مفهوم الحب عند الشاعر عبدالله شابو.
مفهوم الحب عند الشاعر عبدالله شابو. قراءة في قصيدة اغنية لإنسان القرن الحادي والعشرين -1968م. الخرطوم-كليك توبرس-عامر محمد أحمد حسين. تتناول القراءة مفهوم الحب في قصيدة أغنية لإنسان القرن الحادى والعشرين لايقونة الشعر، الأستاذ عبدالله شابو، وهو علم من أعلام الثقافة السودانية
مفهوم الحب عند الشاعر عبدالله شابو.
قراءة في قصيدة اغنية لإنسان القرن الحادي والعشرين -1968م.
الخرطوم-كليك توبرس-عامر محمد أحمد حسين.
تتناول القراءة مفهوم الحب في قصيدة أغنية لإنسان القرن الحادى والعشرين لايقونة الشعر، الأستاذ عبدالله شابو، وهو علم من أعلام الثقافة السودانية
الصورة الشعرية التي يرسمها شابو، تتوافق مع روحه المرحة وتواضعه،و إنسانية تفيض رقة وعذوبة. شابو، مع حسه المرهف يتمتع بثقافة عالية، وايمان بعظمة الإنسان،و تجد شعره، ساحة لقاء بين شعرية واثقة ، وخطاب يتجلى في قراءة النفس والتعبير عنها بعيدا عن صناعة الشعر أو التكلف في نسجه. ، والبساطة عنوانه. قد تأخذ القارئ الظنون في تفسير العنوان ومايرمى إليه، ودائرة الاشتباك بين الرمز الجمالي وصورة الوعي عند الشاعر، في سياق التعريف بشاعر مختلف، ارتوى بالجمال، ففاض بحر شعره وانسكب على الطبيعة، الإنسان، الشجر، الحياة، الواقع، ازمنة إنسان القرن، الكتابة، سؤال الحداثة، سؤال النهوض. يضع شابو يده على الجرح بابتسامة صافية. يقبض على ناصية اللغة،بإحكام الشاعر المجود . وكتاب أزمنة الشاعر الثلاثة، يحتوي. اغنية لإنسان القرن. حاطب ليل. شجر الحب الطيب.
المفهوم.
المفهوم في اللغة :بين، واضح، جلي، ووجهة خاصة ينظر منها إلى أمر ما. أو ، معنى، مدلول، مغزى، فحوى. والجمع:مفاهيم، إسم مفعول من فهم. ومفهوم الشئ "الفلسفة والتصوف " يفهم فقط من خلال العقل وليس الحواس. وفهمه فهما :أحسن تصوره. "وفي دراسة يحدد دكتور (وجيه المرسى أبو لين) الفروق بين المفهوم والمصطلح، والتعريف بأن المفهوم، فكرة أو صورة عقلية تتكون من خلال الخبرات المتتابعة التي يمر بها (الفرد )سواء كانت هذه مباشرة أو غير مباشرة، ويختلف المفهوم عن المصطلح في أن المفهوم يركز على الصورة الذهنية، أما المصطلح فيركز على الدلالة اللفظية للمفهوم كما أن المفهوم أسبق من المصطلح، فكل مفهوم مصطلح وليس العكس. أما التعريف في اللغة :من عرف الشئ :أي علمه، وعلم الشئ أي اعلم به، أما في الاصطلاح فهو عبارة عن ذكر شئ تستلزم معرفته، معرفة شي آخر ". في مقدمة كتابه (مديح الظل) يقول الكاتب الأرجنتيني الراحل "خورخي لويس بورخيس" "كانت حياتي للأدب والتدريس، ووقت الفراغ ومغامرات الحوار الهادئة، ولطبيعة بيونس آيرس الغامضة، ولم تحرم حياتي قلتهم وهو المهم، لا أظن أن لي عدوا واحدا أو في حالة وجودهم لم يخبرني أحد منهم بذلك،" "2." كراسة الحضور في قراءة شعر شابو، تتشابك خطوطها مع صورة المثقف الحر المستقل، اعتنق خطاب سياسي في بواكير شبابه ثم تخلي عنه مع حمله لروح التمرد والمفاصلة النهائية مع الالتزام الحزبي وهذا يمثل فارقا جوهريا في حياة الفنان من الابتعاد عن الالتزام السياسي مع الاحتفاظ بالانحياز إلى الإنسان في عذاباته ونضاله نحو الأحسن. وظلت مدرسة الفكر عند شابو، يقودها التمرد على السائد والساكن وتسعى إلى مرافئ ارحب من قيود الالتزام، إلا بقيد الحب في معناه اللغوي والاصطلاحي النقدي والنموذج الإنساني شعريا وجماليا.
