الأسئلة المنسية

الأسئلة المنسية حميد الرقيمي - اليمن ماذا سأكتب من دون وطن، من دون هوية، ومنزل يحتضن رفات الروح، ماذا سأكتب من دون نصر، وحكايات يرويها الأبطال في الهزيع الأخير من المعركة

الأسئلة المنسية

الأسئلة المنسية

حميد الرقيمي - اليمن

 

 

 

ماذا سأكتب من دون وطن، من دون هوية، ومنزل يحتضن رفات الروح، ماذا سأكتب من دون نصر، وحكايات يرويها الأبطال في الهزيع الأخير من المعركة، أظنني وصلت إلى الحد الذي أقع فيه أرضاً دونما بوصلة أو ومضة أمل تعيدني إلى البقعة الخضراء، تلك التي رسم عليها أصدقائي الشهداء آخر تفاصيل موتهم، في العقد الثاني، يترائ لي بأنني لم أنجو من أوهام المسنيين، أشاهدها تكبر على قلبي حتى تكاد تهلكه، من تلك المخاوف الطفولية التي زرعتها في العمق شظايا ملتهبة لا تخطئ هدفها الحقيقي، ما هذا الهوان أيها الأصدقاء، لم نكن نتوقع هذا الانكسار، أشعر بالعجز كما لو أن جيشاً مغولياً يزحف على خاصرتي، بينما أنا أمسك خائفاً على بقايا وطن لم يختزن في جوفه إلا الأنين المسلوخ بسياج الجبناء الحمقى، تسألني شهقة الشهيد عن ذلك الأمل المعجون بزفراتها، عن تلك الأمنيات المزروعة في دمها، عن هوية اليوم والأمس والغد المسلوب المستباح؟ ولا أجد في قلبي إلا طأطأت العار تحاكي همساً مفقوداً أضاع في ضجيج الأنذال طريقه الواضح، ولم يعد يهمس إلا ندباً غارقة في وحل المنافي البغيضة، أسأل تلك الشهقة عن حلمها المصلوب ، عن تلك الصورة التي رُسمت في محيّا طفلها البكر وجيرانه الخائفون؛ فتقول: أنتم، فيكم، على زوايا متارس خيباتكم، تذكّرْ بأن مازال هناك متسع دائم للبقاء، لكنكم أنتم أيضاً فقدتم ذواتكم، والآن ليس لي إلا شهقة متهالكة وزفرة يكسوها الغبار.

اه يا صديقي الشهيد، أقولها مرتاعاً من لحظة اليأس التي تحفر في وجداننا مساكنها السوداء، تتقمص رماداً ظنناه متطايراً عابراً لا يعرف الطريق إلى جوارحنا، غير انه في العمق، لا أعرف بعدها ماذا عليّ قوله، تخرج الآهات مرتعشة كأنها في خضم الحساب العسير ، بينما الشهيد متسمراً لا يلوي إلا على شهقات رحيله الأخيرة، ليتوارئ خلف غمّه بزفرات لا تحمل إلا سهام الأسئلة المنسية، وتلك الأحلام المصلوبة.