الضحك_السكوتي
الضحك_السكوتي محي الدين محمد علي رأس الهــــوس أقر واعترف ... بأني كنت على عهد الطفولة والصبا (راس هوس) ... يخل بالأمن والنظام العام ... داخل البيت ووسط الأسرة ... ويؤثر على الطمأنينة العامة ... في الحي والأحياء المجاورة ... وقد جرب والدي عليه رحمة الله معي كل (السبل) بدءًَ من الملاطفة الى المناصحة وحتى قرص الأذن ... والضرب (بالوجير) ولكن ظللت على حالي ... (جن مصرم) ... حتى اهتدى والدي الى طريقة ناجعة ... أعادتني الى قواعدى سالماً ... إذ ظل كلما أراد الخلود الى الراحة والنوم ... او أراد إعادة الهدوء ... وسط الأسرة ان يرسم دائرة على الأرض ويدخلني فيها ... ويكنس ما حولها تماماً حتى لا أخرج منها ... وقد يمتد حبسي (الدائري) ساعات طويلة ... كنت أحسها أكثر إيلاماً من الجلد ... والضرب ...!!
الضحك_السكوتي
محي الدين محمد علي
رأس الهــــوس
أقر واعترف ... بأني كنت على عهد الطفولة والصبا (راس هوس) ... يخل بالأمن والنظام العام ... داخل البيت ووسط الأسرة ... ويؤثر على الطمأنينة العامة ... في الحي والأحياء المجاورة ... وقد جرب والدي عليه رحمة الله معي كل (السبل) بدءًَ من الملاطفة الى المناصحة وحتى قرص الأذن ... والضرب (بالوجير) ولكن ظللت على حالي ... (جن مصرم) ... حتى اهتدى والدي الى طريقة ناجعة ... أعادتني الى قواعدى سالماً ... إذ ظل كلما أراد الخلود الى الراحة والنوم ... او أراد إعادة الهدوء ... وسط الأسرة ان يرسم دائرة على الأرض ويدخلني فيها ... ويكنس ما حولها تماماً حتى لا أخرج منها ... وقد يمتد حبسي (الدائري) ساعات طويلة ... كنت أحسها أكثر إيلاماً من الجلد ... والضرب ...!!
وهذا الاعتقال التحفظي كان الحراسة الأولى ... التي سلبتني حريتي ... في الحركة والتنقل ... وصادرت كل حقوقي كإنسان بالإضافة الى الشماتة التي كنت أبصرها في عيون أخوتي ... وأصدقاء الطفولة وهم يرمقوني ويتغامزون ... وأنا رهين (المحبس الدائري) ... وأحسب ان ذلك كان في بداية حياتي النضالية المليئة بالكفاح ومقاومة (شمولية الأب) !!
وانطلقت في درب النضال الدؤوب حتى كان ذلك اليوم ... من العام 1959م وأنا على المسرح المدرسي بأرقو الوسطى أذيع نشرة الأخبار (قاطعها من رأسي) وأقلد أحد مذيعي ذلك الزمان وقلت دون وعي مني ... بعد فترة من الموسيقي والمارشات العسكرية ... إن انقلاباً قد وقع في (مراح) الأغنام قاده الأمير لاي الفحل ... الذي شكل مجلساً لقيادة الانقلاب من ... التيس وأبوقرون ... والعتود وسخيل ... وكريت والعناق ... وكلام من هذا القبيل ... وكان الناس في ذلك الزمان طيبين بسطاء ... يضحكون حتى البكاء ... من ظرف هذه الترهات ... ونزلت من المسرح سعيداً تزفني (صفقة) المشاهدين ... وعند مدرج الهبوط ... تلقاني حكمدار نقطة بوليس أرقو ... وأخذني الى هناك وزج بي في حراسة أرقو الأثرية التي بنيت في العهد التركي ... وبداخلها واصلت نضالي الدؤوب ... بالصراخ والبكاء ... حتى أفلحت الوسائط وأطلقت سراحي وعدت الى بيتي في (زفة) وكانت تلك خطوة أخرى واثقة في دروب النضال دفعت ثمنها من حريتي الغالية ودخلت الحراسة ... والسجن للرجال !! وظللت على مدى سنوات أتساءل عن جريمتي ولم أفهمها الا بعد ان اصبحت ضابط شرطة معتاد إخلال أمن !!
لقد حسبت وبعد ان أصبحت شرطياً وبلغت رتبة العميد ... بأني لن أدخل الحراسة مطلقاً ... وإني لن أفقد حريتي البتة ... ولكن خلال عملي في جهة ما بالسودان ... اضطرّت القوة التي تحت قيادتي لإطلاق النار على جماهير ثائرة بدأت في الإحراق والتخريب وأرادت ان تفتك بنا ... ونحن قلة ... ومات من مات ... وجرح من جرح ... ولم أتردد لحظة ... في فتح بلاغ تحت مادة القتل العمد ... ضد نفسي والجنود الذين كانوا معي ... وقبضتهم أولاً ثم قبضت نفسي في دفتر القبض واتصلت بالخرطوم مطالباً بإرسال محقق من القضائية ... وجاء بالفعل ... وحقق واقتنع ... وأمر بشطب البلاغ وإطلاق سراحنا ... بل والثناء على ما بذلناه من جهد !! وانطلقت في طريق النضال بعد ان أصبحت (كتال كتله)!!
أقول ما قلت ... بان الساعات التي حرمت فيها من حريتي (خلال مسيرة نضالي الطويل) ... لو تم تحويلها الى أيام ... فإنها لا تتجاوز الأسبوع ومع ذلك ... فإني أحس بمرارتها ولا أطيق ذكرها ... بما فيها تلك التي تنازلت فيها عن حريتي بمزاجي الشخصي !! ومن هذا المنطلق ... وفي الحتة دي بالذات فإني اتعاطف مع كل من يفقد حريته بالأسر والحراسة والاعتقال ... وإن كان داخل منزل ... لا ينقصه الا عدم رؤياكم !!
ومع ذلك فإن الأسر والاعتقال قد يكون ضرورياً ... للقيادات التي تحاول إثارة الفتن وتفتيت وحدة الوطن وتعريض سلامته للخطر فالسودان الآن ... لا يحتمل عرضه الوطني ولا نقزي الاتحادي ولا جراري الأمة ... ولا كمبلة القومي ولا فرتقيبة الفيدرالي ولا صقرية البجا ولا يحتمل (رقصة الشعبي) ولكنه يحتاج الى رقصة الوفاق التي تتشابك فيها الأيدي وتطوف حول نقارة السلام !!