الحب:هو شعور بالانجذاب والإعجاب نحو شئ ما أو شخص ما. ولمفهوم الحب معان عدة منها، الحب نقيض البغض. والحب :الوداد. واصطلاحا هنا عجز عن تعريف المصطلح. ويقول علماء أن المحبة لايمكن تعريفها تعريفا جامعا. ويقول الدكتور الباشا برشم في كتابه "النزعة الصوفية في الشعر السوداني " "الصوفيون في نظرتهم للوجود يلتحمون بالرؤية الشعرية للأشياء ، الرؤية التى تبحث عن الجوهر ولاتلهيها القشور عن اللباب ويضيف دكتور الباشا "أما الوسيلة التشبيهية التى يستخدمها الصوفي والشاعر معا فهى الألفاظ التى توحي ولاتحدد وتحرك ولاتقطع، ثم هى الصور التى ينحتها صاحبها نحتا ليمثل فيها الحق"ترسيخ الرؤية الشعرية في صورتها كخطاب شعرى، تجدها في شعر (شابو) تفيض بالمحبة، تغرق في جوهرها الصوفي، وتتمدد في صورة حقيقية، كما أنها ليست جامدة أو متحيزة لضعف، بل تقوم مقام الفكر الواثق من خطاب، وترتكز على ثقافة إنسانية ترى مرارة الواقع وتتجاوزه بجراحاته، الإنسانية وطنيا وعالميا.
اغنية لإنسان القرن الحادي والعشرين- الزمن الأول
تشتمل، اغنية لإنسان القرن الحادي والعشرين على صور شعرية مليئة بحب الناس والحياة و الزمن الأول في أزمنة شابو، يعيد عقارب الساعة إلى إنسانية مفقودة، تتميز بالعفوية، البساطة، التلقائية.
"من ثقب الشباك تداعى صمت شهقة موسيقى
والصمت يعرش في أرجاء البيت
ما اقسى أن تعرف لكن
لاتقوى أن تفعل
أن تدرك أن الوقت يمر ولاتوقفه"
إنسان في حيرة وجودية ، ينظر من ثقب شباك، فالباب مغلق، والشباك أيضا، إلا من ثقب، القيود تكبله، تصفده داخل آلامه. ومن هذا الثقب، يطل على المكان الصمت "شهقة موسيقى " وهذه الشهقة لاتكفى فإن "الصمت " يعرش البيت، أي يحيط به، بغياب الحوار /التحاور "ما أقسى أن تعرف لكن لاتقوى أن تفعل " قيود مكبلة، تلقي بظلالها على، الذات، تهزمها، تصيبها بالخرس، جراء خوف عواقب الرفض لهذه القيود. وما أقسى الحياة "أن تعرف الوقت يمر
ولاتوقفه"الوقت المهرول إلى القرن الجديد، الوقت الهارب من وقته إلى توقيت مجهول مايخبئه "فارغة كأسي والليل طويل". يقول الكاتب "بول اوستر" في مذكراته "اختراع العزلة" "اتذكر يوما شبيها بيومنا هذا، يوم (أحد) خفيف الأمطار، كان المنزل، يعم بالنعاس، والهدوء والعالم يسير بنصف سرعته"4. والوقت عند (شابو) يمر ولايستطيع أو يرفض توقيفه، حيث الفراغ الكأس وراهن هذا الإنسان وعند(بول اوستر - اختراع العزلة) (العالم يسير بنصف سرعته) هذا البطء يغلف المدنية، وينطوى على تمرد ورفض للراهن في صورته الماثلة والمسيطرة على الإنسان.
