لمحات من تاريخ الندوة الأدبية وصاحبها عبد الله حامد الأمين
لمحات من تاريخ الندوة الأدبية وصاحبها عبد الله حامد الأمين عز الدين ميرغني ولد الراحل عبد الله حامد الأمين في نهاية العشرينات , بحي البوستة بأم درمان . ووالده الشيخ حامد الأمين , والذي كان من كبار رجال الدين في عهده , وكان أستاذاً بالمعهد العلمي بأم درمان , وهو الذي توسط لإرجاع الشاعر التجاني يوسف بشير بعد فصله من المعهد . وتعود أصوله إلي قرية المكنية وهو من فرع العمراب أحفاد الشيخ حامد أبو عصا . تلقى الراحل عبد الله حامد الأمين تعليمه بالمدارس الأولية والوسطي , وحتى المرحلة الثانوية بمدرسة وادي سيدنا الثانوية , وقد كان مبرزاً وذو ميول أدبية مبكرة . ونسبة لإصابته بما يسمى ( شلل العضلات التضخمي ) , وهو مرض نادر يصيب الرجال ولا يصيب النساء , فقد أقعده عن متابعة تعليمه النظامي , رغم أنه لم ينقطع عن تثقيف نفسه وتعليمها , وخاصة أنه كان يجيد العربية وقد كان معلمه والده , الذي كان يحمل شهادة العالمية . وكانت له مدرسة خاصة في منزله , وقد رفض طلياً من السلطات الاستعمارية بتحويلها إلي مدرسة نظامية خاصة . وهذا الرفض سبب له مضايقات كبيرة من السلطة الاستعمارية . ورغم ذلك لم يمنع الشيخ حامد ابنه من تعلم لغة المستعمر وإجادتها مع الأدب العربي الحديث.
لمحات من تاريخ الندوة الأدبية وصاحبها عبد الله حامد الأمين
عز الدين ميرغني
ولد الراحل عبد الله حامد الأمين في نهاية العشرينات , بحي البوستة بأم درمان . ووالده الشيخ حامد الأمين , والذي كان من كبار رجال الدين في عهده , وكان أستاذاً بالمعهد العلمي بأم درمان , وهو الذي توسط لإرجاع الشاعر التجاني يوسف بشير بعد فصله من المعهد . وتعود أصوله إلي قرية المكنية وهو من فرع العمراب أحفاد الشيخ حامد أبو عصا . تلقى الراحل عبد الله حامد الأمين تعليمه بالمدارس الأولية والوسطي , وحتى المرحلة الثانوية بمدرسة وادي سيدنا الثانوية , وقد كان مبرزاً وذو ميول أدبية مبكرة . ونسبة لإصابته بما يسمى ( شلل العضلات التضخمي ) , وهو مرض نادر يصيب الرجال ولا يصيب النساء , فقد أقعده عن متابعة تعليمه النظامي , رغم أنه لم ينقطع عن تثقيف نفسه وتعليمها , وخاصة أنه كان يجيد العربية وقد كان معلمه والده , الذي كان يحمل شهادة العالمية . وكانت له مدرسة خاصة في منزله , وقد رفض طلياً من السلطات الاستعمارية بتحويلها إلي مدرسة نظامية خاصة . وهذا الرفض سبب له مضايقات كبيرة من السلطة الاستعمارية . ورغم ذلك لم يمنع الشيخ حامد ابنه من تعلم لغة المستعمر وإجادتها مع الأدب العربي الحديث.
كانت دراسة الأدب والكتابة هي الزاد والسلوى للأديب الراحل عبد الله حامد الأمين , وتشجيع والده له , وسماحه له للمشاركة في الكثير من الندوات في نادي الخريجين بأم درمان , وقد كان يخصص له مرافقاً يصطحبه وهو على كرسيه المتحرك , فاشتهر وهو صغير في سنه وسط عباقرة الأدب والكتابة بالحس الأدبي المبكر والمشاركة في النقاش الأدبي الدائر . تأسست الندوة الأدبية في العام 1951م , وقد كانت تمثل أشواق المثقف السوداني في الانعتاق من الثقافة الاستعمارية والاهتمام بالأدب السوداني . وكانت تعقد جلساتها في أحد مقاهي أم درمان . وتكريماً للأديب عبد الله حامد الأمين , وافق مؤسسوها كالقاص عثمان علي نور وطه عبد الرحمن وغيرهم , على أن تنتقل إلي داره في حي البوستة حتى تكفيه مشاق التنقل . ووافق والده على ذلك وشجعه كثيراً , فأخذت تنعقد راتبة من العاشرة صباحاً في يوم الجمعة وتنفض قبل وقت الصلاة . وقد كانت عامرة في صالون الأسرة الكبير . ولم تكن مخصصة للأدب فقط وإنما كانت ترعى المواهب الفنية في الغناء , وتبنت الكثير من أهل الفن الكبار أمثال عبد الكريم الكابلي والحويج , والذي كان يشكل مع السني الضوى وأبو دية ثلاثي العاصمة . ولم يكن الشيخ حامد الأمين يتزمر أو يغضب من سماعه لأصوات الغناء والموسيقى في منزله .
