تاريخ السينما في السودان – 2
تاريخ السينما في السودان – 2 بقلم : الزين حجّاز في سنة 1949 تم انشاء أول وحدة لإنتاج الأفلام في السودان وهو مكتب الاتصالات العام للتصوير السينمائي
تاريخ السينما في السودان – 2
بقلم : الزين حجّاز
في سنة 1949 تم انشاء أول وحدة لإنتاج الأفلام في السودان وهو مكتب الاتصالات العام للتصوير السينمائي وكان خاضعاً لسلطة الاستعمار البريطاني و اقتصر انتاجه على الأفلام الدعائية وجريدة نصف شهرية وكان يخدم فيما يبدو الادارة البريطانية في ادارة شؤون البلاد ويقوم بتغطية الحوادث الخبرية المهمة. لاحقا انشأت الوحدة في تلك الفترة قوافل من العربات تم اعدادها تخصيصا بمصلحة النقل الميكانيكي لكى تقوم بجولات مكثفة لعرض افلام اخبارية عن التاج البريطاني والتعريف بالنشاطات التى تحدث فى بريطانيا و المستعمرات التابعة لها و اطلق عليها مسمى قسم السينما المتجولة. مكتب الاتصالات العام للتصوير السينمائى تحول الى وحدة الانتاج السينمائي تحت مسمى وحدة افلام السودان .اقترح هذه التسميه الاستاذ المخرج السينارست (كمال محمد إبراهيم) الذى كان أول مسؤول بهذه الوحدة . وقد كانت اول مبادره له حينما بدأ العمل فيها تحرير منشور للمديريات تحت توقيع ضابط الاتصال العام يخطرهم فيه بانشاء قسم للتصوير السينمائي ويطلب منهم مدهم بمقترحات محدده لانتاج أفلام قصيرة تخص مناطقهم كما بدأ ايضا نشاطا فى الحصول على معلومات تمكنه من وضع سيناريو لفيلم عن دور الحكومات المحليه فى مديرية الخرطوم . فى بداية عام 1950 تم التعاقد مع مصور سينمائي من جنوب افريقيا بمعداته وأيضا تم نقل الأستاذ (جاد الله جبارة) من قسم السينما المتجولة الى الوحدة الجديدة فى وظيفة مساعد تصوير تحت التدريب . عندما تمت السودنة في العام 1955 كانت هناك محاولات من بعض المخرجين أمثال (كمال محمد إبراهيم) و(جاد الله جبارة) لصناعة أفلام قصيرة أو وثائقية أو تسجيلية وكانت في تلك الفترة عبارة عن أفلام عن الصحة مثل فيلم (المنكوب) حيث إنتشر في تلك الفترة مرض السل الرئوي في العام 1952 وكان هناك فيلم (الطفولة المشردة) ومجموعة من الأفلام الدرامية القصيرة .
بعد أن نال السودان استقلاله استمرت وحدة افلام السودان فى التطور مرورا بكل الحكومات التى تعاقبت و بالتحديد خلال حكومة نوفمبر حيث أصبح قسم السينما المتجولة أحد اقسام وزاره الاستعلامات والعمل الفاعلة ولاقت اقبالا واسعا من جماهير الشعب وفي بدايه الستينات كانت توجد سبعه عشر عربه قامت بنشاط واسع في جميع الأقاليم واستطاع قسم السينما المتجولة أن يواكب هذا الإقبال الشديد بأن يجلب مزيدا من العربات فحصل علي ثمانية عريات كبيرة من هيئة المعونة الأمريكية . كان القسم ينظم عرضا أسبوعيا لكل من الرجال والسيدات مما كان له أثرا طيبا علي نفوس المواطنين وأيضا قد ساهم في الحملات الصحية ضد الأوبئة في الأقاليم وفى الثقافة الزراعية عن كيفية زراعة القطن ومكافحة الآفات باستخدام طائرات رش المبيدات في المشاريع الزراعية وقد ساعدت تلك الأفلام مساعدة فعالة في توعية المواطنين وسلامتهم. الجدير بالذكر إن وحده الانتاج السينمائي قد قامت بانتاج أكثر من من خمسين فيلما في عام 1960 ومن ضمن قائمه الافلام التي تم اخراجها وقدمت من خلال السينما المتجولة في دور السينما التجارية