يقول شابو "بالأمس دخلت السوق
واضيعة وجه الحكمة في طابور الزيف
يامطر الصيف
غضبت آلهة الدنيا لاتمطر
ضحك الشاعر
يا أحباب القهوة يا أحباب
قلبى صحراء تمتد وتمتد
وصخور ناتئة سوداء
ضحك الشاعر
قالوا أسعد من وطأت قدماه الأرض
أحبابي
لوكان الحزن دموع
لو أنا بالعين نحس
مايبست في شفة الشعر الغنوة"
السوق مكان التقاء، ازدحام، تعارف، شراء، بيع، ومعرفة إنسانية. السوق، ضوضاء، صخب النداء، دخول الشاعر السوق للهرب من العزلة، القيود، الصمت، والجزاء "ضياع وجه الحكمة في طابور الزيف"وهذا الزيف يقابله "مطر الصيف "تنزل هذه المطر، فتشربها الأرض، لاتنبت زرعة. والنتيجة -الزيف-السوق -غياب الحكمة "ضحك الشاعر -يا احباب القهوة -يا احباب -قلبى صحراء تمتد وتمتد" المأساة في غياب الحوار وحياة تتحكم في شروط النطق فيها تسليط وسلطة قهر وتأتى السخرية من هذا السوق المفتوح للتجارة والبيع والشراء " يا أحباب القهوة " هل كان شابو، يقرأ في اغنيته (تسليع ) الحياة في الراهن، إذ لم يعد ممكنا في سوق الحياة، استدعاء الحكمة حتي تحكم بين الناس. ولكن يتجدد الأمل والحب.
"كلماتي حبلى بالضوء
بالنفس الصاعد كالوهج الأحمر
كالنيل الدفاق الأسمر
يحدوها قلقي يحبو فيها الإعصار
حبلى بالزهر وبالامطار
بالافق الأخضر بالاسفار
يا قلبي ياجواب
لاتحلم
فالليل يجوس... يجوس
يمزقنا يرمينا للنار"
ضوء يسطع من بين الحروف المتناثرة والتشبيهات المتباعدة واستخدام (الباء) في الربط بين لحظة موجودة ولحظة غائبة للتأمل. بالزهر، بالامطار، بالافق الأخضر، بالاسفار. وكل هذه العوالم المرئية الغائبة، حصادها في ظل هذا الصمت "ياقلبي ياجواب -لاتحلم" والقلب الجواب عن أسئلة الشاعر، هو نفسه القلب الجواب في بحثه عن الجمال في الوجود في الزهرة والمطر والآفاق الخضراء ولكن الواقع يقول.. لاتحلم
الليل يجوس.. يحرك السكون ويرمي بالنار.
"ماعاد القيثار
والنغم الفوار
لاتذكره ياقلبى
بابل يطويها النسيان
شعراء الكأس الفضية
ماعادوا في الدار
سلامة والقس
وجوارى هارون الكنس
ماعاد الهمس
فالليل يغطى وجه الفجر
هل يبصر في الليل العميان
في الأفق يموت الإنسان
مزقا شائهة
باربي أين الدرب؟ "
واغنية لإنسان القرن الحادي والعشرين -الزمن الأول-آفاق السعد. ونجد مزامير الأسى (رسائل إلى شيري اسكوت)
يقول شابو:المزمور الأول :
ماذا إذا انسربت من المذياع اغنية حزينة
وتأوه القيثار زفرة عاشق
وأطل وجهك كالصباح يرش لي افقي نعيما
ووقفت تبتسمين كالاشراق فيك نداوة المطر الرزينة
وشهقت إذ حييت ثم اعدتني فرحا
كما كنا تكثفت ادكارات قديمة
ومددت كفي كي ألم جدائل الغبش الندى
رجعت أعثر بالهزيمة..
