أبنيةُ الحداثة تفتحُ نوافذَها لاحمرارِ الشُّروقِ وشمس الظَّهيرة: تأمُّلاتٌ في زمنٍ مُستعاد

أبنيةُ الحداثة تفتحُ نوافذَها لاحمرارِ الشُّروقِ وسمشِ الظَّهيرة: تأمُّلاتٌ في زمنٍ مُستعاد محمد خلف... لندن قُمنا، بصحبة محمَّد أمين علي النَّصري، أصغرِ أبناءِ أُمِّيَ الثَّانية صفيَّة بنت البدوي سليمان كركساوي، بزيارةٍ إلى الحرم المكِّيِّ الشَّريف، أعقبتها زيارةٌ لا تُنسى إلى غار حراء

أبنيةُ الحداثة تفتحُ نوافذَها لاحمرارِ الشُّروقِ وشمس الظَّهيرة: تأمُّلاتٌ في زمنٍ مُستعاد

أبنيةُ الحداثة تفتحُ نوافذَها لاحمرارِ الشُّروقِ وسمشِ الظَّهيرة: تأمُّلاتٌ في زمنٍ مُستعاد

 

محمد خلف... لندن

 

قُمنا، بصحبة محمَّد أمين علي النَّصري، أصغرِ أبناءِ أُمِّيَ الثَّانية صفيَّة بنت البدوي سليمان كركساوي، بزيارةٍ إلى الحرم المكِّيِّ الشَّريف، أعقبتها زيارةٌ لا تُنسى إلى غار حراء؛ وما جعل الزِّيارةَ راسخةً في الذَّاكرة وزادها متعةً وتشويقاً أنَّ محمَّداً، بحُكمِ عملِه في مجال تجارة الزُّيوت العطريَّة، أصبح أكثرَ من غيرِه درايةً بأنفاقِ مكَّةَ وحاراتِها وشِعابها؛ وما ذلك إلَّا لأنَّه كان وما زال يُشرِفُ يوميَّاً على توزيع العطور والأعشاب الطِّبيَّة على عددٍ من تجَّار التَّجزئة بمدنِ الحجاز الرَّئيسيَّة؛ أمَّا الأريجُ الذي يصِلُكَ منه، فإنَّه لا يأتي فقط من بقايا أنفاسِ الزَّهرِ وروائح الياسَمين أو اللَّافندر المتناثرة في سيَّارته اللَّاندكروزر البيضاء، وإنَّما يصدُرُ أيضاً كنسمةٍ عليلةٍ خارجةً لتوِّها من أعماقِ نفسِه النَّقيَّة.

 

عند أواخر العصر، تسلَّقنا جبل النُّور، فأدركنا المغرب في منتصف الطَّريق. وعندما ارتقينا إلى قمَّة الجبل، كان الوقتُ قد قارب صلاة العشاء؛ وكان يتعيَّنُ علينا، بعد وصولِنا إلى القمَّة، أن ننزلَ دَرَجاً شديدَ الانحدارِ حتَّى نصِلَ إلى مدخلِ الغارِ، الذي لا يسِعُ عرضُه شخصاً بدينا؛ أمَّا الشَّخصُ النَّحيف، فإنَّه يتعيَّنُ عليه أن يدلف إلى الغارِ على إحدى جانبَيْ بدنِه، ويُفضَّلُ أن يفعلَ ذلك على جانبِهِ الأيمن. وبالدَّاخلِ، وجدنا مِصلاةً مهترئة، مكَّنتنا بالكادِ من تأدية الصَّلاةِ في رُقعةٍ أكثرَ ضيقاً في عُمقِ الغار. ومع ذلك، أحسسنا بسَعَةٍ في الصَّدرِ واتِّساعاً في المساحة، زادتها هِرَّةٌ مقيمةٌ في الغارِ إلفةً؛ هذا إضافةً إلى سَعةِ الوقت التي سنتحدَّثُ عنها في الفقرةِ التَّالية.

 

