي شمال تشاد وصولا إلي جنوب تشاد وإلي شمال دارفور ، ثم تمددوا حتي وصلت طلائعهم الآن إلي افريقيا الوسطي . لذلك سميت الكتاب " هجرات الهلاليين من جزيرة العرب إلي شمال افريقيا وبلاد السودان " . لا أمدح هذا العمل لكني راجعت معظم الأدبيات الخاصة لبني هلال في كل هذا الوسع من الأرض . والدليل علي قبول هذا العمل أن الممتحن الخارجي الراحل عبد المجيد عابدين أشاد بخصوصيته ، ثم عناية جمعية الملك فيصل الخيرية بالرياض سنة 1996وتوزعه كان دليلا علي القبول الذي يجده ، ثم إهتم السودانيون به وطبعت هيئة الخرطوم الطبعة الثانية منه . سررت لأن الكتاب إنتشر حتي وصل الإشادة به ولو شفهيا من المنصف المرزوقي الرئيس السابق للجمهورية التونسية
- أحيانا نراك تتجه إلي الدراسات العلمية البحتة ، سيرة الهلالية ، وأبحاث اللغة . فهل أنت تبحث عن فضاءات جديدة لرواياتك ،أم أن هذا جهد مختلف ؟
ليس من الغريب أن ينصرف كاتب السرد في مرحلة معينة من حياته للكتابة البحثية ، وهنالك أمثلة كثيرة . في حسباني أن إبتعادي عن القرية يؤثر في منابع السرد فتضعف ، لكن القراءات والفضاءات الكثيرة خاصة بعدما يؤهل نفسه للكتابة في المجالين . لذلك وجدتني في المجالين منذ السبعينات وأنا أكتب المقالات في ثلاثة حقول ، التراث الشعبي ، والإنسانيات ، والتنظير للخيال السردي . ومجموعة هذه المقالات تمنحنا فرصة لكتاب أو كتابين لكل واحد منهم . وجودي في الرياض لثلاث وعشرين عاما عرضني لقراءات كثيرة في الإسلاميات . وأظنني في هذه المرحلة أشعر بأن هذا الحقل يحتاج مني للكتابة ، لذلك وجدتني أكتب في الإسلاميات وما عداها تصنع كتابين ، كما كتبت دراسة عن عن المجموع المتيسر لي من مؤلفات عبد الرازق نوفل ، بالإضافة إلي كتاب عن موقف الإجماع الإسلامي العام عن قضية محمود محمد طه ، إذا مد الله في العمر أستطيع بإذن الله أن أواصل الكتابة في أي واحد من هذه الفصول بما في ذلك الخيال السردي طالما تداعبني الخاطرة .
- الآن بعد رحيل الطيب صالح ومرور عقد من السنوات . ما هي الإضافة التي قدمها الطيب صالح للرواية العربية والسودانية ؟
إذا أنصفنا يجب أن نقول بأن الفنية الروائية عند الطيب صالح لا تطالها أي فنية لكاتب روائي عربي حتي الآن ، ولا ينقص من هذا كون القمة عي " موسم الهجرة إلي الشمال " . فهي الرواية العربية الوحيدة التي إنتخبت من ضمن أحسن مائة رواية عالميا في هذه العينة . إذا الطيب صالح ترك بصمة في الخيال السردي ، وترك بصمته في الكتابة النقدية في صفحته لمجلة المجلة ، وترك بصمته في الهم الثقافي العربي كله بمقابلاته ومشاركاته في المواسم الثقافية ويترأسه في قطر كوكيل لوزارة الثقافة ، وكذلك كخبير لليونسكو . عندما يحتفي الناس علي وسط العالم بإنجاز الطيب صالح يجب أن نفخر نحن السودانيون بأنه قد منحنا من كل أعماله هذه المكالنة الرفيعة .
