عشرة أعوام على صدور"نحو وعي ثقافي جديد "

عشرة أعوام على صدور"نحو وعي ثقافي جديد " الخرطوم -كليك توبرس-عامر محمد أحمد كانت خطوة موفقة من مجلة دبي الثقافية المتوقفة عن الصدور، أن أصدرت في العام /مارس/2010م

عشرة أعوام على صدور

عشرة أعوام على صدور"نحو وعي ثقافي جديد "
الخرطوم -كليك توبرس-عامر محمد أحمد

 


كانت خطوة موفقة من مجلة دبي الثقافية المتوقفة عن الصدور، أن أصدرت في العام /مارس/2010م، كتابا للدكتور عبدالسلام المسدي، المفكر والكاتب والوزير التونسي هو كتاب (نحو وعي ثقافي جديد ) والدكتور المسدي، صاحب مساهمة كبيرة في، اللسانيات والكتابة في مختلف حقول الثقافة والمعرفة وهو أستاذ اللسانيات في الجامعة التونسية، عضو مجامع اللغة العربية في تونس وطرابلس ودمشق وبغداد. تولى قبل سنوات حقيبة وزارة التعليم العالي  والبحث العلمي في تونس ومن كتبه، التفكير اللساني في الحضارة العربية،  و قاموس اللسانيات، ماوراء اللغة، قضايا في العلم اللغوي، اللسانيات من خلال النصوص. و يدشن المسدي بهذا الكتاب، اسلوب مناقشة القضايا الفكرية والثقافية والسياسية، بلغة واضحة تتسق مع القارئ المختص والقارئ العادي، إذا جاز القول بأن مثل هذه الكتابة المفيدة، لاتؤثر في( النخبة ) وتفتح لهم أبوابا جديدة، من اجل اعادة النظر فيما سلف من أفكار وأراء حول دور الثقافة في المجتمع، تنشئة وتعليم، تثقيف وتنوير.  وفي مفتتح الكتاب، يقول المسدي:"كتب التاريخ على العرب أن يكونوا بين الشعوب التي اناخ الاستعمار على مصائرها دهرا، ولكنهم  كانوا في طليعة البلدان التي استماتت في معاركها التحريرية حتي نالت استقلالها، وكانت بما نالته اكثر جدارة واقتدارا من شعوب عديدة أخرى جاءتها شهادة التحرير على أطباق فضية بفضل الترتيبات الدولية في اواسط القرن العشرين. وبعد توالي العقود هاهم العرب يبسطون على الفكر الإنساني النقدي حالة مستعصية، فهناك مأزق في صيروتهم التاريخية، هناك حجم هائل من التناقضات بين العديد من مكونات الوجود الجماعي لديهم، وليس هذا من الكلام الجزاف، ليس هو من المزايدة بالخطاب، لأنه لايروم الإثارة، ولكن "الكلام " هو نفسه أصبح يطرح في واقعنا العربى المتدحرج ازمة حادة بين دلالته في ذاته وما هو دال عليه خارج سياجة اللفظي، إنه المأزق بين بنية المفاهيم وتشكلات السياق المتنزلة فيه.ولكن مايتحدث عنه فلاسفة السياسة وفقهاء الفلسفة، فيسمونه بالعطالة التاريخية، لم يصدق يوما كمايصدق على أمة  العرب منذ نصف قرن والعجيب أن عجلة التاريخ كانت تدور على منوالها حتي في الحقبة الاستعمارية. ولكنها انحشرت شيئا فشيئا في مأزق الزمن خلال العقود التي هي عمر دولة الاستقلال في جل أوطاننا. هذه العطالة المولدة للدهشة، والباعثة على الحيرة الفكرية، هي شبيهه بمايصيب الآلة في مجال الظواهر المادية، وذلك حين يتوقف جهاز الحاسوب ولاشي يبدو مسببا للعطب وكم من حالة حصلت فلايجد المهندس الغنى من قول يقوله لك وأنت تستنجد به إلا أن يهمس لك إن علم الحاسوب ليس من العلوم الصحيحة صحة تامة كالرياضيات"

 

 