ومنها ما عرض في الخارج : تسعة عشر جريدة إخبارية / حفل الإذاعة الساهر بعطبرة / عام من التقدم / تور الجر في العيادة / اثار النوبة / زيارة الإمبراطور هيلاسلاسي للسودان / ذهب السودان الأبيض / علاج الصدمة الكهربائية / مجلس القرية / الخرطوم (ملون) / الصيد في السودان وغيرها من الأفلام . قامت وحدة الإنتاج السينمائي بتركيب معمل لتحميض الأفلام وكل هذا الإنجاز قد قام به موظفون سودانيون دون أية مساعدة من أجانب . فى حكومة مايو كانت هناك أيضا بوزارة الثقافة والإعلام إدارة اسمها (إدارة المخاطبة الجماهيرية) يخرج أفرادها مع عربة السينما المتجولة لشرح ما تحتويه الأفلام للجمهور الأمي في الأقاليم بغرض التوعية إضافة لعرض النشرة الإخبارية ونشاطات الدولة . نقلت حكومة مايو تجربة السينما المتجولة الى دولة الامارات العربية المتحدة والتي بدأت عام 1973 عندما كان الأستاذ (على شمو) مديرا للإعلام هناك . كانت عربات السينما المتجولة بالامارات ثلاثة يديرها سودانيون فى أبوظبي و العين و الشارقة .
قدمت السينما السودانية العديد من الأفلام نذكر منها :
(تور الجّر في العيادة) كان أول فليم سوداني كوميدي قصير وقام ببطولته (عثمان حميدة) و اشترك معه الممثل (إبراهيم خان) شقيق الطبيب إسحق إشخانص الذي تم تصوير الفيلم في عيادته الواقعة في محطة مكي ود عروسة بأم درمان . لاحقا أصبح (إبراهيم خان) من نجوم السينما المصرية وكذلك اشترك في التمثيل (سليمان أبو داؤود) و (فتحي بركية) " السميح " و سلمان " البعيو " و الفيلم من اخراج (جاد الله جبارة) و قد تم عرضه عبر السينما المتجولة في جميع انحاء السودان .
(آمال وأحلام) وهو أول فيلم روائي سينمائي بالسودان يتناول حياة السودان إبان استقلاله ويعكس حوار شيق بين الريف والحداثة . تم انتاجه عام 1970و هو من إنتاج (الرشيد مهدي) وإخراج (إبراهيم ملاسي) و بطولة (عبدالرحيم عبدالله) و (ليلى حسن) التي شكلت حينها سابقة نادرة من نوعها فاستطاعت أن تتحلل من قبضة الأسر السودانية التي كانت تنظر حينها للتمثيل والغناء بأنهما أمران معيبان وصفة منبوذة تستحي منها الأسر. شارك في الفيلم أكثر من عشرين ممثلاً هاوياً لكنهم أدوا أدوارهم بصورة لافتة. قال عدد من النقاد الفنيين إن التجربة كان من شأنها أن تؤسس لصناعة السينما بالبلاد. كان تجربة سينمائية نادرة وقدمت مشاهد متنوعة وشيقة برغم أنه كان نتاج مخاض قاسٍ . إعداد الفيلم كلف المخرج والمنتج الكثير إذ أن إمكانياته كانت شحيحة للغاية وتم تصويره بواسطة كاميرا صغيرة . قالت (ليلى حسن) بأن الفيلم قد مثل لها الكثير وقدمها كنموذج نادر في المجتمع مما أدهش الجميع وأبدت حسرتها على عدم انطلاقة السينما السودانية .
(رحلة عيون) فيلم سوداني مصري تم انتاجه عام 1983 . الفيلم من ﺗﺄﻟﻴﻒ (سلامة حسن (ومن ﺇﺧﺮاﺝ المخرج السوداني (أنور هاشم) و بطولة (صلاح بن البادية) و(سمية الألفي) و(نجوى فؤاد) و(الفاضل سعيد) و (محمود المليجي) . تدور قصة الفيلم حول شابين من السودان تغربا فى القاهرة من أجل طلب العلم الأول تجبره ظروف الفقر أن يكافح وهو أثناء الدراسة يتعرف على زميلة له فيتبادلان الحب ويبارك الأهل من البلدين زواجهما ويهوى الغناء ويحقق نجاحًا فى حفل الكلية أما الثاني فأن الحياة تلهيه بملذاتها مع توفر المال ويكون الفشل حليفه.