- عملا في مجلس تطوير اللغات السودانية ، ما هي النتائج التي توصل إليها المجلس بعد سنوات من البحث والعمل المتواصل ؟
في ثمان سنوات تعرض هذا المجلس لعدة مشاكل ، منها أن ميزانيته كانت محدودة ، وإدارته كانت مهزوزة ، ومع ذلك فقد إستطاع المجلس أن يعرف الجمهور السوداني من خلال أكثر من ثلاثين ندوة شهرية ، يعرفهم باللغات السودانية كأصوات وكنحو وكصرف وكأدبيات لتلك اللغات . نحن وغيرنا نعتقد بأن هذا المجلس خفف كثيرا من غلواء شعور أصحاب اللغات غير المدونة بهامشيتهم ، وجعلهم يشعرون بأن تراثهم اللغوي هو جزء أساسي من الهوية السودانية ، كذلك أصدر المجلس 9 كتب عن اللغات السودانية ، في الشمال والشرق والغرب وجبال النوبة والنيل الأزرق . محسن الظن بأن لا يتخلي واضعوا السياسة السودانية عن هذا المجلس ، وأن يبذلوا الجهد مع اليونسكو والمؤسسات الثقافية العالمية تي نؤكد للأمم المتحدة أننا بسبيل تحقيق وعدهم بأن لا نترك لغة أخري تندثر وتذهب للنسيان .
- أنت كتبت عن غرب السودان ، والطيب صالح كتب عن الشمال والوسط ، هل في المنظور أن يذهب كتاب الرواية في السودان علي هذا الخط وينتجوا مجموعة أعمال عن المناطق الباقية ؟
كنت دائما أظن بأن علي كتاب الرواية من أقاليم السودان المختلفة أن يقدموا أقاليمهم المختلفة إلي القاريء السوداني والعالمي ، أينما كانوا بوجود كتاب من الشرق وكتاب من الغرب الأوسط وكتاب من الجنوب وكتاب من الوسط .نستطيع أن نقارن بأمريكا حافظوا علي تعريف العالم بأقاليمهم المختلفة ، همنجواي من منطقة البحيرات ، فوكنر من الجنوب ، وترومان كابوت من الوسط ، إشتاين يل من أقصي الغرب . نتمني أن يسهم كتاب الرواية والقصة القصيرة في هذا التعريف للسودانيين بعضهم للبعض من خلال التركيز علي تقديم صور إقليمية ناصعة تنافس وتبز عمل الطيب صالح وإبراهيم إسحق .
- أنت تلقيت تعليمك العالي بالخرطوم ، وتعيش الآن في الخرطوم ، ومضي ما يقارب النصف قرن ، ولكنك تتركها وتجعل دارفور مسرحا لرواياتك ولا تتحدث قط عن الوسط السوداني ؟
أظنني تحدثت عن أمدرمان والخرطوم في ثمانية قصص ، وكذلك في رواية وبال في كلمندو ، كما أن رواية أخبار البنت مكايا تدور في منطقة النيل الأبيض ـ ومع ذلك فملاحظتكم في محلها . شعور الروائي والقاص بأن أهله ملزم لهم وجود من يسفر عنهم هذا لا يقاد المرء بسهولة ، ميخائيل شيخوف عاش معظم حياته في موسكو والمدن الروسية الكبيرة لكن كل كتاباته حتي القصص القصيرة تدور في وادي نهر الدون ، ومهما تسكع وليم فوكنر في افريقيا وعاش حتي في هوليود يظل الجنوب الأمريكي هو الساحة التي يفهمها ، ويدين لها ، ولو عن لي أن أبدع عن أمدرمان والخرطوم يجب أن يصعد الجيل الثالث من آل كباشي إلي الواجهة لأنهم يدرسون الآن في الخرطوم ويعملون في الخرطوم . فإذا إرتبطت إهتماماتهم الحديثة بخلفياتهم البيئية ربما نكتب يوما ما عملا يجمع ما بين كافا في غرب السودان والوسط السوداني في العاصمة أو سواها
- يذهب بعض النقاد إلي أنك تستعير تكنيك فوكنر والرواية الدائرية في كتاباتك ؟
لا أنكر ذلك . أنا لا أنكر أنني إستلهمت تصوري لبيئتي من العالم المتكامل الذي خلقه جيمس جويس ووليم فوكنر وميخائيل شيخوف . هؤلاء من أرفع كتاب الخيال السردي في العالم ، وإنتاجهم أثري معرفتنا بمكنونات الإنسان ، ثم أن الطيب صالح أيضا يحصر كل أعماله في دائرة الخروج من والدوران داخل عالم ود حامد . إذا هناك كتاب يكتبون بطريقة متناثرة شخصية من هنا ، وواقع من هناك حسب التقاطهم لمواضيعهم ، وهناك كتاب ينحصر همهم في تقديم عالم معين بأدق مافي ذلك العالم من المكونات ، ولا يجدر بنا أن نلوم أي منهما أو أن نتغول علي حريته الإبداعية .