ما يُلفِتُ الانتباه أنَّه، بحسب مقتضياتِ النَّظريَّة النِّسبيَّة العامَّة التي صاغها ألبرت آينشتاين في عام ١٩١٥، يحدُثُ إبطاءٌ للزَّمانِ بواسطة الكتلة (ماس)؛ وبما أنَّ ارتفاع جبل النُّور يبلغ ٦٤٢ متراً عن سطح البحر، فإنَّ الشَّخص المتربِّع على قمَّته يكسبُ وقتاً أكثر من الشَّخص المُقيم على سفحِه. كما أنَّه أيضاً، بحسب مقتضيات النَّظريَّة النِّسبيَّة الخاصَّة التي صاغها آينشتاين قبل عشرِ سنواتٍ من ذلك التَّاريخ (أي في عام ١٩٠٥)، يحدُثُ إبطاءٌ للزَّمانِ بواسطة السُّرعة (إسبيد). بمعنًى آخر، فإنَّ الشَّخصَ الجالسَ على مِصلاتِه في داخل الغار سيكسبُ زمناً مُضاعَفاً، بسببِ بُعدِهِ عنِ السَّفحِ وارتفاعِهِ قليلاً عن كتلة الأرض؛ وكذلك، بسببِ سرعتِهِ التي تُساوي صفراً بالقياس إلى أيِّ جسمٍ متحرِّكٍ آخرَ على مقربةٍ منه. لهذا يُمكِنُ القول بأنَّ محمَّداً عندما تلقَّى الوحيَ أوَّلَ مرَّةٍ أثناء تعبُّدِه في غار حراء، لم يكن فقط أقربَ أهلِ مكَّةَ إلى السَّماءِ بوجودِه على قمَّة جبل النُّور، وإنَّما أيضاً أكثرهم سَعةً في الوقت، بسببِ التَّأثيرِ المُضاعَفِ لنتائجِ نظريَّتَيْ آينشتاين الشَّهيرتَيْن.

 

وربَّما يُوفِّرُ هذا الأمرُ اللَّافتُ تفسيراً أفضلَ لآيةٍ مِفتاحيَّة، تتعلَّقُ بتحديدِ مُدَدِ قراءة القرءان وتلاوته؛ فالرَّسولُ الكريم لم يكن في عَجَلَةٍ من أمرِه عندما بدأ لسانُه يلهجُ بالذِّكرِ الحكيم إبَّان الفترةِ الأولى لتلقِّيه الوحيَ عن جبريل عليه السَّلام، ولكنَّ ارتفاع المكانِ عن سطحِ الأرض هو الذي أحدَثَ بحُكمِ التَّفاوتِ النِّسبيِّ في مُضيِ الوقتِ ذلك التَّعجُّلَ في القراءة، حتَّى أتى إليه الأمرُ الإلهي: "لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ؛ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ؛ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ؛ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ" (سورة القيامة؛ الآيات من رقم "16" إلى رقم "19")؛ فالاتِّباع هو المطلوبُ الدَّائم في تلقِّي العلم، هذا بخلاف المعرفة التي تتطلَّبُ إبداعاً ودرايةً حاذقةً بشؤون الدُّنيا؛ ومن هنا، جاء الحديثُ النَّبويُّ الشَّريف: "أنتم أدرى بشؤونِ دنياكم"؛ فمحمَّدٌ الآخرُ، صاحبُ السَّيارةِ البيضاء والخبيرُ بشِعابِ مكَّةَ ومنعرجاتِها، هو تماماً مثل سائقي عربات الأجرة السَّوداء في لندن، الذين لا يُمنحونَ رخصةً أو يُسمحُ لهم بقيادة عربات الأجرة، إلَّا إذا اجتازوا اختباراً يُطلق عليه "ذَا نوليدج" (أي المعرفة)، بينما يصحبُني ابنُ أمِّيَ الثَّانيةِ هنا إلى قمَّةِ جبلِ النُّور لعلَّنا نستقبلُ برقاً أو نتلقَّى، مثل سَميِّنا الكريمِ، قَبَسَاً من عِلم.

 

وبسرعةِ الضَّوءِ (وهي معيارٌ يُحدِّدُ أقصى سرعةٍ داخل المجال الكهرومغنطيسي، والتي اعتمدت عليها النَّظريَّة النِّسبيَّة الخاصَّة)، يُمكِنُ أن نتخيَّلَ إسراءً يتمُّ في ليلةٍ مباركةٍ بسرعةِ البرقِ إلى بيتِ المقدس؛ ولكنَّ هذه السُّرعةَ القصوى وحدها لا تكفي للنَّفاذِ من المسجدِ الأقصى إلى أقطارِ السَّماء، فكان لا بُدَّ من تطويعِ بُراقٍ لإكمالِ هذه الرِّحلةِ المستحيلة بأيِّ مقياسٍ أرضي. فبسرعةِ الضَّوء، التي تضعُ حدَّاً أقصى للسُّرعة في مجالِ الحقيقة، يحتاجُ الضَّوءُ إلى انقضاءِ مئةِ ألفِ سنةٍ حتَّى يعبُرَ مجرَّةَ دربِ التَّبانة (وهي بيتُنا الكوني) من أقصاها إلى أقصاها؛ كما يحتاجُ إلى مليونَيْ سنةٍ حتَّى يصِلَ إلى بيتِ جارِنا الكوني (وهو مجرَّة "أندروميدا")، ومليونينِ مثلها كذلك ليرتدَّ إلينا لنراه. غنيٌّ عنِ القول إنَّ مِعراجاً يتمُّ بمعيارِ الحقيقة (الذي يُحدِّده سرعة الضَّوء) لا يُمكِنُ قبولُه أو تصديقُه؛ إلَّا أنَّه بالرُّجوعِ إلى الحقِّ، يُمكِنُ قبولُه وتصديقُه؛ وهو ما فعله عبد الله بن أبي قُحافة التَّيميِّ القُرَشي، فلُقِّب بالصِّدِّيق، وكنيتُه أبو بكرٍ، أوَّلُ الخلفاءِ الرَّاشدين، بينما سخِرت قريشٌ، وتهكَّمت من حديثِ الإسراءِ والمِعراج، وظنَّت، وبعضُ الظَّنِّ إثمٌ، أنَّ ما قال به محمَّدٌ سيؤدِّي حتماً إلى تكذيبِه وإبطالِ رسالته.