علم صحيح
يقسم الدكتور المسدي، الكتاب إلى فصول في ترتيب تبدأ من، تمهيد، المثقف والسلطة، ثقافة الفكر الحر، عميد الوعي الثقافي، ثقافة الاعتراف بالآخر، العرب وسؤالهم الثقافي، الوعي الثقافي والوعي المعرفي، الوعي بآليات الخطاب، الانخراط في اللغة، المأزق اللغوي.
عميد الوعى الثقافي
يرسم الدكتور عبدالسلام المسدي، صورة ثقافية وفكرية للدكتور طه حسين، عميد الأدب العربى، وحامل لواء الاستنارة والتغيير، ويشير المسدي، إلى الدور الذي لعبه طه حسين"لو بدأنا بالقول "إن الأمة برجالها"لصدقنا الصدق كله، ولكننا نكون قد احتضنا الحقيقة من جانب ولم نعانقها من الجانب الآخر. ويمضي المسدي الى الفول " فأولا:إن الأمة برجالها وثانيا إن الأمة المستوفية لشروط الحضارة هي التي تنتبه الي فضل رجالها:عليها وعلى غيرها، بل عليها وعلى الإنسانية كافة من خلالها. فلاتاخذها الغفلة حتي يأتي من خارجها من ينبهها إلى منزلة أبنائها وعلو شأن أعلامها. ولكن من هم رجال الأمة؟ ومن عسى أن يكونوا في هوياتهم وفي وظائفهم وبحسب انجازاتهم؟  وقبل الجواب سؤال  آخر :من يصنع التاريخ؟ او قل من يخط حروف التاريخ على عقارب الزمن؟ ويضيف الدكتور المسدي، إنه مامن سياسي عربي منخرط في عقلانية المجتمعات المدنية العصرية، وما من مثقف تنويري يرفع لواء الموضوعية المحايدة، وينخرط في استقلال الدولة الحديثة عن أية مرجعية لاتاريخية، إلا وهما يحتكمان بوجه أو بآخر إلى مشروع عميد الأدب العربى طه حسين، فإن لم يكن الاحتكام بالضرورة إلى مضمون نظريته حول مواثيق التراث الأولى، فإنه بالضرورة قائم على حرية الإجتهاد في البحث والتفكير والاستنباط، وهي الحرية التي كسب معركتها بعد أن دفع ضريبتها. إن مشروع طه حسين كل متماسك، وأي اقتطاع له من بعض جوانبه دون جوانبه الأخرى يجعله فريسة للابتسار الظالم فلقد قاوم بحزم شديد الانغلاق الفكري، ودعا إلى الاجتهاد الذكي في أمور الأفراد والجماعات ولم ينال بما تعرض له من اجحاف التأويل، لذلك عد من الرواد الاحيائيين وترجم العصر الحاضر مفهوم "الأحياء "إلى مفهوم التنوير بعد أن تم استدعاؤه من قواميس الثقافة الوافدة. بتبسيط و باقتضاب، يتلخص المشروع الحسيني في جدلية متدرجة، يتعاضد فيها التعاقب الزمني والتضايف السببي، لقد تم استعمارنا، والذي أفقد شعوبنا استقلالها إنما هو الجهل، فخضنا الحروب التحريرية بكل أصنافها، فاسترجعنا استقلال أوطاننا، ويبقى علينا أن نحمي استقلالنا فيتعين علينا الأخذ بأسباب النهضة الحضارية :بنشر العلم وتعميم الثقافة، بغية ارساء الديمقراطية ولاسبيل إلى شئ من ذلك إلا بحرية الفكر. وهاهو التاريخ يعيد نفسه مع خصوصية الفارق في أن سيادة العالم كان مركزها يومئذ أوروبا، وهي اليوم متشكلة بصورة أخري تتخذ لنفسها مظلة النظام العالمي الجديد ويكفي أن نقرأ طه حسين وفي ذهننا الآن معاهدات الجات وترتيبات المنظمة العالمية للتجارة، ووصفات صندوق النقد الدولى، ووصايا البنك العالمى، دون أن نغفل عن الحرب على الإرهاب بوصفها مسوغا لغزو الشعوب، وجسرا لابتزاز ثرواتهم ودون أن نغفل عن انغلاق النظام المالي الدولي، ولا عن المراجعات الجذرية السائدة، ولاحتي عن زلزال القناعات الأمريكية عند توديع الرئيس جورج بوش واستقبال  خلفه الرئيس باراك حسين اوباما، حينئذ سنفهم ماكان يقوله عميد الوعي العربي ونفهم ماكان يجب أن نقول (فلو أننا هممنا الآن أن نعود ادراجنا وأن نحيي النظم العتيقة لماوجدنا إلى ذلك سبيلا، ولوجدنا أمامنا عقابا لاتجتاز ولاتدلل، عقابا نقيمها نحن لأننا حراص على التقدم والرقي، وعقابا تقيمها أوروبا لأننا عاهدناها على أن نسايرها ونجاريها في طريق الحضارة الحديثة. نحن إذن مدفوعون إلى الحياة الحديثة دفعا عنيفا. تدفعنا إليها عقولنا وطبائعنا وامزجتنا وتدفعنا إليها المعاهدات التي امضيناها والالتزامات التي قبلناها راضين ) لكأن معركة الأمس هي معركة اليوم، والمشروع منذئذ كل لا يتجزأ وما من مثقف ملتزم سياسيا يمعن في إجلاء  الوجه الأول لتوظيف التنوير