مسرحية بحر الزمان أصداء لرؤية جديدة أبوطالب محمد

مسرحية بحر الزمان أصداء لرؤية جديدة أبوطالب محمد

مسرحية بحر الزمان
أصداء لرؤية جديدة
أبوطالب محمد
يعتمد منهج هذا المقال على المشاهدة التي تمّت لمسرحية (بحر الزمان) عبر  الفيديو، ومن ثم يستعين المقال لمناقشة العرض على منهج النقد التطبيقي لتبيان أصداء المسرحية والرؤية الجديدة التي جاءت بها. نهضت البنية الدرامية لمسرحية (بحر الزمن) على نصوص أدبية لكُتَّاب آخرين، القصد من دمجها تكوين رؤية معاصرة تتقاطع مع الراهن السياسي والاجتماعي. إذن تعتبر المسرحية عبارة عن كولاج أعده ماهر السيد وجعفر التجاني، وبمشاركة استعراضية من فرقة أهالينا، وكورال غنائي، ومجموعة استعراض، و أداء كرار الزين وسلمى مدني وآمنة أمين وغيرهم من المؤديين الشباب، والعرض من إخراج ماهر السيد.
اتكأت المسرحية على النصوص الأدبية التالية: (أحلام الزمان، نبتة حبيبتي) للكاتب والشاعر هاشم صديق، ومسرحية (الجرح والغرنوق) للكاتب والمؤرخ عبد الله علي إبراهيم، وقصيدة (مأساة النرجس - ملهاة الفضة) لمحمود درويش التي يقول في مطلعها: 
عادوا 
من آخر النفق الطويل إلى مراياهم
عادوا 
حين استعادوا ملح إخوتهم، فرادي وجماعات
 عادوا.
ومقطع شعري لقصيدة (نادوس) للشاعر محمد الحسن سالم حميد التي يقول في متنها: 
نندق نندق
 ويفضل باقي لهيب الحق
 حق الناس ينزل في الحلق
 أو ينعارض شوكة حوت.
ارتكزت رؤية (بحر الزمان) في معالجتها لهذه النصوص على الجوانب المأساوية التي حملتها، وهي جوانب مثقلة بالتعذيب والقهر السياسي والقيود الاجتماعية التي تواجه إنسان السودان المعاصر بدءاً من 1989م وحتى الآن. نظرت المسرحية لهذه النصوص، نظرة تعري وفضح للمؤسسات الاجتماعية والسياسية اللتين مارستا خطاب كراهية والذي أسهم بقدر ملحوظ في تفكُّك واقع السودان المعاصر.
تجزأت الأصداء في العرض الجديد (بحر الزمان) على طُرق مغايرة وفي الآن نفسه تضافرت على لكز سياسات الاستبداد. تجلى الصدى الأول في مسرحية (أحلام الزمان) في البنية الاستعراضية في بدئها ومنتهاها وما يرد من مشاهد استعراضية تتقاطع مع الحوار الدرامي بين الشخصيات المصحوب بأداء جماعي واستعراضي، إضافةً  إلى استلاف محمول الاستعراض في (أحلام الزمان) ورفضه لنُّظم الاستبداد. تحتل مسرحية (نبتة حبيبتي) وجوداً مشرفاً وتحديداً اللوحة الفنية الشهيرة التي يناهض فيها فارماس وسالي قوانين الكهنة، وفي مسرحية (الجرح والغرنوق) نلتمس صدى القهر الاجتماعي الذي يقع على الفتاة التي ضُبطت مع فضيل العربي، عوقبت في عرض (بحر الزمان)، حيث كان الختان والضرب في مجلس سالم حمدوك، مع الاستعانة بلوحة المرأتين المتشاجرتين اللتين احتكمن عند مشيخة سالم حمدوك حول ملكية العنز. في قصيدة مأساة النرجس يستمد العرض مقولة العودة لاسترداد وطن ضائع، ويؤسس العرض في مقطع حميد خطاب رفض ثوري بهتاف، يشيد عليه مشاهد استعراضية مجسّدة لحظات القتل والسحل والتعذيب التي لازمت ثورة ديسمبر المجيدة. لعب هذا الكولاج الأدبي في البنية الدرامية على أدوار فنيّة متمثلة في الاستعراض والتشخيص الأدائي للمؤديين والموضوعات المتناسلة من الأصداء الأدبية، حيث تعادلت موضوعياً وقدمت خطاباً مناهضاً برؤية جديدة.