- أسألك الآن هل توجد قصة وجودية في السودان ؟
لا أعتقد أن أحدا بذل مجهودا في القصة الوجودية أكثر من عيسي الحلو ، ولكن في القصة القصيرة هناك كمية كبيرة من الأعمال التي يمكن إدماجها في القصة القصيرة
- ما رأيك في منابر الرواية العربية ، المسابقات في كل هذه المنابر تجمع بين المحترفين والشباب الجدد ، ما عدا مسابقة الطيب صالح العالمية لا يوجد فيها محترفين ؟
أولا أنا أري أن الجوائز أسهمت بشدة في خلق كتاب جدد للرواية ، وخروج كاتب جيد من داخل هذه المسابقات أمر متوقع ، مثل ما رأينا في علي الرفاعي . ربما يتباعد المحترفون عن المشاركة في هذه المسابقات لأنهم لا يريدون أن يحكموا المحكمين في أعمالهم. وهذا يمنحنا فرصة في أن تخدم الجوائز علي صعيدين : فهناك جوائز تقديرية مثل العويس والبابطين ونجيب محفوظ ، وهناك جوائز تشجيعية مثل كتارا والبوكر وجائزة الطيب صالح من شركة زين . فإذا كان القصد هو أن نفسح المجال لكمية طوفانية من الروايات التي تستحق الإنتماء لهذه العينة ، تحفز هذه الجوائز التشجيعية الكتاب المبتدئين من كل أعمالهم للمشاركة فتطلع لنا بعض الروايات الجيدة ، وقد تصل إلي كاتب إستطاع أن يطور نفسه حتي مستويات رفيعة . وبجانب ذلك نتمني أن تمنح الجوائز التقديرية فرصة للكتاب المحترفين من خلال الإطلاع علي أعمالهم ومنحها ما تستحق من التقدير .
- لماذا لا توجد منابر أخري غير الرواية ؟
إمارة الشارقة مشكورة بإقامتها لستة أو سبعة بيوت للشعر في الدول العربية ، الشعر يكاد ينحصر حاليا في المنابر ، ولكن المنتبر تمنح الفرصة للشعراء المجيدين حتي يصدروا دواوينهم التي يتلقفها الناس ، ولكن الأغراض التي التي تخدمها الرواية حاليا بدخولها في عالم الإنسانيات وبإستعانتها باللغة الشاعرية ومحاولتها مجاراة الكاميرا ، هذه الأوضاع تمنح الرواية أهميتها ولا أعتقد أن الشعر يستطيع أن ينافس معها فيها ، لذلك أنا أري بأن المستقبل سيكون للرواية القصيرة التي لا تبعث علي الملل . الرواية المكثفة الغرائبية ، المتمكنة من تلمس أحاسيس القاريء وخدمته بالأدوات القريبة من الكاميرا . هذه الرواية هذا هو عصرها حتي نري ماذا يحصل إذا ما توقف الناس عن الإهتمام الذي نراه بالشاشات .
