الجذور الدافئة

الجذور الدافئة شامة ميرغني استيقظت على رنين الهاتف قبيل الفجر..... سبقتني ابنتي اليه وردت بصوت قد ضمخه النوم

الجذور الدافئة

الجذور الدافئة
                  شامة ميرغني

 


استيقظت على رنين الهاتف قبيل الفجر.....
سبقتني ابنتي اليه  وردت بصوت قد ضمخه النوم
آالو.....ثم انتشى صوتها فجاءة
-خالي محمود  ازيك يا خالو ...مالو صوتك كده؟
خطفت الهاتف من يدها
-الو ....وجاءني صوته مشروخا مأزوما  فسقط قلبي...
-ازيك يا امينة
- كيفك يا اخوي مالو صوتك كده  ان شاءالله مافي عوجة؟
- لا لا مافي عوجة.....ثم بذات الصوت المشروخ والذي بات الى الهمس اقرب
- اسمعي يا امينة من فضلك خلي عمي سليمان يطلع لينا من الفيلا باسرع ما يمكن ادفعي له زي ما عاوز .... نحن جايين  بمجرد يلقى بيت ويرحل اديني خبر  اوكي ؟مع السلامة
لم يدع لي فرصة للاستفسار! يا الله ما هذه الرنة الغريبة في صوت اخي؟ماذا حدث؟
لماذا قرر العودة فجاءة؟وقد كان هنا قبل ثلاثة اشهر فقط!

كنت في كل مرةاتوسل اليه ان يبفى معنا ..وبكتفي بما جمع من مال وشيد من عقار ... فكان يتعلل يتعلل بوظيفته المرموقة والتعليم الراقي الذي يتلقاه ياسمين ووليد كان يحدثني عن ياسمين ابنته التي نافست الخواجات في عقر دارهم  ...كان يتحجج
-الوضع هناك مريح يا امينة والحريات مكفولة لأي زول ..هنا الدولة فشلت في توفير الخدمات الاساسية...وتقطع الهرباء فيهتف
- الكهربة قطعت يا امينة  شفتي التخلف ده كيف؟هسه الحر والغبرة دي يعيشوا فيها كيف ؟
نهضت من على جمر في فراشي واتجهت الى الهاتف وبلغت العم سليمان واشركته معي في حيرتي ...تلمل الرجل وابدى استغرابه ....خلال ايام  وجدنا للرجل الطيب سكنا مناسبا  ودفعنا له مقدما لعام كامل رغم اعتراضه.
اسرعت اتصل بشقيقي...ابكتني نبرة الحزن في صوته  فتوسلت اليه:-
- عليك الله يا محمودطمني  الحاصل عليكم شنو؟
-مصيبة ياامينة مصيبة...ياسمين جابت ليها خواجة مبيتاه معاها في غرفتها ...وقالت ده  البوي فريند بتاعها وانهم قرروا يتزوجوا شفتي يا امينة المصيبة الأنا فيها؟(ولولت)
-ووب علي يا ود امي ووب علي بنتك جنت يويو ما نصيحة
وكانت ياسمين قدقطفت من الربيع تسعة عشر زهرة يانعة ومتفتحة...وكنت اباهي بها اهلي وصديقاتي
فهي التي تحدثت الصحف الاجنبية عن نبوغها وهي التي اكملت دراستها الجامعية في زمن قياسي..
استضافني الأرق على موائده عدة ليالي ووضع بصماته على وجهي وعظامي
ذات ليلة داهمني هاجس خبيث
(ماذا لو كانت ....)جلست على سجادتي وتوسلت الى الله الا يكون الامر قد تجاوز حد المبيت واصبحت اردد بلا وعي (يا رب اجعل العواقب سليمة ) كنت اتقيأ ما بجوفي واربط رأسي المتصدعة بعصابة
فشلت محاولات زوجي وابنتي في معرفة سر شحوبي واكتئابي
بعد اسبوع واحد وصل شقيقي وألقت ياسمين بنفسها في حضني ...حاولت ان احضنها واقبلها كما تعودت وفشلت  ورايت عشرات الاسئلة تطل من عينيها الجميلتين  وجدت نفسي  اردد:- (ده كلو يطلع منك يا بت محمود؟) تحينت الفرص حتى اختليت بشقيقي فطمأنني بأن الامر أبسط من تصوري وانه اقنع يويو وصديقها ان نبدا الاحتفال هنا وسط اهلنا ومعارفنا ثم نسافر لنكمل الاحتفال بمراسم الزواج هناك..هكذا صار تفكير  الشباب هذه الايام لا قداسة عندهم لدين او هوية ...اصابني الوجوم لمنطق الاستسلام الغريب عند اخي والبنت تنسلخ عن دينها و  هويتها...ما عدت افهم شيئا ويويو تتقافز مثل الفراشة وتناقش هبة في مبدأ وحدة الديانات  ورجوعها لأصل واحد فيقتلني الغيظ تري باي دين واي مبدا سمحت لنفسها ان تختلي برجل غريب و تقضي معه الليل في غرفتها ..مر اسبوع وانا في حيرة احدق في وجه شقيقي وزوجته ...فيربت شقيفي على كتفي كأنه يقرأ افكاري
ذات صباح همس لي اخي بانه مسافر اليوم ..استنكرت ذلك
فضمني اخي الى صدره وقبلني على رأسي...وطمأنني بانه قادر على ترتيب الامر بشكل جيد  وانه سينهي ارتباطاته ويعود خلال شهرين
اكمل اخي  اجراءات سفره في صمت وبسرية تامة وقبيل توجهه الى المطار  اضرم اخي النار في جوازات السفر واجهزة المحمول وكل الاوراق الثبوتية وكثير من الوثائق وشهادة ميلاد يويو وسط صراخ يويو وذهول والدتها ودهشتنا جميعا ركب محمود سيارة الاجرة  التي حملته الى المطار ملوحا لنا بيديه وعل  وجهه ابتسامة  باهتة وحزينة
هاجت يويو وماجت وهددت بابلاغ السفارة  وعشنا واقعا دراميا لأكثر من شهر  ثم استسلمت يويو واعادت ترتيب نفسها  وانطلقت من جديد
يويو الآن اصغر دكتورة  في اصعب تخصص في جامعة مرموقة ولا تسع اكبر قاعاتها طلاب دكتورة ياسمين محمود الذين يلتفون حولها لينهلوا من علمها .وبعضهم يماثلونها في عمرها وبعضهم اكبر منها
دكتورة ياسمين لا تمل من سرد  تجربتها وتضحك من قلبها وهي تقول
لقد دخلت العالم الغربي من اوسع ابوابه واخذت منه أجمل مافيه واخرجني ابي منه قسرا  بتعنت  رجل شرقي تسكنه الهواجس وتسيطر على جينه الوراثي  رجل يؤمن بالحرية وتهز قناعاته بها وتتساقط عند بتطبيقها
لقد استعدت اوارقي الثبوتية وتزوجت الرجل الذي احببته واختار البقاء معي هنا في السودان لقناعته وانا اشهد ان  ابي كان حكيما في قراره  
فلولا تفكير ابي المتزمت لكنا انا وزوجي قطرتين ذائبتين غي محيط بارد ..لا بعرف مثل هذا الدفء .