 

كِلا الحدثين أمرٌ يصعبُ بالفعلِ تصديقُه إلَّا لِمَن وَثِقَ في محمَّدٍ واستبعد، بُعدَ السَّماءِ من الأرضِ، افتراءَه قولاً مُختلَقاً من عندِه؛ فحديثُ السَّماءِ لم يكن هناك مجالٌ إلى إثباته، إلَّا أنَّه مع ذلك يُمكِنُ تعزيزُه بتأكيدِ صِحَّةِ حديثِ الإسراء؛ وهو ما تمَّ بالفعل من خلالِ دقَّة وصف النَّبيِّ لصُوَّى الطَّريقِ والملامحِ المهمَّةِ بجوارِ البيتِ العتيق؛ حيثُ لعب الصِّدِّيقُ دوراً رئيسياً في إقناعِ عددٍ من أهلِ مكَّةَ وإثنائهم عن تكذيبِ الرَّسول. على أنَّ الأمر المهمَّ من وجهةِ نظرنا هو الإشارةُ، محضُ الإشارةِ، إلى إمكانيَّة حدوثِ سرعتين بأقصى حدٍّ ممكن، وإنْ كان ذلك مُثبتاً فقط في إطارِ الجُسيماتِ المتناهيةِ في الصِّغر: الأولى، سرعة الفوتون، أصغرُ وحدةٍ ضوئيَّة (وهي 299792 كيلومتراً في الثَّانية)؛ والثَّانية، سرعة الإليكترون، الذي يظهرُ بارتطامه بأيِّ جسمٍ مادِّي أو يختفي وفقاً لمبدأ الرِّيبةِ أو اللَّايقين، بحيث يُصبِحُ احتمالُ وجودِه ممكناً، قبيل ظهورِه، في أيِّ موقعٍ داخلِ الكونِ، مهما نأى وابتعد. والأكثرُ أهميَّةً من ذلك هو العدولُ عنِ الاستخدام الدَّائب لهاتين السُّرعتين، باستعادةِ الإيقاعِ الإنسانيِّ المألوف للزَّمان؛ وهذا ما سنشرحه في الفقرةِ التَّالية.

 

باختصارٍ شديد، يُمكِنُ أن يُقالَ بأنَّ الزَّمن الذي تحدَّدَ بموجبه المدَّة التي يستغرقها قطعُ المسافةِ بسرعةٍ بعينها لإكمالِ الإسراء قد تمَّ استعادتُه بالرُّجوع إلى الزَّمنِ المعتاد لتنفيذ الهجرة النَّبويَّة، وأنَّ زمن المِعراج قد تمَّ استعادتُه باتِّباع ما جاء في خطبة حَجَّة الوداع. كيف كان ذلك، إذاً؟ أوَّلاً: أُسرِيَ بالرَّسولِ الكريم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، أي أنَّ اتِّجاه الرِّحلة التي تمَّت بسرعةِ البرق كان من الجنوب إلى الشَّمال؛ أمَّا اتِّجاه الهجرة، فقد كان أيضاً من الجنوب إلى الشمال (أي من مكَّةَ إلى المدينة)، بصحبةِ مَن لَعِبَ دوراً حاسماً في إقناعِ أهلِ مكَّةَ بصِحَّة دعواه؛ وقد تمَّتِ الهجرةُ بسرعةٍ اعتيادية، بل احتاج فيها الاثنانِ أن يمكُثا قليلاً في غار ثور (الذي يبلغ ارتفاعه 760 متراً عن سطح البحر) ريثما تفترُ همَّةُ مَن جدَّ في أثرهِما. ثانياً: عُرِّجَ بالرَّسولِ الكريم إلى سدرةِ المنتهى، أي أنَّ اتِّجاه الرِّحلة التي تمَّت بسرعةِ البُراق كان من أسفل إلى أعلى (أي من الأرض إلى السَّماء)؛ وقد احتاج النَّبي بعد اكتمال تبليغه رسالة الدِّين التي جاءته من السَّماء أن يُؤكِّدَ بشكلٍ مُركَّزٍ في خطبته الختاميَّة لسكَّانِ الأرضِ قاطبةً، عبر مخاطبته لأهلِ مكَّةَ خاصَّةً، أهمَّ ما نزل إليه في نَيفٍ وعشرين عاماً.