( ريهام ) فيلم سوداني يناقش قضية من أهم القضايا التي طالما شكلت هاجساُ لشريحة كبيرة من المجتمع السوداني . تم منعه لعرضه حقائق ما يحصل في السودان من اضطهاد للعمل الحر والعمل الشريف . نفذته شركة نشاذ للإنتاج الفني وهو من اخراج (يعقوب محمد حسين) .
(رجل الربابة) فيلم وثائقي سوداني جديد وهو من إخراج (مبيور ماتيو) و(سجود القرّاي) . تدور قصة الفيلم حول حرفي معروف يصنع ويبيع الآلات الموسيقية التقليدية طوال العشرين عاماً الماضية. سرد الفيلم بعض القصص الواقعية عن حياة رجل يدعى (محمد حركة) يقطن مدينة أمبدة غرب أم درمان ويضفي عليها شيئاً من المرح والبهجة من خلال ترنيمات اشتهر بها أثناء قيادة دراجته التي يجوب بها شوارع المنطقة وهي محملة بأنواع الآلات الموسيقية . الفيلم جاء نتاجا لورشة عمل حول صناعة الأفلام الوثائقية بتمويل من المركز الثقافي الألماني .
قسم السينما في وزارة الثقافة الاتحادية أنتج فيلمين فقط خلال السبعينيات وهما فيلم (دائر على حجر) من إخراج (سامي الصَّاوي) ويتناول حرفة يدوية في طريقها إلى الانقراض وهي صناعة حجر الطاحون وفيلم (أربع مرات للأطفال) من إخراج (الطيب مهدي) ويعالج مشكلة الأطفال المعوقين .
ومن الأفلام السودانية التي نالت جوائز في المهرجانات الدولية :
(تاجوج) فيلم تم انتاجه فى سبعينات القرن الماضى وهو من اخراج (جاد الله جبارة) وتمثيل (صلاح بن البادية) فى دور (المحلق) و(ماجدة حمدنا الله) فى دور (تاجوج) . نال الفيلم عدة جوائز و تم عرضه في عشرة مهرجانات سينمائية عالمية في برلين وموسكو و طشقند و القاهرة و الاسكندرية و قرطاج واقادوقو و كينيا و الصومال و نوتردام .
(ستموت في العشرين) فيلم درامي سوداني تمّ انتاجه عام 2019 مقتبسا من مجموعة قصص (النوم عند قدمي الجبل) للكاتب السوداني (حمور زيادة) الفائز بجائزة نجيب محفوظ الأدبية و هو من اخراج (أمجد أبو العلا) تدورقصة الفيلم حول طفل عاش في قرية سودانية فقيرة تحت وطأة نبوءة أحد رجال الطرق الصوفية في القرية بأنه سيموت في عقده الثاني وبالتالي تأتي كل المشاهد اللاحقة منطوية على هذا الانتظار المرعب ثم ظهر مصور سينمائي في حياته محاولا انتشاله من عزلة قاتلة إلى الحياة والأمل .
(الحديث عن الأشجار) فيلم تسجيلي سوداني تم انتاجه عام 2019 وهو من اخراج (صهيب قسم الباري) وإنتاج مشترك بين فرنسا والسودان وألمانيا وتشاد وقطر . تدور قصة الفيلم حول أربعة مخرجين سودانيين ربطتهم صداقة استمرت لخمسة وأربعين عام . أسسوا جماعة الفيلم السوداني في عام 1989 و كانوا يتنقلون بين قرى السودان لنشر الثقافة السينمائية . بعد ثلاثين عام من الافتراق والمنفى وتوقف السينما وإغلاق دور العرض عادوا الى وطنهم الثائرالجريح وحاولوا إنعاش حلمهم عن طريق إعادة الحياة لدار عرض سينمائية مهجورة .