ويسكت عن الوجه الثاني في إرساء دعائم الحرية الفكرية إلا وهو ظالم لطه حسين أولا، وظالم لنفسه ثانيا، وظالم للنظام السياسي الذي هو منخرط فيه بإسم عقلانية الدولة الحديثة. فلايجرؤ على مقاومة التحجر الفكري إلا عقل قادر على مجادلة المؤسسة السياسية بمايكفل له الرؤية النقدية البناءة " ويقول الدكتور المسدي عن طه حسين "ليس من الإنصاف أن نبتسر الحقيقة، فالمسرح الحسيني تنويري إذ يناهض القمع الفكري بين المثقفين، ويتصدي للحظر النفسي بين المجتهدين،ويقاوم العنف المعنوي بين الباحثين، ويناضل في سبيل رفع الوصاية على الإبداع الفني والخلق الأدبي، تلك التي تتسلل من المنافذ التاويلية بحثا عن المقاصد ورجما بالنوايا، ولكنه مشروع تنويري من حيث يرفض وصاية المؤسسة الرسمية على الفكر النقدي الخلاق، وينأي بالعقل عن حقول المحظورات، إنهما وجهان لعملة واحدة هذه  بتلك وبأيهما بدأت فلامناص من التثنية بالأخرى. منذ البداية يقرر طه حسين "كانت شعوب كثيرة من الأرض تعيش حرة مستقلة، فلم تغن عنها الحرية شيئا، ولم يجد عليها الاستقلال نفعا، ولم تعصمها الحرية والاستقلال من أن تعتدي عليها شعوب أخري تستمع بالحرية والاستقلال، ولكنها لاتكتفي بهما ولاتراهما غايتها القصوى، وإنما تضيف إليها شيئا آخر أو اشياء أخري، تضيف إليهما الحضارة التي تقوم على الثقافة والعلم، والقوة التي تنشأ عن الثقافة والعلم والثروة التي تنتجها الثقافة والعلم. ولولا أن مصر  قصرت طائعة أو كارهة في ذات الثقافة والعلم لما فقدت حريتها ، ولما أضاعت استقلالها، ولما احتاجت إلى هذا  الجهاد العنيف الشريف لتسترد الحرية وتستعيد الاستقلال " وما مصر في حديث طه حسين إلا النموذج الأوفى الذي يعنيه في ذاك السياق التاريخي المخصوص، ولكن التشخيص الحضاري يومئذ إن هو صح في شأن مصر فإن يصح في شأن  الأقطار العربية الأخرى أحق وأولي "ويقول الدكتور المسدي"في سنة 1949م أصدر صاحبنا "مرآه الضمير الحديث "بعد أن كان نشر فصوله في مجلة الهلال. وإذ باللازمة تظل لازمة "شر مايتعرض له أصحاب السلطان أن يهابهم الناس خوفا ورهبا، وخير مايتاح لأصحاب أن يهابهم الناس حبا وإكبارا وطمعا فيما عندهم من الخير ورغبة فيما يجدون عندهم من البر والمعروف "ويفيض صاحبنا متغنيا بالحرية، حاضا عليها، مستنكرا تنشئة الشباب على ماسواها، مناديا في الأثناء "إن الفن حرية لارق"وجاعلا الرقي الحضاري وقفا على الحرية. ثم مستدلا بأسهاب ابداعي جميل على أن مدار الحرية متوقف على نبذ العنف المولد للخوف وإشاعة الأمن الحافز على الكرامة والعزة والإباء، لأن الحرية "لاتستكمل خصائصها إلا حين تظهر متحضرة مترفة مجلوة من كدر الغرائز ووضر الطبائع الغلاظ" ويضيف الدكتور المسدي"وهاهو يقدم لنا نموذج  الفرد العربي المنتظر "فالإنسان الحر الكريم هو الذي يستطيع أن يقول بقلبه وضميره وعقله ولسانه "لا" يقولها لكل مايدعوه أو يغريه أو يرغبه فيما لايلائمه من عمل أو قول أو سيرة أو تأثر أو تأثير، يقولها حين تدعوه المائدة إلى أن يأكل أكثر مما ينبغي.. ويقولها حين يدعوه الجمال إلى فتنة الحسن، ويقولها حين تدعوه القوة إلى الطغيان والبطش والظلم، ويقولها حين بدعوه الضعف إلى الاستكانة والاذعان والذل ويقولها حين يدعوه السلطان والجاه إلى الاثرة والاستئثار والمحاباة. ويقولها حين يدعوه التفوق و الإمتياز إلى الاستكبار والغرور " ويمضي الدكتور المسدي في قراءة عميد الأدب "ولن تفتر همة طه حسين في تصوير حتمية الحرية الفكرية شرطا جوهريا للرقي الحضاري، ولن تخبو عزيمته في الدفاع عن الحريات الفردية وعن  الحريات العامة حتي لكأنه نذر نفسه ونذر فكره ونذر أدبه لهذا الهدف السامي النبيل "

 

 


والكتاب واسع عريض، اقتبست منه بعضا مماحمل من أراء مع استعراض ماجاد به من معرفة وتعريف بالدكتور طه حسين.. وكتاب "نحو وعي ثقافي جديد "يستحق أن تقرأه الأجيال الجديدة في جامعاتنا في الوطن العربى، وهو خارطة طريق فكرية وثقافية وسياسية لمن أراد المنفعة العامة للناس و الأوطان.