المؤتمر الروائي لجائزة الطيب صالح للإبداع الروائي- الدورة السادسة عشرة

المؤتمر الروائي لجائزة الطيب صالح للإبداع الروائي- الدورة السادسة عشرة أكتوبر 2020م رواية نور تداعي الكهرمان بين السيرة والتاريخ  *الدكتور/ مصطفى الصاوي مدخل:-    انتظم هذا النص الذي ألفه الأستاذ/ جمال محمد إبراهيم في (24) فصلاً قصيراً بعناوين قصيرة. سؤال التجنيس سؤال مركزي في هذه الدراسة باعتبار أن ((البيوغرافيا مزيج مُختلط وجنس غير مستقر مُختلف عن

المؤتمر الروائي لجائزة الطيب صالح للإبداع الروائي- الدورة السادسة عشرة

المؤتمر الروائي لجائزة الطيب صالح للإبداع الروائي- الدورة السادسة عشرة
أكتوبر 2020م

رواية نور تداعي الكهرمان بين السيرة والتاريخ
 *الدكتور/ مصطفى الصاوي

 

 

 

 


مدخل:-
   انتظم هذا النص الذي ألفه الأستاذ/ جمال محمد إبراهيم في (24) فصلاً قصيراً بعناوين قصيرة. سؤال التجنيس سؤال مركزي في هذه الدراسة باعتبار أن ((البيوغرافيا مزيج مُختلط وجنس غير مستقر مُختلف عن التاريخ منذ البداية باعد تارك بين التاريخ والبيوغرافيا وفك الارتباط بينهما من خلال قولته الشهيرة نحن لا نكتب تَاريخاً وإنما نكتب سير حياة)) نحن هنا إزاء تجنيس العمل وأشار الكاتب إلى رواية فالميثاق السري قد يفترض نوعاً مِنْ الاتفاق أو التعهد بصدد حقيقة النص، وصدقيته، وينص على أن الأحداث التي يرويها هي حقائق تاريخية (وقائع) وأن الشخصيات التي تظهر فيه لأشخاص حقيقيين والميثاق يتم في شكل عُرف أدبي مثل وجود نظام: مقدمة، كلمة الناشر، العنوان الرئيس والفرعي وكذلك العناوين الداخلية وكل ما سبق يوجه أقف القارئ.
1-1:- العنوان الرئيسي أعلاه أبرز اسم المؤلف في أعلى صفحة الغلاف الأمامية وتَحتها مباشرة صورة  (فتوغرافيا) لمعاوية نور وتحتها عنوان فرعي شارح نور، تداعي الكهرمان.
1-2:- الإهداء مِنْ عتبات النص، والمُهدى إليه هنا ذات شخصية المترجم له ((إلى روح شهيد الاستنارة في السودان معاوية محمد نور)) وهنا وبوضوح تتبدى انشغالات الكاتب بالشخصية في احتفاء به وبدوره التنويري، وفي ذات الوقت يؤسس جسراً للمتلقي للتواصل مع النص في ضوء موجهات العتبات والنور هو الضوء، وسطوعه بين الأشياء وتُرى الأبصار حقيقتها وارتبط نور بالاستنارة في زمن مبكر (تنويري). أما مُفردة تداعي فهي ذات دلالات مُختلفة نقول تداعت الأفكار، وتداعي البناء حينما يتصدع، والكهرمان أحجار كريمة.

   وتضمنت العتبات خطاب افتتاحي (شعري) أثبتها الكاتب إضافة لما كتب عن معاوية نثرياً وبيان ذلك:-
المقطع
الشاعر أو الناقد
الدلالات

تبينت فيه الخُلدَ يَوْمَ رَأيُتهُ
وما باتَ لي أن المَنيةُ آتية
وما بانَ لَي أني أُطالع سيْرة
خَواتيمُها مِنْ بدئها جُددانيه
عباس محمود العقاد
في رثاء معاوية (سيره)

شَهِدَ الأرزُ مِنْ نبوعكَ نوراً
وكَسبتَ السباق إثرِ السياق
وتنَّزلت في الكِنانة غيثاً
مُستهلُ الإرعادِ والإبرااقِ
محمد أحمد محجوب
في رثاء معاوية

وَلابد أَنْهُ واجه كثيراً من القلق مَصدَرهُ مَفاهيمه والأراء التي استعادها مِن ثقافته الواسعة وضيق الحياة الاجتماعية في السودان في ظل الاحتلال.. وعدم القدرة على التطور، وسيطرة المحتل في هذه الفترة ولذلك انطبَع تفكيرُهُ بطابع الحزن و القلق
أنور الجندي عن معاوية في مجلة الأديب

 

 

 


مقال نقدي

   تلك الاستشهادات (العقاد، محمد أحمد محجوب، أنور الجندي) تشير إلى ملامح حياة معاوية والملابسات التي أحاطت بحياته ذات العمر القصير، وانجازاته الباذخة والكاتب عبر تلك النصوص يوسع الأفق التناصي ولابد من ربطها بالنص علماً بأن الكتاب شغوف بالصيغة الشعرية ليس فقط في لغة العمل بل في اثباته نصاً كاملاً للعقاد بين تضاعيفه ويفصح ما سبق عن:-
(أ)- قصة حياة معاوية.
(ب)- إشارات مكانية (بيروت ومصر).
(ج)- الاستعمار ثم وصف الحياة الاجتماعية بالسودان.

