محمد المنسي قنديل روائي القرن الحادي والعشرين بقلم : سيف الدين حسن بابكر
محمد المنسي قنديل
روائي القرن الحادي والعشرين
بقلم : سيف الدين حسن بابكر
كاتب شجي، صاحب أعذب الأساليب العربية وأنصعها. ولد بالمحلة الكبرى عام ١٩٤٩ م وتخرج طبيبا عام ١٩٧٥ . إلا أنه اعتزل الطب باكرا وانشغل بالكتابة حيث حصل على جائزة الدولة التشجيعية عام ١٩٨٨ م، وفازت روايته "قمر على سمرقند" عام ٢٠٠٦ م بجائزة ساويرس وترجمت للإنجليزية من بعد ذلك.
محمد المنسي قنديل، كاتب موهوب متعدد القدرات، له عالم سرمدي مستمد من الذاكرة مشبع بصورة الريف وهزيمة ١٩٦٧ م بجانب التنقل والأسفار والأحداث التاريخية.
تأمل المجتمع المصري وعاش أوجاعه بكل مرارتها ورصدها وراح يفككها فأخذه الهم السياسي والاجتماعي وجعل من تلك الهموم بنى جوهرية في كل أعماله
لقد رافقت أعمال محمد المنسي إرتحالات للمنيا والقاهرة والخليج وكندا صحبتها ارتحالات فكرية كانت سببا مباشرا في التنوع الإبداعي الذي لمسناه في كل إصداراته: (إنكسار الروح، قمر على سمرقند، يوم غائم في البر الغربي، كتيبة سوداء، وجوه حية من الأغاني، طبيب أرياف، من قتل مريم الصافي (معظم أو كل أعمال محمد المنسي قائمة على الهم الجمعي. فالفرد عنده جزء من جماعة يتقاسم معها البطولة والهزيمة.
إن الكتابة عند المنسي هي بمثابة أداة لتعرية المجتمع الذي نشأ فيه، ولكنه مع ذلك هاجر جغرافيا لمجتمعات أخرى لم يذب فيها ولكنه نبش تاريخها وأخرج لنا دررا من البديع، إن ما أنجزه من عمل رائع وهو يحجم أغاني أبي الفرج الأصفهاني في ٤٤٧ صفحة فقط لهو عمل جدير بالتقدير يجعلها قنديل جدلية سردية تنقل فيها من عصر ما قبل الإسلام إلى العصر الأموي والعباسي والفاطمي بل وعبر إلى أسبانيا. كل هذا يمنح المنسي قنديل أبعادا أخرى لمثقف موسوعي.
لقد التفت المنسي في جل أعماله لدور الأدب وأهميته في طرح مفاهيم الحرية للمساعدة في تفتيح وعي الناس مؤكدا أن دور الكاتب يجب أن يكون انتقاديا لا يرضى بالواقع ولا يرضخ له، فالرواية الخالية من الهم السياسي والاجتماعي هي رواية باهتة لا طعم لها.
إن الكاتب لا يملك قوة التغيير ولكنه يجب أن يبشر بذلك ودوره يماثل دور المصلح الاجتماعي من حيث الانتقاد وعدم الرضى بالواقع ولا ينهزم له.
"الرواية الجديدة" مصطلح أطلقه الناقد المصري صبري حافظ على روايات تسعينات القرن الماضي. أعمال اتسمت بتراجع السؤال الجمعي لصالح السؤال الفردي، ويبدو فيها فهم الفرد أهم من فهم العالم. فخفت الصوت السياسي الذي كان يمثل ركيزة في أعمال نجيب محفوظ ومن عاصره من الروائيين. وبدأ القرن الحادي والعشرين بميراث روائي مصري مهول كان محمد المنسي حاديه وعلى رأسه واتجه إلى طموح جمالي خالص يمكن رصده في "إنكسار الروح" وخلف صيغة موائمة تماما للواقع الجديد "كطبيب أرياف" بالتجريب وغرابة الواقع... وهي مفردات خرجت من صلب الرواية المصرية. هزيمة ٦٧ لم تكن شيئا للمنسي إذ كان طفلا حينها لم يتجاوز الثامنة من عمره، إلا أن حرب ٧٣ وإصلاحات عبد الناصر التي تلت ذلك مضاف ا إليها حرب الخليج، كل هذه التراكمات صنعت أعمال المنسي قنديل خلال فترة الهدوء السياسي وصعود الإسلام السياسي والهجمات السلفية على حرية التعبير وما صاحبها من عمليات إرهابية.كل ذلك أدى إلى تكوين سياق روائي جديد يحتل السؤال الجمالي والخيالي فيه مساحة كبرى شكلت إضافة حقيقية للرواية المصرية المعاصرة.
في العشرين سنة الأولى من القرن الحالي قام محمد المنسي قنديل باستعادة الرواية التاريخية مثلا على ذلك: (قمر على سمرقند، ويوم غائم في البر الغربي، وكتيبة سوداء، وشخصيات حية من الأغاني). وتوسع في تناول التراث العربي السردي وأجاد فيه بواقعية سحرية. جاز أن نطلق على تلك الأعمال: روايات تسجيلية، تضيف الكثير للأرشيف والذي من الممكن الكتابة عنه من زوايا أخرى غير اليقين المطلق فيما حدث. جاز أن نضيف أعمال محمد المنسي قنديل للأعمال التي أ طلق عليها عقب نونفيكشن" وهي روايات وثائقية تهدف لتقديم الحقيقة " nonefiction الثورة اسم بدقة وبدون تزييف أو تذويق للأحداث أو الأشخاص. إن هذا التعريف يركز على "الحقيقة" كقيمة أخلاقية لما بعد ثورة يناير، فالثورة قد كشفت تعقيدات صعبة في المجتمع المصري جعلت القارئ يميل للكتابات الواقعية وكأنها توثق للواقع المنسي. من هنا أخذت أعمال محمد المنسي قنديل أرض ا جديدة طغى عليها الحاضر في نصوصه الأخيرة وناقشت الواقع المصري بجدية وندية بالرغم من أنه لمينطلق من الثورة ببعدها السياسي أو الاجتماعي. إن أعمال محمد المنسي تتقدم الآن لتأخذ مكانها بجانب أسماء سوق النشر المألوفة والمعروفة طيلة القرن الماضي. وتأتي جاذبية المنسي كروائي للقرن الحادي والعشرين من بساطة الأسلوب وغزارة المعلومات التي تضيف الكثير للمتلقي.