-في مزموره الأول، تبدأ الحكاية بأغنية حزينة تنسرب من المذياع. ولأن حالة المحب تمتلئ بالحزن، ينتقل إلى الأغنية بكلياته، يتأوه القيثار، يطل الوجه الصبوح مع الاصباح والقيثار. تتسع الرؤية، ابتسامة إشراق، وقبل أن تغيب الابتسامة والإشارة، تعود مع الشهقة ذهنية المؤول القديم لذلك الحب المقيم -كما كنا تكثفت ادكارات قديمة. تتحول لحظة الخيال إلى حقيقة داخل العاشق، يمد كفه كي يلملم جدائل مبعثرة وغشاوة الندى وقبل اكتمال الحلم /الرؤيا، يرجع العاشق إلى واقعه متعثرة في الخطوة تقوده الهزيمة وضياع الحلم. وتنداح مزامير الشاعر عبدالله شابو، حتي المزمور الرابع وتحول العاشق من انتظار الحبيبة والعودة بالهزيمة إلى الطبعة حيث"/النهر يدفق للبعيد يصب في الأبد البعيد/شيري هناك في الجبال العفر في الغاب الجريح/الكاهن العصري يشرق بالاسي ويعض اوردة الذبيح/الجرح يشخب بالدماء وبالظلال وبالشذي." هذه المقاطع من المزامير الثلاثة كنقاط صغيرة من اغنيتة للجنوب وهنا يسرج الحب خيله نحو الطبيعة /البراءة/جئناك لاتحفا حملناها سوى حب تفجر في الحنايا.
تتجلى بلاغة الصورة الشعرية عند عبدالله شابو في بساطة العبارة مع روح جميلة في وصف الكون والناس والحب ومزامير العشاق.. ولغة الكشف في ظاهرها صوت التغريد. وشابو شاغر مغرد، لذلك تجد نصه الشعرى يحتوي على غنائية خاصة وبها من الأسرار و المعاني القابلة لقراءة، في كل مرة تكتشف فيها جديدا. وفي كتابه (صنعة الشعر-ست محاضرات ) يقول :خورخى لويس بورخيس"إذا كان على سبيل المثال، أن أعرف الشعر، وليس لدى الشعر كله. وكنت أشعر بأنني غير متأكد، فإنني سأقول شيئا من نوع (الشعر هو التعبير عن الجمال بكلمات محبوكة، بصورة فنية، يمكن لهذا التعريف أن ينفع في كتاب تعليمي، اما نحن فيبدو لنا قليل الإقناع، فهناك شئ اكثر أهمية بكثير، لايشجعنا فقط على مواصلة تجريب الشعر، وانما الاستمتاع به كذلك والاحساس بأننا نعرف كل شئ عنه"
المراجع..
-مديح الظل-خورخى لويس بورخيس -ترجمة محمد ابوالعطا-المركز القومى للترجمة -مصر؛ طبعة أولى -2011
-النزعة الصوفية في الشعر السوداني -دكتور الباشا برشم -دار المصورات للنشر -2018.
-اختراع العزلة-بول اوستر-مذكرات -ترجمة أحمد العلي-الناشر أثر -المملكة العربية السعودية
- صنعة الشعر -ست محاضرات -بورخيس -ترجمة صالح علماني -الطبعة الثانية 2014
-ازمنة الشاعر الثلاثة -المجموعة الشعرية الأولى -اغنية لإنسان القرن-حاطب ليل-شجر الحب الطيب. عبدالله شابو-دار عزة للنشر الخرطوم -2005