- ما رأيك في كتابات الكتاب الجدد ؟
لا أستطيع أن أقول أنني متابع د قيق للكتاب الجدد ، أولا لأن القراءة في السرد تكون نتيجته أن يتشبع الكاتب مثلي في مرحلة معينة بحيث لا يستطيع أن يتحمل فنيات المبتدئين . ومع ذلك فقد تابعت أعمال المجيدين من كتاب القصة القصيرة في العقود الثلاثة الماضية ، وأشدت بما أعجبت بها . أصحاب الأسافير لا يزالون يذكرون المقال الذي كتبته بجريدة الوان عن رواية عمر الصايم التي تسمي مارخدر . علي الكتاب الجدد إذا قبلوا بنصائحي أن يجيدوا اللغة ، التي يكتبون بها ، وأن يستوعبوا الفنيات التي يحاولون الكتابة داخل عيناتها ، وأن يكون خيالهم خادما لكثير من الواقع ، ومعالجا لمشكلاته . لا نقول لهم توقفوا عن الفنتازيا والغرائبيات ، لكن فلتكن نصوصكم لها علاقة بمعالجة الواقع الإنساني الذي نعيشه
- هناك من يري أن عدم ترجمة أعمال إبراهيم إسحق للغات الأخري هي من أسباب عدم وصوله للآخرين ؟
ليس في يدي أن أطلب من الناس أن يترجموا أعمالي للغة الأجنبية ، لأن هذا الأمر يتأتي من مدخلين : المدخل الأول هو أن تعني الدولة بأن تنشر أعمال المتميزين من كتابها من خلال ترجمة أعمالهم كما كان يفعل عبد الناصر ،والمدخل الثاني هو أن يحس المترجمون الأجانب بالقيمة الفنية والمعنوية لهذا العمل فيسعوا لترجمته كما فعل دينس جونسون بالنسبة للطيب صالح ، من المؤكد أن ترجمة الأعمال للغات الأخري قد تفيد الكاتب بأن يلاتفت إلي عمله القراء الأجانب ، والقيمة الموجودة فيه ، لكن في هذه الظروف الحالية الذهاب إلي ترجمة أعمال لليست بقدر كبير من الجودة ، نسبة فقط لما فيها من الموضوعات التي تتلمسها ، هذه الحالة في السودان كثيرة ولها شواهد يعلمها الناس ، الكاتب السوداني أمير تاج السر أشار في واحد من مقالاته إلي هذه الناحية ، وقال الكثير من الأعمال التي ترجمت وهي ضعيفة أساسا وترجمت فقط لما فيها من القضايا اللصيقة بالحاضر لم ينتج عنها أي شيء ، أنا كنت أتمني لو وجد الناس رغبة أن يترجموا أعمالي لكني بنفس الوقت لا أستطيع أن أطلب منهم أن يترجموا هذه الأعمال ، وأتحسر لأن الدولة لا تفعل شيئا
- والترجمة هي من الأسباب التي لم توصل إبراهيم اسحق للبعد الذي يستحقه ؟
هذا إحتمال ، ولكن لا أستطيع أن أقنع نفسي أيضا بأن أعمالي جيدة وعدم ترجمتها هو المانع . لماذا ؟ لأنك لا تستطيع أن تتحكم في أمزجة الناس ، أمزجة القراء الأجانب في الوقت الحاضر هي أمزجة مبنية علي تناول هذه الأعمال للمسكوت عنه سياسيا ، أو دينيا أو جنسيا ،
- وهنالك إختلاف إذا بين المزاج الغربي والمزاج المحلي ؟
نعم ، ولكن بنفس القدر إذا كانت العناية الموجهة من جانب المترجمين للعمل الفني كعمل فني ومحاولة النظر إلي الخلفيات الإنسانية الموجودة في هذه الأعمال . أعتقد أن هذه الأعمال تستحق أن تترجم . مع ذلك لا أقول هذا هو السبب الوحيد وارجع الي سبب سبق أن ذكرته هو أن فهم البيئة نفسها والمكونات البيئية التي أكتب عنها من الصعوبة بمكان حتي علي بعض السودانيين الموجودين في وسط السودان ، لكن من يهتم ويكترث أن يعرف يستطيع ببساطة أن يعرف من خلال السؤال أو من خلال قواميس اللهجات العامية ماذا تعني كلمة معينة ،ولو تركها أثناء قراءته كما فعل الطيب صالح ونبيل سليمان لا يؤثر هذا في أن يتمتع بالعمل الفني
- ما أشرت إليه فيما قاله أمير تاج السر هل هذا يشير إلي فساد الترجمة ؟
لا نقول فساد الترجمة بقدر ما نقول أن المترجم الأجنبي فتش عن موضوع يثير به القراء في بلده ، وأن القراء في بلده مع هذا الإنتشار الإعلامي الرهيب عن قضايا العالم ، مثلا رواية عن مسيح دارفور تجد أقبالا كبيرا بالنسبة للجمهور في اوروبا دون إعتبار لمحتوي الرواية ،ويمكن أن يؤدي ذلك لشراء الرواية من قبلهم . لكن وبال في كلمندو ماذا يعني لهم ؟ أعتقد أن المواضيع وإختيار المواضيع من جانب المترجمين هو السبب الأساسي وكما قال أمير تاج السر كثير من الروايات التي ترجمت تحكمت فيها السياسة وليس الجوانب الفنية .