كانت الندوة الأدبية ملتقى لكل التيارات الأدبية السودانية , وكان النقاش حراً , والآراء مقدرة ومحترمة . وكان نقد النقد حاضراً في تلك الندوة , وكان الراحل عبد الله حامد الأمين دبلوماسيا في إدارة المنصة , دون تفريط أو محاباة , وكانت محاور الندوات تدار وتقترح وتقدم بأريحية ديمقراطية عالية . وعضويتها كانت متاحة لكل الكتاب حتى من خارج البلاد , ولها مالية ودفاتر وحسابات تقدم سنوياً لإجازتها . وقد أصبحت مشهورة ومن أعرق الندوات في العالم العربي , وقد قال عنها الشاعر الكبير الراحل محي الدين فارس في في مقال له في صحيفة الأنباء بتاريخ5\10\1997م أورد فيه ( إن ندوة عبد الله حامد الأمين , قد رسمت لها شكلاً مغايراً ويمكن أن نسميها الندوة المفتوحة , حيث كانت تجمع كل الطيف الثقافي , لا في السودان فحسب , وإنما علي مستوى العالم العربي كله , فما من أديب عربي مرّ على السودان , إلا واحتفلت به الندوة الأدبية وأقامت له أكثر من ليلة أدبية . وفي الندوة الأدبية ظهرت ملامح مجلة القصة لصاحبها عثمان على نور وفي الندوة تم تلحين الكثير من القصائد المشهورة مثل قصيدة ( المولد ) للشاعر محمد المهدي المجذوب ) وأتاحت للراحل السفر والاشتراك في الكثير من الندوات خارج الوطن . حتى انتخب نائباً لرئيس أدباء آسيا وأفريقيا , والتي كانت تعقد جلساته في مدينة ( طشقند ) . وكان السودان يشارك في مجلتها الدورية بالكثير من المقالات والدراسات . والراحل كان يكتب في مجلة الآداب البيروتية , وقد طبعت له مجموعته القصصية المشهورة ( تحت الشمس من جديد ) . وقد امتدحها الناقد مصطفى عوض الله بشارة في كتابه ( أضواء النقد ) . وعن ذلك استشهد القاص والناقد نبيل غالي في عموده ( مراجعات) في صحيفة الرائد بتاريخ 10 نوفمبر 2009م , بعنوان ( كانوا يرون كرسيه شجرة خضراء , عبد الله حامد الأمين رسم للندوة الأدبية شكلاً مغايراً ) , استشهد بمقال للشاعر الرحل الدكتور تاج السر الحسن والذي يقول في مقال له عن الحركة الأدبية السودانية في مصر وعلاقتها بالسودان , وقد نشر المقال بجريدة { الصحافة } بتاريخ 5 - 1 – 1978م أكد فيه على ضم الندوة الأدبية لمختلف الاتجاهات الأدبية , مضيفاً: {ولعل لهذه الصفة الفضل الكبير في تميزها بذلك الثقل الأدبي الذي تمتعت به , ومن هذا المنطلق فقد مارس رئيسها خالد الذكر صلاحيات عديدة تمثلت بالاشتراك باسم السودان . في العديد من المؤتمرات والندوات المحلية والعالمية ز وفي نشر الكثير من الأعمال الأدبية السودانية في مجلات ودوريات عربية مثل مجلة ( لوتس ) , وعن قصيدته ( آسيا وأفريقيا ) , يقول الراحل تاج السر الحسن , والتي نشرت وقتها بجريدة ( الغد ) : ( حصل عليها رئيس الندوة الأدبية الصديق عبد الله حامد الأمين وقرأها على الأعضاء في يوم حافل من أيام الندوة المشهود وكان من بين الحاضرين الفنان عبد الكريم الكابلي الذي استمع للقصيدة بصوت عبد الله حامد الأمين الفخيم فأعجبته القصيدة , فتم تلحينها في داخل الندوة وقام الكابلي بأدائها ) . ومن الندوة الأدبية نشأت الكثير من التنظيمات والروافد الأدبية , منها رابطة أصدقاء نهر عطبرة , وكانت داعية لتجمع الأدباء والفنانين , فمن رحابها كما يقول الأستاذ نبيل غالي اتحاد الأدباء السودانيين في عام 1965م .
ضمت الندوة في عضويتها الكثير من الكتاب والأدباء السودانيين منهم الشاعر الدكتور حسن عباس صبحي , وعيسى الحلو , والشاعر شابو , والنور عثمان أبكر , ومحمد المكي إبراهيم , والفاتح مختار , والشاعر محمد المهدي المجذوب , والروائي والقاص أبو بكر خالد , والذي ناقشت الندوة الأدبية أغلب أعماله الروائية والقصصية , مثل النبع المر , وكلاب القرية , ورواية القفز فوق الحائط القصير . ومن لبنان سهيل إدريس الذي كان يعتبر نفسه عضواً في الندوة ويتابع نشاطاتها وغيره الكثير من الأدباء العرب . والدكتور عبد المجيد عابدين والدكتور إحسان عباس . ويقول الأستاذ مجذوب عيدروس بأن الندوة الأدبية قد ساعدت في ترقية فن الغناء السوداني , فقد تم ترشيح قصيدة ( المولد ) لمحمد المهدي مجذوب , وقصيدة ( كلمة منك حلوة ) لعبد الله حامد الأمين , وقصيدة ( في محراب النيل ) للتجاني يوسف بشير ليتغني بهما الفنان عثمان حسين .
من أشهر أعمال الراحل المنشورة مجموعته القصصية ( تحت الشمس من جديد ) , والتي طبعت بدار الآداب ببيروت , وله ثلاثة دواوين شعرية كتبت بالفصحى وبتقنية التفعيلة ولكنها لم تنشر بعد , وقد أتاحت الأسرة لأحد الباحثين السودانيين أن يحضر فيها درجة الدكتوراه . وكان يقدم برنامجاً شهيراً في الإذاعة السودانية بعنوان فن وأدب , وكل حلقة معدة ومطبوعة في ملف موجود بمكتبته العامرة والتي أصبحت ملكاً لأسرته . توفي الراحل في مارس 1976م . بعد حياة حافلة بالفن والإبداع .