التنهيدة الأخيرة

التنهيدة الأخيرة حميد الرقيمي- اليمن أكتب الآن تنهيدتي الأخيرة، لقد تعبت وأنا أشاهد حياتي تتلاشى رويداً ، أعكف في غرفة صغيرة، لا أحد يقترب مني ، لا أحد يصلني وأنا كذلك لا أطل على أحد، في الأسبوع الثاني من الحجر الصحي

التنهيدة الأخيرة

التنهيدة الأخيرة

حميد الرقيمي- اليمن

 

 

أكتب الآن تنهيدتي الأخيرة، لقد تعبت وأنا أشاهد حياتي تتلاشى رويداً ، أعكف في غرفة صغيرة، لا أحد يقترب مني ، لا أحد يصلني وأنا كذلك لا أطل على أحد، في الأسبوع الثاني من الحجر الصحي ، تتصاعد حدة الهوس في ذاكرتي، أستغرق كثيراً في التفكير بأشياء مرعبة، ماذا لو رحلت الآن ، من سيقف على جثتي المخيفة، من سيأخذ من ملامحي نظرة أخيرة ولو على بعد ألف قدم؟

أشاهد الموت يقترب مني وأقول في نفسي ماذا لو يموت الموت الآن ويتركني لأقضي ما تبقى من شغفي في هذه الحياة، لقد سلكت دروباً كثيرة ، تارة وصلت وطوراً تقطعت بي الأمنيات وكنت أعود إلى البداية، لكنني الآن في أضيق زواية أصول وأجول في غرفة ضيقة ، باهتة الملامح، كئيبة بسكونها، مخيفة بتكشيرها الذي لا يتوقف ، لا أعرف تحديداً متى عليّ أن أنام ومتى علي أن أصحى، تشابهت أيامي كلها ، وصرت أصارع نفسي بنفسي، أصارع ذاكرتي، يقحمني قلبي في معاركٍ جديدة أخرى، القلق يمتدد على صدري ويجد ضالته بالكثير من الإصرار، تأخذني غيوم هذه اللحظة إلى سنوات عمري التي قضيتها باحثاً عن الحياة، ألمح أبي يلوّح لي من خلف السحب ، يفتح ذراعيه وعلى فمه بسمة غامضة ، يأخذني إلى سنوات عمري الأولى، تلك التي قضيت جلها معه، لهيبٌ آخر يأتي من عمق منزلنا المنزوي في أقصى بقاع الأرض؛ فيحيل ذهني إلى شعلة مضطربة تتراقص عليها ذكريات لم أعانقها منذ زمن طويل، لا أعرف كيف حال أمي، أصدقائي، أقربائي، كل شيء فيَّ الآن يتقوقع بذاكرتي ، أحاول الثبات على صورة واحدة ولا أقدر ، فجأة وجدتني هنا، كان النشاط يدب في أحشائي، القوة تجري في عروق قلبي، لكنني صرت خائف، تخيفني اللحظة التي أنا عليها الآن، ذاكرتي، قلبي، تشنجات روحي، يرعبني سؤال الموت، وأخاف من وقعه الذي يتبادر إلى ذهني قائلاً  "لماذا علينا أن نموت
يا رفيقي" ولم أجد إجابة ، فقط أتسلق جدران الغرفة المغلقة لأبحث عن ظلامٍ آخر، فألقاني محاصر بأشباح الدنيا كلها ، لا أجد مخرجاً من هذا كله، وبين الحين والآخر يعود صدى الروح ممزقاً" لا أريد أن أموت، لا أريد الموت"