1-3:- التنويه (التَنبيه):-
   نَوه الكاتب تحت عنوان (تنويه لازم) إلى ((ليس مهماً مَن أكون أنا، وليس مِنْ الضروري أن أفصح عن هويتي، ولا كيف تَسّنى لي جمع كل هذه الأوراق، وكل هذه التفاصيل لتشكل فصول هذه الرواية. ثمة وقائع يحكيها بطلها(نور) وأخرى يحكيها معلمه إدوارد. قد ترد كل هذه الفصول بترتيب أو بغير ترتيب تاريخي، وأنا أتحمل مسؤولية ذلك لكن للقاريء أن يلاحظ وهذا أمر ضروري، أني لست طرفاً في هذه القصة)).
   تضمن هذا التنويه مُلاحظات يوجهها الراوي للقاريء تأخذه إلى طبيعة العمل:-
(أ)- لا يريد الإفصاح عن هويته.
(ب)- ليس طرفاً في العمل.
(ج)- يتحمل مسؤولية ما كتب.
(د)- لا يريد الإفصاح عن كيفية جمعه لهذه الأوراق والتفاصيل التي تتعلق بالمكتوب عنه.
(ه)- أشار إلى التقنيات التي استخدمها في العمل (وقائع يحكيها نور وأخرى يحكيها إدوارد دون ترتيب).
   ولكن صوت الكاتب يتبدى في عتبة قَصية تحت مُسمى على سبيل الشكر والامتنان (الكهرمان حجر، ونبات، تعتق حجراً كريماً ذا لونٍ براق أصفر، أو أحمر، أو أزرق وله رائحة طيبة هذا عمل عن سيرة الأديب السوداني الراحل معاوية نور 19/ 9/ 1941م، مقتبس من وقائع حياته بممازجة مع مُقتضيات التخَييل الروائي، والتفاصيل المُكملة لها دون مفارقة تلك الوقائع الرئيسة في حياته)) إذن هذه الكتابة ((تقع في توتر شديد بين الخيال والواقع وهي تحاول دمجهما معاً، وتركيبهما انطلاقاً من السرد الذي يسمح بتمرير المحتوى عبر امتداده والحكاية التي تُظهر زَمنيته)). وهذا ما يُقرب الرواية إلى البيوغرافيا مقرونة بالبعد التاريخي خاصة أن هناك ((وعى بأن الكتابة التاريخية تعتمد على مقدار من الخيال يقربها من جنس البيوغرافيا كما أن هناك جزء من الحقيقة في البيوغرافيا يقربها التاريخ)).
   ويُلاحظ في ضوء ما سبق أن الكاتب لم يستند فقط على خياله بل استند على مصادر مكتوبة فالوثائق تشكل الذخيرة الحية التي تنبثق منها البيوغرافيا وصولاً للإقتراب من الحقيقة ما أمكن وفي هذا الصدد استند الكاتب على ما دون عن (معاوية) من قبل (الطاهر محمد علي) (دراسات في الأدب الحيث)، و (مجاهد علي خليفة) (معاوية وآثاره النقدية، والسني بانقا من (أدب معاوية نور) و (الرشيد عثمان خالد) (قريب معاوية في (الأعمال الكاملة) (وأحمد محمد البدوي) (معاوية تور تجليات ناقد الحداثة، و (عبد القدوس الخاتم في (مقالات نقدية، ومحمد وقيع الله ، إدوارد عطية تلميذ، معاوية/ والنور حمد) في مهارب المبدعين، وكذلك (أنيس منصور) صالون العقاد، وعباس محمود العقاد) (مطالعات في الكتب والحياة) وددت لو نظر في مذكرات الدرديري محمد عثمان و (عبد اللطيف الخليفة) في مذكراته.نحن إزاء نص تركيبي من الناحية الأجناسية.
التاريخ
الرواية
السيرة

التاريخ محكي حقيقي
محكي متخيل
سرد عن ذات أخرى إستعانة بالوثائق، الصور شهادات شفاهية، مراجع... الخ