 

ويهمُّنا في هذا المقال ما وجَّهه النَّبيُّ إلى أهلِ مكَّةَ بصددِ النَّسيء، بعد أن رأى من أعيانها تلاعباً بتقديمِ أواخر الشُّهور الحُرُم أو تأخيرِ أوائلها، وذلك بحسب مقتضى الفائدة التي يجنونها في الأسواق من جرَّاء التَّقديم أو التَّأخير (ممَّا يُذَكِّرُ بتلاعب المتأسلمين الجُدُد بسعر الدُّولارِ صعوداً أو هبوطاً، بحسب مقتضى الفائدة التي يجنونها في الأسواق جرَّاء هذا التَّقلُّب المتعمَّد). فقرأ عليهم النَّبي آية النَّسيء التي تقول: "إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ"؛ (سورة التوبة، الآية رقم "٣٧"). ثمَّ أعقبه بتأكيدٍ جازمٍ بقوله: "إنَّ الزَّمانَ قد استدارَ كهيئتِه يومَ خَلَقَ اللهُ السَّمواتِ والأرض"، ثمَّ حدَّد لهم شهور السَّنة، وبينها أربعةُ أشهرٍ حرم، هي ذو القعدة، وذو الحجَّة، ومحرَّم؛ ورجب الذي بين جُمادى وشعبان. هذا وقد جاء تأكيد أهميَّة الالتزام بالتَّوقيت القائم على السُّرعة المعتادة لحركةِ الأجرام في سورة الإسراءِ نفسِها: "وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً"؛ (سورة الإسراء، الآية رقم "١٢").

 

في الختام، نوضِّحُ بالقول إنَّ ما استلزم استعادة الزَّمان في السَّابق واستوجب استدارته كهيئته الأولى، هي أنَّ زمانَ الإسراء الذي يمضي بسرعة البرق لا يُمكِنُ الإيفاءُ به في وقتِ الحقيقةِ بإيقاعها المُعتاد، وأنَّ زمانَ المِعراج الذي يمضي بسرعةِ البراق لا يُمكِنُ تكرار حدوثه على وجهٍ منتظم في الواقع المُعاش، إذ لا تتهيأُ مواقيته إلَّا بتدخُّلٍ غير مُطَّردٍ يتمُّ بمشيئة الحقِّ وإرادته الغالبة. إلَّا أنَّ ما استلزم استعادة الزَّمان في عصرنا الحالي واستوجب إرجاعه إلى هيئته الأولى المُتعارَف عليها، هو إبطاءٌ غير متوقَّعٍ بسبب الكتلة، وآخرُ مدهشٌ بسبب السُّرعة؛ غير أنَّ ما يُدخِلُ في النَّفسِ عجباً وحَيرَة، هو انقسامُه وتفتُّتُه إلى جزيئياتٍ متناهية الصِّغر بسبب الأثر الكمومي (نسبةً إلى ميكانيكا الكم)، بحيث يستحيلُ الزَّمان، كما الجبالِ في سورة النَّمل (الآية رقم "88") إلى أبخرةٍ متراكمة، فيما هي تمُرُّ كمَرِّ السَّحابةِ الماطِرة. قد يستدعي كلُّ ذلك تقليصاً للبعدِ الرِّياضي للزَّمانِ النِّيوتونيِّ الآسر بثوانيه ودقائقه المتلاحقة بإيقاعٍ منتظمٍ لا يتغيَّر، والذي قامت عليه رَدَحَاً أبنيةُ الحداثة، لِيفسحَ المكانَ بجانبه لاحمرارٍ وشروقِ شمسٍ وتعامدٍ عند ظهيرةٍ قائظة، ثمَّ احمرارٍ آخرَ قبيلَ الغروبِ، ومواسمَ للاحترارِ وأُخرى للموجاتِ الباردةِ، ومواسمَ للنَّسائمِ وأخرى لتساقطِ الأوراقِ والشَّعرِ في آخرِ العُمُرِ، إيذاناً بتجدُّدٍ قادمٍ وميلادٍ لصُبحٍ جديد.

 

بناءً على ما ذكرناه بشأنِ الإسراء والمعراج، سنسعى في حلقةٍ مُقبِلة إلى إحداثِ رتقٍ على قاعدةِ اللَّاتماثلِ بين الحقِّ والحقيقة، والسَّاعةِ والسَّاعة؛ وفوق ذلك كلِّه، بين المُحايثة (التي تقومُ عليها فكرة "وحدة الوجود") والتَّجاوز (الذي يُشيرُ إلى "وجودِ الواحدِ" الذي ليس كمثلِه شيء)