الطيب صالح ويوسف إدريس ونجيب محفوظ ونوبل!
الطيب صالح ويوسف إدريس ونجيب محفوظ ونوبل! عمر فضل الله.. السودان هل كان الطيب صالح من قبيلة الروائيين الذين لا تحلو لهم الحياة نوروالكتابة إلا بالقرب من رصفائهم؟ أم أنه كان من أولئك الذين يحن بعضهم لبعض ويلجأ إليه أقرانه حباً فيسعهم بقلبه الكبير؟
الطيب صالح ويوسف إدريس ونجيب محفوظ ونوبل!
عمر فضل الله.. السودان
هل كان الطيب صالح من قبيلة الروائيين الذين لا تحلو لهم الحياة نوروالكتابة إلا بالقرب من رصفائهم؟ أم أنه كان من أولئك الذين يحن بعضهم لبعض ويلجأ إليه أقرانه حباً فيسعهم بقلبه الكبير؟
الواقع يؤكد هذا فالطيب صالح أقام بالفعل في القاهرة، وكانت له صداقات مع كبار الروائيين فيها، فقد جمعته بنجيب محفوظ وبهاء طاهر وفؤاد قنديل وخيري شلبي وغيرهم بينما جمعته صداقة أكثر قرباً بالروائي والصحفي الأديب يوسف إدريس، وربما كان ذلك نتيجة لتشابههما في كثير من الصفات، فيوسف إدريس كتب الأدب وناهض الاستعمار البريطاني لمصر وشارك الجزائريين معارك استقلالهم وعمل صحفياً، ونشر المقالات في صحيفتي المصري وروز اليوسف. وكذلك فعل الطيب صالح فقد ناهض الاستعمار البريطاني للسودان وعمل صحفياً وإذاعياً ونشر في الصحف السودانية والمصرية والقطرية والمجلات وكانت له مواقف سياسية صريحة تنتقد الوضع السياسي مثلما هو حال يوسف إدريس.
ورغم حب الطيب صالح لمصر إلا أنه كانت له مواقف وردود أفعال قوية تجاه تعنت موظفى السفارة المصرية منحه تأشيرة الدخول إلى مصر. وحين قام صديقه محمود سالم بمخاطبة رئاسة الجمهورية المصرية من أجل تسهيل دخول الطيب صالح إلى مصر، عرضوا عليه الجنسية المصرية فرفضها بشدة، وقال لمحمود: (ياصديقي أنا أعتز بجنسيتي السودانية ولا أريد سواها). ويومها قالت له جوليا صالح زوجة الطيب: (لا تكلف نفسك عناء يا محمود فقد رفض الجنسية البريطانية من قبل رغم اقترانه بي).
الطيب صالح ويوسف إدريس كانا متحابين إذاً لدرجة أن يوسف إدريس تمنى ألا يأخذ نوبل إلا الطيب صالح. يروى أنه قال للطيب ذات مرة:
"أنا جالى مندوب من نوبل وسألنى عنك، فقلت له: خذ الطيب صالح"!
فأجابه الطيب صالح ضاحكا:
"لا.. خذها أنت الأول يا إدريس وبعد كدا أبقى آخذها أنا".
قال محمود سالم الذي سمع القصة من فم يوسف إدريس:
"كنت أعلم أن هذه القصة "هجص" أي من اختلاق يوسف ادريس وأنه لم يأت أي مندوب من جائزة نوبل ليوسف إدريس. لكن الأديبين يوسف القعيد وبهاء طاهر أكدا أن هذه القصة ليست "هجصاً" وأنهما يعرفان من كان مندوب نوبل فى مصر في تلك الأثناء فقد ذكر خيري شلبي أن المندوب كان هو صبري حافظ!
قال بهاء طاهر:
القاص الكبير يوسف إدريس ظل على القائمة القصيرة لجائزة نوبل لمدة تزيد عن عشر سنوات، وأحد الصحفيين الأمريكيين كتب يهاجم اللجنة وينتقدها لوضع يوسف إدريس على القائمة القصيرة، وربما يكون هذا هو السبب في استبعاد يوسف ادريس من المنافسة!"
وقال بها طاهر إنه لا يعلم حقيقة ما دار بين يوسف إدريس والطيب صالح، لكن من المؤكد أن لجنة نوبل لا تصرح بترشيحاتها، وظلت علاقة الحب دائمة بين الطيب ويوسف إدريس، وكان الطيب يصف إدريس بالبوهيمى العظيم.
حدثني الأستاذ مجذوب عيدروس أن الطيب صالح حكى له ما حدث أيام فوز الروائي نجيب محفوظ بجائزة نوبل، فقال له:
سمعت طرقاً على باب شقتي في القاهرة عند الفجر، ففتحت الباب وإذا بيوسف إدريس غاضباً، فأدخلته وقلت له:
ما الأمر؟
فقال لي:
ألم تسمع الأخبار؟ فاز نجيب محفوظ بنوبل!
قلت له:
يستاهل!
فازداد غضبه. ولما لاحظت ذلك هدأته وصنعت له قهوة وجلسنا نتحدث فقلت له:
"يا يوسف أنت عاوز تتنطط وتنبسط وتأخذ نوبل؟ محفوظ يستحقها؛ لأنه أكثر منك انشغالا بالكتابة".
أما بهاء طاهر فهو شبيه بالطيب صالح في كثير من أوجه نشاطهما فقد تعرف عليه فى لندن، بعد أن غادر مصر مجبراً على ترك عمله بالإذاعة، فدعاه الطيب صالح إلى العشاء فى أفخم مطعم فى لندن، فى الوقت الذى كان طاهر يمر بضائقة مالية ولم يستقر على عمل هناك، لكن المدهش هو أن الطيب صالح رشح بهاء طاهر لهيئة الإذاعة البريطانية ليحاوروه في أحد البرامج ففعلوا!
يرحم الله الطيب صالح. ففي كل يوم جديد نكتشف المدهشات في حياته المليئة بالنبل والحب والأدب.
عمر فضل الله
القاهرة في الخامس من فبراير 2020