يشترط وقوع الحدث التاريخي فعلاً
لا يشترط في الحدث الروائي واقع الرواية الفعلي هو مرجعيتها
استعادة قصة خيال انسان وتلمس خفاياها والكشف عن باطنها والاحساس العالي بالشخصية

وجه التشابه
سرد (السير في بدايتها اعتبرت جزءاً من التاريخ)
سرد
سرد

   وهكذا حاول الكاتب إدماج ما سبق الاشارة إليه من تاريخ وسرد روائي وسيرة صوب التسريد المركب بين التاريخي والمتخيل الروائي الذي انصرف إلى شخصية، وعرض حياتها واهتماماتها، وأفكارها ...الخ. مما يضعها في بعد (الرواية السيرة) (Biographical Novel) لقد عول في بعد الـ (Biography) على إبراز قصة معاوية واتخذت طابعاً أدبياً كما ركز على التكوين والنشأة والتطور العقلي وصولاً لمأساته ((لطالما سمعت من أمي طاهر القصص المثيرة عن والدها حاج خالد وهو جَدي الذي لا أكاد أجزم أني، وفي أضغاث أحلامي قد رأيته.. كان جدي من بيت أقرب الأمراء المهدويين إلى الخليفة التعايش ذلك الذي انهارت دولة المهدية وانسربت من بين يديه))ويشير إلى خاله وأستاذه إدوارد/ كلية غردون، وتنقلات بين بيروت، القاهرة، وصولاً إلى زيارة العقاد للسودان ((أجل لقد تدهورت صحة نور ولقي حتفه بسبب ضعفه العام)).
البناء الفني:-
   نهض النص على بناء تركيبي يتقاطع مع التاريخ والسيرة، وتوظيف السرد الروائي عبر ما يلي:-
(أ)- صوت الراوي، وهو راوٍ عليم غير مُشارك ولكنه متورط في السرد حينما كتب تحت عنوان (جمال محمد إبراهيم وهو هنا الكاتب الحقيقي بدلالة العنوان:((سلخت جلدي بكامل وعي وكأن لعنة حلت بي وقذفت بروحي خارج وجداني لم أعد أنا نور الذي تعرفه نفسي.. عليَّ أن أكنس سائر ما علق بذهني وذاكرتي من أدب الانجليز، والأوربيين والأمريكان على أن أتخلص من جورج برنادشو.. أعجز بقدراتي المحدودة.. آن للؤلؤ أن يتراجع إلى صدفته وللكهرمان أن يتداعى)). العبارة تَحيلُ إلى العنوان والكاتب معاً. وبالتالي إلى الكاتب الذي صكه مما يؤكد تورطه في السيرة، وهذا الأمر معلوم إذ يحق للكاتب السيرة التورط فيها (كما الروائي والرسام)
(ب)- صوت معاوية.
(ج)- صوت إدوارد.
(د)- صوت عشري الصديق.
(ه)- الرسائل المُتبادلة بين إدوارد ومعاوية.
(و)- الحوار بين إدوارد والعقاد حيث قال الأول بحسه الاستخباري ((كان شقيقه الذي رافقني إلى مقبرته متحفظاً معي)).
(ز)- بصدد الشخصيات حفل النص بشخصيات مرجعية (معاوية، إدوارد، العقاد، خال معاوية، عشري الصديق) إضافة إلى شخصية (ريما) الفتاة اللبنانية وهي شخصية متخيلة.
   إن السرد الروائي الملتبس بأفق سيري ذاتي، أو سيرة غيرة تبدي عند الطيب صالح في منسي نادر على طريقته (حيث استثمر صالح قدرته الرواية في منسي ولامس أحياناً تخوم الرواية)). وذلك باعتبار منسي نصاً هجيناً استعار من الرواية تقنياتها وتميز بالحضور المكثف للكاتب وتذويد الكتابة.. وتناوب صوتين سرديين في الحكي صوت منسي، وصوت المؤلف)).
   من جهة أخرى لابد من الإشارة إلى دور العناوين الداخلية والتي عنيت بإثبات التواريخ وتحديدها وكذلك الأماكن ومنها:- 
أم درمان 1920م (نور جدي خالد)، الخرطوم، عام 1926 (نور معلم اسمه أدوارد عطية، الخرطوم  أوائل عام 1925م). (نور)، خالي (عثمان) و (الخرطوم) 1941 (إدوارد) عربي يحكي قصته، الخرطوم.. النصف الثاني من عام 1926 (نور) دراسة الطب، ليست كوبي المُفضل وصولاً إلى بيروت 1928م(نور) في شط الإستنارة ومن ثم الخرطوم مارس 1929 إدوارد إلى تلميذي نور، بيروت ربيع 1931(نور: قمر ربما أزرق)، كل تلك التواريخ وأخريات ذات بُعدين الأول يتصل بالتوثيق من ناحية تاريخية، والثاني توضح انغماس البيوغرافي في تفاصيل الشخصية حيث نجده (مُنصاعاً بشكل لا إرادي نحو موضوعه تأسره بعض الأحداث في المَصادر والمعلومات، يعيش في ذلك الجو، ويتيه فيه وكلما تَعمق في الموضوع اندمج أكثر في عالمه) ولا يتطرق للملتقي هيمنة الزمن التاريخي فقط على العمل بل اهتم أيضاً بالحوافز النفسية للمترجم له وتبدى الزمن النفسي في العمل بصورة جلية وأبرز تطور الأحداث الحاسمة في حياته، معاناته في القاهرة، العودة للخرطوم وعزلته تلك لحظات نفسية مهمة في مسار حياته خاصة (العلاج البلدي) إن لكل حياة معنى، وبالتالي حاول الكاتب ترجمة حياة معاوية وتبيان حقيقتها وصولاً للقبض عليها وإدراكها (من خلال الأحداث المُعَماة إذ ((تَشتغل السير والتراجم بنقل الحقائق والوقائع التي مرت بها الشخصيات عبر تاريخها، لا تَستنكف الرواية عن اختراق تلك الحدود لتجعل من المتخيل فضاءها الرئيسي). وعودة إلى بدء، وسؤال الدراسة المركزي، اكتفي بمالحظاتي لأن الأسئلة هي التي تفتح المجال واسعاً للحوار.
 
الخاتمة
سعى النص للوصول إلى الحقيقة بصدد الشخصية التي تَرجم لها وفقاً للأبعاد التركيبية للنص (تاريخ، السيرة، الرواية).
حاول إبراز شخصية معاوية وأظهرها في صورة مثالية.
تجلت في النص عبقرية معاوية وهذا أمر لا خلاف فيه باتفاق العديد من النقاد ولكنه أظهر إدوارد عطية بنيل جم والأمر ليس كذلك وهو استخباراتي.
احترم الترتيب الكرونولوجي في الأحداث تشويقاً للقاريء إلا من قليل من الاسترجاعات حتمها السياق النصي.
اقتضى تحويل السرد التاريخي إلى سرد سيري روائي أحداث تغيير في الخصائص المميزة للسرد التاريخي من خلال:-
هيمنة صيغة الفعل الماضي.
تبادل السرد بين الشخصيات المحورية (معاوية، إدوارد)
تذويت السرد وأعني به سرد معاوية وما رواه في لحظات يقطعه ووعيه قبل المأساة.
(وأخيراً أقول بأن ما بهم في هذا النص ليس إعادة سرد الأحداث التاريخية ولا اجتراح سرد سيري روائي بل المهم والأكثر أهمية هو ما أورده جورج لوكاش (الإيقاظ الشعري للناس الذين برزوا في تلك الأحداث وما بهم هنا أنها تعيش مرة أخرى الدوافع الاجتماعية الانسانية التي أدت بهم إلى أن يفكروا ويشعروا ويتصرفوا كما فعلوا في الواقع التاريخي).
 
المصادر والمراجع حسب ورودها في الدراسة:-
جمال محمد إبراهيم/ نور تداعي الكهرمان: الخرطوم، دار مدارات للنشر، 2019م.
خالد طحطح، البيوغرافيا والتاريخ: الدار البيضاء، دار تويفال للنشر، 2014م، ص.114
الرواية ص 167.
سابق ص7.
سابق ص 1717.
خالد طحطح، البيوغرافيا والتاريخ ص121.
سابق ص 115.
سابق ص 175.
المقولة لـ بول مواري كاندل مؤلف سيرة لويس الحادي عشر والنقل من خالد طحطح، ص 125.
هاشم ميرغني/ مصطفى الصاوي، دراسة تحولات الرواية السودانية(1948- 2015م) مقاربة تاريخية، دراسة غير منشورة.
مصطفى الصاوي، منسي انسان نادر على طريقته نص أدبي هجين ضمن كتاب بحوث في الرواية السودانية أوراق المؤتمرات العلمية لجائزة الطيب صالح (2003م- 2008م) تحرير أحمد عبد المكرم، مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي، أم درمان، 2010م.
خالد طحطح، البيوغرافيا والتاريخ، ص 125.
كمال الرياحي، الكتابة الروائية عند عند واسيني الأعرج قراءة في التشكيل الروائي لحارسة الظلال، منشورات كارم 2009م، تونس، ص 201.
جورج لوكاش، الرواية التاريخية، ترجمة صالح جواد الكاظمي، دار الشؤون الثقافية، بغداد، 1986م، ص 239.